مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 16

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 16/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب المكاسب و المتاجر

اشارة

كتاب المكاسب و المتاجر الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

في المكاسب و المتاجر

اشارة

في المكاسب و المتاجر (1).

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و صلى اللّه على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين

(1) الكسب: عبارة عن مطلق طلب الرزق، و التجارة أخص منه عرفا، و هما يشملان جميع أنواع المعاملات، بل مورد استعمالات الكسب يدل على استعماله في الأعم من طلب الرزق، قال اللّه تعالى لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ (1)، و على أي تقدير فللكسب و التجارة اعتبارات ثلاثة.

الأول: المعنى الحدثي القائم بالتاجر و الكاسب من حيث الصدور منهما، أي: المعنى المصدري.

ص: 5


1- سورة البقرة: 286.

ص: 6

ص: 7

مسألة 1: التكسب و تحصيل المعيشة محبوب عند اللّه تعالى

(مسألة 1): التكسب و تحصيل المعيشة محبوب عند اللّه تعالى و قد رغّب الشرع إليه أكمل ترغيب، و حث إليه بأبلغ ما أمكنه (2) خصوصا إن

______________________________

الثاني: لحاظ هذا المعنى الحدثي في حد نفسه في مقابل سائر المعاني، أي: المعنى الاسم المصدري.

الثالث: ما يكون متعلقا للكسب و التجارة، و يصح اتصاف كل واحد منها بالأحكام الخمسة التكليفية و لو بالعناية، لمكان التلازم بينهما عرفا، فيسري حكم كل منهما إلى الآخر بالعناية، كما هو شأن جميع ما يكون بينهما تلازما.

هذا بحسب الانظار العرفية. و أما بحسب الدقة العقلية فلا تلازم في البين.

نعم، لا يصح ان يكون أحد المتلازمين في الوجود محكوما بحكم مخالف للملازم الآخر.

(2) قال تعالى فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ (1)، و قال تعالى وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ (2)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في موثق إسماعيل بن مسلم: «العبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال» (3)، و قال أبو جعفر في خبر أبي حمزة: «من طلب الدنيا استعفافا عن الناس، و سعيا على أهله، و تعطفا على جاره لقي اللّه عز و جل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر» (4)، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا هشام إن رأيت الصفين قد التقيا فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم» (5)، و قال الصادق عليه السّلام: «اقرأوا من لقيتم من أصحابكم السلام، و قولوا: لهم أن فلان ابن فلان يقرأكم السلام، و قولوا لهم: عليكم بتقوى اللّه، و ما ينال به ما عند اللّه إني و اللّه ما آمركم إلا بما نأمر به

ص: 8


1- سورة الجمعة: 10.
2- سورة المزمل: 20.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 6 و 15 و 5.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 6 و 15 و 5.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 4.

كان للتوسعة على العيال، و فعل الخيرات و المبرات (3)، و قد يجب و قد يحرم و قد يكره (4).

______________________________

أنفسنا، فعليكم بالجد و الاجتهاد، و إذا صليتم الصبح فانصرفتم فبكروا في طلب الرزق و اطلبوا الحلال، فإن اللّه سيرزقكم و يعينكم عليه» (1)، و عن علي عليه السّلام: «إن اللّه يحب المحترف الأمين» (2)، و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ اللّه تبارك و تعالى ليحب الاغتراب في طلب الرزق» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا: «أما علم ان تارك الطلب لا يستجاب له دعوة» (4)، و عن علي بن الحسين عليهما السلام: «ليس منا من ترك دنياه لآخرته و لا آخرته لدنياه» (5).

ثمَّ أن الكسب أعم من التجارة- كما تقدم- لأن الكسب عبارة عن مطلق طلب الرزق و لو بحيازة المباحات، و التجارة عبارة عن أخذ مال بعوض على نحو التراضي.

(3) لخبر ابن أبي يعفور قال: «قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «و اللّه إنا لنطلب الدنيا و نحب أن نؤتاها، فقال: تحب أن تصنع بها ما ذا؟ قال: أعود بها على نفسي و عيالي، و أصل بها رحمي، و أتصدق بها و أحج و اعتمر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة» (6).

و على هذا فالكسب بكل ما فيه مصلحة من المصالح الدينية يكون من طلب الآخرة، و لا يختص بما ذكر في الحديث فإنه إنما ذكر فيه ذلك من باب المثال لما تعارف في تلك الأزمنة من الأمور الخيرية لا أن يكون ما ذكر في الحديث لأجل الخصوصية فيه.

(4) فتعرضه الأحكام الخمسة التكليفية بحسب العوارض الخارجية

ص: 9


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 8 و 14.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 8 و 14.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 7.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 3.

مسألة 2: أفضل المكاسب التجارة

(مسألة 2): أفضل المكاسب التجارة (5) بلا فرق في التجارة الممدوحة بين ان يكون بالاشتراك مع مسلم أو غيره أو الانفراد

______________________________

المنطبقة عليه، كما أن سائر الأمور المرغوبة إليها أيضا كذلك- كطلب العلم، و قضاء حوائج الأخوان- و المستحب من كل منها لا يزاحم الواجب من الآخر، كما أن الواجب العيني من كل منها لا يزاحم الكفائي، و في الواجبين العينيين يعوّل على الترجيح و مع عدمه فالتخيير، و كذا في المندوبين مع التزاحم، و المرجحات الخارجية غير مضبوطة تختلف باختلاف الحالات و الأشخاص و الأزمنة.

و أصل المسألة بفروعها من صغريات التزاحم.

ثمَّ إن الشريعة المقدسة الإسلامية اهتم بتنظيم معايش العباد و بين فيها موارد الصحة و الفساد اهتماما عظيما من أول حيازة المباحات- التي كانت هي الأصل الأولي في معيشة البشر- إلى آخر أصناف المعاوضات، و التجارات، و بين فيها جميع مصالحهم الفردية و النوعية، و أتمّ الحجة عليهم في فروعها الكلية و الجزئية، كما سيأتي التعرض لجميع ذلك إن شاء اللّه تعالى في محالها.

(5) للنصوص، و الإجماع، قال علي عليه السّلام في خبر ابن مسلم: «تعرضوا للتجارة فإن فيها غنى لكم عما في أيدي الناس» (1)، و قال عليه السلام: «اتجروا بارك اللّه لكم، فإني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: الرزق عشرة أجزاء: تسعة أجزاء في التجارة، و واحد في غيرها» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «تسعة أعشار الرزق في التجارة، و الجزء الباقي في السابيا يعني: الغنم» (3)، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ترك التجارة مذهبة للعقل» (4)، و عنه عليه السلام أيضا: «ترك التجارة ينقص العقل» (5)، و المراد بهذا العقل إنما هو التدبيرات التجارية، لخبر ابن كثير

ص: 10


1- الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 13 و 1.

و الاستقلال- (6)، ثمَّ الزرع و الغرس (7)

______________________________

قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إني قد هممت أن أدع السوق و في يدي شي ء، فقال عليه السّلام: إذا يسقط رأيك و لا يستعان بك على شي ء» (1).

(6) للإطلاق الشامل للجميع، كما لا فرق في التجارة بين أن يكون متعلقها من الأشياء اليسيرة أو الخطيرة، مجلوبة من بلاد الإسلام أو الكفر، و لا فرق أيضا بين أن يكون بالإقامة في محل واحد أو بالضرب في الأرض، و كذلك لا فرق أيضا بين أنحاء البيوع و المعاملات ما دام يصدق عليه التجارة عرفا، و لم يكن محرما شرعا، كما لا فرق فيها بين أن تكون بالمباشرة أو بالتسبيب، كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(7) نصوصا، و إجماعا، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر سيابة: «ازرعوا و اغرسوا، فلا و اللّه ما عمل الناس عملا أحل و لا أطيب منه» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا:

«الكيمياء الأكبر الزراعة» (3)، و قال عليه السّلام في خبر ابن هارون: «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيبا أخرجه اللّه عز و جل، و هم يوم القيامة أحسن الناس مقاما، و أقربهم منزلة يدعون المباركين» (4)، و في خبر الواسطي قال: «سألت جعفر بن محمد عليه السّلام عن الفلاحين؟ فقال عليه السّلام: هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه، و ما في الأعمال شي ء أحب إلى اللّه من الزراعة، و ما بعث اللّه نبيا إلا زارعا إلا إدريس فإنه كان خياطا» (5)، و عن أبي جعفر عليه السلام كان أبي عليه السلام يقول: «خير الأعمال الحرث يزرعه فيأكل منه البر، و الفاجر، فأما البر: فما أكل من شي ء استغفر لك، و أما الفاجر: فما أكل منه من شي ء لعنه، و يأكل منه البهائم و الطير» (6).

ثمَّ إن مقتضى الإطلاقات عدم الفرق بين كون الزراعة بملك العين أو

ص: 11


1- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب المزارعة و المساقاة حديث: 1 و 8 و 7.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب المزارعة و المساقاة حديث: 1 و 8 و 7.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب المزارعة و المساقاة حديث: 1 و 8 و 7.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 3.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 6.

و اتخاذ الأغنام (8)، ثمَّ اقتناء البقر (9).

______________________________

المنفعة أو الانتفاع، كما إذا استعار أرضا للزراعة، كما إن مقتضاها عدم الفرق بين أن تكون بالتشريك أو الاستقلال أو المباشرة أو التسبيب ما دام ينسب إليه الزراعة عرفا، و الظاهر عدم الفرق أيضا بين أن تكون بالآلات القديمة أو الاجهزة الحديثة، للإطلاق الشامل للجميع.

(8) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سنان: «إذا اتخذ أهل بيت شاة آتاهم اللّه برزقها و زاد في أرزاقهم، و ارتحل الفقر عنهم الفقر مرحلة، فإن اتخذوا شاتين آتاهم اللّه برزقهما، و زاد في أرزاقهم و ارتحل الفقر عنهم مرحلتين، و إن اتخذوا ثلاثة أتاهم اللّه بأرزاقها و ارتحل عنهم الفقر رأسا» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «ما من أهل بيت تروح عليهم ثلاثون شاة إلا لم تزل الملائكة تحرسهم حتى يصبحوا» (2).

(9) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه: «تغدو بخير و تروح بخير» (3)، و هذا التعبير كناية عن البركة.

و أما الإبل فقد ورد فيه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «فيها: الشقاء و الجفاء و العناء و بعد الدار، تغدو مدبرة، و تروح مدبرة، لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشئم، أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة» (4)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «تغدو مدبرة- إلخ» كناية عن عدم البركة.

و المعروف بين أرباب الأنعام أن تعب الإبل و مشقته على صاحبه أكثر من جميع الأنعام، و لعل هذا هو معنى صدر الحديث.

و الظاهر عدم الفرق فيه بين ملكية العين و ملكية المنفعة في الأنعام أيضا، لظهور الإطلاق الشامل لهما، و لكن يمكن دعوى الانصراف إلى الأولى.

ص: 12


1- الوسائل باب: 29 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 4 و 5.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 4 و 5.
3- الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام الدواب حديث: 1.
4- الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام الدواب حديث: 1.

مسألة 3: يجب على كل من يباشر كسبا- تجارة كان أو غيرها معرفة صحيحه و فاسده

(مسألة 3): يجب على كل من يباشر كسبا- تجارة كان أو غيرها- معرفة صحيحه و فاسده، و الأحكام المتعلقة به (10).

______________________________

و أما مجرد الاكتساب بالرعي بلا ملكية لأحدهما فقد يقال: إنه مندوب أيضا، لأنه من عمل الأنبياء، و قد ورد: «ما بعث اللّه نبيا إلا راعي غنم» (1)، و يشهد له إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن اللّه جعل أرزاق أنبيائه في الزرع و الضرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء» (2).

(10) لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بوجه صحيح شرعي.

و هذا الوجوب طريقي إرشادي عقلي محض- كوجوب التقليد أو الاجتهاد أو الاحتياط في جميع الأحكام- فليس المدار إلا على الواقع فلو خالف الواقع يعاقب عليه تعلم أو لا إن لم يكن معفوا، و لو لم يخالفه فلا عقاب عليه سواء تعلم أو لم يتعلم، و ليس بواجب نفسي و لا مقدمي، لعدم دليل عليه من عقل أو نقل، بل مقتضى الأصل عدمه. و لذا نسب إلى المشهور استحباب التفقه من باب استحباب مطلق تعلم الأحكام، و ما ورد من الاخبار في المقام ظهورها في الطريقية و الإرشادية مما لا ينكر، كقول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر أصبغ بن نباتة: «يا معشر التجار الفقه ثمَّ المتجر، الفقه ثمَّ المتجر، الفقه ثمَّ المتجر، و اللّه للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا، شوبوا إيمانكم بالصدق، التاجر فاجر، و الفاجر في النار إلا من أخذ الحق و أعطى الحق» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا: «من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثمَّ ارتطم» (4)، و قال عليه السّلام: «لا يقعدن في السوق إلا من يعقل الشراء و البيع» (5)، و عن

ص: 13


1- سنن ابن ماجه كتاب التجارات باب: 5 حديث: 2149 و فيه أيضا: «قال له أصحابه: و أنت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: و انا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط». و في البحار ج: 5 صفحة: 18، و ج: 24 صفحة: 683 باب أحول الأنعام، الطبعة القديمة.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب المزارعة و المساقاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 4.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 4.

مسألة 4: القدر اللازم من تعلم أحكام التجارة أن يطلع على حكمها

(مسألة 4): القدر اللازم من تعلم أحكام التجارة أن يطلع على حكمها، و المعاملة التي يوقعها و لو بالتقليد الصحيح (11)، و لا فرق فيه بين كون التعلم قبل الشروع فيها أو حين إيقاعها، أو بعده بأن يوقع معاملة مشكوكة في صحتها و فسادها ثمَّ يسئل عن حكمها، فإذا تبين كونها صحيحة رتب عليها الأثر و إلا فلا (12). هذا إذا كان مورد الجهل مجرد

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه، و من لم يتفقه في دينه ثمَّ اتجر تورط الشبهات» (1).

و يمكن أن يجمع بين الكلمات، فمن نسب إليه الوجوب النفسي- كالأردبيلي- أراد الطريقي المحض منه لا النفسي من كل جهة، و ما نسب إلى المشهور من الاستحباب أراده مع قطع النظر عن ترتب مفسدة خلاف الواقع من باب استحباب تعلم الأحكام الدينية مطلقا، و لا منافاة بينه و بين عروض الوجوب لجهات خارجية.

(11) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و أصالة البراءة عن اعتبار أزيد من ذلك، إذ لا دليل على اعتبار الاجتهاد بالخصوص، و كذا الاحتياط، و يكفي كونها صحيحا شرعا بأي نحو كان، كما تقدم ذلك كله في مباحث الاجتهاد و التقليد، بل لو أوقع معاملة معتقدا بفسادها و ترتب عليها الأثر، ثمَّ ظهرت الصحة تصح و لا شي ء عليه، و في العكس وجب ترتيب آثار الفساد و المراضاة.

(12) لما تقدم من أن التعلم طريق محض إلى الواقع، فالمناط كله على تحقق الواقع سواء تقدمه التعلم أو قارنه أو تأخر عنه، و كذا الكلام في العبادات إلا انها متوقفة على تحقق قصد القربة مضافا إلى مطابقة الواقع، فلو تحققت و طابقت الواقع تصح مطلقا، و مع عدم تحقق أحدهما لا وجه للصحة، و طريق إحراز مطابقة الواقع في العبادات و المعاملات إحراز المطابقة لرأي من يصح الاعتماد على رأيه، مع ان في المعاملات تجري أصالة الصحة مطلقا ما لم

ص: 14


1- الوسائل باب: 1 من أبواب آداب التجارة حديث: 4.

الصحة و الفساد فقط (13) و أما لو كان متعلقه الحرمة التكليفية، كموارد الشك في كون المعاملة ربوية، فلا بد من الاجتناب حتى يتعلم حكمها (14).

______________________________

ينكشف الخلاف، و ليس فيها ارتكاب حرام إلا من حيث أكل المال بالباطل لو تبين الخلاف في المعاملات، هذا بالنسبة إلى العامي.

و أما بالنسبة إلى المجتهد فالمناط على استفادته عن الأدلة فإن طابقت يصح و إلا فلا.

(13) كالجهل بشرائط المتعاقدين، أو العوضين، أو العقد.

(14) لعدم جواز الاقتحام في الشبهات الحكمية قبل الفحص و السؤال، كما ثبت في محله هذا إذا كانت الشبهة حكمية. و أما إن كانت موضوعية، كما إذا تردد شي ء خاص بين كونه ربوية أو لا، فمقتضى أصالة الصحة، و ظهور إجماعهم على عدم لزوم الفحص فيها، صحة العقد الواقع عليه ما لم ينكشف الخلاف، فيكون كالقسم الأول حينئذ، و في مورد الشبهة الحكمية لو ارتكبها و لم يخالف الواقع تصح المعاملة و إن تجرى، و كذا الكلام في بيع الخمر لو قلنا بحرمة نفس المعاملة عليها أيضا مع قطع النظر عن فسادها، كما يظهر مما دل على لعن بائعها و مشتريها (1).

ص: 15


1- الوسائل باب: 55 من أبواب مما يكتسب به حديث: 4.

فصل في ما يستحب في التجارة

فصل في ما يستحب في التجارة و هو أمور. الأول: الإجمال في طلب الرزق (1).

الثاني: إقالة النادم في البيع و الشراء (2).

______________________________

فصل في ما يستحب في التجارة

(1) للإجماع، و الاعتبار، و النصوص كثيرة: منها ما عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر أبي حمزة الثمالي، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجة الوداع: «ألا إن الروح الأمين نفث في روعي إنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا اللّه و أجملوا في الطلب، و لا يحملنكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بمعصية اللّه، فإن اللّه تبارك و تعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا- الحديث-» (1)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «اتقوا اللّه، و أجملوا في الطلب خذوا ما حل، و دعوا ما حرم» (2)، و قال صلّى اللّه عليه و آله أيضا:

«أجملوا في طلب الدنيا فإن كلا ميسر لما خلق له» (3)، و عن الصادق عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار: «إن اللّه عز و جل خلق الخلق، و خلق معهم أرزاقهم حلالا، فمن تناول شيئا منها حراما قص به من ذلك الحلال» (4)، إلى غير ذلك من الروايات.

(2) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر هارون: «أيما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّه عثرته يوم القيامة» (5)، و عنه عليه السّلام أيضا: «أربعة ينظر اللّه عز و جل إليهم

ص: 16


1- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 1.
2- سنن ابي ماجه باب: 2 من أبواب التجارات حديث: 2144 و 2143.
3- سنن ابن ماجه باب: 2 من أبواب التجارات حديث: 2144 و 2143.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.

الثالث: التسوية بين المتبايعين في السعر (3)، بلا فرق بين المماكس و غيره بأن يقلل الثمن للأول و يزيده للثاني.

نعم، لو فرق بينهم لسبب الفضل والدين و القرابة و الصداقة، و نحو ذلك فلا بأس (4).

الرابع: أن يأخذ لنفسه ناقصا، و يعطى راجحا بحيث لا يؤدي إلى الجهالة (5).

______________________________

يوم القيامة: من أقال نادما، أو أغاث لهفانا، أو أعتق نسمة، أو زوج عزبا» (1)، و ذكر البيع في الخبر السابق من باب الغالب، فلا يقيد به الخبر الآخر فلا يختص استحبابها بخصوص البيع و إن كان فيه أفضل و آكد، و يأتي تمام الكلام في محله.

(3) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر عامر بن جذاعة: «في رجل عنده بيع فسعره سعرا معلوما، فمن سكت عنه ممن يشتري منه باعه بذلك السعر، و من ماكسه و أبى أن يبتاع منه زاده، قال: لو كان يزيد الرجلين الثلاثة لم يكن بذلك بأس، فأما أن يفعله بمن أبى عليه و كايسه و يمنعه من لم يفعل، فلا يعجبني إلا أن يبيعه بيعا واحدا» (2)، و يدل عليه الإجماع، و الاعتبار أيضا.

(4) لسيرة المتدينين، و انصراف الخبر عنه، و لأن المتيقن من الإجماع غيره.

نعم، يكره للأخذ قبوله، و لذا كان السلف الصالحون يوكلون في الشراء من لا يعرف هربا من ذلك، و لا يبعد جريان الحكم في غير البيع و الشراء من أنواع المكاسب أيضا.

(5) للإجماع، و للتجنب عن البخس في المكيال، و لما يمكن أن يستفاد

ص: 17


1- الوسائل باب: 3 من أبواب آداب التجارة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.

الخامس: أن يكون سهل الشراء، و سهل القضاء، و سهل الاقتضاء (6).

السادس: المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها و ترك الاشتغال بغيرها (7).

______________________________

من قوله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ.

وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (1)، فيمكن أن يستفاد منه حسن الزيادة عند الإعطاء، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح صفوان: «إن فيكم خصلتين هلك بهما من قبلكم من الأمم، قالوا: و ما هما يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ قال عليه السّلام:

المكيال، و الميزان» (2)، و لا ريب في إنه لو أخذ ناقصا و أعطى زائدا نجى من ذلك، و مع التنازع فطريق الاحتياط التصالح و التراضي.

(6) نصا و إجماعا، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في موثق سدير: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بارك اللّه على سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء» (3)، و المراد من الأخيرين الدين، و قضائه و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «إن اللّه تبارك و تعالى يحب العبد يكون سهل البيع، سهل الشراء- الحديث-» (4)، و في خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام قال: «أوحى اللّه تعالى إلى بعض أنبيائه عليهم السّلام للكريم فكارم، و للسمح فسامح، عند الشكس فالتو»(5)، و الشكس أي: سي ء الخلق الذي لا انصاف له، و الالتواء: المطل و التأني.

(7) لقول اللّه عز و جل رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ (6)، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في تفسير الآية: «هم التجارة الذين لا تلهيهم

ص: 18


1- سورة المطففين: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب التجارة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب آداب التجارة حديث: 2 و 3.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب آداب التجارة حديث: 2 و 3.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب آداب التجارة حديث: 3.
6- سورة النور: 37.

.....

______________________________

تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه عز و جل إذا دخل مواقيت الصلاة أدوا إلى اللّه عز و جل حقه فيها» (1)، و في خبر أبي بصير قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مؤمن فقير شديد الحاجة من أهل الصفة، و كان لازما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند مواقيت الصلاة كلها لا يفقده في شي ء منها، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرق له، و ينظر إلى حاجته و غربته، فيقول: يا سعد لو قد جاءني شي ء لأغنيتك، قال عليه السّلام: فأبطأ ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاشتد غم رسول اللّه بسعد، فعلم اللّه سبحانه ما دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من غمه بسعد، فأهبط عليه جبرائيل عليه السّلام و معه درهمان، فقال له: يا محمد إن اللّه قد علم ما قد دخلك من الغم بسعد، أ فتحب أن تغنيه؟ فقال له: نعم، فقال له: فهاك هذين الدرهمين فأعطهما إياه، و مره أن يتجر بهما، فأخذهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ خرج إلى صلاة الظهر، و سعد قائم على باب حجرات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينتظره، فلما رآه رسول صلّى اللّه عليه و آله قال: يا سعد أ تحسن التجارة؟ فقال له سعد: و اللّه ما أصبحت أملك ما اتجر به، فأعطاه النبي صلّى اللّه عليه و آله الدرهمين، فقال له: اتجر بهما و تصرف لرزق اللّه، فأخذهما سعد، و مضى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى صلى معه الظهر و العصر، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قم فاطلب الرزق، فقد كنت بحالك مغتما يا سعد، فأقبل سعد لا يشتري بالدرهم إلا باعه بدرهمين، و لا يشتري شيئا بدرهمين إلا باعه بأربعة دراهم، و أقبلت الدنيا على سعد فكثر متاعه، و ماله، و عظمت تجارته، فاتخذ على باب المسجد موضعا جلس فيه، و جمع تجارته إليه، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أقام بلال الصلاة يخرج و سعد مشغول بالدنيا لم يتطهر، و لم يتهيأ كما كان يفعل قبل أن يتشاغل بالدنيا، فكان النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول: يا سعد شغلتك الدنيا عن الصلاة، فيقول: ما أصنع؟ أضيع مالي؟ هذا رجل قد بعته فأريد أن استوفى منه، و هذا رجل قد اشتريت منه فأريد أن أوفيه، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أمر سعد غم أشد من غمه بفقره، فهبط عليه جبرائيل عليه السّلام فقال:

ص: 19


1- الوسائل باب: 14 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.

السابع: البيع عند حصول الربح (8).

الثامن: ذكر اللّه في الأسواق خصوصا التسبيح و الشهادتان (9) إلى

______________________________

يا محمد إن اللّه قد علم بغمك بسعد، فأيما أحب إليك حاله الأولى أو حاله هذه؟

فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله يا جبرائيل بل حاله الأولى، قد أذهبت دنياه بآخرته، فقال له جبرائيل: إن حب الدنيا و الأموال فتنة و مشغلة عن الآخرة. قال: جبرائيل قل لسعد: يرد عليك الدرهمين الذين دفعتهما إليه، فإن أمره سيصير إلى الحالة التي كان عليها أولا. فخرج النبي صلّى اللّه عليه و آله فمر بسعد فقال له: يا سعد أما تريد ان ترد عليّ الدرهمين الذين أعطيتكهما؟ فقال سعد: بلى، و مائتين، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: لست أريد منك يا سعد إلا درهمين، فأعطاه سعد درهمين، و أدبرت الدنيا على سعد حتى ذهب ما كان جمع، و عاد إلى حاله التي كان عليها» (1).

(8) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر هاشم: «ما من أحد يكون عنده سلعة أو بضاعة إلا اللّه عز و جل له من يربحه، فإن قبل و إلا صرفه إلى غيره، و ذلك انه رد على اللّه عز و جل» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا: «إن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لخليط له: جزاك اللّه من خليط خيرا، فإنك لم تكن ترد ربحا و لا تمسك ضرسا» (3)، و قال عليه السّلام: «مر النبي صلّى اللّه عليه و آله على رجل معه سلعة يريد بيعها، فقال صلّى اللّه عليه و آله: عليك بأول السوق» (4).

(9) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من ذكر اللّه عز و جل في الأسواق غفر اللّه له بعدد أهلها» (5)، و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قال حين يدخل السوق: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك، و له الحمد يحيي و يميت، و هو حي لا يموت بيده الخير و هو على كل شي ء قدير» اعطي من الأجر بعدد ما خلق اللّه إلى يوم القيامة» (6)، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من قال في السوق: «أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أشهد أن محمدا عبده

ص: 20


1- الوسائل باب: 14 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 2 و 3.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 2 و 3.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 2 و 3.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 3.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 3.

غير ذلك مما ذكروه من الآداب (10).

______________________________

و رسوله كتب اللّه له ألف حسنة» (1).

ثمَّ إنه وردت أدعية خاصة عند الدخول إلى السوق، و التكبير عند الشراء، و كذا الدعاء بالمأثور (2)، و قد ذكر جميع ذلك في المفصلات من شاء فليرجع إليها.

(10) و قد أنهاها بعضهم إلى ما يقرب من سبعين- كالبكور في طلب الرزق، و تبديل الصنائع حتى يوافق ما له فيه سعد الطالع، و ابتداء صاحب السلعة بالسوم، و كتمان المال، و مهارة العمال، و ملازمة ما بورك له فيه، و وضع كل شي ء في سوقه، و المعاملة مع من يشاء في الخير، و تفريق المال إذا أرسله في التجارة حتى لا يذهب بجملته، و الاستعانة بدعاء الاخوان إذا جار الزمان، إلى غير ذلك مما ذكره الشهيد في الدروس، و تعرض لها صاحب الجواهر قدس سرّهما.

ص: 21


1- الوسائل باب: 19 من أبواب آداب التجارة حديث: 4.
2- راجع الوسائل باب: 18 و 20 من أبواب آداب التجارة.

فصل في ما يكره في التجارة

اشارة

فصل في ما يكره في التجارة و هو أمور.

الأول: مدح البائع ما يبيعه و ذم المشتري ما يشتريه (1).

فصل في ما يكره في التجارة

______________________________

(1) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق السكوني: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من باع و اشترى فليحفظ خمس خصال، و إلا فلا يشترين و لا يبيعن: الربا، و الحلف، و كتمان العيب، و الحمد إذا باع، و الذم إذا اشترى» (1)، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: أربع من كن فيه طاب مكسبه، إذا اشترى لم يعب، و إذا باع لم يحمد و لا يدلس، و في ما بين ذلك لا يحلف» (2)، و عن أبي جعفر عليه السّلام في موثق جابر، قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام عندكم بالكوفة يغتدي كل يوم بكرة من القصر فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، و معه الدرة على عاتقه، و كان لها طرفان، و كانت تسمى السبينة، فيقف على أهل كل سوق فينادي: يا معشر التجار اتقوا اللّه، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما بأيديهم، و أرعوا إليه بقلوبهم، و سمعوا بأذانهم، فيقول: قدموا الاستخارة، و تبركوا بالسهولة، و اقتربوا من المبتاعين، و تزينوا بالحلم، و تناهوا عن اليمين، و جانبوا الكذب، و تجافوا عن الظلم، و أنصفوا المظلومين، و لا تقربوا الربا، و أوفوا الكيل و الميزان، و لا تبخسوا الناس أشيائهم، و لا تعثوا في

ص: 22


1- الوسائل باب: 2 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب آداب التجارة حديث: 3.

الثاني: اليمين على البيع و الشراء إن كان صادقا (2). و إلا يكون حراما (3).

الثالث: البيع في موضع يستر فيه العيب (4).

الرابع: الربح على المؤمن، و على من وعده بالإحسان إلا مع الضرورة أو كون الشراء للتجارة (5).

______________________________

الأرض مفسدين، فيطوف في جميع أسواق الكوفة ثمَّ يرجع فيقعد للناس» (1).

و مقتضى إطلاق هذه الأخبار كراهة المدح من البائع، و الذم من المشتري حتى مع الصدق فيهما.

(2) لقول أبي الحسن موسى عليه السّلام: «ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم: أحدهم رجل اتخذ اللّه بضاعة لا يشتري إلا بيمين، و لا يبيع إلا بيمين» (2)، و قد تقدم ما يدل على ذلك أيضا، هذا إذا كان صادقا.

(3) لما دل على حرمته، بل من المعاصي الكبيرة هذا إذا كان المحلوف به هو اللّه تعالى، و أما إن كان غيره من المقدسات، فيمكن القول بالكراهة، لشمول إطلاق دليل الكراهة له أيضا.

4) لصحيح هشام بن الحكم قال: «كنت أبيع السابري في الظلال، فمر بي أبو الحسن الأول عليه السّلام راكبا، فقال لي: يا هشام إن البيع في الظلال غش، و الغش لا يحل» (3)، و السابري: نوع من الثياب الرقاق يعمل بسابور و هو موضع بفارس.

(5) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن صالح: «ربح المؤمن على المؤمن ربا إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم، فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه

ص: 23


1- الوسائل باب: 2 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.

الخامس: السوم في ما بين الطلوعين (6).

السادس: الدخول إلى السوق أولا و الخروج منه أخيرا (7).

السابع: مبايعة الأدنين الذين لا يبالون بما قالوا و ما قيل لهم، و لا

______________________________

للتجارة فاربحوا عليهم، و ارفقوا بهم» (1).

و أما خبر سالم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخبر الذي روى إن ربح المؤمن على المؤمن ربا ما هو؟ فقال عليه السّلام: ذاك إذا ظهر الحق و قام قائمنا أهل البيت، فأما اليوم فلا بأس بأن تبيع من الأخ المؤمن و تربح عليه» (2)، فمحمول على أصل الجواز، و إن ظهور الأحكام حتى الكراهة إنما هو بعد ظهور الحق، و عن الصادق عليه السّلام: «إذا قال الرجل للرجل: هلم أحسن بيعك يحرم عليه الربح» (3).

(6) لخبر ابن أسباط، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (4)، مع إنه وقت التعقيب الذي هو أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض، كما في الخبر (5).

(7) لكونه منافيا للإجمال في طلب الرزق الذي ورد الأمر به في نصوص كثيرة (6)، بل ينبغي أن يكون آخر داخل و أول خارج عكس المسجد، فإن السوق مأوى الشياطين، كما ان المسجد مأوى الملائكة، و في خبر سعيد عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «جاء أعرابي من بني عامر إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فسأله عن شر بقاع الأرض، و خير بقاع الأرض؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: شر بقاع الأرض الأسواق،

ص: 24


1- الوسائل باب: 10 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 4.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب التعقيب حديث: 10.
6- الوسائل باب: 13 و 16 من أبواب مقدمات التجارة.

يسرهم الإحسان و لا يسوءهم الإسائة، و الذين يحاسبون على الشي ء الدني (8).

الثامن: التعرض للكيل أو الوزن أو العد أو المساحة إذا لم يحسنه (9).

التاسع: الاستحطاط للثمن بعد العقد (10).

______________________________

و هي ميدان إبليس، يغدو برايته، و يضع كرسيه، و يبث ذريته، فبين مطفف في قفيز، أو سارق في ذراع، أو كاذب في سلعة- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله- خير البقاع المساجد، و أحبهم إلى اللّه أولهم دخولا و آخرهم خروجا منها» (1)، و إطلاقه يشمل التاجر و غيره أي كل من يدخل السوق.

(8) لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرسل: «إياك و مخالطة السفلة، فإن السفلة لا يئول إلى خير» (2)، و السفلة ينطبق على كل من ذكرناه في المتن، كما إن المخالطة تشمل البيع و الشراء و غيرهما، مضافا إلى الإجماع على الكراهة.

(9) للتحفظ عن الزيادة و النقيصة المؤدية إلى الحرام، و في خبر الحناط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: رجل من نيته الوفاء، و هو إذا كال لم يحسن أن يكيل، قال عليه السّلام: فما يقول الذين حوله؟ قلت: يقولون لا يوفى، قال عليه السّلام: هذا ممن لا ينبغي له أن يكيل» (3).

(10) لقول الصادق عليه السّلام في موثق الكرخي: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الاستحطاط بعد الضمنة» (4)، و في خبر الشحام قال: «أتيت أبا جعفر بن محمد بن علي عليهما السّلام بجارية أعرضها عليه، فجعل يساومني و أنا أساومه، ثمَّ بعته إياها،

ص: 25


1- الوسائل باب: 60 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.

العاشر: الاستهانة بقليل الرزق (11).

الحادي عشر: الدخول في سوم المؤمن بيعا أو شراء (12).

______________________________

فضمن على يدي. فقلت: جعلت فداك إنما ساومتك لأنظر المساومة تبغي، قلت: قد حططت عنك عشرة دنانير، فقال عليه السّلام: هيهات إلا كان هذا قبل الضمنة، أما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الوضيعة بعد الضمنة حرام» (1)، و ظاهره كراهة الحط فضلا عن الاستحطاط، و لكنه لا بد و إن يحمل على بعض المحامل و إلا فهو من الإحسان المحض و على أي تقدير النهي فيهما محمول على الكراهة إجماعا، و جمعا بينهما و بين نصوص أخر كخبر معلى بن خنيس، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري المتاع ثمَّ يستوضع، قال عليه السّلام: لا بأس، و أمرني فكلمت له رجلا في ذلك» (2).

(11) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: في خبر إسحاق بن عمار: «من استقل قليل الرزق حرم الكثير» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا: «من طلب قليل الرزق كان ذلك داعية إلى اجتلاب كثير من الرزق»(4).

(12) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: في حديث المناهي: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يدخل في سوم أخيه المسلم» (5)، المحمول على الكراهة، للأصل و العمومات، و قصور سند الحديث عن إثبات الحرمة، مع إنه مخالف للآداب العرفية للتكسب و التجارة. و هو أن يستميل أحد المتساومين إلى نفسه.

و ذهب جمع إلى الحرمة لما مر، و لأنه كسر لقلب المؤمن، و ترك لحقه.

و الكل مخدوش: إذ الأول قاصر سندا، و لا دليل على حرمة الأخيرين مطلقا، و إن كان قد يحرمان لانطباق عنوان خارجي عليهما. و إنما يكره أو يحرم بعد تراضيهما على البيع دون قبله.

ص: 26


1- الوسائل باب: 44 من أبواب آداب التجارة حديث: 6 و 3.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب آداب التجارة حديث: 6 و 3.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب آداب التجارة حديث: 3 و 1.
4- الوسائل باب: 50 من أبواب آداب التجارة حديث: 3 و 1.
5- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب التجارة حديث: 3.

الثاني عشر: أن يتوكل حاضر عارف بسعر البلد لباد غريب جاهل، بأن يصير وكيلا عنه في البيع و الشراء (13).

______________________________

و لو جهل الحال، فلا حرمة و لا كراهة فضلا عما إذا علم عدم الرضاء، للأصل، و ظهور الاتفاق فيهما، فليس من الدخول في السوم الزيادة فيما إذا كان المبيع في معرض الزيادة عرفا، أو كان المحل محل عرض الناس أمتعتهم للشراء.

(13) لقول أبي جعفر عليه السّلام في خبر عروة بن عبد اللّه: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لا يبيع حاضر لباد، و المسلمون يرزق بعضهم من بعض» (1)، و في حديث جابر:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعضهم» (2)، و في النبوي: «ذروا الناس في غفلاتهم» (3).

و نسب إلى جمع الحرمة، لما تقدم من الأخبار.

و فيه: إن قصور سندها يمنع عن استفادة الحرمة عنها، مضافا إلى و هن دلالتها عليها أيضا.

و الظاهر ان البادي- المذكور في الاخبار- مثال لكل من تخفى عليه خصوصيات المعاملة فيشمل القروي، و البلدي إن كان بحيث يخفى عليه ذلك، كما إنه لا موضوع لها في ما إذا كانت قيمة الأجناس محدودة معينة عند الكل.

ثمَّ إن المنساق من الأخبار إنما هو فيما إذا كان البيع لازما، و لكن لو كان الخيار للبائع بأن يفسخ البيع متى رأى المصلحة لنفسه، فالظاهر عدم شمولها لهذه الصورة.

و كذا لو كان التوكيل من البادي للبادي، فلا كراهة في البين لعدم الموضوع لها، كما إن الظاهر انصراف الأدلة عن ما إذا كان التوكيل بالتماس من

ص: 27


1- الوسائل باب: 37 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 28 من أبواب آداب التجارة حديث: 3.

الثالث عشر: تلقي الركبان و القوافل للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد (14). و يشترط فيها أمور.

الأول: الخروج بقصد ذلك، فلو خرج بدونه فاتفق ملاقاة الركب فلا كراهة (15).

الثاني: تحقق مسمى الخروج من البلد، فلو تلقى الركب أول وصوله إلى البلد لم يثبت الحكم (16).

الثالث: أن يكون دون الأربع فراسخ، فلو تلقى في الأربعة فصاعدا

______________________________

البادي لأغراض صحيحة له فيه.

و الظاهر تعميم الحكم بالنسبة إلى غير البيع و الشراء- كالإجارة و نحوها- نظرا إلى عموم التعليل و لما يأتي.

(14) للنص، و الإجماع في الجملة، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر عروة بن عبد اللّه: «لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر» (1)، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر منهال القصاب: «لا تلق و لا تشتر ما تلقي، و لا تأكل منه» (2)، و مثله غيره لكن في الغنم، و عنه عليه السّلام أيضا: «لا تلق فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن التلقي؟ قلت: و ما حد التلقي؟ قال عليه السّلام: ما دون غدوة أو روحة، قلت: و كم الغدوة، و الروحة؟

قال عليه السّلام: أربعة فراسخ. قال ابن أبي عمير: و ما فوق ذلك فليس بتلق» (3).

و نسب إلى ابني براج و إدريس الحرمة، و هو ضعيف لقصور سند الأخبار، و تصريح جمع من المجمعين بالكراهة، فلا دليل على الحرمة و إن كانت أحوط.

(15) لأنه المنساق من الأخبار، و المتيقن من الإجماع.

(16) لاشتمال النصوص على خارج المصر- كما تقدم- فلا تشمل أوله من إن مقتضى الأصل عدم الكراهة إلا فيما اتفقت عليه مفاد الأدلة.

ص: 28


1- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب التجارة حديث: 5 و 3 و 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب التجارة حديث: 5 و 3 و 1.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب التجارة حديث: 5 و 3 و 1.

لم يثبت الحكم (17)، بل يكون سفر تجارة (18). و لا يعتبر كون الركب جاهلا بسعر البلد في ما يبيعه و يشتريه (19). و يشمل الحكم غير البيع و الشراء من سائر المعاملات (20).

مسألة 1: لو تلقى و فعل مكروها لا يثبت للبائع الخيار

(مسألة 1): لو تلقى و فعل مكروها لا يثبت للبائع الخيار (21).

نعم، لو كان الغبن فاحشا يثبت خيار الغبن (22)، و لا يكون البيع

______________________________

(17) إجماعا، و نصا تقدم التعرض له.

(18) لمرسل الفقيه- المعمول به: «إن حد التلقي روحة فإذا صار إلى أربع فراسخ فهو جلب» (1).

(19) لإطلاق الأدلة، و لا مكان أن تكون الحكمة في ذلك ورود أهل البدو إلى البلد ليتعلموا الآداب و الأحكام في الجملة. و أما قوله عليه السّلام: «لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله- و المسلمون يرزق اللّه بعضهم من بعض» (2)، فلا يدل على اعتبار الجهل بالنسبة إليه، إذ لا ريب في أن ذيله أعم من ذلك.

(20) لأن الظاهر أن ذكر البيع في الأدلة من باب المثال و الغالب لا الخصوصية سيما إن كانت الحكمة التيام أهل البوادي مع أهل البلدان، و دخولهم عليهم لتعم الإحكام.

(21) لأصالة اللزوم، و عدم دليل على الخيار إلا النبوي: «لا تلقوا الإجلاب فمن تلقى منه شيئا فاشترى، فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق» (3)، و لكن قصور سنده، و إعراض المشهور عنه أسقطه عن الاعتبار.

(22) لما يأتي في الخيارات من إطلاق أدلة خيار الغبن الشامل للمقام أيضا.

ص: 29


1- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب التجارة حديث: 6 و 5.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب آداب التجارة حديث: 6 و 5.
3- سنن ابن ماجه باب: 16 من أبواب التجارات حديث: 2178.

باطلا بناء على الحرمة (23).

الرابع عشر: الاحتكار، و هو حبس الطعام انتظارا به الغلاء (24).

و تعرضه الأحكام الخمسة، فقد يحرم (25)، و قد يجب (26)، و قد يستحب (27)، و قد يكون مباحا (28)، و قد يكره (29).

______________________________

(23) لتعلق النهي بما هو خارج عن حقيقة المعاملة، و هذا لا يوجب البطلان كما ثبت في محله.

(24) كما و هو المشهور، و بعض أقسامه من الظلم المحرم محرم بالأدلة الأربعة- يأتي مرارا- و هو المتيقن مما استدل به على الحرمة مطلقا.

(25) كما إذا اضطر الناس إليه، و لم يكن باذل في البين.

(26) كما إنه إذا لم يحتج إليه الناس و كان الاحتكار مقدمة لواجب كأداء دين حال، أو ذهاب حج مستقر، أو للصرف في نفقة واجبة أو نحو ذلك.

(27) و ذلك فيما إذا كان مقدمة لأمر راجح كالتوسعة على العيال و الإنفاق في الخيرات و الحج و العمرة و الزيارات.

(28) كما إذا لم يكن أمر راجح أو مرجوح في البين.

(29) على ما سيأتي قريبا من طرو عنوان الكراهة عليه، و قد نسب إلى جمع- منهم المفيد، و الشيخ رحمهم اللّه- إنه لم يكن لنفس الاحتكار من حيث هو كراهة، و عن آخرين منهم الشهيدين الحرمة مطلقا. و مقتضى الأصل، و قاعدة السلطنة، و عمومات البيع و التجارة عدم الحرمة، و لا الكراهة إلا مع الدليل على أحدهما.

و استدل كل من الفريقين بالأخبار، فمن قال بالحرمة استفاد منها الحرمة، و من قال بالكراهة استفاد منها الكراهة. أما الأخبار فمنها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر السكوني: «لا يحتكر الطعام إلا خاطئ» (1)، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبره أيضا:

«الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في الشدة و البلاء ثلاثة أيام، فما زاد على

ص: 30


1- الوسائل باب: 27 من أبواب التجارة حديث: 8.

.....

______________________________

الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون. و ما زاد على ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر حذيفة: «نفد الطعام على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأتاه المسلمون، فقالوا: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد نفذ الطعام و لم يبق منه شي ء إلا عند فلان فمره يبيعه، قال: فحمد اللّه و اثنى عليه، ثمَّ قال: يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شي ء عندك فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه» (2)، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر ابن القداح: «الجالب مرزوق، و المحتكر ملعون» (3)، و عن علي عليه السّلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق، و حيث تنظر الأبصار إليها، فقيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لو قومت عليهم، فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى عرف الغضب في وجهه، فقال: أنا أقوم عليهم إنما السعر إلى اللّه يرفعه إذا شاء، و يخفضه إذا شاء»(4)، و في المرسل: «نهى أمير المؤمنين عليه السّلام عن الحكرة في الأمصار» (5)، و عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر أبي مريم: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين، ثمَّ باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع» (6)، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، عن جبرائيل، قال: «اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي، فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال لثلاثة: المحتكرين، و المدمنين الخمر، و القوادين» (7)، و عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر السكوني، قال:

«لا يحتكر الطعام إلا خاطئ» (8)، و عن علي عليه السّلام في كتابه إلى مالك الأشتر: «فامنع من الاحتكار فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منع منه» (9)، إلى غير ذلك من الروايات.

ص: 31


1- الوسائل باب: 27 من أبواب التجارة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب التجارة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب التجارة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 9 و 6.
6- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 9 و 6.
7- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 11.
8- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 12.
9- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 3.

.....

______________________________

و الإنصاف عدم دلالتها على حرمة الاحتكار ذاتا مع قطع النظر عن السند، و قد ورد نظير هذا التأكيد في جملة من الآداب و السنن كالجماعة (1)، و غسل الجمعة (2)، و الأكل وحده (3)، و تفريق الشعر (4)، و التخلي في مواضع اللعن (5)، و لو بنى على استفادة الحرمة من مثل هذه التعبيرات لوجب الحكم بحرمة جملة من الأشياء التي وقع هذه التعبيرات فيها، مع انه اتفق الكل على حليتها، فلا وجه للقول بالحرمة، و في الجواهر: «يمكن دعوى حصول القطع للفقيه الممارس بذلك»، أي: بعدم الحرمة.

و أما استفادة كراهة الاحتكار منها بعنوانه الأولي، فيمكن منعها أيضا إذا لم تترتب عليه مفسدة و لو أخلاقية عرفية، و كان إخراجه إلى السوق و عدمه على حد سواء بالنسبة إلى الناس لكثرة وجوده و وفوره، لأن جميع مطلقات أخبار الاحتكار مقيدة بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر حذيفة- المتقدم- «نفد الطعام على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأتاه المسلمون، فقالوا: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد نفد الطعام و لم يبق منه شي ء إلا عند فلان، فمره يبيعه، قال فحمد اللّه و اثنى عليه، ثمَّ قال: يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفذ إلا شي ء عندك فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه» (6)، و خبر حمزة عن علي عليه السّلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق، و حيث تنظر الأبصار إليها فقيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لو قومت عليهم، فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى عرف الغصب في وجهه، فقال: أنا أقوم عليهم؟! إنما السعر إلى اللّه يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء» (7).

ص: 32


1- راجع الوسائل باب: 2 و 3 من أبواب صلاة الجماعة.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأغسال المسنونة.
3- الوسائل باب: 101 من أبواب آداب المائدة.
4- الوسائل باب: 62 من أبواب آداب الحمام.
5- راجع الوسائل باب: 15 و 24 من أبواب أحكام الخلوة.
6- الوسائل باب: 29 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.
7- الوسائل باب: 30 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.

مسألة 1: يتحقق الاحتكار في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الدهن

(مسألة 1): يتحقق الاحتكار في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الدهن (30).

______________________________

فالمناط نفود الطعام و عدم كونه في الأسواق، و مع عدم النفود و تحقق الشيوع في الأسواق لا موضوع للاحتكار رأسا بحسب الشرع بل العرف أيضا حتى يكره، فالكراهة أيضا لا بد و أن تكون بحسب العنوان الخارجي لا بحسب طبع الاحتكار من حيث هو مع قطع النظر عن جميع العناوين، و يدل على ما ذكرناه- مضافا إلى خبر سالم الحناط، قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام ما عملك؟

قلت: حناط، و ربما قدمت على نفاق، و ربما قدمت على كساد فحبست، قال:

فما يقول من قبلك فيه؟ قلت يقولون: محتكر، فقال عليه السّلام يبيعه أحد غيرك؟ قلت:

ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا، قال عليه السّلام: لا بأس إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمرّ عليه النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: يا حكيم ابن حزام إياك أن تحتكر» (1)، و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن الحكرة، فقال: إنما الحكرة أن تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل» (2).

ثمَّ إن ظاهر الكلمات، إن ما هو الموضوع للحرمة عند جمع هو بعينه الموضوع للكراهة عند آخرين، و هو مشكل مع تقييد موضوع الحرمة باضطرار الناس و حاجتهم إليه.

(30) إجماعا و نصا، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ليس الحكرة إلا في الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و السمن» (3)، و في الفقيه زيادة: «و الزيت، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الحكرة في ستة أشياء: في الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزيت،

ص: 33


1- الوسائل باب: 28 من أبواب آداب التجارة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 7.

مسألة 2: يجبر المحتكر على البيع 31، و لا يعين له السعر

(مسألة 2): يجبر المحتكر على البيع (31)، و لا يعين له السعر، بل له أن يبيع بما شاء (32)، إلا إذا أجحف فيجبر على النزول من دون تسعير عليه (33)،

______________________________

و السمن، و الزبيب» (1).

إنما الكلام في إن لهذه الأشياء موضوعية خاصة، أو إنها طريق إلى كل ما يحتاج إليه الناس في كل زمان و مكان. و حيث إن الحكم مطابق للقاعدة أي:

تقديم الأهم النوعي- الذي هو عبارة عن رفع الحاجة النوعية- على المهم الشخصي الذي هو مراعاة حق المالك فيجري الحكم في الجميع، و الاخبار وردت فيما ذكر فيها مطابقة للقاعدة، فقاعدة السلطنة محكمة ما لم تعارضها جهة أخرى أهم كما في جميع الموارد.

إلا أن يقال: إن الاحتكار منه شرعي و منه عرفي، و الأول يختص بما ذكر في النصوص، و الثاني لا يختص بشي ء مخصوص و لكنه من مجرد الدعوى.

(31) إجماعا، و نصا تقدم في خبر حذيفة بن منصور، و خبر حمزة (2).

(32) للأصل، و الإجماع، و لقاعدة السلطنة من غير ما يصلح للحكومة عليها، و موضوع الاحتكار ينتفي بمجرد العرض على البيع و إظهاره في الأسواق، مضافا إلى ما تقدم من خبر حمزة، و في خبر الفقيه: «قيل للنبي صلّى اللّه عليه و آله لو أسعرت لنا سعرا فإن الأسعار تزيد و تنقص، فقال صلّى اللّه عليه و آله: ما كنت لألقى اللّه ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا، فدعوا عباد اللّه يأكل بعضهم من بعض، و إذا استنصحتم فانصحوا» (3).

(33) لحديث: «لا ضرر و لا ضرر في الإسلام» (4)، و لأنه لو لا ذلك لانتفى

ص: 34


1- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 10.
2- تقدما في صفحة: 31 و 32.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات.

و الحاكم الشرعي هو الذي يجبره على البيع (34).

مسألة 3: قد حدد الاحتكار في الخصب بأربعين يوما

(مسألة 3): قد حدد الاحتكار في الخصب بأربعين يوما، و في الشدة و الغلاء بثلاثة أيام (35).

التسعير. تارة: يكون بنحو الحكم من الحاكم الشرعي

(مسألة 4): التسعير. تارة: يكون بنحو الحكم من الحاكم الشرعي.

______________________________

فائدة الإجبار، إذ يمكن أن يطلب لماله ما لا يقدر عليه أحد عليه و يضر بحال الناس، فيقعون في ضرر أعظم من ضرر الاحتكار.

(34) من باب ولاية الحاكم الشرعي على الأمور الحسبية سواء كان ذلك لأجل مراعاة المصالح العامة، أو من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع اجتماع الشرائط، و له أن يجيز إجبار الجائر، لأن الولاية للحاكم الشرعي في الواقع.

ثمَّ إن ظاهر الكلمات ثبوت الإجبار حتى على القول بالكراهة، و دليلهم منحصر بإطلاق معقد الإجماع عليه الشامل للقول بالكراهة أيضا و به يخصص قاعدة عدم الإجبار على الحكم الغير الإلزامي لو ثبت صحتها و عمومها.

(35) كما في خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في الشدة و البلاء ثلاثة أيام» (1)، و لا بد من حمله على بعض المحامل و إلا فتختلف المدة باختلاف شدة الحاجة و عدمها.

و لا فرق في ما احتكره بين أن يكون بالاشتراء، أو بالزرع، أو الحصاد و الإحراز، أو حصوله من إرث، أو هبة، أو زيادة عن حاجته، كل ذلك لإطلاق التعليل، كما في صحيح الحلبي: «و يترك الناس و ليس لهم طعام» (2)، فإنه شامل للاحتكار بلا فرق بين مناشئ جمعه، و يشهد له الاعتبار أيضا، فالمناط كله وجود الطعام مثلا عنده و عدم إخراجه إلى السوق، و ما يظهر منه الشراء إنما هو من الغالب أو ذكر الأهم.

ص: 35


1- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب آداب التجارة حديث: 1 و 2.

و أخرى: على نحو شرط في ضمن عقد لازم.

و ثالثة: بنحو الشرط الابتدائي، و في الأولين يجب الوفاء (36) دون الثالث (37)، و لو خالف و باع بالأكثر فلا ريب في الحرمة (38).

______________________________

(36) لما دل على وجوب إنفاذ حكم الحاكم الشرعي و قد تقدم مكررا (1)، و ما دل على وجوب الوفاء بالشرط في ضمن العقد اللازم كما سيأتي.

(37) على المشهور، و هو مبني على إن الشروط الابتدائية واجبة الوفاء أولا؟ و سيأتي الكلام فيه.

(38) لأنه نقض الحكم و خالف الشرط اللازم.

إنما الكلام في بطلان المعاملة فإن قلنا ان النهي تعلق بما هو خارج عن العوضين تصح و إن أثم و إن قلنا إنه تعلق بالمقدار الزائد من الثمن تبطل في المقدار الزائد، و الظاهر هو الأول و إن كان الأحوط هو الأخير.

و لا بأس بالإشارة إلى حكم التسعيرات التي تجعلها الدولة، و هي على أقسام.

أقسام.

الأول: أن يكون المال ملك الدولة و تجعله عند من يبيعه بعنوان الامانة و الوكالة عنها في البيع، و لم تأذن له إلا في سعر خاص و لا ريب في إن البيع بالأزيد أو الأنقص يكون فضوليا فيصح مع الإجازة و يبطل مع عدمها، و حيث إن الولاية الواقعية للحاكم الشرعي الجامع للشرائط. فله أن يجيز كما إن له ان لا يجيز.

الثاني: أن يسعر أموال الناس من دون ان يكون المال له، فإن أمضاه الحاكم الشرعي لمصلحة رآها فيه يكون كما إذا سعرها بنفسه و قد تقدم حكمه، و إن لم يمضها فإن كان البائع راضيا فعلا بالبيع و لو كان منشأ حصوله الخوف من الدولة يصح البيع، لعمومات الأدلة و إطلاقاتها الشاملة لهذه الصورة أيضا، و إن

ص: 36


1- راجع المجلد الأول صفحة: 101 و المجلد العاشر صفحة: 259.

.....

______________________________

لم يرض فالمسألة من صغريات بيع المكره فإن لحقه الرضا يصح و إلا فلا.

الثالث: ان يبيع أمواله إليهم و اشترط عليهم أن لا يبيعوها إلى الناس إلا بقدر معين و يصح هذا الشرط، و لو خالف المشروط عليه يكون للشارط الخيار، و يأتي فروع أخرى متعلقة بالمقام في المواضع المناسبة لها ان شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إن المكروهات أكثر مما تعرضنا له، و قد ذكر في الدروس و تبعه في الجواهر جملة أخرى.

منها: المداقة على المعاملة في الحج، و الكفن، و الأضحية، و النسمة و نحوها.

و منها: شراء الطحين، و أدنى منه شراء الخبز، و منها بيع آلات العبادة، و العقار.

و منها: تمليك الأم دون ولدها، أو الولد دون أمه.

و منها: بيع المكيل و الموزون قبل قبضه مما يأتي التعرض لها في محالها مع أدلتها إن شاء اللّه تعالى.

ص: 37

فصل فيما يحرم التكسب به

اشارة

فصل فيما يحرم التكسب به

مسألة 1: يحرم و لا يصح التكسب بالخمر و سائر المسكرات

(مسألة 1): يحرم و لا يصح التكسب بالخمر و سائر المسكرات (1)،

______________________________

فصل فيما يحرم التكسب به

(1) بالأدلة الثلاثة قال تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (1)، و إطلاق الأمر بالاجتناب يعم الاجتناب عن بيعه و شرائه أيضا، و لو بقرينة الأخبار التي تأتي الإشارة إلى بعضها.

و الإجماع محقق عليه.

و النصوص متواترة منها قول أبي جعفر عليه السّلام في موثق عمار: «و السحت أنواع كثيرة منها أجور الفواجر، و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر و الربا بعد البينة» (2)، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «السحت ثمن الميتة، و ثمن الكلب، و ثمن الخمر و مهر البغي» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و السحت بمعنى الاستيصال و يسمى الحرام سحتا لأنه يوجب عذاب الاستيصال.

لا يقال ان للسحت مراتب كثيرة، لا ريب في كون بعض مراتبها بمعنى

ص: 38


1- سورة المائدة: 90.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 5 و 7.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 5 و 7.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 5 و 7.

.....

______________________________

الحرمة، و بعض المراتب بمعنى المرجوحية، و لا دليل على تعيين المرتبة الأولى فقط. فإنه يقال: إن إطلاق السحت ظاهر في الحرمة إلا إذا دلت قرينة معتبرة على الخلاف، كما إن إطلاق السحت ظاهر في الوجوب العيني النفسي التعييني إلا مع القرينة على الخلاف.

و في خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الخمر عشرة: غارسها، و حارسها، و عاصرها، و شاربها، و ساقيها، و حاملها، و المحمولة إليه، و بائعها، و مشتريها، و آكل ثمنها» (1).

و قد ظهر مما مر تعميم الحكم لجميع المسكرات للتصريح به في مورد الإجماع، و ما تقدم من موثق عمار، مع إطلاق الخمر على كل مسكر لغة و شرعا، ففي خبر عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كل مسكر حرام، و كل مسكر خمر» (2)، و في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار، و اختلاف تسمية الأنواع لا ينافي الاشتراك في معنى الخمرية كما هو واضح.

و أما ما يظهر منه إنها من العنب فالمراد به الخمرة الملعونة و هي أول ما حدثت من الخمر، ففي الرضوي: «و لها خمسة أسامي، فالعصير من الكرم و هي الخمرة الملعونة- الحديث-» (4)، و يدل على الحرمة مضافا إلى ذلك النبوي: «إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (5)، و خبر الدعائم: «و ما كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شرائه» (6)، و خبر تحف العقول كما سيأتي (7).

ص: 39


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.
4- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.
5- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به، حديث: 8.
6- الدعائم ج: 2 حديث: 23 ط: 2 دار المعارف بمصر.
7- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به.

و الميتة، و الكلب غير الصيود (2)، و الخنزير (3) سواء كانت فيها المنافع

______________________________

(2) إجماعا، و نصوصا مستفيضة، المشتملة على إن ثمن الميتة سحت منها ما تقدم من إن: «السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب» (1)، و في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما رواه أبو بصير عن الصادق صلّى اللّه عليه و آله: «ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

ثمَّ إن قولهم عليهم السّلام: «ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت، و ثمن الميتة سحت» (3)، يدل على الحرمة التكليفية في المعاملة بها لأنه توعيد بالعذاب و هو ملازم للحرمة، كما يدل على عدم الصحة و البطلان أيضا، لظهوره في أن الشارع ألقى المالية بالنسبة إليهما.

و المعاملة على مثل هذه الأمور يتصور على وجوه.

الأول: المعاملة بقصد ترتب الأثر المحرم كسائر المعاملات المتعارفة بين البشر.

الثاني: يقصد عدم ترتب الأثر المحرم.

الثالث: الغفلة عن هذا القصد بالمرة لا بالنسبة إلى ترتب الأثر المحرم، و لا بالنسبة إلى عدمه.

و الحرمة التكليفية إنما تتعلق بالوجه الأول فقط دون الأخيرين لعدم موضوع لها في الثاني، و الشك في شمول الأدلة للأخير، فيرجع إلى الأصل هذا حكم المعاملة من حيث الحرمة. و أما حكم صحتها في نفسها فيأتي التعرض لها إن شاء اللّه.

(3) لما يظهر منهم الإجماع على الحرمة و البطلان فيه بالخصوص. و أما النص فإني لم أظفر عليه فيما تفحصت عليه عاجلا من طرقنا، فإن تمَّ إجماعهم عليهما بالخصوص فيه فهو و إلا فالخنزير كسائر الأعيان النجسة التي يأتي

ص: 40


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5، 7، 8.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5، 7، 8.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5، 7، 8.

المحللة أو لا (4)،

______________________________

التعرض لها.

نعم، في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل كان له على رجل دارهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه، فقال عليه السّلام: لا بأس به أما للمقتضي فحلال و أما للبائع فحرام» (1)، المحمول على الذمي بقرينة غيره و في حديث جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله إنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول عام الفتح و هو بمكة:

«إن اللّه و رسوله حرم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام» (2)، و لكنه من طرق العامة المضبوطة في صحاحهم.

(4) لإطلاق الأدلة الشامل لكلتا الصورتين، و لكن قد يدعى ان المتيقن من الإجماع و المنصرف من الأدلة اللفظية إنما هو غير ذي المنفعة الشائعة المحللة، و يشهد له موثق عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (3)، و خبر جميل: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا، فقال عليه السّلام خذها ثمَّ أفسدها» (4)، و إطلاقهما يشمل الأخذ بعنوان البيع أيضا.

و عن جمع منهم صاحب المستند حملهما على الأخذ بعنوان حق الاختصاص لا البيع و الشراء. و هو حمل بلا شاهد، و يأتي في خبر الصيقل، و موثق سماعة ما يدل على الجواز.

و بالجملة: إقامة الدليل على حرمة المعاملة بالنسبة إليها إذا كانت فيها منافع محللة عرفية مشكل جدا، فراجع الكلمات تجد غالبها ظاهرة بل ناصة في

ص: 41


1- الوسائل باب: 60 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
2- صحيح مسلم باب: 32 تحريم بيع الخمر و الميتة و الخنزير حديث: 1 و في سنن أبي داود باب: ثمن الخمر و الميتة حديث: 3486.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3 و 6.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3 و 6.

و لا فرق بين المسكر المائع و الجامد (5)، كما لا فرق في الحرمة بين بيعها و شرائها و جعلها ثمنا في البيع أو أجرة في الإجارة، و عوضا عن العمل في الجعالة، و مهرا في النكاح، و عوضا في الخلع و نحو ذلك (6). بل لا يجوز هبتها و الصلح عنها بلا عوض أيضا (7)، بل لا يجوز إمساكها و اقتنائها إلا للضرورة الداعية إليه (8).

مسألة 2: سائر الأعيان النجسة إن كانت لها منافع متعارفة محللة

(مسألة 2): سائر الأعيان النجسة إن كانت لها منافع متعارفة محللة

______________________________

دوران الحرمة مدار عدم المنفعة. و المنساق من مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض ذلك أيضا، مع إطلاق أدلة البيع الشاملة لكل ما فيه غرض صحيح عقلائي غير منهي عنه شرعا.

(5) لظهور الأدلة في إن المناط جهة الإسكار و هي موجودة في المسكر الجامد أيضا.

(6) لأن الشارع أسقط ماليتها مطلقا و من كل جهة فلا وجه لاعتبار جهة المالية فيها حتى يقع عوضا عن شي ء، فلا احترام فيها بوجه من الوجوه.

(7) لإطلاق خبر تحف العقول المنجبر: «لأن ذلك كله منهي عن أكله و شربه، و لبسه، و ملكه، و إمساكه و التقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام» (1)، مضافا إلى ظهور تسالمهم عليه. و لكن يمكن الخدشة في كل منهما كما لا يخفى.

(8) لما تقدم من قوله عليه السّلام: «و إمساكه» خصوصا في الخمر الذي شدّد الشارع الأمر بالنسبة إليه حتى إنه يكره الصلاة في بيت فيه خمر (2)، بل نسب إلى الصدوق القول بالبطلان، هذا إذا لم يكن غرض صحيح غير منهي عنه في الإمساك و إلا فلا ريب في الجواز، للأصل.

ص: 42


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب مكان المصلي و راجع المجلد الخامس صفحة: 451.

يجوز بيعها و شرائها، و كذا جميع ما تقدم فيها (9) و لكن الأحوط كونها كالميتة و الخمر و الكلب في جميع ما مر (10).

مسألة 3: كل عين نجس و لو كان مثل الميتة و الكلب و الخمر

(مسألة 3): كل عين نجس و لو كان مثل الميتة و الكلب و الخمر

______________________________

(9) لأصالة الإباحة، و عمومات أدلة البيع و الشراء و الهبة و الصلح و التجارة.

و نسب إلى المشهور عدم الجواز، للإجماع المتكرر في الكلمات، و النبوي: «إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (1)، و خبر تحف العقول: «أو شي ء من وجوه النجس»، و خبر الدعائم: «و ما كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه» (2)، و الرضوي: «و كل أمر يكون فيه الفساد- إلى أن قال عليه السّلام- فحرام» (3)، و إطلاقه يشمل البيع و الشراء و سائر النواقل الاختيارية.

و الكل مخدوش لأن المتيقن من الإجماع على فرض عدم كونه اجتهاديا غير ذي المنفعة المحللة المتعارفة- خصوصا في الأزمنة القديمة التي قلت وسائل الانتفاع عن الأشياء لدى الناس حتى أن الفقهاء كانوا يمثلون بالمنفعة المحللة للدم بالصبغ، و للميتة بسد ساقية الماء، و إطعام جوارح الطير- و المنساق من الأخبار على فرض اعتبار سندها ذلك لا أقل من الشك في شمولها لذي المنفعة المحللة المعتنى بها، فلا يصح التمسك بها حينئذ، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، فيكون المرجع حينئذ أصالة الإباحة و الإطلاقات و العمومات بعد صدق البيع و عناوين سائر النواقل عليه عرفا.

(10) خروجا عن مخالفة المشهور.

ص: 43


1- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به.
3- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

و الخنزير يكون لمن استولى عليها حق الاختصاص (11) سواء حصل هذا الحق من الحيازة (12)، أو من كون أصلها ملكا له، كما إذا صار غنمه مثلا ميتة، أو عنبه خمرا أو نحو ذلك (13)، و هذا الحق قابل للنقل القهري كالإرث، أو الاختياري كالهبة و الصلح بعوض أو بغير عوض، و يصح جعله عوضا في جميع المعاوضات، كالإجارة و الجعالة و نحوها إذا جعل العوض في مقابل نفس الحق من حيث هو (14)، و لكنه خلاف الاحتياط أيضا، لاحتمال دخوله تحت الاكتساب المحذور (15).

نعم، لو بذل الغير مالا ليرفع صاحب الحق يده عن العين و يعرض

______________________________

(11) لظهور الإجماع عليه، و لاعتبار العرف و العقلاء هذا الحق و لم يردع عنه الشارع.

(12) لما يأتي في محله من أن بالحيازة يحصل حق الاختصاص نصا (1) و إجماعا.

(13) لأن سلب الشارع الملكية أو المالية على فرض ثبوته لا يستلزم سلب أصل الحق، إذ لا ملازمة بينهما من عقل أو شرع أو عرف، و مقتضى الأصل بقاء أصل الحق- بل العرف و العقلاء يحكمون ببقائه- ما لم ينص الشرع على سقوطه و هو مفقود، و لصاحب هذا الحق مطالبة حقه عمن استولى عليه بغير حق.

(14) لأن الحق مرتبة ضعيفة من الملك و الاستيلاء، و هما بجميع مراتبها قابلان للنقل و الانتقال و المعاوضة مطلقا ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا دليل عليه في المقام، بل مقتضى العرف و السيرة صحتهما مطلقا فتشملهما الإطلاقات و العمومات.

(15) فيشمله ما استدل به المشهور على عدم الجواز. و لكنه مردود: لأن

ص: 44


1- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات.

عنها سلم عن هذا الإشكال (16).

مسألة 4: يجوز بيع المملوك الكافر بجميع أقسامه 17 حتى المرتد عن فطرة

(مسألة 4): يجوز بيع المملوك الكافر بجميع أقسامه (17) حتى المرتد عن فطرة (18)، و كذا كلب الصيد (19)، و كذا كلب الماشية و الزرع

______________________________

المتيقن من إجماعهم، و المنساق من أدلتهم اللفظية انما هو ما إذا جعل نفس العين مورد النقل و الانتقال لا الحق القائم به.

(16) لعدم وقوع نفس الحق مورد المعاوضة حينئذ حتى يحتمل دخوله في التكسب الممنوع و انما وقع العوض بإزاء رفع المانع لا بإزاء ذات المقتضي، كما يدفع المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة التي ثبت فيها حق بالنسبة إلى شخص، و كما إذا سبق إلى حيازة زمان خاص من عيادة طبيب، و نحوه ممن جعلت لأوقات الاستفادة منهم قيم خاصة و حدود مخصوصة التي كثر الابتلاء بها في هذه الأعصار.

فتلخص: أنه يصح الاستفادة بمطلق الأعيان النجسة بناء على المشهور، و من الكلب، و الخمر، و الخنزير بناء على ما قلناه بهذا النحو فتسقط الثمرة العملية المهمة في البحث الذي أطال بعض الكلام فيه.

(17) إجماعا من المسلمين، و نصوصا كثيرة (1)، يأتي التعرض لها في أحكام العبيد و الإماء.

(18) للعمومات، و الإطلاقات من غير مخصص و مقيد، بل ظاهرهم الإجماع على الجواز، و كون المرتد الفطري في معرض القتل- بناء على عدم قبول توبته- لا يوجب زوال ماليته مع إن الحق قبول توبته كما تقدم في كتاب الطهارة.

نعم، للمشتري الخيار مع الجهل.

(19) نصوصا و إجماعا، ففي صحيح ليث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

ص: 45


1- الوسائل باب: 1 و 2 من أبواب بيع الحيوان.

و البستان (20)، و الأحوط الترك (21)، و لا بأس باقتنائها لهذه الفائدة (22)،

______________________________

الكلب الصيود يباع؟ قال عليه السّلام: نعم و يؤكل ثمنه» (1)، و خبر أبي بصير قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ثمن كلب الصيد؟ قال عليه السّلام: لا بأس به و أما الآخر فلا يحل ثمنه» (2)، و قوله عليه السّلام: في خبر محمد بن مسلم: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(20) للأصل، و الإطلاقات، و العمومات، و اشتراكها مع كلب الصيد في الفائدة المحللة، و استبعاد الفرق بين فائدة الصيد و سائر الفوائد المحللة عند المتشرعة، و لأن لهاديات مقررة و هذا يكشف عن ثبوت المالية لها في الجملة، و للإجماع على صحة إجارتها و لم يفرق أحد بين الإجارة و البيع.

و عن جمع من القدماء منهم الشيخين المنع، لعموم ما دل على أن ثمن الكلب سحت، و لإجماع الخلاف، و ما تقدم من قوله عليه السّلام: «ثمَّ الكلب الذي لا يصيد سحت».

و الكل مردود، للشك في شمول العمومات و الإطلاقات للكلب الذي له فائدة شائعة محللة، فلا يصح التمسك بها من هذه الجهة، و إجماع الخلاف لا وجه له بعد ذهاب جمع كثير إلى الجواز، و ذكر الصيد في الأخبار من باب المثال للفائدة الشائعة المحللة لا الموضوعية الخاصة على ما هو المسلم في الأذهان العرفية، و يشهد له قوله عليه السّلام في الصحيح: «لا خير في الكلاب إلا كلب صيد أو كلب ماشية» (4).

(21) خروجا عن خلاف ما نسب إلى القدماء.

(22) للأصل بعد عدم الدليل على المنع، و في الغوالي: «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر

ص: 46


1- التهذيب ج: 6 حديث: 137.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5 و 3.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5 و 3.
4- الوسائل باب: 43 من أبواب أحكام الدواب حديث: 2.

كما لا إشكال في إجارتها و إعارتها (23).

مسألة 5: يجوز بيع العصير المغلي قبل ذهاب ثلثيه

(مسألة 5): يجوز بيع العصير المغلي قبل ذهاب ثلثيه بناء على نجاسته (24).

مسألة 6: يجوز بيع ما لا تحله الحياة من الميتة

(مسألة 6): يجوز بيع ما لا تحله الحياة من الميتة من أجزائها العشرة التي تقدمت في كتاب الطهارة- كالشعر، و الصوف، و البيض، و اللبن بناء

______________________________

بقتل الكلاب في المدينة فهربت الكلاب حتى بلغت العوالي، فقيل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف الصيد بها و قد أمرت بقتلها؟ فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها، فاستثنى صلّى اللّه عليه و آله كلاب الصيد، و كلاب الماشية، و كلاب الحرث و أذن في اتخاذها» (1)، و ما تقدم في خبر التحف مما ظاهره عدم جواز الإمساك محمول على ما إذا لم يكن فيه فائدة شائعة محللة.

نعم، الظاهر الكراهة في الجملة.

(23) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و عدم دليل على المنع.

(24) على المشهور، بل ظاهرهم الإجماع عليه، و لأصالة بقاء ماليته، و أصالة الإباحة، و إطلاقات و عمومات أدلة البيع و التجارة، و هو كسائر الأموال المعيوبة التي يجوز بيعها لبقاء المالية، و لذا لو غصب عصيرا فأغلاه حتى حرم و تنجس لا يجري عليه حكم التلف، بل يجب عليه رد عينه و غرامة الثلاثين و أجرة العمل فيه حتى يذهب الثلثان.

و أما توهم المنع، لعموم مثل: «إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (2)، و مرسل ابن هيثم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلي من ساعته أ يشربه صاحبه؟ فقال عليه السّلام: إذا تغير عن حاله و غلا فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» (3)، و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ثمن

ص: 47


1- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
2- تقدم في صفحة: 39 و 43.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 7.

على طهارته إن كانت فيها منافع محللة (25). و كذا ميتة ما ليس له نفس سائلة مع وجود المنفعة المحللة فيها (26).

مسألة 7: لا فرق في حرمة بيع الميتة بين تمامها و اجزائها

(مسألة 7): لا فرق في حرمة بيع الميتة بين تمامها و اجزائها التي تحل فيها الحياة و لو جزء يسيرا منها (27).

______________________________

العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا؟ قال عليه السّلام: إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس» (1).

فمردود: لعدم شمول العموم لما هو في معرض التطهير و التغيير، إذ ليس هو إلا كسائر المتنجسات القابلة للطهارة، و المراد بالخبرين عدم الانتفاع به بعد الغليان قبل ذهاب الثلاثين فلا يشمل بيعه و اعلام المشتري بذلك ليعالجه بإذهاب ثلثيه ثمَّ ينتفع به كما في سائر المشروبات و المأكولات المتنجسة القابلة للطهارة.

(25) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فتشملها العمومات و الإطلاقات.

(26) لعين ما تقدم في سابقة بلا فرق، و الشك في شمول أدلة حرمة بيع الميتة لميتة ما لا نفس لها يكفي في عدم صحة التمسك بها لعدم الجواز.

(27) لإطلاق الأدلة الشامل للكل و الجزء. و أما خبر الصيقل قال: «كتبوا إلى الرجل عليه السّلام جعلنا اللّه فداك أنا قوم نعمل السيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها و إنما علاجنا من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا، و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها؟ فكتب عليه السّلام: اجعلوا ثوبا للصلاة» (2)، و موثق سماعة قال:

ص: 48


1- الوسائل باب: 59. من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.

.....

______________________________

«سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت، فرخص فيه، و قال: ان لم تمسه فهو أفضل» (1).

فأسقطهما عن الاعتبار هجر الأصحاب عنهما و موافقتهما للعامة (2)، و معارضة الأخير بموثق آخر عنه أيضا، قال: «سألته عن أكل الجبن و تقليد السيف و فيه الكيمخت و الغرا؟ فقال عليه السّلام: لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة» (3)، و يمكن حمله على الكراهة جمعا.

و الهجر الموجب للسقوط بالنسبة إلى خبر الصيقل مشكل، كما ان طرح كل ما كان موافقا للعامة أشكل، فليحمل سائر ما دل على عدم الانتفاع بالميتة على المنافع المحرمة، و أما بالنسبة إلى المنافع المحللة الشرعية فيحمل على الكراهة جمعا بينها و بين مثل هذا الخبر.

ثمَّ إن ميتة ماله نفس سائلة قسمان.

الأول: ما مات حتف أنفه.

الثاني: ما ذبح على غير الوجه الشرعي، و هما متحدان حكما أي: في النجاسة و الحرمة على المشهور، فيكون الثاني نجسا أيضا فتشمله أدلة حرمة بيع الميتة، و إن: «ثمن الميتة سحت» (4).

و أما بناء على إنه طاهر- لأصالة الطهارة كما عن جمع- و إن حرم أكله فشمول أدلة حرمة البيع لها حينئذ مشكل، لأن لها منافع محللة شائعة و الشك في الشمول يكفي لعدم الشمول، فمقتضى الأصل و الإطلاقات حينئذ الجواز و الصحة و لكن الأحوط تركه.

لو استحيلت الميتة بالتحليلات الكيمياوية العصرية فشمول أدلة الحرمة لها مشكل، بل ممنوع، لتحقق الاستحالة حينئذ و تقدم عدم الفرق بين الاستحالة

ص: 49


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 8 و 5.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 8 و 5.
3- راجع المغني لابن قدامة ج: 1 صفحة: 59 ط: دار الكتب العربية بيروت.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8 و 9.

مسألة 8: يجوز بيع المني بعد تحقق المنفعة المحللة له

(مسألة 8): يجوز بيع المني بعد تحقق المنفعة المحللة له (28)، كما يجوز بيع الدم كذلك (29)، و كذا بيع العذرة و الأرواث النجسة (30) على كراهة في الأخيرة (31)،

______________________________

الطبيعية و الصناعية.

كما لو فرض استعمال الخمر في التزريق- بواسطة الأبر المستحدثة في هذه الأعصار- لغرض محلل لا تشمله أدلة الحرمة، لانصرافها بل ظهورها في غيره.

(28) للأصل، و الإطلاق.

و قد يقال: بالمنع، للنجاسة، و الجهالة، و عدم القدرة على التسليم، و عدم انتفاع المشتري به لأن الولد نماء الأم في الحيوانات.

و الكل مخدوش لأن النجاسة ليست مانعة مع تحقق المنفعة المحللة مع إنها إذا دخل من الباطن إلى الباطن فالنجاسة ممنوعة، و لا وجه للجهالة بعد معلومية المقدار عادة عند أهل الخبرة، و القدرة على التسليم متحقق وجدانا بتسليم الفحل إلى المشتري، و انتفاع المشتري ثابت عرفا، فالمقتضي للصحة موجودة و المانع عنها مفقود.

و لا فرق فيه بين أن يدخل من الفحل مباشرة في رحم الإناث أو يؤخذ المني من الفحل في أنابيب زجاجية خاصة مستحدثة في هذه الأعصار، ثمَّ يلقح به الإناث.

(29) للأصل، و الإطلاق، و العموم بعد تحقق الفائدة الشائعة المحللة في هذه الأعصار. و دليل المنع لو تمَّ في نفسه لا يشمل هذا الفرض.

(30) لفرض وجود المنافع الشائعة المحللة، فتشمله ما تقدم في الدم من الأدلة.

(31) جمعا بين قولي الإمام عليه السّلام: «ثمن العذرة من السحت» (1)، أو: «حرام

ص: 50


1- الوسائل باب: 40 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

و لكن الأحوط في جميع ذلك الترك (32).

مسألة 9: في موارد عدم جواز البيع

(مسألة 9): في موارد عدم جواز البيع لا فرق بين كون ما لا يجوز بيعه معلوما بالتفصيل أو بالإجمال (33)، و كذا بين ما إذا كان المشتري مسلما أو كافرا مستحلا لذلك الشي ء أو لا (34).

مسألة 10: لا بأس باقتناء الأعيان النجسة

(مسألة 10): لا بأس باقتناء الأعيان النجسة ما عدى الكلب و الخمر- ان كان فيه غرض صحيح غير منهي عنه شرعا (35).

______________________________

بيع العذرة و ثمنها» (1)، و قوله عليه السّلام: «لا بأس ببيع العذرة» (2).

(32) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور من عدم الجواز، و يصح أخذ العوض بنحو ما تقدم من بذل المال لرفع اليد و حينئذ فليس فيه كراهة و لا ارتكاب خلاف الاحتياط أيضا.

(33) لما أثبتناه في الأصول من إن العلم الإجمالي- منجز- كالعلم التفصيلي في جميع الأحكام.

(34) لأن قوانين الإسلام عامة بالنسبة إلى الجميع، و قد أثبتنا قاعدة ان الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول في بعض الأجزاء السابقة (3).

(35) أما الأول: فللأصل بعد عدم دليل على المنع.

و أما الثاني: فلإطلاق قول أبي جعفر عليه السّلام في موثق محمد بن مروان: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إن جبرائيل أتاني، فقال: إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب، و لا تمثال جسد و لا إناء يبال فيه» (4)، المحمول على الكراهة بقرينة غيره، و في موثق عمار: «لا يصلي في بيت فيه خمر أو مسكر، لأن الملائكة لا تدخله» (5).

ص: 51


1- الوسائل باب: 40 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 3.
3- راجع المجلد الثالث صفحة: 129.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب مكان المصلي، و راجع ج: 5 صفحة: 463.
5- الوسائل باب: 21 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.

مسألة 11: الأعيان النجسة و ان لم يكن لها مالية و أسقطها الشارع بناء على المشهور

(مسألة 11): الأعيان النجسة و ان لم يكن لها مالية و أسقطها الشارع بناء على المشهور، لكن لها حق الاختصاص لصاحبها (36).

مسألة 12: لو تنازعا في صحة المعاملة- الواقعة على الأعيان النجسة- و عدمها

(مسألة 12): لو تنازعا في صحة المعاملة- الواقعة على الأعيان النجسة- و عدمها يقدم قول من يقول بالصحة (37).

مسألة 13: يجوز بيع الأرواث و الأبوال الطاهرة

(مسألة 13): يجوز بيع الأرواث و الأبوال الطاهرة مع وجود المنفعة المحللة فيها (38).

مسألة 14: يجوز بيع كل متنجس يقبل التطهير

(مسألة 14): يجوز بيع كل متنجس يقبل التطهير، و كذا ما يصح الانتفاع به مع وصف النجاسة، كالوقود و الطابوق، و الطين المتنجس (39)، و أما ما لا يمكن الانتفاع به مع وصف نجاسته و لا يقبل التطهير، كالخل النجس مثلا، فلا يجوز المعاوضة عليه (40).

______________________________

نعم، لو اقتضت ضرورة داعية توجب الاقتناء فلا بأس به حينئذ لأن الضرورات تبيح المحظورات.

(36) باتفاق الكل- كما تقدم- و هذا الحق محترم يقابل بالمال، لأصالة احترام المال، و العرض، و الحق التي هي من الأصول العقلائية النظامية، فلو أتلفها متلف يكون ضامنا لهذا الحق، و أما بناء على ثبوت المالية فيها باعتبار منافعها المحللة فالضمان واضح لا ريب فيه.

(37) لأصالة الصحة التي هي من الأصول العقلائية الجارية في المعاملات و غيرها.

(38) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

(39) لأصالة الإباحة، و إطلاقات الأدلة، و إجماع الإمامية بل المسلمين، و الأخبار المستفيضة الواردة في الزيت و الدهن المتنجس التي تأتي الإشارة إلى بعضها.

(40) إجماعا و نصا، كقوله عليه السّلام في خبر تحف العقول: «أو شي ء من وجوه

ص: 52

نعم، لو فرض منفعة محللة فيه مع وصف نجاسته فيجوز بيعه حينئذ (41)، كما في الدهن المتنجس للاستصباح و غيره (42).

______________________________

النجس- إلى أن قال- فهذا كله حرام محرم» بناء على شموله للمتنجس أيضا.

(41) لشمول الإطلاقات حينئذ و انصراف الأدلة الخاصة عنه.

(42) قد أطالوا القول في الدهن المتنجس، مع إنه لا تستحق الإطالة، إذ الكلام فيه.

تارة: بحسب العمومات و الإطلاقات.

و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأولى: فمقتضاها جواز بيعه إن كان فيه غرض صحيح غير منهي عنه شرعا، أي غرض كان سواء كان هو الاستصباح أو تدهين آلات المكائن أو نحو ذلك، و ظاهرهم الإجماع على الجواز حينئذ من غير خلاف بينهم.

و أما الثانية: فمقتضى الأخبار الجواز أيضا، ففي صحيح ابن وهب- على ما في التهذيب- عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: جرذ مات في سمن، أو زيت، أو عسل؟ قال عليه السّلام: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله و الزيت يستصبح به يبيع ذلك الزيت، و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به» (1)، و في صحيح الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه، فقال عليه السّلام: إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع ما حوله و كله، و إن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به، و إن كان بردا فاطرح الذي كان عليه، و لا نترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه» (2)، و قريب منه موثق أبي بصير مشتملا على قوله عليه السّلام: «و إن كان ذائبا فأسرج به، و أعلمهم إذا بعته» (3)، و في خبر إسماعيل بن عبد الخالق. قال: «سأله سعيد الأعرج السمان

ص: 53


1- الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.

.....

______________________________

و أنا حاضر عن الزيت و السمن و العسل تقع فيه الفارة فتموت كيف يصنع به؟

قال عليه السّلام: أما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له فيبتاع للسراج، و أما الأكل فلا. و أما السمن فإن كان ذائبا فهو كذلك، و إن كان جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها و ما حولها، ثمَّ لا بأس به، و العسل كذلك إن كان جامدا» (1).

و هذه الأخبار موافقة للقاعدة من جهة طرح ما حوله و أكل البقية مع الجمود، كما إنها موافقة لها من جهة الاستصباح و الإسراج، أو البيع لهما، و ما هو مخالف للعمومات و الإطلاقات أمران.

الأول: ما يظهر منها من وجوب الإعلام.

الثاني: كون الاستصباح تحت السماء، لمرسل المبسوط: «روى أصحابنا انه يستصبح به تحت السماء دون السقف» (2)، مع خلو الأخبار على كثرتها و كونها في مقام البيان عن هذا القيد.

و البحث في هذه الأخبار من جهات.

الأولى: هل صحة البيع مشروط بالأخبار بالنجاسة، فلو باع بدونه يكون باطلا.

و بعبارة أخرى: البحث بالنسبة إلى الحكم الوضعي، مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتباره فيها، خصوصا مع علم المشتري بالنجاسة أو كون الاستصباح هو المنفعة الغالبة فيهما، لأن هذا كسائر العيوب، فكما إنه ليس الأخبار بالغيب شرطا لصحة البيع، فكذا في المقام، و لا يجوز التمسك بإطلاق هذه الأخبار، للشك في شمولها لهذه الصورة.

و دعوى: أن البيع مع عدم الاخبار يكون باطلا إذا كان الاستصباح المنفعة النادرة، لوقوع العوض بإزاء المتنجس و المنفعة النادرة ملقاة بالكلية.

مخدوش: لأن العوض إنما يقع بإزاء ثبوت المنفعة الواقعية علم به

ص: 54


1- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5.
2- المبسوط ج: 6 صفحة: 283.

.....

______________________________

المشتري أو لا، كما في جميع الموارد و المفروض ثبوته.

نعم، له الخيار من الجهة العيب.

الثانية: هل يعتبر قصد المنفعة المحللة في صحة البيع أو لا؟ و الأقسام أربعة.

الأول: اعتبار شرط المنفعة المحللة.

الثاني: اعتبار قصدها و لو لم يشترط.

الثالث: كفاية وجودها الواقعي و لو لم يقصد و لم يشترط.

الرابع: كون قصد المنفعة المحرمة مانعا عن الصحة لا أن يكون قصد المحللة شرطا لها.

و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار الأولين إلا أن يدل دليل عليه و هو مفقود، إذ ليس في البين إلا مثل هذه الأخبار، و لا ظهور لها في ذلك بل و لا إيماء إليه كما يأتي في الجهة الثالثة، لأن المقابلة و المعاوضة إنما وقعت بين المالين الواقعيين، و هما الثمن و الدهن من جهة الاستصباح شرط ذلك في العقد أولا، وقع القصد إليه أولا.

و بالجملة: المعاملة مقصودة لا محالة و هي منطبقة على الجهة المحللة شرعا، فالجهة المحللة مقصودة تبعا إجمالا و إن لم يقصد تفصيلا، و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا القصد، و أما قصد المنفعة المحرمة فلا ريب في كونه تجريا، و لكن كونه مانعا عن الصحة يحتاج إلى إثبات تقديم هذا القصد على إمكان وقوع المعاملة بين الجهتين المحللتين واقعا، كما في بيع الغاصب لنفسه حيث يقولون بإمكان تصحيحه بإجازة المالك، و في المقام قصد أصل المعاملة حاصل بلا إشكال، و فيها جهة محللة كما هو المفروض، و قصد المنفعة المحرمة لا ينافي وقوع القصد بالنسبة إلى المحللة أيضا و لو إجمالا، و ترجيح قصد المنفعة المحرمة على قصد المحللة و الحكم بالفساد يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل مقتضى أصالة الصحة عند الشك الحكم بالصحة إلا إذا انطبق عليه

ص: 55

.....

______________________________

عنوان آخر يوجب الفساد.

نعم، لو كان بحيث لم يتحقق منه قصد أصل المعاملة يتجه الفساد حينئذ.

و لكن، يظهر من شيخنا الأنصاري رحمه اللّه البطلان مطلقا، حيث قال:

«و بالجملة فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة بحيث قصد أكل الثمن أو بعضه بإزاء المنفعة المحرمة كان باطلا، كما يومي إلى ذلك ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و بيعها».

أقول: جزمه رحمه اللّه بالبطلان من مجرد الدعوى و الإيماء مخدوش، لأن في مورد الجارية المغنية يكون التباني العقدي منهما بالنسبة إلى الغناء و هو غير مجرد القصد مع إنه منصوص كما سيأتي فيكون من القياس.

و الحاصل: إنه إن تمَّ إجماع على إن مجرد قصد المنفعة المحرمة يوجب البطلان، أو انطبق عنوان آخر عليه من العناوين المبطلة فهو، و إلا فإثباته بحسب الدليل فيما لو كانت في البين منفعة محللة مشكل جدا.

الثالثة: وجوب الإعلام إما تكليف نفسي أو مقدمي للتنزه عن النجاسة فيما يشترط فيه الطهارة، أو إرشادي محض من باب الإرشاد إلى عيب المبيع.

أما الأول: فلا وجه له، إذ لا حكمة له في المقام إلا إذا كان من التسبيب إلى أكل الحرام و كان ذلك حراما.

و الثاني: صحيح في ما إذا كان الدهن و السمن مما تعارف استعمالهما في الأكل، و كان ذلك تسبيبا إلى استعمال الحرام الواقعي، بل يمكن أن يكون واجبا نفسيا حينئذ لوجوب ترك التسبيب إلى القبيح لو لم نقل بأنه أيضا من مجرد الإرشاد إلى حكم العقل و ليس بوجوب مولوي.

و أما لو كانت منافعه الشائعة غير الأكل بحيث لم يتحقق تسبيب عرفي فلا وجه للوجوب النفسي و لا المقدمي لغرض عدم المقدمية عرفا، فيتعين الأخير و هو الإرشاد إلى العيب، و في وجوب الإرشاد إلى مطلق العيب كلام يأتي في خيار العيب إن شاء اللّه تعالى.

الرابعة: نسب إلى المشهور وجوب الاستصباح بالدهن النجس تحت

ص: 56

مسألة 15: كل ما اشتمل على ما يحرم أكله من غير جهة النجاسة

(مسألة 15): كل ما اشتمل على ما يحرم أكله من غير جهة النجاسة يجوز بيعه مع استهلاكه فيه (43)، خصوصا إن كان في مثل الأبر التي تزرق للتداوي، بل لا محذور فيه و لو كان غير مستهلك، أو كان نجسا (44).

مسألة 16: لو اضطر إلى التداوي بالخمر شربا أو تزريقا أو لطخا تصح المعاوضة عليه

(مسألة 16): لو اضطر إلى التداوي بالخمر شربا أو تزريقا أو لطخا تصح المعاوضة عليه (45)، و لكن الأحوط المعاوضة عليه باعتبار ظرفه

______________________________

السماء، و لا يمكن إتمام هذا الحكم بحسب القواعد العامة، لأن دخان النجس ليس بنجس، كما تقدم في كتاب الطهارة، و احتمال تصاعد الأجزاء الدهنية بالحرارة منفي بالأصل، مع إنها متلاشي في الفضاء و لا يبقى لها عين حتى يجب الاجتناب عنها، و الدليل منحصر بمرسل المبسوط المتقدم و هو قاصر عن إثبات الوجوب، و إن صلح للاحتياط الندبي.

(43) لوجود المقتضي و فقد المانع، لأنه مال يجوز الانتفاع به منفعة محللة، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها، و الاستهلاك أسقط حرمة الأكل فلا محذور فيه من هذه الجهة.

(44) لعدم تحقق موضوع الأكل فيها- مع الدخول من الجوف في الجوف- حتى يكون حراما، و إنما هو استعمال خاص فيه منفعة محللة، فتشمله أدلة حلية البيع و صحته.

(45) لثبوت الغرض الصحيح- الغير المنهي عنه- فيه، فتشمله الإطلاقات و العمومات.

و دعوى: إن المناط في الصحة وجود المنفعة المحللة في حال الاختيار لا الضرورة، و إلا لجاز بيع كل شي ء، إذ ما من شي ء إلا و فيه منفعة محللة نادرة.

مردود: بأنه لم يرد تحديد من الشرع في خصوصيات المنفعة المحللة حتى يؤخذ بها، و إنما هي موكولة إلى نظر المتعارف، فإن حكموا بنظرهم بتحققها تشملها أدلة الصحة، و إن حكموا بالعدم أو كونها كالمعدوم لا تصح

ص: 57

و محله، أو جعل العوض في مقابل عمل و نحوه (46).

مسألة 17: كل حيوان غير مأكول اللحم إذا كانت فيه منفعة محللة متعارفة يجوز بيعه

(مسألة 17): كل حيوان غير مأكول اللحم إذا كانت فيه منفعة محللة متعارفة يجوز بيعه، و سائر المعاوضات بالنسبة إليه، صغيرا كان أو كبيرا، سبعا كان أو غيره مسوخا كان أو لا، كانت من الحشرات أو من غيرها (47)

______________________________

حينئذ، و كذا مع الشك في إنه من أيّهما، لأن مقتضى الأصل عدم النقل و الانتقال حينئذ بعد عدم صحة التمسك بدليل الصحة أو الفساد، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك لو لم نقل بشمول قاعدة الصحة لمثل هذا البيع بعد كونه بيعا عرفا و عدم بلوغ النهي إلينا من الشارع.

ثمَّ انه لا ريب في حكم العرف بأن المنفعة في الأدوية المشتملة على الخمر (الكحول) ليست ملحقة بالمعدوم.

و بالجملة ليس الموضوع من التعبديات الشرعية و لا الموضوعات المستنبطة بل من الأمور العرفية، فلا بد فيه من مراجعة المتعارف و أهل الخبرة من كل شي ء، و إذا راجعناهم يحكمون بثبوت المنفعة المتعارفة، فتصح المعاملة.

(46) خروجا عن خلاف من جعل مثل هذه المنفعة من المنافع النادرة الغير الموجبة لصحة المعاملة، و لما مر من احتمال حرمة بيع الخمر و لو كانت فيه المنفعة المحللة.

(47) كل ذلك لإطلاق أدلة البيع و التجارة من غير ما يصلح للتقييد، مضافا إلى إطلاق قوله عليه السّلام: «و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه و شرائه، و إمساكه و استعماله، و هبته و عاريته» (1)، و في خبر حماد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: «خطب رجل إلى قوم، فقالوا له: ما تجارتك؟ قال: أبيع الدواب، فزوجوه، فإذا هو يبيع السنانير، فمضوا إلى

ص: 58


1- الوسائل باب: 2 من أبواب آداب ما يكتسب به.

فيصح بيع دود القز، و العلق، و نحل العسل و نحوها من الحشرات. كما يجوز بيع الفيل و نحوه من المسوخ.

مسألة 18: كل ما كان آلة للحرام بحيث كانت المنفعة المقصودة منحصرة فيه

(مسألة 18): كل ما كان آلة للحرام بحيث كانت المنفعة المقصودة منحصرة فيه مثل آلات اللهو من العيدان و المزامير، و البرابط، و الطنبور و نحوها. و كذا آلات القمار، كالنرد و الشطرنج و نحوهما يحرم بيعها و شرائها (48)،

______________________________

علي عليه السّلام فأجاز نكاحه، و قال عليه السّلام: السنانير دواب» (1). و في خبر عبد الرحمن قال الصادق عليه السّلام: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت و لا بأس بثمن الهر» (2).

و أما رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن القرد أن يشتري و أن يباع» (3)، فمحمول على عدم وجود منفعة محللة فيها.

(48) إجماعا و نصوصا، منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر تحف العقول:

«و كل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه مما يتقرب به- إلى أن قال- أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد- إلى أن قال- و كل منهي عنه مما يتقرب به بغير اللّه» (4)، و في رواية أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «بيع الشطرنج حرام، و أكل ثمنه سحت، و اتخاذها كفر، و اللعب بها شرك، و السّلام على اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة، و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير لا صلاة له حتى يغسل يده كما يغسلها من مس لحم الخنزير، و الناظر إليها كالناظر في فرج أمه، و اللاهي بها و الناظر إليها في حال ما يلهي بها و السّلام على اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء، و من جلس على اللعب بها فقد تبوء مقعده من

ص: 59


1- الوسائل باب: 16 من أبواب العيوب و التدليس حديث: 2 (كتاب النكاح).
2- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

و كذا يحرم صنعها و أخذ الأجرة عليها أيضا (49)، بل يجب تغيير هيئتها و لو بالكسر (50)، و لو كانت لها منافع محللة يجوز البيع لها (51)، بل يجوز بيع موادها إن كانت لها مالية بعد الكسر (52)، و كذا قبله

______________________________

النار، و كان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة، و إياك و مجالسة اللاهي و المغرور بلعبها فإنها من المجالس التي باء أهلها بسخط من اللّه، يتوقعونه في كل ساعة فيعمك معهم» (1).

ثمَّ إن أقسام البيع الوارد على هذه الآلات ثلاثة.

الأول: أن يكون مورده الهيئة فقط.

الثاني: كونه هو المادة.

الثالث: هما معا.

و لا ريب في شمول الأدلة للقسم الأول، و يأتي حكم البقية في الفروع الآتية.

(49) إجماعا و نصوصا، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر تحف العقول: «إنما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها مما يجي ء منها الفساد محضا- إلى أن قال- فحرام تعليمه و تعلّمه، و العمل به و أخذ الأجرة عليه»، مع أن أكل المال بإزاء جميع ذلك من الباطل، مضافا إلى قوله عليه السّلام: «إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (2).

(50) لأنها مادة الفساد بعد فرض عدم المنفعة المحللة لها، و يجب قطع مادة الفساد مهما أمكن كما هو معلوم من مذاق الشريعة المقدسة، بل جميع الشرائع الإلهية.

(51) للأصل، و الإطلاق، و العموم بعد ان كان المتيقن من الإجماع و المنساق مما تقدم من الأدلة صورة عدم المنفعة المحللة.

(52) لوجود المقتضى و فقد المانع فتشمله الإطلاقات و العمومات

ص: 60


1- الوسائل باب: 103 من أبواب ما يكتسب به.
2- تقدم في صفحة: 39 و 43.

و لكن مع اشتراطه على المشتري و كونه ممن يوثق به (53)، و كذا لو باع المادة فقط ممن يوثق بكسرها و لو لم يشترط، أو باعها بالشرط و لو ممن لا يثق به (54).

______________________________

بلا مدافع.

(53) لأن المفروض إن البيع يقع على المادة فقط دون الهيئة التي هي مبغوضة و محرمة، و هي أيضا في معرض الزوال بحسب الشرط و الوثوق الذي عليه المدار في المعاملات و غيرها.

(54) لتمامية شرائط البيع بالنسبة إلى ذات العوضين، فتشمله أدلة الصحة و اللزوم قهرا.

و ما يتوهم في المنع من احتمال كونه من التسبيب إلى الحرام، و هو بقاء الهيئة في الخارج.

باطل: لفرض أنه يبيع المادة ممن يثق بكسره أو يشترطه، و بعد ذلك كيف يعقل التسبيب من ناحيته فليس البيع من التسبيب إلى الحرام لا عرفا و لا شرعا، مع إن ظاهر حال المسلم يقتضي أنه يتلف الصورة المحرمة و الهيئة المبغوضة.

نعم، لو باع المادة ممن لا يثق به و بلا شرط الكسر يكون باطلا، لأنه من التسبيب إلى الحرام حينئذ.

و لو باع المادة مع الهيئة، بحيث انحل البيع إلى كل واحد منها كما في بيع المملوك و غير المملوك، فمقتضى القاعدة صحة البيع بالنسبة إلى المادة، و بطلانه بالنسبة إلى الهيئة، كما يأتي في بيع المملوك و غيره.

و لكن عن الجواهر، و تبعه شيخنا الأنصاري قدس سرّه: إن الانحلال إنما هو بالنسبة إلى الأجزاء الخارجية الموجودة بوجود مستقل دون الاجزاء التحليلية و الهيئة من الأخيرة دون الأولى.

ص: 61

مسألة 19: قد تقدم في المسألة الرابعة من فصل حكم الأواني عدم تمامية الدليل على حرمة اقتناء أواني الذهب و الفضة

(مسألة 19): قد تقدم في المسألة الرابعة من (فصل حكم الأواني) عدم تمامية الدليل على حرمة اقتناء أواني الذهب و الفضة، فلا وجه لحرمة بيعها و شرائها و صياغتها و أخذ الأجرة عليها (55).

مسألة 20: النقود المجعولة لأجل غش الناس يحرم صنعها

(مسألة 20): النقود المجعولة لأجل غش الناس يحرم صنعها

______________________________

و فيه: أنه إن تمَّ إجماعا، و إلا فمقتضى الإطلاقات و العمومات التحليل فيها أيضا بعد حكم العرف بصحة التحليل حتى في الهيئة و المادة.

ثمَّ أن المرجع في القمار إنما هو المتعارف بين الناس من هذا العمل، فيكون هم المرجع في تعيين آلته، و نفس القمار و آلاته مما يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة، و ليست الآلات منحصرة بحد خاص و ما ذكر في الأخبار (1)، إنما ورد على طبق ما شاع في تلك الأزمنة، فيمكن أن يكون شي ء آلة للقمار في عصر و لم يكن آلة له في عصر آخر، و كذا بالنسبة إلى الأمكنة، و مقتضى الإطلاق حرمة تمام أنواع القمار و جميع آلاته مطلقا سواء كان مع المراهنة أو بدونه مع صدق القمار عند أهله عليه.

كما لا فرق بين البيع و سائر التمليكات مطلقا، بل و صلح حق الاختصاص أيضا، لشمول «التقلب» لجميع ذلك و هو منهي عنه.

أما لو باع كليا من الخشب- مثلا- و أعطاه في مقام الوفاء الآلات الخشبية المحرمة من القمار أو غيره، فالبيع صحيح و الوفاء باطل و حرام، لصدق التقلب بالنسبة إليه.

(55) لابتناء حرمة ذلك كله على حرمة أصل الاقتناء.

نعم، لا ريب في حرمة استعمالها، لما مر في تلك المسألة و لا ملازمة بين حرمة الاستعمال و حرمة الاقتناء بوجه، و لكن الأحوط ترك الاقتناء، و ترك البيع و الشراء، و الصياغة، لما نسب إلى المشهور من حرمة الاقتناء.

ص: 62


1- الوسائل باب: 104 من أبواب ما يكتسب به.

و المعاملة بها مطلقا، بل يجب إتلافها و إحراقها (56).

مسألة 21: يحرم بيع كل ما كان في العرف من المساعدة للحرام

(مسألة 21): يحرم بيع كل ما كان في العرف من المساعدة للحرام،

______________________________

(56) لتطابق الأدلة الأربعة على حرمة الغش- إيجادا و استعمالا- لأنه مادة الفساد، لا بد و إن تقلع مطلقا، قال تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1)، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح هشام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ليس من المسلمين من غشهم» (2)، و عنه عليه السّلام في رواية حسين بن زيد: «جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و بناته، و كانت تبيع منهن العطر فجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و هي عندهن، فقال صلّى اللّه عليه و آله: إذا أتيتنا طابت بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول اللّه، قال صلّى اللّه عليه و آله: إذا بعت فأحسني و لا تغشي فإنه أتقى و أبقى للمال- الحديث-» (3). و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء، و من حكم العقل إنه ظلم- لكونه خديعة- و قبيح عقلا.

و أما حرمة الدراهم المغشوشة، فلقوله عليه السّلام في موثق الجعفي: «اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا و لا إنفاقه» (4)، و في رواية موسى ابن بكر قال: «كنا عند أبي الحسن عليه السّلام و إذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينار فأخذه بيده ثمَّ قطعه نصفين، ثمَّ قال لي: القه في البالوعة حتى لا يباع شي ء فيه غش» (5)، إلى غير ذلك مما تقدم.

و توهم: إن الكسر و الإلقاء في البالوعة إسراف، لا ينبغي أن يصدر الأمر به من الإمام عليه السّلام.

باطل لأن ذلك نحو مبالغة منه عليه السّلام في إزالة مادة الفساد و يكون أهم من كل جهة عن الإسراف لو فرض شموله للمقام، إذ يمكن أن يكون بعد الكسر لا قيمة لها أصلا لكثرة الغش.

ص: 63


1- سورة البقرة: 188.
2- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 6.
3- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 6.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 5.
5- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5.

كبيع العنب و التمر ليعمل خمرا، و الخشب ليعمل آلة اللهو و القمار أو نحو ذلك، و تتحقق المساعدة بذكر ذلك في الالتزام العقدي و تواطئهما و بناء العقد عليه، و لو بأن يقول المشتري للبائع: بعني منا من العنب مثلا لأعمل خمرا، فباعه إياه، و هكذا بيع كل منفعة محللة على أن يصرف في الحرام (57)، و كذا تحرم إجارة المساكن لتباع أو تحرز، أو يعمل فيها

______________________________

و ما يظهر منه جواز المعاملة بالدراهم و الدنانير المغشوشة(1)، محمول على ما إذا كان الغش رائجا فيها كمطلق الذهب و الفضة، حيث فيهما مقدار من النحاس أو غيره من سائر الفلزات على ما هو مبين و معلوم عند أهل الخبرة من الصيارفة و الصياغ، و يأتي في بيع الصرف ما ينفع المقام.

ثمَّ إنه لو وقعت المعاملة بالدراهم المغشوشة مع الجهل بالغش، فالظاهر بطلان المعاملة لتعلق النهي في قوله عليه السّلام: «حتى لا يباع» بأحد العوضين الموجب للبطلان و ليس من النهي التكليفي المحض.

و لا يحرم اقتناء الدراهم المغشوشة مع عدم المعاملة بها، لما تقدم.

و هل يجوز إعطائها إلى الظلمة دفعا لظلمهم، أو إنفاقها في الخيرات- كالصدقة- الظاهر عدم الجواز، للعلم بأنه يقع من يدهم في يد غيرهم، و تصير بذلك رائجة، و يحصل به غش الناس فيشمله ما تقدم من النهي.

نعم، لو علم بعدم الوقوع من يدهم إلى يد غيرهم كان للجواز وجه.

(57) نصوصا و إجماعا، ففي مكاتبة ابن أذينة قال: «كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟ قال: لا» (2)، و في خبر ابن حريث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التوت أبيعه ممن يصنع للصليب و الصنم؟ قال عليه السّلام: لا» (3).

و الظاهر أن ذكر ما ورد في مورد السؤال من باب المثال، مع أن المورد لا

ص: 64


1- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 2.

المحرمات كالخمر و نحوها. و كذا يحرم إجارة السيارات و السفن و الحمولة لحمل المحرمات من الخمر و غيرها بأحد الوجهين المتقدمين (58). كما

______________________________

يكون مخصصا، فيشمل بيع كل ذي منفعة محللة على أن يصرف في الحرام، و يدل عليه أيضا الآية الكريمة الدالة على النهي عن أكل المال بالباطل، بل بناء العقلاء على أن مساعدة القبيح بقصد تحققه قبيح، فيصح الاستدلال بالأدلة الأربعة.

و أما خبر ابن أذينة قال: «كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن الرجل يؤجر سفينته و دابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (1)، فلا بد و أن يحمل على ما إذا اتفق ذلك لا على صورة التباني و التواطؤ عليه، و كذا صدر مكاتبة ابن أذينة قال: «كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذ برابط؟ فقال عليه السّلام: لا بأس» (2)، فإنه أيضا لا بد و أن يحمل على صورة عدم التباني على جعله برابط، فإن أحدا من عوام المتدينين لا يجترئ على التصريح بجوازه فضلا عن الإمام المنصوب لحفظ حدود أحكام اللّه تعالى، مع مراعاة تمام الجهات خصوصا بالنسبة إلى الخمر التي بنائهم عليهم السّلام على التشديد فيها بأي وجه أمكنهم ذلك (3).

ثمَّ انه لو وقعت المعاملة بعنوان مساعدة الحرام ثمَّ لم يقع في الخارج، فالمسألة من صغريات التجري، و بطلانها مبنية على القول بأن مثل هذا النهي يوجب البطلان، و هو مشكل بل ممنوع في المعاملات، لظهور إن النهي كان خارجا عن المعاملة و لم يكن من النهي عن العوض و إسقاط لماليته.

(58) للآية الكريمة الدالة على النهي عن أكل المال بالباطل (4)، و للإجماع، و لما مر من قبح المساعدة على القبيح عند العقلاء، و لخبر صابر قال: «سألت أبا

ص: 65


1- الوسائل باب: 39 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
3- راجع الوسائل باب: 34 و 11 و غيرهما من أبواب الأشربة المحرمة.
4- سورة النساء: 29.

تحرم المعاملة في المحرمات تكليفا تفسد أيضا، فلا يحل العوض لمن أخذه، و لا يحصل حق الاختصاص لمن انتقل إليه المحرم (59).

مسألة 22: يجوز بيع العنب أو التمر لمن يعلم إنه يعمله خمرا

(مسألة 22): يجوز بيع العنب أو التمر لمن يعلم إنه يعمله خمرا من دون أن يكون بيعه لذلك، و كذا يجوز إجارة المساكن و السفن و السيارة و نحوها ممن يعلم إنه يجعلها محرزا للخمر أو لحملها فيها من دون أن تكون الإجارة لذلك، و كذا الكلام في جميع المحرمات (60). و لكن

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يواجر بيته فيباع فيه الخمر؟ قال عليه السّلام: حرام أجره»(1)، و قوله عليه السّلام في خبر تحف العقول: «و كل أمر منهي عنه لجهة من الجهات فمحرم على الإنسان إجارة نفسه فيه، أو له أو شي ء منه» (2)، فتدل على الحرمة في هذا المسألة أيضا الأدلة الأربعة.

و ما يظهر منه الجواز كصحيح ابن أذينة، قال: «كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته و دابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (3)، فمحمول على مورد عدم الاشتراط و التباني.

(59) لإسقاط الشارع الأقدس حكم النقل و الانتقال في المعاملات الواقعة على المحرمات، فالعوض فيها باق على ملك مالكه، و لا ينتقل إلى صاحبه فيحرم له التصرف فيه من دون رضاء مستأنف، و كذا حق الاختصاص في الحرام يكون لصاحبه فليس للطرف الاستيلاء على هذا الحق بلا رضاء جديد مستأنف منه.

(60) للأصل، و الإطلاقات، و العمومات، و جملة من الأخبار منها ما تقدم من صحيح ابن أذينة، و منها مكاتبته الأخرى أيضا: «كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام

ص: 66


1- الوسائل باب: 39 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

.....

______________________________

أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذ برابط؟ فقال عليه السّلام: لا بأس» (1)، و خبر أبي نصر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام: عن بيع العصير فيصير خمرا قبل أن يقبض الثمن؟ فقال: لو باع ثمرته ممن يعلم إنه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس» (2)، و خبر الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله حراما؟ فقال عليه السّلام: لا بأس به تبيعه حلالا ليجعله حراما فأبعده اللّه و أسحقه» (3)، و خبر رفاعة ابن موسى قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره؟ قال عليه السّلام: حلال أ لسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا» (4)، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنه سئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا؟ فقال عليه السّلام: بعه ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب إليّ و لا أرى بالأول بأسا» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار، و يشهد له إنه لو كانت المعاملة محرمة مع من يعلم إنه يصرف المبيع في الحرام، أو يصرف البائع الثمن في الحرام لاختل النظام خصوصا مع كثرة عدم مبالاة الناس في دينهم.

و أشكل على هذه الأخبار.

تارة: بأن المراد بمن يصرفه في الخمر من يكون من شأنه ذلك لا من يصرفه فعلا فيه، إذ لا ينبغي أن يصدر مثل هذا القول عن المتشرعة فضلا عن الإمام عليه السّلام.

و أخرى: بمعارضتها بغيرها كخبر ابن حريث، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التوت أبيعه يصنع الصليب و الصنم؟ قال عليه السّلام: لا» (6)، و خبر ابن أذينة قال: «كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا، قال عليه السّلام: لا» (7).

و ثالثة: بأنه كيف يبيع الإمام عليه السّلام تمره ممن يعلم أنه يعمله خمرا فعلا.

و الكل مردود. أما الأول: فلأنّه خلاف الإطلاق.

ص: 67


1- الوسائل باب: 41 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
3- الوسائل باب: 59 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
4- الوسائل باب: 59 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8.
5- الوسائل باب: 59 من أبواب ما يكتسب به حديث: 9.
6- الوسائل باب: 41 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
7- الوسائل باب: 41 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

.....

______________________________

و أما الثاني: فلأن تلك الأخبار محمولة على الكراهة جمعا، و الأخير استبعاد محض، إذ لا محذور في ارتكابهم عليهم السّلام لما هو جائز و مكروه بيانا للجواز و طرحا لتشكيك المشككين.

و قد يستدل على المنع.

تارة: بأن دفع المنكر كرفعه واجب، كما تقدم (1).

و أخرى: بقاعدة حرمة الإعانة على الإثم على ما سبق تفصيله (2).

و يرد الأول: بأنه مسلّم فيما إذا كان عدم البيع علة تامة منحصرة لعدم وقوع الحرام لا فيما إذا كان من مجرد المقتضى فقط، و إلا لحرمت جملة كثيرة من المعاملات، فلا يجب تعجيز من يعلم أنه بان على إتيان معصية من المعاصي.

نعم، يحرم المعاونة على المعصية و يجب رفع المنكر مع تحقق الشرائط و لا ربط لهما بالتعجيز.

ثمَّ أن دفع المنكر يتصور على وجوه.

الأول: أن يكون واجبا على كل أحد بالوجوب العيني النفسي الاستقلالي، كوجوب الفرائض اليومية.

الثاني: أن يكون واجبا كفائيا فرديا كوجوب النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف، و تجهيزات الميت و نحوها.

الثالث: أن يكون واجبا مجموعيا لا فرديا بنحو الواجب المشروط، بمعنى إنه لو اجتمع الكل لا يجوز التخلف عنهم.

الرابع: هذه الصورة مع كونه بنحو الواجب المطلق، بحيث يجب على الكل تحصيل الاجتماع.

هذه احتمالات ثبوتية و لا طريق لهم إلى استظهار واحد منها في مقام الإثبات، فما هو العلة التامة لوقوع الحرام محرم، و في غيره يرجع إلى الأصل بعد فقد الدليل.

ص: 68


1- راجع ج: 15 صفحة: 265.
2- تقدم في ج: 1 صفحة 71.

.....

______________________________

و يرد الثاني: بأن الإعانة إما قصدية أو انطباقية قهرية.

و الأولى: مقطوع العدم، لفرض عدم القصد إلى التوصل إلى الحرام.

و الثانية: أيضا كذلك، لعدم حكم العرف بتحقق الإعانة القهرية، بل حكمهم بعدمها فيما إذا علم البائع أن المشتري يصرف المبيع في الحرام، من غير اشتراطهما ذلك و عدم تبانيهما عليه، مع أن مجرد الشك في صدق الإعانة يكفي في العدم، لأن دليلها إما لبّى أو لفظي و المتيقن من الأول غير ما نحن فيه، و لا يصح التمسك بالثاني، لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

إن قلت: لا وجه لاعتبار القصد في الإعانة لصدقها على إيجاد مقدمة الحرام مطلقا، و ليس التمسك بدليلها تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، و قد استدل جمع من الفقهاء بإطلاقاتها في مورد عدم القصد أيضا، فعن المبسوط:

الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله عليه السّلام: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي اللّه عز و جل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه» (1)، و استدل المحقق الثاني على حرمة بيع العصير المتنجس بقاعدة الإعانة، و استدل الأردبيلي في المقام بها و قرره في الحدائق، و نسب إلى ظاهر التهذيب- و المختلف، و الشهيد في المسالك و الروضة، و نهاية الشيخ في خصوص المساكن و الحمولات- الحرمة مع العلم مطلقا، بل عن ثاني الشهيدين و غيره إلحاق الظن به.

هذا مع أن ما ورد في اللعن على غارس الخمر (2)، يدل على المقام بالفحوى فلا وجه للجزم بعدم صدق الإعانة.

قلت: أما كلمات القوم فهي اجتهادات منهم لا تنفع لغيرهم ما لم يكن من الإجماع التعبدي المعتبر.

و أما الاستدلال بالفحوى فلا وجه له إلا فيما إذا كان الغرس لأجل التوصل به إلى التخمير، و كان البيع كذلك أيضا و هو مفروض العدم.

ص: 69


1- الوسائل باب: 163 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2. و في سنن ابن ماجه باب: 1 من أبواب الديات حديث: 2620.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و 5.

.....

______________________________

و أما عدم اعتبار القصد في الإعانة فهو مخالف لجميع موارد استعمالاته في الكتاب و السنة، فانظر إلى قوله تعالى: «إياك نعبد و إياك نستعين»، و قوله تعالى وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ (1)، و تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى (2)، و قوله عليه السّلام: «اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» (3)، إلى غير ذلك من موارد استعمالاتها.

نعم، قلنا بتحققها في مورد الصدق العرفي و لو مع عدم القصد، و أما مع عدم الصدق العرفي أو تشكيك العرف و تأمله فيه أيضا فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم تحققها و لو مع العلم بتحقق الحرام، إلا إذا ثبت أن البيع مع العلم بتحقق الحرام إعانة عليه و هو أول الدعوى، ثمَّ أنه لقصد التوصل إلى الحرام مراتب.

فتارة: يقصد التوصل إلى تحققه خارجا مع العلم بأنه يتحقق و انحصار سبب التحقق به.

و أخرى: يقصد التوصل إلى حصول مقدمة من مقدماته مع العلم بتحققه و الانحصار.

و ثالثة: يقصد ذلك مع عدم العلم و عدم الانحصار من دون تحقق قصد التوصل إليه أصلا، و هذه الصورة هي التي أفتى المشهور فيها بالحلية و الحق معهم، لما ذكرناه و قد تقدم بعض ما يناسب المقام في الأجزاء السابقة.

و قد ظهر مما ذكرناه إنه لا فرق في الجواز- بناء على المشهور و لما تقدم- بين ما إذا علم البائع أن المشتري يصرف المبيع في الحرام بإرادة منه فعلية أو انه تحصل له إرادة كذلك في المستقبل، للإطلاق الشامل للقسمين.

كما لا فرق بين ما إذا كان المشتري معروفا بأنه يعمل العنب خمرا و إنه شغله، أو لم يكن كذلك و إن كان الاحتياط في الأول أشد. و كذلك لا فرق في الجواز و المنع بين ما إذا وقعت المعاملة بالقيمة المتعارفة أو أقل منها أو أكثر،

ص: 70


1- سورة البقرة: 45.
2- سورة المائدة: 2.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.

الأحوط تركه (61).

مسألة 23: يحرم كل ما يوجب تقوية الباطل على الحق بأي نحو كان

(مسألة 23): يحرم كل ما يوجب تقوية الباطل على الحق بأي نحو كان، و لو ببيع معدات الحرب منهم (62)، و هي تختلف باختلاف الأعصار

______________________________

لإطلاق الأدلة الشامل للجميع.

(61) خروجا عن خلاف من ذهب إلى الحرمة.

(62) للأدلة الأربعة فمن الكتاب ما دل على حرمة الإعانة على الإثم كقوله تعالى وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى، وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (1)، و أي إثم أشد من هذا.

و من الإجماع: إجماع المسلمين بل العقلاء على أصل الكبرى إلا أن مصداق الحق و الباطل يختلف لديهم، لأن كلا يرى مذهبه حقا و ما يخالفه باطلا.

و من السنة القولية أخبار لا تحصى في موارد شتى.

منها: ما تقدم.

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية أبي حمزة: «لو لا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا» (2).

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه تعالى أو يقوى به الكفر و الشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و إمساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلب فيه» (3).

ص: 71


1- سورة المائدة: 3.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

و الأمصار (63)، بلا فرق فيه بين حال قيام الحرب و الهدنة إذا كان الاشتراء و الجمع للتهيئة و العدة (64). و لا يعتبر في حرمة البيع القصد إلى الإعانة و التقوية، بل المناط الصدق العرفي (65).

______________________________

و من السنة العملية بناء جميع الشرائع الإلهية خصوصا الشريعة الختمية المقدسة على المدافعة مع الباطل بأي وجه أمكن.

و قد ورد في بيع السلاح إلى الأعداء جملة من الأخبار.

منها: خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة؟ قال: إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس» (1)، و في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة: القتات- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله- و بائع السلاح من أهل الحرب» (2).

(63) لما هو المحسوس المشاهد بالوجدان و المضبوطة في تاريخ جميع المذاهب و الأديان.

(64) لصدق تقوية الباطل على كل منهما عرفا، و عند أهل الخبرة و المطلعين على هذه الأمور.

(65) لأن المناط صدق تقوية الباطل بأي وجه حصل، و ليس الفقيه من أهل خبرة تعيين الموضوع حتى يطيل البحث فيه، بل له خبراء ملتفتون خصوصا في هذه الأعصار.

و أما خبر حكيم السراج عن الصادق عليه السّلام: «ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج و أداتها؟ فقال عليه السّلام: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج و السلاح» (3)، فهو محمول على ما إذا لم يكن الاقتناء للتهيئة و العدة لمقاتلة

ص: 72


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6 و 7.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6 و 7.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

نعم، لو كان الحرب بين المسلمين و أهل الباطل يجوز البيع للمسلمين (66)، و إذا كان بين طائفتين من أهل الباطل مهدوري الدم صح البيع لكل واحد منهما (67). و إن كان الحرب بين طائفتين من محقون الدم لا بأس ببيع الأسلحة الدفاعية بخلاف الهجومية (68).

و لا يجوز بيع الأسلحة ممن يتعدى على الناس، كقطاع الطريق و نحوهم (69).

مسألة 24: لا فرق في ما تقدم في المسألة السابقة بين البيع و سائر المعاوضات

(مسألة 24): لا فرق في ما تقدم في المسألة السابقة بين البيع و سائر المعاوضات بل الهبة غير المعوضة أيضا (70).

______________________________

الحق و إلا فهو من تقوية الباطل قطعا و يكون حراما بلا إشكال.

(66) للأصل، و الإطلاق، و النص، و الإجماع ففي خبر هند السراج قال:

«قلت لأبي جعفر عليه السّلام أصلحك اللّه إني كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم فلما عرفني اللّه هذا الأمر ضقت بذلك و قلت: لا أحمل إلى أعداء اللّه، فقال لي: احمل إليهم و بعهم فإن اللّه يدفع بهم عدونا و عدوكم يعني الروم، و بعه فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك» (1)، و عليه يحمل خبر الصيقل: «اشتري السيوف و أبيعها من السلطان أ جائز لي بيعها؟ فكتب: لا بأس» (2)، إن لم يحمل على التقية خصوصا في المكاتبة.

(67) للأصل. و الإطلاق، و ظهور الإجماع.

(68) لفرض أن كلا منهما محقون الدم، فلا يصح بيع سلاح القتال بالنسبة إلى كل منهما، لما مر من الأدلة.

(69) لأنه من تقوية الباطل، فيشمله دليل المنع.

(70) لحصول تقوّى الباطل في كل ذلك فيحرم.

ص: 73


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 5.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 5.

مسألة 25: لو وقعت المعاملة على ما ذكر لا تفسد و إن عصى و ارتكب الحرام

(مسألة 25): لو وقعت المعاملة على ما ذكر لا تفسد و إن عصى و ارتكب الحرام (71)، و لكن الأحوط ترتيب آثار الفساد (72).

مسألة 26: تبطل المعاملة على كل شي ء ليس فيه غرض عقلائي محلل

(مسألة 26): تبطل المعاملة على كل شي ء ليس فيه غرض عقلائي محلل (73) بلا فرق في ذلك الغرض بين كونه نوعيا أو شخصيا (74).

______________________________

(71) لأن النهي متعلق بما هو خارج عن المعاملة و هو تقوية الباطل لا بذات العوض من حيث هو.

(72) خروجا عن خلاف بعض- كالمسالك و غيره- حيث اختار الفساد بدعوى أن النهي متعلق بذات العوض- كبيع الخمر و الكلب و نحوهما- و هو ظاهر الخدشة كما لا يخفى.

(73) لإجماع المسلمين بل العقلاء، لتقوم المعاوضات بما فيه الغرض العقلائي الغير المنهي عنه، و ذكر هذه المسألة في شروط العوضين أنسب بذكره في المقام، و لكن حيث تعرض لها هنا بعض أعاظم الفقهاء اقتفينا أثره.

ثمَّ إن ظاهرهم الحرمة مضافا إلى البطلان و هو كذلك، لأنه من أكل المال بالباطل و هو حرام.

(74) لعموم أدلة نفوذ المعاملات و إطلاقاتها الشامل لكلا الغرضين بلا مخصص و مقيد في البين إلا احتمال الانصراف إلى الأغراض النوعية و هو غالبي بدوي لا اعتبار به، فالإطلاق ثابت و المقيد مفقود فلا بد من التعميم.

ص: 74

فصل

اشارة

فصل

مسألة 1: يحرم كل تدليس بالغير في المعاملة معه

(مسألة 1): يحرم كل تدليس بالغير في المعاملة معه و منه تدليس الماشطة المرأة التي يراد تزويجها، و الأمة التي يراد بيعها (1)، و يحرم أخذ العوض عليه (2).

مسألة 2: التدليس كتمان العيب و إخفاته، و إظهار خلاف الواقع بصورة الواقع

(مسألة 2): التدليس كتمان العيب و إخفاته، و إظهار خلاف الواقع بصورة الواقع (3). و يتوقف ذلك على قصده و فعل ما يتحقق به ذلك (4).

و كذا يتحقق بعلم من يعمل التدليس إن من يفعل به ذلك قاصد له (5).

______________________________

حيث إن الفقهاء لم يضعوا كتابا مستقلا لبيان المحرمات النفسية و ذكر ما يتعلق بها من الأحكام و تعرضوا لجملة منها في المقام بمناسبة ان من شأنها التكسب بها بين الأنام أتبعناهم تبركا بطريقتهم.

(1) لأنه غش، و الغش حرام بالأدلة الأربعة، كما تقدم (1).

(2) لما مر من: «ان اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (2)، و المراد به مطلق العوض إجماعا، فيشمل أجرة الأجير و الإهداء بعنوان العوض أيضا.

(3) كما صرح به في النهاية، و المجمع، و العرف، و مذاق الشرع يدل على ذلك أيضا.

(4) لأن المنساق من التدليس عرفا و لغة كونه متقوما بالقصد و الإرادة، و ليس من الأمور القهرية الانطباقية و لو مع عدم الالتفات إليه.

(5) لأنه مع قصد الطرف لذلك يكون فاعل التدليس قاصدا له أيضا لقيام العمل التدليسي بالفاعل، فيكون نسبة هذا العمل إليه نسبة الفعل إلى الفاعل

ص: 75


1- تقدم في صفحة: 63.
2- سبق في صفحة: 39 و 43.

مسألة 3: لا بأس بتزيين الزوجة لزوجها بأي وجه أمكن

(مسألة 3): لا بأس بتزيين الزوجة لزوجها بأي وجه أمكن و تيسر لها مباشرة أو تسبيبا و لو بإظهار خلاف الواقع ما لم يترتب على ذلك محرم (6).

______________________________

بخلاف بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا الذي تقدم أن مجرد العلم بأن المشتري يجعله خمرا ليس من الإعانة و لا حرمة فيه، و أما في المقام الذي يكون التدليس قائما بنفس المدلس فيكون الطرف كالمادة المحضة.

ثمَّ إن التدليس.

تارة: يكون مع الغير في المعاملة معه.

و أخرى: في المجاملة معه.

و ثالثة: يكون في فعل الشخص من أفعاله التوصلية لأغراض يتوهمها.

و رابعة: يكون في عبادياته.

و الأول: حرام يوجب بطلان المعاملة، لما تقدم.

و الثاني: لا يحرم للأصل، و إطلاق أدلة المجاملات ما لم يرجع إلى الكذب و النفاق.

و كذا الثالث أيضا.

و الأخير: حرام و يوجب بطلان العبادة كما تقدم في نية الوضوء و الصلاة.

و أما التدليس في المجانيات كالهبات و العطايا فلا بأس به و إن كان خلاف أخلاق الإسلام المبنية على تغليب جانب الإضافة إلى اللّه تعالى مهما أمكن ذلك.

(6) للنص، و الإجماع قال أبو جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «لا ينبغي للمرأة أن تعطل نفسها و لو أن تعلق في عنقها قلادة و لا ينبغي أن تدع يدها من الخضاب و لو أن تمسحها مسحا بالحناء و إن كانت مسنة» (1)، و الظاهر بل المعلوم أن ما ذكره عليه السّلام إنما هو من باب المثال لا الخصوصية، و يدل عليه ما

ص: 76


1- الوسائل باب: 85 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1.

و لا بأس بوصل شعر غيرها بشعرها (7) و إن كره ذلك (8). و لا بأس بأخذ الأجرة على التزيين و التجميل الحلال (9).

______________________________

ورد من أن: «جهاد المرأة حسن التبعل» (1)، و يأتي في كتاب النكاح بعض ما ينفع المقام.

(7) للأصل، و الإجماع، و إطلاق ما ورد في التجمل و التزين للزوج كقول أبي جعفر عليه السّلام: «لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها» (2).

(8) لخبر ابن سعيد قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن النساء تجعل في رؤوسهن القرامل؟ قال عليه السّلام: يصلح الصوف و ما كان من شعر امرأة لنفسها، و كره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها، فإن وصلت شعرها بصوف أو بشعر نفسها فلا يضرها» (3)، و في خبر ابن خالد قال: «قلت له: المرأة تجعل في رأسها القرامل، قال: يصلح له الصوف و ما كان من شعر المرأة نفسها، و كره أن يوصل شعر المرأة (من شعر) بشعر غيرها» (4)، و في خبر سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سئل عن القرامل التي تصنعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن؟ فقال عليه السّلام: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها، قال: قلت بلغنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة، فقال عليه السّلام: ليس هناك انما لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الواصلة و الموصولة التي تزني في شبابها فلما كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة» (5). و على هذا يشكل استفادة الكراهة مما تقدم من الأخبار أيضا.

(9) للإجماع، و الأصل، و الإطلاقات، و العمومات، و قوله عليه السّلام: «لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطي» (6)، و ذيله محمول على كراهة

ص: 77


1- الوسائل باب: 81 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 101 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 2.
3- الوسائل باب: 101 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 101 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1 و 3.
5- الوسائل باب: 101 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 2.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.

مسألة 4: الأحوط وجوبا ترك تزيين الرجل بما يختص بالمرأة و بالعكس

(مسألة 4): الأحوط وجوبا ترك تزيين الرجل بما يختص بالمرأة و بالعكس، و يختلف ذلك باختلاف الازمان و العادات و الأمكنة (10). هذا في غير الحرير و الذهب و أما فيهما فيحرم على الرجال مطلقا (11).

______________________________

المداقة في كمية الأجرة، لأن أجرة مثل هذه الأمور معلومة محدودة غالبا فلا ينافي ما ورد: «لا تستعملن أجيرا حتى تقاطعه» (1)، لأن المقاطعة النوعية تكفي في التعيين، مع أن المداقة و المماكسة في أجرة مثل هذه الأمور مما يعد مستهجنا عند ذوي الشرف كما لا يخفى على أهله.

(10) نسبت حرمة ذلك إلى المشهور و اعترفوا بأنه لا دليل عليه إلا النبوي:

«لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال» (2)، و هو قاصر سندا و دلالة، لاحتمال أن يكون المراد به خصوص الزي التجملي، أو تأنث الذكر، و تذكر الأنثى، أو خصوص اللواط و المساحقة، أو الكراهة في الجملة في غير ما نص فيه على التحريم.

و يشهد للأخير خبر سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل يجر ثيابه، قال عليه السّلام: اني لأكره أن يتشبه بالنساء» (3)، و عنه عن آبائه عليهم السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء، و ينهى المرأة تتشبه بالرجال في لباسها» (4).

و في خبر أبي حذيفة عن الصادق عليه السّلام: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجل و هم المخنثون و اللائي ينكحن بعضهن بعضا» (5).

(11) تقدم الدليل على الحرمة في لباس المصلي (6)، فراجع سواء حصل

ص: 78


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 87 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1 و 2. (كتاب الصلاة).
4- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الملابس حديث: 1 و 2. (كتاب الصلاة).
5- الوسائل باب: 24 من أبواب النكاح المحرم حديث: 6.
6- راجع المجلد الخامس صفحة: 306- 314.

مسألة 5: الظاهر ان التزيين المرجوح للرجل بما يختص بالمرأة و بالعكس من الأمور القصدية

(مسألة 5): الظاهر ان التزيين المرجوح للرجل بما يختص بالمرأة و بالعكس من الأمور القصدية فلا يحرم إن حصل بلا قصد و اختيار (12).

مسألة 6: يحرم حلق اللحية للرجال على الأحوط وجوبا

(مسألة 6): يحرم حلق اللحية للرجال على الأحوط وجوبا (13).

______________________________

به التشبيه أو لا.

ثمَّ أن الخنثى المشكل إن علم أنها أما رجل أو مرأة، فيحرم عليها مختصات كل منهما بناء على الحرمة، للعلم الإجمالي، و إن شك في ذلك- أو أحرز انها طبيعة ثالثة- لا يحرم عليها شي ء منهما للأصل.

(12) للأصل بعد انسباق القصد و الاختيار مما دل على المرجوحية لو تمت دلالتها هذا بحسب الحدوث، و أما البقاء فيصير قهرا اختياريا إن أمكنت الإزالة.

ثمَّ إن استعمال الألوان و الادهان للتزيين إن كانت مختصة للنساء يدخل في تزيين الرجل بما يختص بالمرأة، و بالعكس يكون بالعكس. و في المشترك لا بأس لكل منهما، للأصل ما لم تترتب عليه مفسدة.

(13) المعروف بين الفقهاء قدس سرّهم حرمة حلق اللحية للرجال، و قد وضعت في ذلك رسائل شتى بالسنة مختلفة، و استدل عليها بأدلة كثيرة غالبها مخدوشة كما لا يخفى على من تأملها حق التأمل. و أهمها و أولاها التمسك بالسيرة قديما و حديثا المعلوم وجودها في زمان المعصوم و تقريره عليه السّلام لها فإن المتشرعة بارتكازاتهم الشرعية يعدونه قبيحا و محرما شرعيا و يفسقون من فعل ذلك من غير ضرورة، و يشهد للتقرير و قدم السيرة تفسير على عليه السّلام جند بني مروان هم أقوام: «حلقوا اللحى و فتلوا الشارب» (1)، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أن المجوس جزّوا لحاهم، و وفّروا شواربهم و انا نحن نجز الشوارب، و نعفي اللحى، و هي الفطرة» (2)، فاصل المرجوحية مسلمة من زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى اليوم، و استفادة

ص: 79


1- الوسائل باب: 67 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

مسألة 7: يحرم التشبيب بالمرأة المحترمة المعروفة إذا استلزم ذلك إيذائها أو فضيحتها و إغراء الناس بها

(مسألة 7): يحرم التشبيب بالمرأة المحترمة المعروفة (14) إذا استلزم ذلك إيذائها أو فضيحتها و إغراء الناس بها (15)، بل الأحوط الترك مطلقا (16).

______________________________

الحرمة من هذا النحو من الاهتمام لا بأس به و إن أمكن الإشكال فيها.

و في صحيح أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته؟ قال عليه السّلام: أما من عارضيه فلا بأس و أما من مقدمها فلا» (1)، و استفادة الحرمة منه أيضا مشكل، لأن مفاده (لا يصلح) و هو أعم من الحرمة على ما هو المعروف بين الفقهاء.

ثمَّ أنه في جملة من الأخبار القاصرة سندا الواردة في كمية اللحية إن «ما زاد على القبضة ففي النار» (2)، و القبضة من الأمور التشكيكية فيمكن أن يراد بها الأخذ من مبدإ الشفة السفلى، كما انه يمكن أن يراد بها الأخذ من منتهى الذقن و يمكن أن يراد بها مطلق القبض و لو برؤوس الأصابع و المتيقن هو الأخير لو لم يستظهر أحد الأولين و لو كان الحديث مجملا، فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر فتجري البراءة عن اعتبار غير الأخير.

(14) التشبيب: ذكر محاسن المرأة أو الغلام و إظهار الحب بهما بالشعر سواء كان إنشاء أو إنشادا، و الظاهر الشمول للنثر أيضا و إن كان الغالب إنما هو الشعر، لأن المناط انما هو ترتب الأثر و هو يترتب على الجميع.

(15) لحرمة ذلك كله بالنسبة إلى المحترمة التي لم يلق الشارع احترامها بضرورة المذهب بل الدين.

(16) لما علم من مذاق الشرع من مرجوحية ذلك، و يستفاد ذلك من نصوص كثيرة وردت في أبواب متفرقة مثل ما ورد من النهي عن الخلوة مع

ص: 80


1- الوسائل باب: 63 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.
2- الوسائل باب: 65 من أبواب آداب الحمام حديث: 1 و غيره من الأخبار.

و أما الغير المعروفة فلا بأس بالتشبيب بها (17)، و إن كان الأحوط الترك (18). و أما التشبيب بالغلام فهو محرم على كل حال (19).

مسألة 8: يحرم تصوير ذوات الأرواح مع كون الصورة مجسمة من الأجنبية

(مسألة 8): يحرم تصوير ذوات الأرواح مع كون الصورة مجسمة من الأجنبية

______________________________

لأن ثالثهما الشيطان (1)، و كراهة جلوس الرجل في محل المرأة حتى يبرد (2)، و ما ورد في التستر من الصبي المميز (3)، و كذا ما ورد في تستر المرأة عن نساء أهل الذمة لأنهن يصفن لأزواجهن (4)، و أن لا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قبله مرض إلى غير ذلك مما يمكن استفادة المرجوحية في المقام أيضا.

و احتمال أن ذلك كله تعبد محض في مورده فلا وجه للاستئناس بها للمقام بعيد، مع ورود التعليل في بعضها كقوله تعالى فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ (5).

(17) للأصل بعد عدم دليل على المنع.

(18) لما مر من إمكان استفادة هذه المرجوحية من الأخبار المختلفة الواردة في الأبواب المتفرقة، كما تقدم.

(19) أرسل ذلك جمع إرسال المسلمات- منهم الشهيدين، و المحقق الثاني، و المحقق الأنصاري- مستندا إلى أنه إغراء بالقبيح. و لكن في إطلاق الحكم نظر، كما عن المفاتيح.

ثمَّ انه لا فرق في التشبيب بين المحرم و الزوجة و المخطوبة و غيرها مع وجود مخاطب في البين.

ص: 81


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الإجارات.
2- الوسائل باب: 145 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.
3- الوسائل باب: 130 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 2.
4- الوسائل باب: 98 من أبواب مقدمات النكاح.
5- سورة الأحزاب: 32.

الخشب أو المعدن أو نحوهما (20)، بل غير المجسمة أيضا (21). و أما

______________________________

و كما يحرم التشبيب يحرم استماعه أيضا، لأنه المنساق من أدلة حرمته، و أما لو شك المستمع في تحقق شرط الحرمة، فمقتضى الأصل عدمها.

و أما لو لم يكن سامع في البين أصلا، أو كان هناك سامع و كانت معروفة عند القائل دون السامع ففي الحرمة إشكال، لاحتمال انصراف الأدلة عن الفرضين.

و الظاهر شمول الأدلة لما إذا كانت المشبب بها ميتا بعد تحقق سائر الشرائط.

و أما التشبب الذي هو عنوان خاص مشهور عند أهل الغزل من الشعراء، فالظاهر الجواز، لعدم شمول الأدلة له.

(20) إجماعا، و نصوصا، ففي صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ فقال عليه السّلام: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان» (1)، و في حديث المناهي، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن التصاوير، و قال: من صوّر صورة كلفه اللّه تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ» (2)، و في صحيح ابن مروان عن الصادق عليه السّلام قال: «سمعته يقول: ثلاثة يعذبون يوم القيامة من صوّر صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها، و المكذب في منامه يعذب حتى يعقد بين شعرتين و ليس بعاقد بينهما، و المستمع إلى حديث قوم و هم لهم كارهون يصب في أذنه الآنك و هو الأسرب» (3)، و نحوه غيره مما يشمل على هذا المضمون.

(21) كما عن جمع من الفقهاء- منهم الحلي، و الشهيد الثاني، و المحقق السبزواري، و المحقق الأنصاري- لإطلاق ما تقدم من الأخبار، و نهى صلّى اللّه عليه و آله: «أن

ص: 82


1- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 6 و 7.
2- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 6 و 7.
3- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 6 و 7.

.....

______________________________

ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم» (1)، و قوله عليه السّلام: «نهى عن تزويق البيت قلت و ما تزويق البيوت؟ قال التصاوير و التماثيل» (2)، و قوله عليه السّلام: «و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني» (3).

و عن جمع آخر من الفقهاء- منهم ظاهر المحقق في الشرائع، و صريح صاحب الجواهر- الجواز في غير المجسمة، و استدل عليه.

تارة: بالأصل.

و أخرى: بإطلاقات أدلة التجارة و التكسب.

و ثالثة: بالاستظهار من التكليف بالنفخ بدعوى أن المنساق منه التجسم.

و رابعة: بأن الصورة لا تصدق إلا على المجسم خصوصا مع مقابلة النقش لها في حديث المناهي (4).

و خامسة: بإشعار ما ورد في الصلاة في البيت الذي فيه تماثيل بأنه لا بأس بالصلاة: «إذا غيرت رؤوسها»، أو «قطعت»، أو «كسرت» (5)، فإن ظهور هذه التعبيرات في التجسم مما لا ينكر.

و سادسة: بما ورد من جواز إبقاء الصور التي على الوسادة و عدم وجوب محوها (6).

و الكل مخدوش. إذ الأول: محكوم بما تقدم من الأخبار.

و الثاني: مقيدة بها.

و الثالث: من الحكمة لا العلة، مع إن مجرد الصورة لها شيئية مطلقا.

و الرابع: بأنه من مجرد الدعوى لصدق الصورة على النقش عرفا و لغة

ص: 83


1- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام المساكن حديث: 8.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
4- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب مكان المصلي حديث: 5 و 10.
6- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

تصوير غير ذوات الأرواح كالأشجار و الأوراد و البحار و الجبال و الشمس و القمر و الآلات و الأدوات و نحوها فلا بأس و لو مع التجسم (22).

مسألة 9: لا فرق في التصوير المحرم بين النقش و التخطيط و التطريز و الحك و نحو ذلك

(مسألة 9): لا فرق في التصوير المحرم بين النقش و التخطيط و التطريز و الحك و نحو ذلك (23)، كما لا فرق في الحيوان المصور بين كون نوعه موجودا أو لا (24)، و الأحوط وجوبا ترك تصوير الملك و الجن و الشياطين أيضا (25). و لا فرق في الحيوان بين الصغير و الكبير، فيشمل الذرة و الفيل (26).

مسألة 10: ليس من التصوير المحرم أخذ الصورة بالأجهزة المعدة لذلك بجميع أقسامها و كيفياتها

(مسألة 10): ليس من التصوير المحرم أخذ الصورة بالأجهزة المعدة لذلك بجميع أقسامها و كيفياتها (27).

______________________________

و مقابلة النقش الصورة لا تنفع في المقام، لفرض أنه عليه السّلام حكم بحرمة النقش أيضا.

و الخامس: بأنه حكم آخر لا ربط له بالمقام فالأخذ بالإطلاق متعين بعد عدم مقيد في البين.

(22) للنصوص منها ما تقدم من صحيح ابن مسلم، و ابن مسكان، و خبر التحف: «و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني» و بها يقيد الإطلاقات الدالة على المنع.

(23) للإطلاق الشامل للجميع.

(24) لصدق الحيوان عليه أيضا، فتشمله الإطلاقات.

(25) لأن المراد من الحيوان و الروحاني الوارد في الاخبار مطلق ذي الروح، و منشأ الترديد احتمال الانصراف عنها.

(26) للإطلاق الشامل للجميع لو لم نقل بالانصراف عن الحشرات.

(27) للأصل بعد إن كان المنساق من الأدلة ما كان بعمل اليد الشائع في الأزمنة القديمة، و الشك في الشمول يكفي في عدم الشمول، لأن التمسك

ص: 84

نعم، لو ترتب عليه مفسدة تحرم من تلك الجهة (28).

مسألة 11: يحرم التكسب بما يحرم عمله

(مسألة 11): يحرم التكسب بما يحرم عمله من الصور و يحرم أخذ الأجرة عليه (29).

مسألة 12: يجوز جمع الصور مطلقا مجسمة كانت أو لا

(مسألة 12): يجوز جمع الصور مطلقا مجسمة كانت أو لا، و يجوز اقتنائها و استعمالها و النظر إليها (30).

______________________________

بالدليل حينئذ تمسك به في الموضوع المشتبه و المرجع فيه حينئذ هو الأصل، و كذا المجسمات المصنوعة في عصرنا الحاضر من البلاستيك الذي تصبه المكائن الخاصة في قوالب مخصوصة للشك في كونها من التصوير المحرم، فيرجع فيها إلى الأصل، و في كون القالب من التصوير المحرم إشكال، لانصراف الأدلة عنه.

(28) لعموم دليل حرمة تلك المفسدة، فيحرم حينئذ.

(29) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (1)، مضافا إلى الإجماع عليه.

(30) للأصل، و الإطلاقات، و عدم الدليل على الملازمة بين حرمة الإيجاد و حرمة ما ذكر من عقل، أو نقل إلا إذا ثبت بدليل معتبر إن الإيجاد و الوجود مطلقا محرم كآلات اللهو و القمار. و كتب الضلال و نحوها.

و استدل للحرمة بأمور.

الأول: تصريح جمع من القدماء بذلك.

الثاني: إطلاق صحيح ابن مسلم: «لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان» (2)، فإن إطلاقه يشمل الجميع.

الثالث: إن الظاهر من تحريم العمل تحريم الاقتناء و البيع و غيرهما.

الرابع: خبر التحف: «إنما حرم اللّه الصناعة التي يجي ء منها الفساد محضا

ص: 85


1- تقدم في صفحة: 39 و 43.
2- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.

.....

______________________________

- إلى أن قال- يحرم جميع التقلب فيه» (1).

الخامس: النبوي: «لا تدع صورة إلا محوتها» (2).

السادس: إنكارهم عليهم السّلام أن المعمول لسليمان عليه السّلام تماثيل الرجال و النساء و لكنها الشجر و شبهه (3).

السابع: قول أبي جعفر في صحيح زرارة: «لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غيرت رؤوسها منها و ترك ما سوى ذلك» (4).

الثامن: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أن عليا كان يكره الصورة في البيوت» (5).، بضميمة انه عليه السّلام: «لم يكن يكره الحلال» (6)

التاسع: ما ورد أنه أهدى إلى الصادق عليه السّلام طنفسة فيها تماثيل طائر فأمر بها فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر (7).

العاشر: إنه من اللهو المنهي عنه، هذه أدلتهم قدس سرّهم.

و الكل مخدوش: إذ لا اعتبار بالأول، لأنه ليس من الإجماع و لا الشهرة، و المنساق من الثاني هو نفس العمل دون الاقتناء و غيره، و الشك في الشمول يكفي في عدم الشمول.

و الثالث: من مجرد دعوى بلا دليل عليه.

و الرابع: بأنه ليس في الاقتناء و البيع الفساد المحض وجدانا.

و الخامس: قاصر سندا و دلالة، إذ لا يستفاد منه أزيد من المرجوحية.

و السادس: ظاهر في نفس العمل و استنكاره للعمل دون شي ء آخر من الاقتناء و البيع.

ص: 86


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب المساكن حديث: 8.
3- الوسائل باب: 94 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب المساكن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب المساكن حديث: 14.
6- الوسائل باب: 15 من أبواب الربا حديث: 1.
7- الوسائل باب: 4 من أبواب المساكن حديث: 7.

نعم، يكره اقتنائها و إمساكها، خصوصا المجسمة، لأن الكراهة فيها أشد و آكد (31)، و لا كراهة في تماثيل غير الحيوان و إن بلغت من الحسن و الجمال ما بلغت (32)، كما لا بأس بتصوير بعض أجزاء الحيوان إن لم يقصد التمام (33).

مسألة 13: يحرم التطفيف

(مسألة 13): يحرم التطفيف، سواء كان في المكيل أو الموزون، أو

______________________________

و السابع: لا يدل على أزيد من رجحان التغيير و لا يدل على أزيد من ذلك، و كذا التاسع، و لا وجه للثامن، لأنه عليه السّلام يكره المكروه قطعا فليكن المقام كذلك.

و العاشر: من مجرد الدعوى بلا دليل بل الظاهر عدم صدق اللهو عليهما.

(31) يظهر وجه الكراهة و أشديتها بالنسبة إلى المجسمة من جميع ما مر، و يشهد للكراهة الجمع بين الصور و التماثيل في البيت و الكلب و الإناء التي يجتمع فيه البول في جملة من الاخبار، كقوله عليه السّلام في صحيح ابن مسكان: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إن جبرائيل أتاني فقال: أنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب و لا تمثال جسد و لا إناء يبال فيه» (1)، و غيره من الاخبار، و في بعض الاخبار إضافة الجنب إليها (2).

(32) للأصل و الإطلاق و الإجماع.

(33) للأصل بعد ظهور الأدلة في التمام عرفا. و لو قصد التمام ثمَّ بدئ له عن الإتمام يكون من صغريات التجري.

و أما لو اشترك اثنان في تصوير صورة فمقتضى الأصل عدم حرمة فعل كل واحد منهما بعد ظهور الأدلة في التمام، و لو قصد كل منهما التمام و لم يفعل يكون من التجري.

ثمَّ انه لا بأس بالنظر إلى صورة الإنسان و تماثيلهم و إن اختلفت مع الناظر في الذكورة و الأنوثة، للأصل بعد عدم دليل على الخلاف.

ص: 87


1- الوسائل باب: 33 من أبواب مكان المصلي حديث: 1 و 6.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب مكان المصلي حديث: 1 و 6.

المزروع أو المعدود أو غيرها من طرق تعيين المال (34).

مسألة 14: يحرم التنجيم

(مسألة 14): يحرم التنجيم، و هو الإخبار بنحو الجزم عن حوادث العالم من النفع و الضرر و الخير و الشر و الصلح و الحرب و نحوها من الأخبار الغيبية مستندا إلى التأثيرات الفلكية معتقدا بهذا التأثير على نحو العلية في العالم (35).

______________________________

(34) لأنه أكل للمال بالباطل، و لأنه ظلم فتدل على حرمته الأدلة الأربعة، و الظاهر أنه ليس لنفس التطفيف من حيث هو حرمة ذاتية، بل هو طريق إلى أكل مال الغير بالباطل، فلو طفف في الوزن مثلا و اعطى تماما في مقام التسليم لم يفعل محرما و إن فعل ما لا ينبغي للمسلم.

ثمَّ إن المعاملة ان وقعت على الكلي و طفف في مقام الأداء، فالمعاملة صحيحة و الذمة مشغولة بالناقص، و كذا إن وقعت على العين الخارجي باعتقاد إنها مقدار كذا مثلا.

و أما إن وقعت عليها بقيد إنها مقدار كذا، بحيث يكون التقيد عنوانا للمعاملة الواقعة فهي باطلة كما إذا باع فرسا بعنوان الفرسية فبان حمارا.

و لو استأجر كيّالا أو وزّانا مثلا فطفف الأجير، فالإجارة صحيحة و يجري في المعاملة ما تقدم من الاقسام، و ان استأجره لأجل التطفيف فأصل الإجارة باطلة كما هو واضح لا يخفى.

(35) البحث في التنجيم من جهات.

الأولى: في معناه و هو عبارة عن الإخبارات الغيبة مستندا إلى الأوضاع الفلكية و هو من العلوم القديمة المتوغلة في القدم و صدر صفحات التقاويم المعمولة يشهد لمعناه لكل من راجع إليها.

الثانية: في ان لهذا العلم و الاخبار موضوعية في الحرمة- كحرمة الغيبة و النميمة و نحوهما- أو أن حرمته إنما يكون لأجل المفسدة المترتبة عليه كما إذا استلزم الشرك في ذاته تعالى، أو في الفعل أو في العبادة، أو إنكار الصانع أو نحو

ص: 88

.....

______________________________

ذلك من المفاسد فهو حرام غيري لا أن يكون حراما نفسيا.

الحق هو الأخير لأن حرمة المفسدة المترتبة معلومة بالضرورة من الدين و حرمة غيره مشكوك فيرجع فيه إلى الأصل، فلو دل قول المنجم على إنه لا إله أصلا غير الأفلاك، أو انها شريك له في الخلق أو في المعبودية، أو ان الصنع لها مطلقا دون اللّه تعالى لكان كل ذلك حراما و باطلا.

و أما لو كان مفاد قولهم إن الأوضاع الخاصة الفلكية تشهد بأن اللّه تعالى يخلق الحادثة الكذائية عند الوضع الخاص الكذائي، كما ينبت اللّه تعالى النباتات في الربيع، فلا حرمة فيه، و لا بطلان بل هو علم مطلوب مرغوب فيه حينئذ شرعا كسائر العلوم التي يستفاد منها عجائب صنع اللّه تعالى في خلقه، ففي خبر يونس قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو؟ قال عليه السّلام: هو علم من علم الأنبياء، قال: فقلت: كان علي بن أبي طالب عليه السّلام يعلمه، فقال عليه السّلام: كان أعلم الناس به» (1)، و في خبر ريان بن الصلت:

«إنه حضر عند الرضا عليه السّلام الصباح بن بصير الهندي و سأله عن علم النجوم، فقال عليه السّلام: هو علم في أصل صحيح ذكر أن أول من تكلم به إدريس عليه السّلام، و كان ذو القرنين بها ماهرا و أصل هذا العلم من عند اللّه عز و جل» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و بذلك يمكن أن يجمع بين الاخبار و الكلمات، فما يظهر منه ذمه، و انه كفر و باطل إنما هو فيما إذا ترتبت عليه مفسدة من شرك أو ضعف عقيدة بالنسبة إلى المبدأ مطلقا، كقوله عليه السّلام: «المنجم ملعون، و الكاهن ملعون، و الساحر ملعون» (3)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من صدّق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله» (4)، و قول علي عليه السّلام: «أيها الناس إياكم و تعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر، فإنها تدعوا إلى الكهانة، و المنجم كالكاهن، و الكاهن كالساحر،

ص: 89


1- البحار ج: 58 صفحة: 235 باب: 10 من أبواب السماء و العالم حديث: 11.
2- مستدرك الوسائل باب: 21 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب ما يكتسب به حديث: 7.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب ما يكتسب به حديث: 11.

.....

______________________________

و الساحر كالكافر، و الكافر في النار، سيروا على اسم اللّه» (1)، و ما يظهر أنه حق إنما هو فيما إذا لم تترتب عليه المفسدة، و يشهد لهذا الجمع بعض الأخبار (2)، كما لا يخفى عم ن تدبر فيها.

فيكون كما لو أخبر الطبيب بأن حركات القلب تدل على عارضة كذائية في البدن لا ريب في جوازه و صحة المراجعة إليه، فهكذا لو أخبر المنجم بأن الأوضاع الخاصة كاشفة عن حدوث حوادث مخصوصة بإذن اللّه تعالى.

الثالثة: لتأثير الأوضاع الفلكية في الحوادث احتمالات.

الأول: أن يكون من العلة التامة المنحصرة بحيث تغلب الإرادة القاهرة الإلهية و لا ريب في بطلان هذا الاحتمال في جميع الشرائع الإلهية فضلا عن الشريعة الختمية التي هي أكملها من حيث المعارف، و إن ما سواه تعالى- كلية و جزئيا و جزءا و كلا- مستند إليه عز و جل حدوثا و بقاء بأسبابها التي جعلها اللّه تعالى في نظامه الكياني الذي هو فوق ما نتعقله من النظام الأحسن.

الثاني: أن يكون جزء العلة في عرض الإرادة الإلهية و هذا باطل أيضا. لما أثبتناه في المعارف من ان إرادته تعالى قاهرة على جميع ما سواه، و هو الخالق لما سواه.

الثالث: أن تكون تلك الأوضاع مقدرة و مخلوقة له تعالى و يكون الجميع تحت قدرته و إرادته و هذا حق بلا ريب، فتكون نسبة تلك الأوضاع إلى الحوادث كنسبة الربيع إلى نبت النباتات، و كنسبة الأرحام إلى نمو النطفة.

فوائد.

الأولى: اختلفوا في أن للأجرام العلوية نفوس ناطقة أو أنها جمادات صرفة تدور بالتسخير كحجر الرحى، فذهب جمع إلى الأول و قال الحكيم السبزواري:

و كل ما هناك حي ناطق و لجمال اللّه دواما عاشق

فيكون حركاتها إرادية عشقية كحركة العاشق المتيّم المستهام للمعشوق

ص: 90


1- نهج البلاغة ج: 1 صفحة: 124- 125 ط: مصر مع شرح محمد عبده.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 10.

.....

______________________________

و المشهور بين الإمامية الثاني.

أقول: إن كان المراد بالنفس الناطقة أن لها إرادة و اختيار في عرض إرادة اللّه تعالى و اختياره المسخر لها فهو باطل كما مر، و إن كان المراد أن لها نفس ناطقة و ارادة و اختيار مسخرة تحت إرادة اللّه و اختياره فلا وقع لهذا النزاع، مع انه لم يأت كل من الطرفين بدليل معتبر لمدعاه و للتفصيل مقام آخر.

و قد ورد عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله إنه قال: «أطت السماء و حق لها أن تئط فما فيها موضع شبر إلا و فيها ملك قائم أو راكع أو واضع جبهته عظمة للّه تعالى» (1)، فإن كان مراد من أثبت الحيوة للعلويات هذا فهو حق لا ريب كما مر و تفصيل هذه الأمور يحتاج إلى بسط من الكلام و هو خارج عن مباحث الفقه.

الثانية: في الفلكيات كنوز من العلوم و الخزائن من المعارف لم يصل البشر بعد الجهد الأكيد إلا إلى نذر يسير منها، و علم النجوم الذي قد يطلق عليه علم الأحكام من تلك الكنوز و الخزائن لم يصلوا إليه إلا بقدر ما يأخذ رأس الإبرة من الماء إذا أدخل في البحر المحيط، و لذا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنكم تنظرون في شي ء كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به» (2)، و قال عليه السّلام أيضا: «قلّت منافعه و كثرت مضاره» (3)، و كيف يحاط بعلم موضوعه أوضاع الأفلاك الغير المتناهية في الفضاء اللانهائي.

الثالثة: قد يلهم اللّه عز و جل بعض الحيوانات الاطلاع على بعض الأوضاع الفلكية، فيطلعون بذلك على بعض الحوادث المستقبلة جلبا لمنافعهم أو دفعا لمضارهم و ذلك رأفة منه تعالى إليهم، و لذلك حكايات مذكورة في الكتب المعدة لذلك، و قد تعرض شيخنا الأنصاري حكاية عن المحقق الطوسي بالنسبة إلى كلب صاحب الرحى (4)، و قال مولانا الصادق عليه السّلام: «اضربوها على العثار و لا تضربوها على النفار، فإنها ترى ما لا ترون»(5).

ص: 91


1- كنز العمال ج: 10 كتاب العظمة من قسم الأقوال حديث: 1748 و 1750 ط: حيدر آباد.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 10.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 10.
4- راجع المكاسب ج: 2 صفحة: 291 ط: جامعة النجف الأشرف الدينية.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الدواب حديث: 4.

مسألة 15: لا بأس بالإخبار عن الخسوف و الكسوف و درجات الكواكب و بروجها

(مسألة 15): لا بأس بالإخبار عن الخسوف و الكسوف و درجات الكواكب و بروجها و اقتران بعضها مع بعض و ارتفاعها و حضيضها و مراتب سيره و اضوائها، و طلوعها و أقولها إلى غير ذلك من أحوالها كما لا يخفى (36).

مسألة 16: كلما كان من شأنه الضلال و الإضلال- كتابا كان أو صحيفة أو غير ذلك- يحرم بيعه و شرائه و حفظه و تعليمه

(مسألة 16): كلما كان من شأنه الضلال و الإضلال- كتابا كان أو صحيفة أو غير ذلك- يحرم بيعه و شرائه و حفظه و تعليمه، و نسخه و مطالعته و قرائته إن لم يكن غرض صحيح في البين (37)، و إن كان فيه غرض

______________________________

الرابعة: الرمل و الفال مع الاعتقاد بتأثيرهما يحرم و مع العدم لا بأس بهما لما تقدم، و كذا الرقي و التمائم من غير الأدعية الواردة.

ثمَّ إنه لو حدث من قول المنجم و نحوه حالة اضطراب للنفس فلا بد من التوكل على اللّه تعالى و التصدق، و قراءة الأدعية الواردة لإزالة مثل هذه الحالات و هي كثيرة مضبوطة في كتب الأدعية.

(36) للأصل، و الإطلاقات، و العمومات الدالة على التعلم و التعقل و التفكر في آيات اللّه و التدبر فيها مع إن ذلك كله مضبوط أما بالحساب الصحيح أو الارصاد المعتبرة، بل الأجهزة التي يرى بها جملة كثيرة من تلك الأحوال في هذه الأعصار، و لكل ذلك علماء متخصصون يبذلون جهدهم في كشف حقائقها، و دقائقها لعل اللّه تعالى يفتح لهم أبوابا من العلوم و يظهر بعض أسرار العلويات لعباده، و ينكشف بذلك أمورا من المعارف فإنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.

(37) لأن ما هو منشأ الضلال من أهم مناشئ الفساد بين العباد فيحرم جميع ما يتعلق به بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب إطلاق الآيات الدالة على النهي عن الفساد في الأرض الشامل للضلال و الإضلال الديني قطعا كقوله تعالى:

ص: 92

صحيح يجوز ذلك كله، كما إذا كان لأجل النقض عليها مع كونه من أهله، و الأمن من الضلال (38). و أما مجرد الاطلاع على مطالبها فليس من الأغراض الصحيحة المجوزة لحفظها لغالب الناس (39)، فيجب عليهم التجنب عن كل ما يخالف الإسلام بل يجب إتلافها (40).

مسألة 17: يحرم إحقاق الباطل و إبطال الحق بأي وجه كان ذلك

(مسألة 17): يحرم إحقاق الباطل و إبطال الحق بأي وجه كان ذلك (41)،

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 16، ص: 93

______________________________

وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (1).

و من السنة أخبار متفرقة في أبواب مختلفة (2)، منها قوله عليه السّلام في خبر التحف: «و ما يجبى منها الفساد محضا» (3)، بل الظاهر عدم اختصاص ذلك بشرعنا، بل أهم أغراض جميع الشرائع الإلهية قلع الضلال و الإضلال مطلقا.

و من العقل إنه ظلم و أي ظلم أقبح منه.

و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء.

نعم، يختلف مصاديق الضلال و الإضلال عندهم. كما ان الشريعة المنسوخة تصير ضلالا بالنسبة إلى الشريعة الناسخة لها فالمنسوخ من التوراة و الإنجيل ضلال بخلاف ما قرره الشريعة الإسلامية منهما، فأصل الضلال في الجملة مما اتفقت الأدلة على محوه بأي وجه أمكن.

(38) لأنه ليس من الفساد و الضلال حينئذ، بل من الخير و الصلاح فيكون خارجا تخصصا عما دل على الحرمة.

(39) لتحقق منشأية الإضلال بالنسبة إليهم، فيخشى عليهم الضلال.

(40) لأنها مادة الفساد و لا بد و إن تتلف مادة الفساد كما مر.

(41) بإجماع المسلمين، بل بضرورة من الدين، و تدل عليه الأدلة الأربعة،

ص: 93


1- سورة البقرة: 27.
2- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب آداب السفر إلى الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

و يحرم أخذ العوض عليه (42)، و منه ما يبذل للقاضي ليحكم له بالباطل، و يطلق عليه الرشوة (43)، أو ليحكم له- حقا كان أو باطلا- أو

______________________________

كما سيأتي.

(42) للإجماع، و لأنه أكل للمال بالباطل، لقوله عليه السّلام: «إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (1)، و المراد به مطلق العوض بالإجماع.

(43) تدل على حرمة الرشوة الكتاب المبين، و ضرورة الدين، و نصوص كثيرة) أما الكتاب، فقوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (2).

و أما النصوص فمنها قوله عليه السّلام: «فأما للرشا في الحكم فإن ذلك الكفر باللّه العظيم» (3)، و عن علي عليه السّلام: «أيما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة و عن حوائجه، و إن أخذ هدية كان غلولا و ان أخذ الرشوة فهو مشرك» (4)، و في خبر عمار: «فأما الرشا يا عمار في الأحكام فإن ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله صلّى اللّه عليه و آله» (5)، و في خبر ابن فرقد: «سألته عن السحت؟ فقال عليه السّلام:

الرشا في الحكم» (6)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا احتاج الناس إليه لتفقهه فسألهم الرشوة» (7)، و يدل على قبحه حكم العقل أيضا، لأنه من الظلم، فالأدلة الأربعة دالة على حرمتها.

و الرشوة من المفاهيم العرفية هي غير الجعل و الأجرة عرفا و إن حرما على الحاكم الشرعي أيضا على ما يأتي دليله في كتاب القضاء.

ص: 94


1- تقدم في صفحة: 39 و 43.
2- سورة البقرة: 188.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 10 و 12 و 4.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 10 و 12 و 4.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 10 و 12 و 4.
6- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 10 و 12 و 4.
7- الوسائل باب: 8 من أبواب القضاء حديث: 5.

ليعلمه طريق المخاصمة حتى يغلب على خصمه (44).

مسألة 18: لا بأس ببذل المال لقضاء الحاجة

(مسألة 18): لا بأس ببذل المال لقضاء الحاجة سواء كانت لنفسه أو لغيره- ما لم تكن من تحليل الحرام و تحريم الحلال، و لم تكن في البين مفسدة أخرى (45).

______________________________

(44) لشمول إطلاق جميع تلك الأدلة لهذه الصورة أيضا. و الظاهر إن ذلك كله من الخيانة المستقبحة بحكم الفطرة. كما أن مقتضى الإطلاقات عدم الفرق بين كون ذلك بالمشارطة بينهما، أو كان ذلك من قصدهما أو قصد الباذل مع علم الآخذ به. و يأتي تتمة الكلام في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إن الرشوة المحرمة باقية على ملك المالك، لا يجوز للآخذ التصرف فيها و يضمنها مع التلف.

كما أن العقود المحاباتية المشتملة على الرشوة المحرمة تبطل إن وقعت على العين الخارجي، و كان المقصود بنفس العقد الرشوة المحرمة، لتعلق النهي بنفس العقد حينئذ لا بما خرج عنه، و إن كان القصد من نفس العقد، صحيحا و كان إعطاء الزيادة مجانا بعنوان الرشوة يصح نفس العقد و يجري على الزيادة حكم الرشوة.

و لا فرق في الرشوة المحرمة بين المال، و الأعمال، و المنافع، بل الانتفاع لظهور الإطلاق، و عدم دليل على الفرق بينها.

(45) للأصل، و إطلاق دليل السلطنة، و إطلاق أدلة العطية و الهدية و نحوها، و يدل عليه ما ورد في صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرشو الرجل الرشوة على أن يتحول من منزله فيسكنه؟

قال عليه السّلام: لا بأس به» (1).

ص: 95


1- الوسائل باب: 85 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

مسألة 19: لو شك في مورد انه من الرشوة المحرمة أو المحللة

(مسألة 19): لو شك في مورد انه من الرشوة المحرمة أو المحللة فهي محللة (46).

مسألة 20: يحرم سب المؤمن

(مسألة 20): يحرم سب المؤمن (47)، و لا فرق فيه بين حضور

______________________________

و أما قول الرضا عليه السّلام عن علي عليه السّلام: في خبر إسباغ الوضوء «في قوله تعالى أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ، قال عليه السّلام: هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثمَّ يقبل هديته» (1)، فلا بد فيه إما من حمل السحت على بعض مراتبه التي لا تبلغ الحرمة، أو حمل الحاجة على مثل الحكم فيكون من الرشوة المحرمة.

(46) لأصالة الحلية بعد عدم وجود أمارة على إنه من القسم المحرم الموعود عليه العذاب.

و لو ادعى الدافع أن الإعطاء فاسد إما لأجل إنه من الرشوة، أو الهبة الفاسدة، و ادعى القابض إنه هبة أو عطية أو هدية صحيحة، فالمرجع أصالة الصحة و مع بقاء العين للمالك الرجوع فيه، لعدم موجب للزوم، و مع تلفه فالمرجع البراءة عن الضمان و في المقام فروع أخرى تأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(47) لأنه إيذاء و ظلم، فتدل على حرمته الأدلة الأربعة، و الظاهر قبحه بين جميع العقلاء بلا اختصاص بملة دون أخرى. فمن الكتاب قوله تعالى وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (2)، فإن سب المؤمن من أجلى مصاديق الآية الشريفة، و كذا قوله تعالى وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ (3).

و من السنة روايات مستفيضة بين الفريقين (4)، ففي موثق أبي بصير عن

ص: 96


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 11.
2- سورة الحج: 31.
3- سورة الحجرات: 11.
4- راجع سنن ابن ماجه باب: 4 من أبواب الفتن حديث: 3939- 3941.

المسبوب و غيبته (48)، و المرجع فيه العرف و كلما صدق عليه عرفا إنه سب يحرم (49) و كلما شك فيه لا يحرم (50)، و لا فرق فيه بين جميع اللغات حتى لو سب أهل لغة خاصة بلغة أخرى لا يفهمها المسبوب حرم ذلك (51).

مسألة 21: لا فرق في حرمته بين افراد المسلمين إلا إذا تجاهر المسبوب بمخالفة الشرع

(مسألة 21): لا فرق في حرمته بين افراد المسلمين إلا إذا تجاهر المسبوب بمخالفة الشرع بحيث القى الشرع احترامه (52). و يعتبر فيه

______________________________

أبي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه» (1)، و في صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن موسى عليه السّلام: «في رجلين يتسابان، قال عليه السّلام: البادي منهما أظلم، و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم» (2)، إلى غير ذلك من الروايات، و من العقل ما تقدم من انه ظلم و إيذاء للغير. و أما الإجماع فإجماع المسلمين.

(48) للإطلاق الشامل لهما، و النسبة بينه و بين الغيبة العموم من وجه فمع قصد الإهانة و النقص و حضور سب المسبوب و ليس بغيبة، و مع عدم قصدهما و غيبة الطرف و كونه ذكرا له بما يكره غيبة و ليس بسب، و تتأكد الحرمة في مادة الاجتماع.

(49) لعدم ورود تحديد شرعي بالنسبة إليه فالمرجع هو العرف لا محالة و هو يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة، فربما يكون لفظ سبا عند قوم و لا يكون سبا عند آخرين فيلحق كلا حكمه.

(50) لأصالة البراءة العقلية و النقلية عن الحرمة.

(51) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك.

(52) لإطلاق الأدلة الشامل للجميع.

ص: 97


1- الوسائل باب: 185 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 1 و 4.
2- الوسائل باب: 185 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 1 و 4.

القصد الجدي، فإذا كان من المزاح أو اللهو و اللعب لا يحرم من حيث السب (53)، كما لا فرق في حرمته بين البالغ و غيره، و لا بين الوالد و الولد، و الزوج و الزوجة، و المعلم و المتعلم و نحوهما (54).

______________________________

نعم، من القى الشرع احترامه فلا حرمة له حتى يجري حكم السب بالنسبة إليه، كما يجوز سب المبتدع أيضا، لقوله عليه السّلام في خبر ابن سرحان: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقعية و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام- الحديث-» (1).

(53) لأن ذلك هو المنساق من الأدلة كما في كل كلام يترتب عليه حكم شرعي وضعيا كان أو تكليفيا، إذ يعتبر فيه القصد و الإرادة الجدية، و لو شك في انه هل قصد الجد أو الهزل فمقتضى أصالة الصحة في قول المسلم و فعله الحمل على الأخير.

(54) لشمول الإطلاق لجميع ذلك، و قد يدعى الانصراف عن غير المميز أو عن الوالد بالنسبة إلى ولده، و هو مشكل في الثاني إلا إذا ثبت سيرة معتبرة بين المتدينين- المتصلة إلى زمان المعصوم- عليه بحيث يكون مقيدا للإطلاق.

ثمَّ ان مقتضى إطلاق قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (2)، و إطلاق قوله تعالى لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّا مَنْ ظُلِمَ (3)، هو جواز دفع السب بالسب إن كان بالمثل إلا أن ظاهر قوله عليه السّلام فيما مر من الحديث: «البادي منهما أظلم» ثبوت الظلم للمدافع أيضا إلا أن يحمل على ما إذا كان الدفاع بالأشد لا بالمثل.

ص: 98


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 1.
2- سورة البقرة: 194.
3- سورة النساء: 148.

مسألة 22: يحرم السحر عملا و تعليما و تعلما و تكسبا

(مسألة 22): يحرم السحر عملا و تعليما و تعلما و تكسبا (55)، سواء

______________________________

(55) للنصوص، و الإجماع بل الضرورة من المذهب إن لم تكن من الدين، و عن علي عليه السّلام: «من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربه وحده أن يقتل إلا أن يتوب» (1)، و في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول اللّه لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: لأن الشرك أعظم من السحر، لأن السحر و الشرك مقرونان» (2)، أقول: يعني أن ساحر الكفار لا يقتل لأجل سحره و يقتل لأجل شركه، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «السحر و الشرك مقرونان»، أي في إيجاب القتل و ذلك لا ينافي أعظمية الشرك.

ثمَّ إن البحث في المقام من جهات.

الأولى: نسبة السحر إلى الواقع نسبة الخديعة و المكر إليه، فكما انه لا واقع للمكر و الخديعة إلا ما يقوم بخيال الماكر و الخادع، و يتأثر بهما الممكور به و المخدوع به بعض التأثير فكذلك السحر فهو إظهار غير الواقع في صورة الواقع خيالا و وهما لا واقعا، فليس السحر تأثر التكوين عن قدرة اللّه تعالى مباشرة كما في استجابة الدعوات، و لا تأثره بواسطة النفوس القدسية كما في المعجزات و الكرامات و التوسلات الحقة، بل هو استيلاء ضعيف مربوط بالنفوس الخبيثة الشريرة الشيطانية على خيال الطرف و وهمه بأسباب خاصة لذلك.

الثانية: اختلفوا في أن للسحر حقيقة أو لا و هذا النزاع ساقط من أصله، لأنهم إن أرادوا أن له حقيقة واقعية تكوينية بأسبابها الحقيقية فلا يتوهمه عاقل حتى أهل الفن من السحرة. و إن أرادوا أن له واقعية خيالية و وهمية و ليس من

ص: 99


1- الوسائل باب: 25 من أبواب آداب ما يكتسب به حديث: 7.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

.....

______________________________

العدم المحض فهو حق لا ريب فيه، فهذا النزاع لفظي و ساقط عن الاعتبار.

الثالثة: السحر متوغل في القدم، و يدل عليه ما حكاه اللّه تعالى عن سحرة فرعون (1)، و كل ما انعدمت العقائد الحقة في النفوس و ضعفت يكثر مثل السحر فيهم لاستيلاء الشياطين عليهم من كل جهة، فيفعلون ما يريدون بلا مانع و لا دافع و يختلف باختلاف الطوائف فنسب إلى النبط سحر، و إلى الكلدانيين نوع سحر، و إلى العرب نوع آخر، و إلى الهند نوع آخر و لا محذور فيه لاختلاف النفوس في خبائتها و اختلافها في جهة الارتباط بالنفوس و الأرواح الخبيثة:

و إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ (2)، و لا ريب في اختلاف مراتب و حيهم إلى أوليائهم من جهة شدة ارتباط الأولياء مع مولاهم و ضعفه.

الرابعة: لا ريب في أن السحر و نحوه من العلوم السرية الخارطة للعادة التي يجمعها ارتباط النفس بما هو خارج عن المحسوسات، فإن كانت النفس من النفوس القدسية و ما يرتبط به من الملكوت الأعلى و عالم الأمر و كان مقرونا بالتحدي يسمى بالكرامة و المعجزة، كما في أولياء اللّه المقربين و إن كانت النفس خسيسا و كان المرتبط به من الأرواح الخبيثة يسمى ما يظهر منه سحرا، و نحوه من التدخلات الشيطانية.

ثمَّ اعلم أن النفس الإنساني من حيث اتصافها بالإضافة التشريفية الإلهية:

ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ (3)، و نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي (4)، لها استعداد الارتباط بالملكوت الأعلى و عالم الأمر و استفادة علوم السر منه، و لكن الحجب الدنيوية و العلاقة بالحسيات المادية تمنعها عن ذلك، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «لو لا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات» (5)، و قال

ص: 100


1- سورة الأعراف: 113.
2- سورة الانعام: 121.
3- سورة المؤمنون: 14.
4- سورة الحجر: 29.
5- البحار ج: 15 باب: القلب و صلاحه و فساده صفحة: 39 الطبعة الحجرية.

.....

______________________________

الحكيم السبزواري:

و إنما الشواغل الحسية قد حجبت نفوسنا النورية

ثمَّ إن للوصول إلى المطلوب طرق شتى كتب فيها كتبا كثيرة بالسنة مختلفة، و من تلك الطرق تقوية النفس و تصفيتها و مخالفة هواها حتى يتمكن على إيجاد العجائب و الغرائب.

و منها: خواص الأشياء و الأعداد و الاشكال الهندسية.

و منها: الاستعانة بالأرواح العلوية.

و منها: الارتباط بالأرواح الخبيثة كالأجنة و الشياطين.

و منها: أعمال خاصة مناسبة للمطلوب كتماثيل، و نقوش، و عقد و نفث، و كتابة بأقسامها.

و منها: ذكر أسماء مجهولة المعاني أو كتابتها.

و منها: ذكر ألفاظ معلومة المعاني غير الأدعية.

و منها: التصرف في بعض الآيات و الأدعية بقلبها و نحو ذلك مما هو كثير، و قد تعرضنا لبعض ما يناسب المقام في التفسير فليراجع إليه.

و هذه الأقسام بعضها ليس من السحر قطعا، و بعضها منه بلا ريب فيه، و بعضها مشكوك في انه من السحر أو لا، و مقتضى الأصل فيه الحلية و الإباحة ما لم يكن فيه مفسدة من جهة أخرى.

الخامسة: أثر السحر إما ضرر محض، أو ضرر من جهة و خير من جهة أخرى، و الكل إما بالنسبة إلى من له حرمة شرعا أو بالنسبة إلى من القى الشرع احترامه، فإن قلنا إن لعمل السحر من حيث هو موضوعية خاصة في الحرمة يكون جميع الاقسام حراما، لإطلاق الأدلة الشامل للجميع، و يشهد له مقارنة السحر مع الشرك في خبر السكوني (1).

و إن قلنا بأن حرمته طريقية إلى المفسدة المترتبة عليه فلا يحرم القسم

ص: 101


1- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يكتسب به و تقدم في صفحة: 199.

.....

______________________________

الأول مع عدم مفسدة خارجية مترتبة عليه، و كذا لا يحرم بالنسبة إلى من القى الشرع احترامه، و في القسم الثاني لا بد من ملاحظة أقوى الملاكين ثمَّ الحكم به حلية أو حرمة.

و البحث فيه.

تارة: بحسب الأصل العملي.

و أخرى: بحسب الأدلة.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأولى: فمقتضى الأصل عدم الحرمة إلا فيما هو معلوم الحرمة أي مورد تحقق الضرر المفسدة.

و ما يقال إن نفس العمل من حيث أنه تشبه بالخالق مفسدة و أي مفسدة أعظم منه.

مخدوش: صغرى و كبرى.

و أما الثانية: فليس فيها ما يمكن استفادة الموضوعية في الحرمة إلا قوله صلّى اللّه عليه و آله: «السحر و الشرك مقرونان» كما تقدم في خبر السكوني و هو على فرض اعتبار سنده قاصر دلالة، لاحتمال أن يراد به التشديد في الحرمة كما ورد في الرشوة أنها «الكفر باللّه العظيم» (1)، مع انه في ذيل خبر السكوني: «ان الشرك أعظم» فلا يستفاد منه التنزيل المطلق من كل جهة و لا الموضوعية.

و كذا ما يقال: من انه خلاف الواقع و الأصل في كل خلاف الواقع الموضوعية في الحرمة إلا ما خرج بالدليل.

إذ فيه: إنه من مجرد الدعوى لا دليل على كليته.

و أما الأخيرة فعن صاحب الجواهر أن له موضوعية في الحرمة، و يظهر من الشيخ الأنصاري الطريقية، و كلمات البقية مجملة، و أما خبر السكوني عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام: «قال رسول صلّى اللّه عليه و آله، لامرأة سألته إن لي زوجا و به عليّ

ص: 102


1- تقدم في صفحة: 94.

.....

______________________________

غلظة و إني صنعت شيئا لأعطفه عليّ؟ فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أف لك كدرت البحار، و كدرت الطين، و لعنتك الملائكة الاخبار و ملائكة السماوات و الأرض.

فصامت المرأة نهارها و قامت ليلها و حلقت رأسها و لبست المسوح فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: ان ذلك لا يقبل منها» (1)، فلا يستفاد منه الموضوعية أيضا، إذ لعل الزوج تضرر به و حصلت له أذية و يشهد الطريقية خبر السقفي الدال على جواز عمل السحر لحل السحر، قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي و قد حججت منه و منّ اللّه عليّ بلقائك، و قد تبت إلى اللّه عز و جل، فهل لي في شي ء من ذلك؟ فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: حلّ و لا تعقد» (2)، و لكن الأحوط الموضوعية مطلقا إلا فيما دل الدليل على الخلاف، هذا كله في عمله.

و أما علمه و تعلمه فظاهر بعض المفسرين اتفاق المحققين على عدم الحرمة النفسية فيهما و اعترف في الجواهر بذلك أيضا.

نعم، لا ريب في الحرمة الغيرية فيهما.

فائدتان. الأولى: السحر و سائر العلوم الغريبة مما جعلها اللّه تعالى أسبابا لحصول الآثار المترتبة عليها، لكنه تعالى نهى عن ذلك و لم يرض به كما انه تعالى جعل شرب السم سببا للقتل و نهى عن شربه، و لا يرضى به فلا بد من انتهاء سلسلة الأسباب إليه تعالى لكن بنحو لا يستلزم النقص في ساحته العليا جل جلاله.

الثانية: العلوم السرية كثيرة يجمع جملة منها حروف «كله سر» فالكاف إشارة إلى الكيمياء بأقسامها، و اللام إشارة إلى الليمياء، و الهاء إشارة إلى الهيماء، و السين إشارة إلى السيمياء، و الراء إشارة إلى الريمياء، و منها السحر و الطلسمات و علم الخواص بالنسبة إلى السفليات و العلويات، و لها عرض عريض جدا لا

ص: 103


1- الوسائل باب: 144 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

كان ذلك بكتابة أو تكلم، أو نفث أو عقد أو دخنة أو تصوير اثّر ذلك في المسحور عقلا أو قلبا أو بدنا أو مالا أو نوما أو إغماء، حبا أو بغضا أو نحو ذلك (56)، و يلحق به استخدام الملائكة و إحضار الجن و الأرواح و نحو ذلك (57).

مسألة 23: لا بأس بحل السحر بالسحر

(مسألة 23): لا بأس بحل السحر بالسحر إذا انحصر العلاج به (58).

مسألة 24: تحرم الشعبذة عملا و تعليما و تعلما و تكسبا

(مسألة 24): تحرم الشعبذة عملا و تعليما و تعلما و تكسبا (59).

______________________________

تبلغ عقول البشر إلا إلى ذرة يسيرة منها، و قد كتب في ذلك كتبا كثيرة بين مطبوعة و غير مطبوعة موجودة في بعض المكتبات الهامة العالمية.

(56) للإطلاق الشامل لجميع ذلك.

(57) لأنه مع ترتب المفسدة لا فرق بين الجميع، و الأحوط الترك حتى مع عدم المفسدة.

(58) للأصل بعد قصور الأدلة المانعة عنه، و لرواية ابن الجهم عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «و أما هاروت و ماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به سحر السحرة، و يبطلوا به كيدهم- الحديث-» (1)، و في تفسير العسكري (2)، عن آبائه عليهم السّلام في قوله عز و جل: (و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت، قال عليه السّلام: كان بعد نوح عليه السّلام قد كثرت السحرة المموهون، فبعث اللّه عز و جل ملكين إلى نبي ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة، و ذكر ما يبطل به سحرهم، و يرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين و أداه إلى عباد اللّه بأمر اللّه عز و جل، و أمرهم أن يقفوا به على السحر و أن يبطلوه، و نهاهم أن يسحروا به الناس- الحديث-».

(59) للإجماع، و لأنه نوع من السحر كما في رواية الاحتجاج المنجبر، قال عليه السّلام: «و نوع آخر منه- أي: من السحر- خطفة و سرعة و مخاريق» (3)، مضافا

ص: 104


1- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5 و 4.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5 و 4.
3- الاحتجاج ج: 2 صفحة: 81 ط النجف الأشرف و في البحار ج: 10 صفحة: 169.

مسألة 25: يحرم الغش بما يخفى في البيع و الشراء

(مسألة 25): يحرم الغش بما يخفى في البيع و الشراء (60) كشوب

______________________________

إلى انه من اللهو، و الشعبذة اراءة غير الواقع واقعا بواسطة سرعة الحركة مثل ما يرى من إدارة النار بالحركة السريعة دائرة متصلة نارية مع أنها منفصلة في الواقع.

و المتيقن من الدليل ما إذا لم يكن فيها غرض صحيح شرعي و إلا فمقتضى الأصل الإباحة بعد عدم شمول الدليل لهذه الصورة أو الشك في الشمول كما لا تشمل الآثار السريعة الحادثة من الآلات الكهربائية و نحوها.

(60) للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1)، و من الإجماع إجماع المسلمين، بل العقلاء لأنه ظلم، و من العقل حكمه بقبح الظلم و الخيانة، و من السنة أخبار متواترة بين الفريقين (2)، فعن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سالم: «ليس منا من غشنا» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لرجل يبيع التمر! يا فلان أما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم» (4)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «ليس منا من غش مسلما أو ضرّه أو ماكره» (5)، و في بعض الأخبار عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «و يحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم أغش الخلق للمسلمين، و من بات و في قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط اللّه و أصبح كذلك حتى يتوب» (6)، و في رواية سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السّلام:

«مر النبي صلّى اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلا طيبا، و سأله عن سعره فأوحى اللّه عز و جل إليه أن يدس يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديا، فقال صلّى اللّه عليه و آله لصاحبه: ما أراك إلا و قد جمعت خيانة و غشا

ص: 105


1- سورة النساء: 29.
2- راجع سنن ابن ماجه باب: 36 من أبواب التجارات و سنن ابي داود كتاب البيوع باب: 50 حديث: 3452.
3- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
4- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
5- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 12.
6- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 10.

اللبن بالماء، و خلط الجيد بالردي مع كونه مخفيا من دون الاعلام به (61)، بل يصدق الغش على كل عيب قصد به التلبيس على المشتري مطلقا (62).

نعم، لو كان العيب واضحا و قصّر المشتري في التوجه إليه لا يكون

______________________________

للمسلمين» (1)، إلى غير ذلك من الروايات و قد تقدم بعضها.

ثمَّ ان الغش خلاف النصح و النصح: الخلوص فيكون الغش بمعنى غير الخالص، و له مراتب كثيرة جدا شدة و ضعفا، كما و كيفا زمانا و مكانا إلى غير ذلك مما يعرفه أهل الخبرة من الغش في كل شي ء، و لا يضبطه ضابطة كلية يتعرض لها الفقيه فمع صدق الغش عند أهل الخيرة يحرم و مع عدم صدقه عنهم لا يحرم، للأصل.

(61) لأنه مع عدم الخفاء لا يكون من الغش المحرم، و كذا مع الاعلام و إن كان خفيا، و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «إنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه أجود من بعض، قال عليه السّلام: إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي ء» (2). و خبر داود بن سرحان (3)، عن الصادق عليه السّلام: «كان معي جربان من مسك أحدهما رطب و الآخر يابس، فبدأت بالرطب فبعته، ثمَّ أخذت اليابس أبيعه فإذا أنا لا أعطي باليابس الثمن الذي يسوى و لا يزيدوني على ثمن الرطب، فسألته عن ذلك أ يصلح لي ان أنديه؟ فقال عليه السّلام: لا إلا أن تعلمهم، قال: فنديته ثمَّ أعلمتهم، فقال عليه السّلام: لا بأس به إذا أعلمتهم»، و في رواية الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام سعرهما بشي ء و أحدهما أجود من الآخر فيخلطهما جميعا ثمَّ يبيعهما بسعر واحد؟ فقال عليه السّلام لا يصلح له أن يغش المسلمين حتى يبينه»(4).

(62) لإطلاق ما تقدم من خبر ابن سرحان و الحلبي.

ص: 106


1- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام العيوب حديث: 1 و 4.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام العيوب حديث: 1 و 4.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام العيوب حديث: 2.

من الغش و لا يجب الاعلام به (63).

مسألة 26: لا فرق في الغش بين ما إذا حصل بفعل البائع أو بغيره

(مسألة 26): لا فرق في الغش بين ما إذا حصل بفعل البائع أو بغيره إذا باع المغشوش بقصد تلبيس الأمر على المشتري (64).

______________________________

(63) لعدم صدق الغش عليه، و لأصالة البراءة عن وجوب الإعلام.

(64) لأنه يصدق على هذا البائع مع علمه انه غاش، فتشمله الأدلة و يجب عليه الاعلام كما تقدم.

ثمَّ انه قد يقال: إنه لا حرمة نفسية لنفس الغش من حيث انه غش- بحيث يكون مثل الغيبة و الكذب و نحوهما من المحرمات النفسية- بل المناط كله أكل المال بالباطل، لأن مجرد مزج اللبن بالماء مثلا ليس بحرام، و إنشاء البيع من حيث هو ليس كذلك فلا حرمة نفسية فيه.

و هو مردود لأن تصور المفردات كل واحد مستقلا شي ء و الإقدام على الغش المعاملي مع الناس و إيجاد المعاملة معهم بهذا العنوان شي ء آخر، و العرف أصدق شاهد على ما قلناه، و الشرع، و العرف و العقل يحكم بقبح الثاني دون نفس المفردات من حيث الافراد.

ثمَّ ان ظاهر ما دل من الاخبار على أن الغاش يحشر مع اليهود- كما تقدم- انه من المعاصي الكبيرة، لأن ذلك إيعاد بالنار مع انطباق الخيانة عليه و عطفه عليها فيما تقدم من النص و الخيانة منصوص انها من الكبائر (1)، و لا ريب في أن الإصرار على الغش من الكبائر لو لم يكن بنفسه منها هذا كله في الغش في الأموال.

و أما الغش في النيات القلبية و اللحظات العينية و الأعمال الجوارحية فهو من أهم مصائد الشيطان، و أعظم مكائده لا محيص للعبد إلا من الاستعاذة بحضرة الرحمن، و قد تعرضنا لجملة من الآيات المناسبة لها في التفسير

ص: 107


1- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33 و 36.

مسألة 27: الغش و إن كان حراما، لكن لا تفسد أصل المعاملة به

(مسألة 27): الغش و إن كان حراما، لكن لا تفسد أصل المعاملة به (65).

نعم، لو كان الغش بإظهار الشي ء على خلاف جنسه، كبيع المموّه على إنه ذهب أو فضة و نحو ذلك بطل أصل المعاملة (66).

______________________________

و تعرضنا في الريا بعض الكلام.

(65) لإطلاقات الأدلة و عموماتها بعد كون المبيع عينا مملوكا ينتفع بها، و تقتضيه أصالة الصحة أيضا، ثمَّ يعمل فيها بالقواعد العامة عند تبين الغش فإن كان قد غش في إظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس و إن كان من قبيل شوب اللبن بالماء ففيه خيار العيب إن عد ذلك عيبا عند أهل الخبرة، و إن كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة يجري خيار تبعض الصفقة و ينقص من الثمن بقدر التراب لأنه غير متمول، و إن كان متمولا بطل البيع في مقابله لوقوعه على غير الجنس.

(66) لأن ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد. ثمَّ انه قد يحتمل بطلان أصل البيع في الأقسام الأربعة السابقة أيضا، و يستدل عليه.

تارة: بقضية ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

و أخرى: بأن النهي يدل على البطلان.

و ثالثة: بما تقدم في خبر موسى بن بكير في الدراهم المغشوشة: «القه في البالوعة حتى لا يباع شي ء فيه غش» (1).

و الكل مخدوش. لأن الأولى: قضية عقلية و المتيقن منه المقومات الحقيقية لذات العوضين دون الجهات الخارجية و إلا لم يبق موضوع لجملة من الخيارات.

و الثانية: بأن سياق الأدلة هو النهي النفسي دون الإرشاد إلى الفساد.

ص: 108


1- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5 و تقدم في صفحة: 63.

مسألة 28: الغناء حرام، بلا فرق بين استعماله في كلام حق

(مسألة 28): الغناء حرام (67)، بلا فرق بين استعماله في كلام حق

______________________________

و الأخيرة: بأن الدينار كان من غير الجنس، أو ان اهتمامه عليه السّلام بذلك كان تأكيدا للمدافعة عن الغش مهما أمكن.

ثمَّ إن ظاهر الأدلة كما تقدم هو الحرمة النفسية للغش و على هذا لو غش و باع بثمن أقل من ثمن المثل بحيث يوافق ثمن المغشوش فعل حراما، لما عرفت.

(67) للأدلة الثلاثة بل الأربعة كما يظهر من الجواهر فإنها الباعث على الفجور، و كلما كان كذلك فتحريمه عقلي، و يشهد له تعريفها بما عن بعض أهل الخبرة بها: ان الغناء داعية الزنا و انها تنوب مناب الخمر، و تفعل فعله و تنقص من الحياء و تزيد في الشهوة، فمن الكتاب الآيات الدالة على حرمة اللهو و اللعب و قول الزور كقوله تعالى وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (1)، و كذا قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (2).

و من الإجماع إجماع الإمامية بل أكثر علماء المسلمين عدى الغزالي و من تبعه منا.

و من النصوص أخبار مستفيضة بل يصح دعوى تواترها قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية الشحام: «بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملك» (3)، و عنه أيضا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله عز و جل وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال عليه السّلام: قول الزور الغناء» (4). و قد ورد عنه عليه السّلام عدة روايات تقرب عشرة في تفسير الآية الكريمة وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ بالغناء، و عنه عليه السّلام أيضا تفسير لهو الحديث بالغناء في عدة روايات

ص: 109


1- سورة لقمان: 5.
2- سورة المؤمنين: 3.
3- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 2.

.....

______________________________

أخرى (1)، ففي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله و هو مما قال اللّه عز و جل وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (2)، و عنه عليه السّلام: «الغناء عش النفاق» (3)، و عنه عليه السّلام في رواية حسن بن هارون: «الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله» (4)، و عن الصادق عليه السّلام أيضا: «شرّ الأصوات الغناء» (5)، و في رواية حسن بن هارون قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الغناء يورث النفاق و يعقب الفقر» (6)، أيضا: «إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السّلام فسأله عن و عنه عليه السّلام الغناء فقال عليه السّلام: يا فلان إذا ميز اللّه بين الحق و الباطل، فأين يكون الغناء؟ قال: مع الباطل. فقال: قد حكمت» (7)، و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في رواية الوشاء: «سئل عليه السّلام عن شراء المغنية؟

قال عليه السّلام: قد تكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها إلا ثمن كلب، ثمن الكلب سحت و السحت في النار» (8)، و عن ولىّ الأمر (عجّل اللّه فرجه الشريف): «ثمن المغنية حرام» (9)، و في خبر الأعمش عدّ الغناء من الكبائر (10)، إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها استفادة قطعية حرمة أصل الغناء.

و أشكل على الكل. أولا: إن الأدلة اثنان لا ثلاثة، لأن الآيات الكريمة لا دلالة لها بنفسها و انما تدل بواسطة النصوص، و العقل إرشاد إليها فالدليل منحصر بالأخبار و الإجماع.

و ثانيا: ان جملة من الروايات لا يستفاد منها أزيد من الكراهة، لوقوع مثل هذه التعبيرات في أدلة جملة من المكروهات كما لا يخفى على من راجعها.

ص: 110


1- راجع الروايات الواردة في تفسير الايتين المباركتين في الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به.
2- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6 و 10 و 16 و 22 و 23 و 13.
3- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6 و 10 و 16 و 22 و 23 و 13.
4- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6 و 10 و 16 و 22 و 23 و 13.
5- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6 و 10 و 16 و 22 و 23 و 13.
6- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6 و 10 و 16 و 22 و 23 و 13.
7- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6 و 10 و 16 و 22 و 23 و 13.
8- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
9- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.
10- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 36.

.....

______________________________

و ثالثا: أن المتيقن منها- على فرض الحرمة- إنما هو فيما إذا اجتمعت مع الغنا العناوين الخارجية كما هو الغالب بل الدائم خصوصا في هذه الأعصار.

و بعبارة أخرى: حرمة الغنا من باب الوصف بحال المتعلق- كدخول الرجال على النساء و غيره من المحرمات- لا بحال الذات و هذا هو المتيقن من الإجماع أيضا، فلم يتم دليل على حرمة ذات الغناء من حيث هو، فيرجع إلى أصالة الإباحة في غير معلوم الحرمة.

و فيه: إن جميع ما تقدم مردود.

أما الأول: فلأن طريق الاستدلال بالكتاب إنما هو بملاحظة ما ورد في شرحه من السنة، فالكتاب مستقل لكنه المشروح بالسنة و السنة شاحة كما إذا راجعنا في فهم بعض ألفاظ الكتاب إلى اللغة و العرف، و السنة أيضا لها جهة استقلالية مع قطع النظر من حيث الشرح، فللسنة جهتان جهة الشارحية و جهة الاستقلال في الجملة.

و أما الثاني: فلأن بعض التعبيرات و إن كان ظاهرا في الكراهة لكن جملة منها ظاهرة في الحرمة، بل كونه من الكبائر كما تقدم، و في صحيح ابن مسلم قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الغناء مما وعد اللّه عليه النار، و تلا هذه الآية:

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (1)، و في خبر الأعمش الوارد في تعداد الكبائر «و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل مكروهة كالغناء و ضرب الأوتار، و الإصرار على صغائر الذنوب» (2)، فالمراد بالكراهة الحرمة كما في قوله تعالى كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (3)، و كذا ما مر من أن

ص: 111


1- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 36.
3- سورة الإسراء: 38.

.....

______________________________

الغناء مع الباطل (1) و انهم كذبوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ترخيص الغناء كما في رواية عبد الأعلى قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الغناء و قلت إنهم يزعمون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رخص في أن يقال: جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم؟

فقال عليه السّلام: كذبوا- الحديث-» (2)، و ان «الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله» (3)، إلى غير ذلك من الاخبار الظاهرة في الحرمة بلا ريب.

و أما الثالث: فسياق ما تقدم من الأخبار خصوصا قوله عليه السّلام في الصحيح:

«الغنا مما وعد اللّه عليه النار» كون نفس الغنا المعهود من حيث هو مورد الحرمة، و كونها من باب الوصف بحال المتعلق خلاف الظاهر. و ملازمتها غالبا للمنكرات لا يوجب عدم حرمته بل محرمات اجتمعت في مجلس واحد أحدها نفس الغنا و الباقي بقية المحرمات، بل محور بقية المحرمات يدور مدار ذات الغنا، فإنها المهيج لجملة من الشهوات على ما يعترف به أهل تلك الأمور فلا ريب فيما هو المتسالم عليه بينهم من حرمة الغناء بنفسه، لأنه بنفسه لهو و باطل و لغو.

إن قيل: في المجمع عن الصادق عليه السّلام: «إن لهو الحديث في الآية الطعن في الحق و الاستهزاء به» (4)، و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن كسب المغنيات؟ فقال عليه السّلام: التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس، و هو قول اللّه عز و جل: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ» (5)، فطبق عليه السّلام لهو الحديث على قسم خاص منه دون مطلقه.

يقال: أما خبر المجمع فقاصر سندا، و يمكن حمله على فرض اعتباره على انه عليه السّلام بين بعض مصاديق اللهو و لا ينافي ذلك أن يكون لها مصاديق أخرى. و أما مثل خبر أبي بصير فأحسن المحامل فيه الحمل على التقية لأن

ص: 112


1- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 13 و 15 و 16.
2- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 13 و 15 و 16.
3- الوسائل باب: 99 من أبواب ما يكتسب به حديث: 13 و 15 و 16.
4- راجع تفسير مجمع البيان: الآية السادسة من سورة لقمان.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

.....

______________________________

الغناء كان من أهم مشتهيات المترفين في تلك الأعصار، و حيث لم يقدر عليه السّلام على التصريح بإطلاق الحرمة قيدها بهذا القيد حتى لا يجترئ أحد على الإشكال عليه، مع أنه يمكن أن يراد بدخول الرجال: الدخول الاقتضائي و هو حاصل في كل غناء المغنيات. فاستفادة حرمة الغناء من الأخبار المتقدمة مما لا إشكال فيه. و إنما الكلام في جهات.

الأولى: في بيان موضوعه فقد قيل فيه أقوال كثيرة من اللغوي و الأديب و الفقيه.

فمن قائل بأنه الصوت المطرب.

و عن آخر: بما اشتمل على الترجيع.

و عن الثالث: بما اشتمل عليهما.

و عن الرابع: بأنه التطريب.

و عن الخامس: بأنه الترجيع و التطريب.

و عن سادس: برفع الصوت مع الترجيع.

و من سابع: بمدّ الصوت.

و عن ثامن: بمده مع أحد الوصفين أو كليهما.

و عن تاسع: بتحسين الصوت.

و عاشر: بمد الصوت و موالاته.

و الحادي عشر: بالصوت الموزون المفهم المحرك للقلب إلى غير ذلك مما قيل.

و لا يخفى أن لذائذ القوى الجسمانية جميعها مما تدرك و لا توصف فكما أن لذائذ البصر و الشم و الذوق، و غيرها من سائر القوى الجسمانية يتعذر تحديدها بحد جامع مانع هكذا لذائذ السمع، و كلما قرب التحديد من جهة يبعد من جهات، فإن تمكن أحد على تفسير ملاحة الجميل بتفسير جامع مانع يتمكن على تفسير الغناء كذلك فلا وجه للإشكال و النقض و الإبرام عليها، مع

ص: 113

.....

______________________________

انها من الشروح الاسمية و قد أتى كل واحد منهم بشي ء من التعريف خصوصا في هذه الأزمان التي صار مفهوم الغناء و الاغنية من الأمور الشائعة عند الناس، عامة و جعل تعليمها و تعلمها من أهم الفنون الجميلة و الإيكال إليهم في معنى الغناء و خصوصياته أولى من التعرض لها.

و لا ريب في أن الغناء لها إضافة إلى الصوت و إضافة إلى السامع، و لا بد و إن يشير في تفسيره إلى الإضافتين فهي: كيفية خاصة في الصوت- طبيعيا كانت أو صناعية- توجب نحو طرب في السامع يناسب مجالس اللهو و محافل الاستيناس و الفرح و يلائم مع آلات الملاهي و اللعب.

و الطرب و الفرح أيضا من الوجدانيات التي تدرك و لا توصف فيسمى المغنيين و المغنيات بالمطربين و المطربات، كما يوصف نفس الصوت أيضا يقال: أطربنا غناء فلان أو فلانة، بل يطلق على المرأة الحلوة الجميلة لفظ (طروب) أيضا إطلاقا شائعا.

و الطرب: هو الاهتزاز فرحا و استعمله شعراء الجاهليين و المسلمين قديما في ذلك أيضا فمن الأول قول علقمة:

طحا بك قلب في الحسان طروب

و من الثاني قول كميت شاعر أهل البيت:

طربت و ما شوقا إلى البيض أطرب و لا لعبا منى و ذو الشيب يلعب

و الطرب و الفرح بحسب أصل اللغة و الوجدان أعم من أن يكون ما يحصلا منه حلالا أو حراما اختياريا أو غير اختياري.

ثمَّ ان المنساق مما ورد في تفسير قول الزور و لهو الحديث- كما تقدم- انما هو كيفية الصوت بالكيفيات الخاصة بقرينة تفاهم العرف من تلك الروايات لا خصوصيات الكلمات التي يتغنى به.

نعم، لو كانت تلك الكلمات معنونا بالعناوين الباطلة- كالكذب- و ما يوجب تهييج الشهوة المحرمة و نحو ذلك من المفاسد تحرم من تلك

ص: 114

من قراءة قرآن أو دعاء أو غيره شعرا أو نثرا (68)، بل يتضاعف عقابه لو

______________________________

الجهات أيضا.

الثانية: النسبة بين مجرد تحسين الصوت و الغناء المحرم عموم من وجه، إذ رب صوت حسن لا ينطبق عليه الغناء المحرم، و رب غناء محرم لا ينطبق عليه الصوت الحسن، لأن لحسن الصوت مراتب كثيرة جدا، و كذا الطرب و الترجيع و الغناء أيضا لها مراتب كثيرة على ما يشهد به الوجدان و فصّل في الفنون المعدة لذلك.

الثالثة: المرجع في تشخيص هذا الموضوع أهل الخبرة و متعارف الناس كما صرح به في الجواهر، و مع الشك في الصدق فمقتضى الأصل الموضوعي و الحكمي عدم الغنا و عدم الحرمة من حيث الصوت، و أما من حيث الآت اللهوية المحفوفة به فتحرم من تلك الجهة، و لكن الأحوط الاجتناب في الشبهة الموضوعية أيضا.

(68) للإطلاق الشامل للجميع من غير ما يصلح للتخصيص. و عن بعض استثناء موارد عن حرمة الغنا:

الأول: قراءة القرآن، بل نسب استحباب التغني فيها إلى الطبرسي.

و استدل على عدم الحرمة فيها بالأصل، و الأخبار الدالة على قرائته بالصوت الحسن و بالحزن كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن سنان قال: «قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن»(1)، و قوله عليه السّلام: «إن القرآن نزل بالحزن فأقرؤه بالحزن» (2)، و قول أبي جعفر عليه السّلام: «و رجع بالقرآن صوتك فإن اللّه عز و جل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا» (3)، و قول أبي

ص: 115


1- الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 5.

.....

______________________________

الحسن الرضا عليه السّلام: «حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا» (1)، و ما ورد أن أبا جعفر و أبيه عليهما السّلام كانا أحسن الناس بالقرآن صوتا (2)، و النبوي العامي: «فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا و تغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا» (3). و قالوا: إن النسبة بين أدلة حرمة الغنا و أدلة قراءة القرآن و نحوه من المناجاة و الدعاء عموم من وجه، فيرجع في مورد التعارض إلى الأصل، و عموم أدلة قراءة القرآن و الدعاء و المناجاة.

و الكل مردود أما الأصل فلا أصل له مع الإطلاقات الظاهرة في التعميم.

و أما الأخبار فلا ريب في أن تحسين الصوت أعم من الغناء العرفي، و كذا مطلق الترجيع و الصوت الحزين كما هو معلوم. و أما التغني بالقرآن فمضافا إلى قصور سنده لا بد من حمله أو طرحه، لأن مقام القرآن أجل من الغناء اللهوي. و أما كون التعارض من وجه فما أحسن قول صاحب الجواهر في رده حيث قال رحمه اللّه: «و إلا لتحقق التعارض من وجه بين ما دل على قضاء حاجة المؤمن مثلا و النهي عن اللواط و الزنا و غيرها من المحرمات، المعلوم بطلانه بضرورة الشرع انه لا يطاع من حيث يعصي» هذا كله مضافا إلى قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سنان:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أقروا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر، فإنه سيجي ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم» (4)، و هذا الحديث حاكم على جميع ما ورد في هذا الباب و حجة على من ذهب إلى جواز الغناء في القرآن من الأصحاب.

الثاني: مطلق الذكر و الدعاء و الفضائل و المناجاة و أمثالها، و يظهر وجه

ص: 116


1- الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 6.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
3- سنن ابن ماجه باب: 176 من كتاب إقامة الصلاة و السنة منها حديث: 1337.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

استعمله في ما يطاع به اللّه تعالى، كقراءة القرآن و نحوها (69). و يستثنى غناء المغنيات في الأعراس (70)،

______________________________

الجواز ورده مما تقدم في الأول، و قد يستدل للجواز هنا بالمرسل عن السجاد قال: «سأل رجل علي بن الحسين عليهما السّلام عن شراء جارية لها صوت؟ فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة، يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء، فأما الغناء فمحظور» (1).

و فيه: إنه على خلاف المطلوب أدل كما لا يخفى.

(69) لأنه نحو استخفاف و إهانة بطاعة اللّه و أوامره.

(70) هذا هو الثالث من المستثنيات نسب ذلك إلى جمع بل حكي عليه الشهرة، لجملة من الأخبار منها خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن كسب المغنيات؟ فقال عليه السّلام: التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس» (2)، و في خبره الثاني قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها» (3)، و في خبره الثالث: «أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس و ليست بالتي يدخل عليها الرجال» (4)، و حلية الأجرة ملازم لحلية العمل شرعا.

و عن جمع حرمة الغناء فيها أيضا، لقصور هذه الأخبار عن تقييد المطلقات.

و فيه: أن السند فيها معتبر و الدلالة تامة فلا إشكال في التقييد.

نعم، الاستثناء في خصوص الغناء فقط لا سائر المحرمات من التكلم بالباطل، و استعمال آلات الملاهي و دخول الرجال على النساء، كما لا بد من الاقتصار على المغنية دون المغني و على الأعراس دون سائر الأفراح.

و أما خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن الغناء هل يصلح في

ص: 117


1- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 2 و 3 و 5.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 2 و 3 و 5.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 2 و 3 و 5.

و إن كان الاحتياط في تركه (71). و قد يستثنى مراثي المعصومين خصوصا الحسين عليه السّلام (72)، و لا وجه له. بل هو حرام فيها أيضا (73)، و كذا الحداء لسوق الإبل (74).

______________________________

الفطر و الأضحى و الفرح؟ قال عليه السّلام: لا بأس به ما لم يعص به» (1)راجع كامل الزيارات باب: 32 من أبواب الزيارات.(2)، فلا بد من حمله على ما إذا لم يصل الغنا مرتبة الحرمة بل كان من مجرد تحسين الصوت، أو على ما إذا كان في العرس الذي يكون في العيد.

(71) خروجا عن خلاف من حرّمه فيها أيضا.

(72) هذا هو الرابع من موارد الاستثناء، و استدل عليه بالأصل و السيرة، و بعموم: «من أبكى أو تباكى» (3)، الوارد في رثاء الحسين عليه السّلام و إن الغناء معين على البكاء خصوصا في بعض أقسامه.

و فيه: إن الأصل لا أصل له في مقابل العمومات و الإطلاقات، و السيرة أيضا لم تقم عليه بين المتشرعة و على فرضه فلا اعتبار بها، و قد مر الجواب عن العموم في نقل كلام صاحب الجواهر.

(73) لما ظهر وجهه هنا و فيما تقدم فراجع.

(74) هذا هو الخامس من مورد الاستثناء، و استدلوا عليه بتقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله لابن رواحة، فإنه كان جيد الحداء و كان مع الرجال و كان أنجشة مع النساء، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: لابن رواحة: «حرك بالقوم، فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة فأعنفت الإبل فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله لأنجشه: رويدك رفقا بالقوارير» (4).

و فيه: إن السند قاصر كالدلالة فلا وجه للاستثناء.

ص: 118


1-
2-
3- راجع كامل الزيارات باب: 32 من أبواب الزيارات.
4- المغني لابن قدامة ج: 12 صفحة: 43 ط: بيروت، مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب السفر إلى الحج.

مسألة 29: كما يحرم الغناء يحرم استماعه أيضا و تعليمه و تعلمه و الاكتساب به

(مسألة 29): كما يحرم الغناء يحرم استماعه أيضا و تعليمه و تعلمه و الاكتساب به و يحرم أخذ الأجرة عليه (75).

مسألة 30: تحرم الغيبة

(مسألة 30): تحرم الغيبة (76)، و هي: أن يذكر الإنسان في خلفه

______________________________

و لكن يمكن أن يقال: إن الحداء نحو صوت يتلذذ منه الإبل و يوجب حثها على السير، و أما أن هذا هو من الغناء المعروف المبحوث عنه عند الفقهاء، فلم يدل عليه دليل من عقل أو نقل، و في الحديث عن الصادق عليه السّلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خناء» (1)، و لعله نحو ترنم يشغل المسافر نفسه به و يحث إبله على السرعة في السير، فلا وجه لكونه مستثنى من الغناء المحرم، للشك في كونه منه موضوعا.

(75) كل ذلك، للإجماع بعد فرض الحرمة، و لأن اللّه تعالى: «إذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه» (2)، و يأتي في كتاب الشهادة- إن شاء اللّه تعالى- أن الغناء و استماعه من المعاصي الكبيرة، و عن صاحب الجواهر دعوى الإجماع بقسميه عليه، انظر كتاب الشهادة عند قول المحقق: «و مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب يفسق فاعله و ترد شهادته و كذا مستمعه».

(76) للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ (3)، و غيره من الآيات المباركة المفسرة بالغيبة. و من السنة المتواترة بين الفريقين منها قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إياك و الغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا قلت: و لم ذاك يا رسول اللّه؟

قال صلّى اللّه عليه و آله: لأن الرجل يزني فيتوب إلى اللّه، فيتوب اللّه عليه، و الغيبة لا تغفر حتى

ص: 119


1- الوسائل باب: 37 من أبواب آداب السفر إلى الحج حديث: 1. و الخنا: الفحش.
2- تقدم في صفحة: 39 و 43.
3- سورة الحجرات: 12.

.....

______________________________

يغفرها صاحبها» (1)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «الغيبة حرام على كل مسلم، و إن الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» (2)، و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه» (3)، إلى غير ذلك مما لا تحصى.

و من الإجماع: إجماع المسلمين من جميع مذاهبهم.

و من العقل انها نحو ظلم و إيذاء بالنسبة إلى الغير و هما من المقبحات العقلية فليست حرمتها مختصة بالشريعة الإسلامية، بل هي محرمة في جميع الشرائع الإلهية كما هو شأن جميع المقبحات العقلية بل من أشدها، كما يظهر من الأخبار كقوله صلّى اللّه عليه و آله: «الغيبة أشد من الزنا»، كما تقدم، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ستة و ثلاثين زنية و إن أربى الربا عرض الرجل المسلم» (4)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل اللّه صلاته و لا صيامه أربعين صباحا إلا أن يغفر له صاحبه» (5)، و في حديث المناهي عن أبي جعفر عليه السّلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الغيبة و الاستماع إليها، و قال: من اغتاب أمرا و مسلما بطل صومه و نقض وضوئه، و جاء يوم القيامة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى أهل الموقف، و إن مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرّم اللّه عز و جل، ألا و من تطول على أخيه في غيبة سمعها في مجلس فردها عنه رد اللّه عز و جل عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة، فإن هو لم يردها و هو قادر على ردها كان كوزر من اغتابه سبعين مرة» (6)، فيحمل نقض الوضوء

ص: 120


1- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 9، و في كنز العمال ج: 3 حديث: 2899 ط: حيدر آباد.
2- مستدرك الوسائل باب: 132 من أبواب أحكام العشرة حديث: 19.
3- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7.
4- راجع كنز العمال ج: 3 حديث: 2923 و في إحياء العلوم ج: 3 صفحة: 144.
5- مستدرك الوسائل باب: 132 من أبواب أحكام العشرة حديث: 20.
6- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 13.

بإظهار نقصه المستور بحيث يكره لو سمعه (77). و لو كان النقص ظاهرا،

______________________________

و بطلان الصوم على بعض مراتب نقصان الطهارة الكاملة و الصوم الكامل لا على البطلان، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنة أبدا و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير» (1)، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «من مشى في عيب أخيه و كشف عورته كانت أول خطوة خطاها و ضعها في جهنم» (2)، إلى غير ذلك من الروايات.

(77) لا بد. أولا: من بيان أمرين.

الأول: أن ما يقال في الغير إما مدح، أو ذم، أو ليس منهما.

و الأول: كان يقال: فلان حسن الخلق.

و الثاني: كأن يقال: فلان سي ء الخلق.

و الثالث: مثل أن يقال: فلان كسائر الناس يأكل و يشرب و ينام. أو يشك في انه من أي الأقسام، و حكمه الإباحة ذكرا و سماعا، للأصل. و هذه كلها من البديهيات بين الأنام و يأتي أحكامها في مستقبل الكلام.

الثاني: ان سوء المقول مستلزما لسوء القول في المحاورات و العرفيات، و هما مستلزمان للتنقيض و الانتقاص، فهذه العناوين بينها تلازم عرفي، كما أن سوء القول مستلزم لقصد النقص و لو إجمالا و من غير التفاوت، و كل من يرجع إلى وجدانه و تأمل يجد صدق ما قلناه.

ثمَّ ان البحث في موضوع الغيبة.

تارة: بحسب الأصل العملي.

و أخرى: بحسب الأخبار.

و ثالثة: بحسب الاعتبار و الرجوع إلى وجدان المغتابين (بالكسر) و المغتابين (بالفتح).

ص: 121


1- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 20 و 21.
2- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 20 و 21.

.....

______________________________

أما الأول: فمقتضاه فيما هو مركب من قيود و تعلقت الحرمة بها هو ثبوت الحرمة في المتيقن من موارد القيود و البراءة عنها في مشكوكها، كما هو شأن كل تكليف إلزامي تعلق بموضوع مركب مجمل، فإذا كان المقول سوء و استلزم الإسائة إلى المقول فيه تتحقق الغيبة المحرمة، لما مر من استلزام ذلك كله، و مع العلم بانفكاك بعض القيود لا حرمة في البين، لعدم الموضوع لها حينئذ، و كذا مع الشك فيه للأصل.

أما الثاني: فقد ورد في تفسير الغيبة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ذكرك أخاك بما يكره» (1)، و المنساق منه عرفا كراهة القول و المقول مع تلازمهما عرفا، فاتعاب النفس في بيان التفكيك بينهما مما لا وجه له بعد الملازمة العرفية بينهما، كما مر و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سيابة: «أن الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه، و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر ابن سنان: «الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه» (3)، و عن أبي الحسن عليه السّلام في رواية الأزرق: «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهتهه» (4)، إلى غير ذلك من المستفيضة الظاهرة بل الناصة في إن المقول لا بد و أن يكون مستورا و هو يلازم الكراهة و النقص غالبا بالنسبة إلى المقول.

و أما الأخير: فلا ريب في إن ظاهر حال المغتابين (بالكسر) كشف ستار الطرف و النقص فيه و لو لم يكن متوجها إليه تفصيلا، و الظاهر ترتب الانتقاض عليه أيضا و لو كان المتكلم غافلا عن ذلك، و كذا المغتاب (بالفتح) فإنهم يرون

ص: 122


1- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 154 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 22.
4- الوسائل باب: 154 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

و لكن قصد المتكلم بذكره النقص أو ترتب على ذكره الانتقاص قهرا فليس من الغيبة (78)، و إن حرم من جهة أخرى (79)، و لكن الأحوط إجراء حكم الغيبة عليه أيضا (80).

مسألة 31: الغيبة من الكبائر

(مسألة 31): الغيبة من الكبائر (81)، و لا فرق في حرمتها بين كون

______________________________

كراهة المقول و القول و الانتقاض في كشف سترهم.

و خلاصة الكلام: أن كراهة القول و المقول و الانتقاص و كشف الستر في الجملة من مقومات الغيبة بحسب اللغة و الأخبار، و الاعتبار، و في الصحاح: «إن الغيبة ان يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صدقا سمي غيبة و إن كان كذبا سمي بهتا» و في القاموس: «غابه أي عابه».

(78) للأصل بعد ذكر الاستتار في جملة من الأخبار، فتكون مقيدة لإطلاق بعضها الآخر، و قال أبو الحسن عليه السّلام: «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه».

(79) كالإيذاء و الهتك و نحوهما.

(80) خروجا عن خلاف من جعل ذلك من الغيبة.

(81) لأن الكبائر عبارة عما أوعد اللّه عليها النار، أو ورد الدليل إنها أشد مما أوعد عليه النار و هما موجودان في الغيبة.

أما الأول: فلرواية النوفلي «من قال في مؤمن ما رأت عيناه، و سمعت أذناه ما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- إلى أن قال- من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته و ثلبه أوبقه اللّه بخطيئته حتى يأتي بمخرج مما قال، و لن يأتي بالمخرج منه ابدا»(1).

و أما الثاني: فلقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الغيبة أشد من الزنا» (2)، مع إنها من

ص: 123


1- الوسائل باب: 49 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 صفحة: 155.
2- تقدم في صفحة: 120.

المغتاب (بالفتح) مؤمنا إثنا عشريا أو من سائر فرق المسلمين ما لم يحكم بكفره (82).

______________________________

الخيانة و قد ورد التنصيص في بعض الاخبار بأن الخيانة من الكبائر (1).

و نوقش في الجميع أما في الخبرين فبقصور السند، و أما في الأخير فلأن الخيانة ظاهرة في غير الغيبة مع أن الغيبة عامة الابتلاء، و لم يشر في خبر من أخبار تعداد الكبائر إليها، و كونها من الصغيرة معلومة و خصوصية الكبيرة مشكوكة، و المرجع فيها الأصل هذا.

و لكن ظاهر الفقهاء الاعتماد على مراسيل ابن أبي عمير و الاعتناء بما مر من النبوي.

(82) لأن التعبيرات الواردة في الأدلة ثمانية.

1- بَعْضُكُمْ بَعْضاً (2).

2- قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه» (3).

3- قوله عليه السّلام: «المسلم أخو المسلم لا يخذله و لا يغتابه» (4).

4- قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ذكرك أخاك بما يكره» (5).

5- قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و من اغتاب أخاه المسلم» (6).

6- قوله عليه السّلام: «البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة» (7).

7- قوله عليه السّلام: «من قال في مؤمن ما رأته عيناه» (8).

8- المطلقات و هي كثيرة.

و أخص التعبيرات الأخ و المؤمن و لو ثبت أن استعمال الايمان و المؤمن

ص: 124


1- راجع صفحة: 170.
2- سورة الحجرات: 12.
3- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 9.
6- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 21.
7- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 17.
8- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.

.....

______________________________

في الكتاب و السنة في الصدر الأول كان بمعنى المؤمن الاثني عشري لكان ذلك مقيدا للجميع، و لكنه لم يثبت بل ثبت عدمه لأن المؤمن فيهما عبارة عمن وافق إقراره مع اعتقاده القلبي و الإسلام أعم منه قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ (1)، فالمراد به الإسلام الموافق للاعتقاد، مع ان الغيبة من ذمائم الصفات البشرية فهي مذمومة، و لا يجوز مطلقا إلا ما نص الشرع على جوازها، و قد فسر الأخ في الروايات بالأخ الإسلامي فلا وجه لحمله على الأخ الإيماني الاثني عشري. مع أن الولاية للمعصومين من أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله على قسمين.

الأول: المحبة.

الثاني: الولاية بالمعنى الأخص.

و الأول: موجود في جميع المسلمين إلا الناصبين و الخوارج و الظالمين عليهم عليهم السّلام و الغلاة و كل من حكم بكفره.

و الثاني: منحصر بالشيعة الاثنى عشرية.

و احترام الشهادتين و محبتهم لأهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله المعصومين- مع انه قد نص الأئمة عليهم السّلام على جواز غيبة جمع، كما سيأتي و لم ينصوا على جواز غيبتهم- يقتضي إجراء جميع أحكام الإسلام على جميع المسلمين إلا ما خرج بالنص الصحيح و الدليل الصريح، و النزاع بين الفقهاء في مثل هذه الجهة صغروي لا أن يكون كبرويا.

و بالجملة: من أقر بالشهادتين على أقسام.

الأول: من يحب النبي صلّى اللّه عليه و آله و آله المعصومين و يتبع المعصومين عليهم السّلام من آله.

الثاني: من يحبهم في الجملة و لا يتبع أقوالهم بل يتبع أقوال غيرهم.

الثالث: من ثبت كفره.

ص: 125


1- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.

كما لا فرق فيها بين البالغ و غيره (83).

مسألة 32: لا فرق في المقول بين كونه راجعا إلى دينه أو دنياه

(مسألة 32): لا فرق في المقول بين كونه راجعا إلى دينه أو دنياه، كهيئته و شكله و لباسه أو نحو ذلك (84) كما لا فرق في الذكر بين القول و الإشارة و الكتابة و نحوها (85).

______________________________

الرابع: من يشك أنه من أي الفريقين مع إقراره بالشهادتين، و مقتضى الإطلاقات و العمومات إجراء الأحكام على الجميع إلا الثالث، و لا وجه للتفصيل بأزيد من ذلك، مع ما ورد في جملة من الدعوات المعتبرة: «اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات».

و أما جواز الغيبة بجواز اللعن فلا وجه له، لأن لعن من حكم بكفره منهم يجوز، و أما لعن القاصر و المستضعف منهم فالظاهر عدم الجواز مضافا إلى انه لا وجه للقياس.

(83) للإطلاق الشامل للجميع.

نعم، تنصرف الأدلة عن المجنون المطبق و غير المميز.

(84) لظهور الإطلاق، و الإجماع، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع: شفاء غيظ، و مساعدة قوم، و تصديق خبر بلا كشف، و تهمة، و سوء ظن، و حسد، و سخرية، و تعجب، و تبرم و تزين» (1).

و يمكن أن يجعل المناط إن كل ما لا يحب الإنسان أن يذكر به في غيابه تتحقق الغيبة بذكره ذلك لغيره في غيابه، لأن أدنى مرتبة الإنسانية أن يحب الشخص لغيره ما يحب لنفسه، و يكره لغيره ما يكره لنفسه و هذا مضمون جملة من الروايات المروية عن الفريقين (2).

(85) لأن الظاهر أن الذكر إنما هو في مقابل الإغفال لا خصوص الذكر

ص: 126


1- مستدرك الوسائل باب: 132 من أبواب أحكام العشرة حديث: 19.
2- راجع الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة.

مسألة 33: يعتبر فيها وجود مخاطب في البين فلا غيبة فيما إذا ذكره عند نفسه

(مسألة 33): يعتبر فيها وجود مخاطب في البين فلا غيبة فيما إذا ذكره عند نفسه (86) و لكن الأحوط الترك مطلقا (87).

مسألة 34: المغتاب بالفتح إما معلوم تفصيلا أو مردد بين المحصور، أو غير المحصور، أو مجهول مطلق

(مسألة 34): المغتاب (بالفتح) إما معلوم تفصيلا أو مردد بين المحصور، أو غير المحصور، أو مجهول مطلق، و تتحقق الغيبة في الأولين دون الأخيرين (88). و لا فرق في حرمة الغيبة بين كون المغتاب شخصا أو نوعا كما إذا قيل: أهل بلد كذا بخيل مثلا (89).

______________________________

اللفظي فقط كما صرح به شيخنا الأنصاري، و النراقي في جامع السعادات، و صاحب الجواهر رحمهم اللّه، و يشهد للتعميم تأذى الناس بكل ذلك و في الحديث:

«إنه دخلت امرأة قصيرة على عائشة، فلما ولت أومأت بيدها أي: هي قصيرة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قد اغتبتيها» (1).

(86) للأصل بعد انصراف الأدلة عنه و إن نسب إلى الأكثر كونه من الغيبة جمودا على لفظ «الذكر» الوارد في الأدلة، و لكنه جمود بلا وجه، و كذا ذكره عند الأصم الذي لا يفهم شيئا أو غير المميز، أو بلغة لا يعرفها المخاطب أصلا.

(87) خروجا عن خلاف من حرّم ذلك خصوصا عند الأصم أو بما لا يفهمه المخاطب من اللغة، لظهور كلمات الأكثر في صدق الغيبة على الجميع.

(88) لأن المنساق من مجموع الأدلة ما إذا تحقق الاستياء عرفا في مورد الغيبة لو سمعها المغتاب (بالكسر)، و يتحقق ذلك في الأولين دون الأخيرين، بل لو أظهر أحد في موردهما مسائة يلام عند المتشرعة و العرف عليه، مع أن الشك في كونه غيبة يجزي في عدم الحرمة، للأصل بعد عدم جواز التمسك بالأدلة، و لكن الأحوط إجراء حكم الغيبة خروجا عن خلاف ما يظهر من بعض كلماتهم.

(89) لظهور الإطلاق و الاتفاق في عدم الفرق بينهما، بل الثاني أشد كما لا يخفى.

ص: 127


1- مسند ابن حنبل الجزء السادس صفحة: 206 و في إحياء العلوم ج: 3 صفحة: 152.

مسألة 35: يحرم استماع الغيبة المحرمة

(مسألة 35): يحرم استماع الغيبة المحرمة (90). و أما السماع فلا يحرم ما لم يتعمد ذلك (91). و كذا لو كانت في البين مصلحة ملزمة للاستماع (92).

مسألة 36: يشتد عقاب المغتاب بالكسر إذا كان يمدح الشخص في حضوره

(مسألة 36): يشتد عقاب المغتاب (بالكسر) إذا كان يمدح الشخص في حضوره و يغتابه في غيبته (93).

______________________________

(90) نصا، و إجماعا، ففي حديث المناهي، عن الصادق عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الغيبة و الاستماع إليها، و نهى عن النميمة و الاستماع إليها» (1)، و في حديث آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله: «السامع للغيبة أحد المغتابين» (2)، هذا إذا أحرز أن الغيبة وقعت بعنوان الحرام.

و أما لو علم إنها من الغيبة المحللة، أو شك في إنها من أيهما، أو كان المغتاب (بالفتح) جائز الغيبة لدى المستمع فلا يحرم الاستماع، للأصل في جميع ذلك.

(91) لأصالة البراءة بعد عدم كونه عن عمد و اختيار، و اختصاص الحرمة بالفعل المختار.

(92) لأن ثبوت الحرمة له إنما هو فيما إذا لم يعارضها جهة أخرى مقدمة عليها، و إلا فيقدم الأهم لا محالة.

و أما إن الاستماع إليها من الكبائر أو لا؟ فمقتضى الأصل عدم كونه منها إلا أن يدل دليل عليه و هو مفقود.

(93) لانطباق عنوان النفاق عليه، مضافا إلى الغيبة، و عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من مدح أخاه المؤمن في وجهه، و اغتابه

ص: 128


1- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 13.
2- مستدرك الوسائل باب: 136 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7.

مسألة 37: الأحوط رد الغيبة لمن سمعها

(مسألة 37): الأحوط رد الغيبة لمن سمعها و قدر على ذلك (94).

مسألة 38: يجوز الغيبة في موارد

(مسألة 38): يجوز الغيبة في موارد، بل قد تجب (95) و موارد الجواز كثيرة.

______________________________

من ورائه، فقد انقطع ما بينهما من العصمة» (1)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «من كان ذا وجهين و ذا لسانين كان ذا وجهين يوم القيامة من نار» (2)، إلى غير ذلك من الروايات.

(94) لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد اللّه تعالى عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة، فإن لم يرد عنه و أعجبه كان عليه كوزر من اغتاب» (3)، و في حديث آخر: «فإن هو لم يردها و هو قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة» (4). و لعل وجه التشديد أن الرد يوجب قلة الغيبة و عدمه يوجب الجرأة عليها.

و لا يخفى أن رد الغيبة غير النهي عن المنكر، إذ الأول إذهاب موضوعها و الانتصار للمغتاب (بالفتح)، و الثاني نهي المغتاب (بالكسر) عنها و بينهما فرق واضح، و يجب النهي عن المنكر بشروطها التي تقدمت في كتاب الجهاد.

و حيث إن مثل هذه الأخبار قاصر سندا عن إثبات الوجوب، و لا إجماع في البين يدل عليه عبرنا بالاحتياط.

(95) إجماعا، و نصوصا يأتي التعرض لها.

و تنقسم الغيبة بحسب الحكم الشرعي إلى الأحكام الخمسة التكليفية، فالحرام ما خلت عن جميع العناوين الخارجية، و الواجب ما انطبق عليها ما يوجب وجوبها، كأن يكون في تركها ضرر نفسي أو عرضي أو مالي أو نحو

ص: 129


1- الوسائل باب: 143 من أبواب أحكام العشرة حديث: 10 و 8.
2- الوسائل باب: 143 من أبواب أحكام العشرة حديث: 10 و 8.
3- الوسائل باب: 156 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث: 13.

الأول: المتجاهر بالفسق (96)، سواء قصد بها ارتداعه عن فسقه أو لا (97). و لا فرق فيه بين غيبته في ما تجاهر فيه و غيره (98)، و إن كان

______________________________

ذلك من العناوين الموجبة، و المستحب غيبة أصحاب البدع و الدعاوي الباطلة في الدين، بل قد يظهر من بعض الأخبار وجوبها (1)، و لكن أصل الرجحان مسلم حتى لا يطمع أحد في مدعاهم و المباح ما يأتي من الموارد الكثيرة و المكروه بعض موارد الإباحة إذا انطبق عليه عنوان يوجب رجحان تركها في الجملة. و أصل المسألة بحسب القاعدة من صغريات تقديم الأهم على المهم، فمهما تحقق غرض صحيح شرعي في البين يوجب زوال الحرمة، و مع الشك في تحققه فالمرجع عمومات حرمة الغيبة بعد كون الخاص منفصلا لا يضر بالعام بلا كلام بل، يصح الرجوع إلى أصالة الاحترام في المغتاب (بالفتح).

(96) للنصوص و الإجماع، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن الجهم: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» (2)، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من القى جلباب الحياء عن نفسه فلا غيبة له» (3)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بالفسق» (4)، و الظاهر أن خروجه من باب التخصص لا التخصيص، لأنه مع التجاهر لا موضوع للغيبة عرفا.

(97) لإطلاق الدليل الشامل للصورتين.

(98) لظهور الإطلاق الشامل لهما، كما استظهره في الحدائق عن كلمات الاعلام و صرح به بعض الأساطين، فيكون صدق صرف وجود التجاهر منشأ

ص: 130


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 154 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
3- مستدرك الوسائل باب: 134 من أبواب آداب أحكام العشرة حديث: 2 و ما بعده. و في كنز العمال ج: 3 حديث: 3854.
4- الوسائل باب: 154 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5.

الأحوط الاقتصار على الأول (99). و لو ابدى المتجاهر عذرا شرعيا لما تجاهر به لا يجوز غيبته (100).

______________________________

للجواز، فلا وجه حينئذ لأن يقال: ان المرجع في مورد الشك أصالة احترام المؤمن، و عمومات حرمة الغيبة بعد كون المخصص مجملا و مرددا بين الأقل و الأكثر، لأن المنساق من الأدلة سقوط احترامه بظهور الفسق مطلقا.

(99) خروجا عن خلاف من اقتصر عليه كما نسب إلى الشهيدين اقتصارا على المتيقن، و لا وجه له كما مر.

(100) لإطلاقات حرمة الغيبة بعد أن المنساق من أدلة الجواز غير هذه الصورة.

فائدة: مقتضى ما ارتكز في نفوس أهل كل مذهب و ملة، ان كل من لم يهتم بحفظ شؤون مذهبه و ملته، لا يعتني ذلك المذهب و الملة بحفظ شؤونه في الجملة، و على طبق هذا الارتكاز وردت جملة من الأخبار منها: ما تقدم، و منها: صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «ثلاث من كن فيه أوجبت له أربعا على الناس، من إذا حدثهم لم يكذبهم، و إذا وعدهم لم يخلفهم، و إذا خالطهم لم يظلمهم، وجب أن يظهروا في الناس عدالته، و يظهروا فيهم مروته، و أن تحرم عليهم غيبته و أن تجب عليهم أخوته» (1)، و قريب منه غيره (2)، فيستفاد من مثل هذه الأخبار أن حرمة الغيبة محدودة بحد خاص، و لا يشمل من لا يبالي بالشرع، فيخرج بذلك عن حرمتها جمع كثير من فرق المسلمين من الهمج و الرعاء، و الذين قال اللّه تعالى فيهم إِنْ هُمْ إِلّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (3)، و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله فيهم: «شرّ الناس يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء

ص: 131


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 14.
2- الوسائل باب: 151 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
3- سورة الفرقان: 44.

الثاني: تظلم المظلوم في ما ظلم (101)، و المرجع في الظلم ما هو المتعارف بين الناس، و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص (102).

______________________________

شرهم» «1»، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «من القى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له» (1).

(101) للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (2)، و قوله تعالى لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّا مَنْ ظُلِمَ (3)، و من الإجماع إجماع المسلمين فتوى و عملا. و من النصوص نصوص وردت في تفسير الآية (4)، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أن لصاحب الحق مقالا» (5).

و من العقل حكمه بجواز المدافعة عن النفس و العرض و المال بل قد يجب ذلك.

(102) لعدم ورود تحديد شرعي في ذلك و لا بد و أن يرجع إلى العرف المختلف حسب اختلاف الأشخاص و الأزمان، و في تفسير العياشي عن الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّا مَنْ ظُلِمَ قال:

«من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه» (6)، و لا بد من حمله على ما إذا انطبق عليه عنوان الظلم و الاسائة عرفا، و يصح التمسك بإطلاق قوله تعالى وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (7)، و إطلاق

ص: 132


1- تقدم في صفحة: 130.
2- سورة الشورى: 42.
3- سورة النساء: 148.
4- راجع الوسائل باب: 54 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6 و 7.
5- صحيح البخاري ج: 3 كتاب الهبة باب: 23 صفحة: 11.
6- الوسائل باب: 154 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.
7- سورة الشورى: 40.

الثالث: نصح المستشير، و الاستفتاء، و الشهادة على إتيان المنكرات، و جرح الشهود و الرواة، أو قصد ردع المغتاب (بالفتح) عن المنكر، أو دفع

______________________________

قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1)، و يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء لترك الأولى أيضا، فعن حماد بن عيسى قال: «دخل رجل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فشكى إليه رجلا من أصحابه فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما لفلان يشكوك؟ فقال: يشكوني أني استقضيت منه حقي، قال: فجلس أبو عبد اللّه عليه السّلام مغضبا ثمَّ قال: كأنك إذا استقضيت حقك لم تسئ، أ رأيتك ما حكى اللّه عز و جل، فقال وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ أ ترى إنهم خافوا اللّه أن يجور عليهم؟ لا و اللّه ما خافوا إلا الاستقضاء فسماه اللّه عز و جل سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء» (2).

ثمَّ أنه إن كان الشخص معروفا بصفة بحيث يعرفه بتلك الصفة كل أحد، و بدونها يعسر التعرف به، فلا موضوع للغيبة بالنسبة إلى ذكر تلك الصفة، كما في قضية زينب العطارة الحولاء، فعن الصادق عليه السّلام في خبر الهاشمي، قال عليه السّلام:

«جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء النبي و بناته و كانت تبيع منهن العطر- الحديث-» (3).

و كذا لو كان القائل في مقام تقرير الدعوى و الشكاية عن المدعى عليه لتقوّم شكاية المدعي بذلك، و لولاه لانسد باب الشكايات مطلقا، و يدل عليه شكاية هند زوجة أبي سفيان إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، حيث قالت: «إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي إلا أخذت من ماله و هو لا يعلم؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله لها: خذي لك و لولدك بالمعروف» (4)، فلم يزجرها النبي صلّى اللّه عليه و آله عن قولها.

ص: 133


1- سورة البقرة: 194.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الدين و القرض حديث: 1.
3- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
4- مستدرك الوسائل باب: 134 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4، و في سنن ابن ماجه باب: 65 من أبواب التجارات حديث: 2293.

الضرر عنه (103). ورد من ادعى نسبا (104). و كذا لو كان أحد معروفا

______________________________

(103) لوجود مصلحة غالبة في جميع ذلك كله على مفسدة الغيبة، و لو بنى على تغليب مفسدة الغيبة في مثل هذه الموارد بطلت جملة من الأحكام التي لا يرضى الشرع بذلك، مع أن نصح المستشير واجب، و في صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: إن أمي لا تدفع يد لامس، فقال صلّى اللّه عليه و آله أحبسها، قال: قد فعلت، فقال صلّى اللّه عليه و آله: فامنع من يدخل عليها، قال: قد فعلت، قال صلّى اللّه عليه و آله فقيدها فإنك لا تبرها بشي ء أفضل من أن تمنعها عن محارم اللّه عز و جل» (1)، هذا مع الشك في شمول أدلة حرمة الغيبة لهذه الموارد التي جرت سيرة المتشرعة عليها في كل عصر و زمان.

(104) لما تقدم من وجود المصلحة الغالبة في جميع ذلك، مع أنه يمكن أن يقال بعدم كون ذلك كله من الغيبة موضوعا، لأنها متقوم بقصد الغيبة و المفروض قصد عنوان آخر في جميع ذلك، و ليست الغيبة من العناوين القهرية الانطباقية، و لو من دون قصد إليها حتى يتحقق في هذه الموارد، و نحتاج إلى إثبات تغليب مصلحتها على مفسدة الغيبة، مع أنه ورد في خصوص الردع قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبهم، و القول فيهم و الوقعية و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام «و يحذر هم الناس»، و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة» (2)، و أهل الريب يشمل كل من يدعى شيئا في الدين و ليس أهلا له، حتى لو ادعى الاجتهاد، أو الزهد أو الورع و لم يكن كذلك.

ثمَّ إنه قد ورد عن الصادق عليه السّلام في ذم زرارة مع إنه من أجلاء أصحابه (3)،

ص: 134


1- الوسائل باب: 48 من أبواب حد الزنا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 11.
3- راجع رجال الكشي صفحة: 133 ط: النجف الأشرف.

بمعصية، بين شخصين فذكره أحدهما للآخر بمعصيته المعروفة بينهما (105).

______________________________

و لا بد من حملها على دفع الضرر عنه. كما صرح به في خبر عبد اللّه بن زرارة قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: اقرأ على والدك السلام، و قل له: إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس و العدو يسارعون إلى كل من قربناه و حمدنا مكانه، لإدخال الأذى فيمن نحبه و نقربه، فيذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوة منا، و يرون إدخال الأذى عليه و قتله، و يحمدون كل من عيناه نحن و إن يحمد أمره، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا و بميلك إلينا، و أنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودتك لنا و بميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك و نقصك، و يكون ذلك منا دفع شرهم عنك يقول اللّه عز و جل:

«أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً» هذا التنزيل من عند اللّه لا و اللّه ما عابها إلا لكي تسلم من الملك و لا تعطب على يديه، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ، و الحمد للّه فافهم المثل يرحمك اللّه، فإنك و اللّه أحب الناس إليّ أحب أصحاب أبي إلىّ حيا ميتا، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، و إن ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرغب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا فيغصبها فرحمة اللّه عليك حيا و رحمته و رضوانه عليك ميتا» (1).

(105) لأنه لا أثر لهذا الكلام عند السامع و يكون المغتاب (بالفتح) من المتجاهر بينهما.

ثمَّ إنه لا وجه لتعداد جواز الغيبة بعد وضوح مناط الجواز و هو وجود مصلحة غالبة على مفسدة الغيبة أو الشك في كون المقول غيبة حتى يحرم أو انه قصد به عنوان صحيح مضاد لعنوان الغيبة، فلا وجه حينئذ للتمسك بأدلة حرمة

ص: 135


1- الوسائل باب: الزاء- زرارة بن أعين- 489- ج: 20.

مسألة 39: الغيبة من حقوق الناس

(مسألة 39): الغيبة من حقوق الناس، بل من حقوق اللّه تعالى أيضا خصوصا إن كان المغتاب (بالفتح) من المخلصين للّه تعالى (106). و بالنسبة إلى حق اللّه يسقط بالاستغفار و بالنسبة إلى المغتاب، فالأحوط الاسترضاء،

______________________________

الغيبة، لعدم إحراز الموضوع، و لم يعلم بناء من العقلاء و لا المتشرعة على جريان أصالة احترام المؤمن خصوصا إن كان مدركها الأدلة اللفظية الواردة في احترام المؤمن، فلا يصح التمسك بها حينئذ، لعدم إحراز كون المقول خلاف احترامه أو إنه لمصلحته فتجري أصالة الإباحة.

ثمَّ إن المتصور في الغيبة و نحوها من المساوي القولية اللسانية وجوه.

الأول: أن تكون متقومة بالقصد الاستعمالي و الجدي، كسائر الاخباريات و الإنشائيات.

الثاني: كفاية مجرد قصد الاستعمالي فقط، فلو اغتاب أحد مزاحا من دون جد في البين يكون غيبة.

الثالث: إنها من العناوين الانطباقية القهرية حتى مع قصد الخلاف.

الرابع: أن يكون قصد الخلاف مانعا لا أن يكون قصد العنوان المخصوص شرطا.

و الكل باطل إلا الأول إذ ليست الغيبة و الفحش و سائر المساوي اللفظية إلا كسائر التكلمات المحاورية المتقومة بالقصد الاستعمالي و الجدي معا، و مع احتمال قصد صحيح آخر يكون مقتضى قاعدة الصحة الحمل عليه، كما إنه مع احتمال عدم القصد الجدي لا يترتب عليه الأثر، و لكن ظاهر المقال حجة في إبراز القصد الجدي ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف.

(106) أما إنها من حقوق الناس، فيدل عليه النصوص، و الإجماع، و الوجدان لأنها ظلم بالنسبة إلى المغتاب (بالفتح) و لا ريب في أن ظلم الناس بمراتبه يكون من حقوقهم، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا

ص: 136

و مع عدم الإمكان يستغفر له (107).

______________________________

برأيه له منها إلا بالأداء أو العفو- و عد منها الغيبة- كما يأتي» (1).

و أما إنه حق اللّه تعالى أيضا، فلأن جميع أحكامه تعالى حق له عز و جل على عباده.

و أما بالنسبة إلى المخلصين، فلأن الظلم عليهم مبارزة للّه تعالى بالمحاربة كما في الحديث (2).

(107) أما السقوط بالنسبة إلى حق اللّه تعالى بالاستغفار، فلعمومات وجوب التوبة و الاستغفار عن كل أثم و معصية.

و أما بالنسبة إلى حق الناس، فأصل هذا الحق مردد بين الأقل و الأكثر، فإن كان من مجرد الحقوق المجاملية لا يجب الاسترضاء، و إن كان من سنخ الحقوق المالية وجب ذلك، و الأول معلوم و الأخير مشكوك، فالمرجع هو البراءة. و أما ما في ذيل الحديث الآتي: «أن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له و عليه»، فهو أعم من كونه من سنخ الحقوق المالية، لأن يوم القيامة يوم ظهور العدل حتى بالنسبة إلى الحقوق المجاملية.

و أما كفاية الاستغفار مع وجود المحذور العرفي عن الاسترضاء، فلإمكان أن يقال إنه استرضاء نوعي قرره الشارع، لأن نوع المغتابين (بالفتح) راضون ممن اغتابهم إذا ظهر منهم التوبة و الاستغفار و الاسترحام للمغتاب، و لو لم يرض مع ذلك يلام و يوبخ عند متعارف الناس، و يدل عليه قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر حفص بن عمير: «قال سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله ما كفارة الاغتياب؟

قال صلّى اللّه عليه و آله: تستغفر اللّه لمن اغتبته كلما ذكرته» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا قال: «قال

ص: 137


1- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة حديث: 24.
2- راجع الوسائل باب: 145 و 146 من أبواب أحكام العشرة.
3- الوسائل باب: 155 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

.....

______________________________

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من ظلم أحدا ففاته فليستغفر اللّه له فإنه كفارة له» (1)، و في دعاء الاعتذار من الصحيفة: «اللهم إني اعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره- إلى أن قال عليه السّلام- و من عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره» (2)، و في دعائه الآخر: «و أسألك في مظالم عبادي عندي فأيما عبد من عبيدك أو أمة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه في نفسه- إلى أن قال عليه السّلام- أو غيبة اغتبته بها- إلى أن قال- فقصرت يدي و ضاق وسعى عن ردها اليه و التحلل منه فأسألك- إلى أن قال- أن ترضيه عنى بما شئت» (3). هذا مع أنه يمكن أن يقال: إن مثل هذا الحقوق يقع فيها التهاتر القهري، فلا يحتاج إلى الاسترضاء لانتفاء الموضوع بالتهاتر قهرا كجملة كثيرة من الحقوق المجاملية.

ثمَّ انه قد ورد في أداء الحقوق تأكيدات أكيدة في الشرع قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «ما عبد اللّه بشي ء أفضل من أداء حق المؤمن» (4)، و قد كتب في الحقوق الأخوة الإيمانية كتب و رسائل لا بأس بأن نشير إلى بعض ما ورد فيها، منها ما عن علي عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بالأداء أو العفو:

1- يغفر زلته. 2- يرحم عبرته. 3- يستر عورته. 4- يقيل عثرته. 5- يقبل معذرته. 6- يرد غيبته. 7- يديم نصيحته. 8- يحفظ خلته. 9- يرعى ذمته.

10- يعود مرضته. 11- يشهد ميتته. 12- يجيب دعوته. 13- يقبل هديته.

14- يكافئ صلته. 15- يشكر نعمه. 16- يحسن نصرته. 17- يحفظ خلته.

18- يقضي حاجته. 19- يشفع مسألته. 20- يسمّت عطسته. 21- يرشد ضالته.

22- يرد سلامه. 23- يطيب كلامه. 24- يبر إنعامه. 25- يصدّق أقسامه.

26- يوالي وليه و لا يعاد. 27- ينصره ظالما و مظلوما، فأما نصرته ظالما فيرده

ص: 138


1- أصول الكافي ج: 2 باب الظلم حديث: 20 صفحة: 334 ط: طهران.
2- راجع دعاء الثامن و الثلاثين و التاسع و الثلاثين من الصحيفة السجادية.
3- راجع دعاء الثامن و الثلاثين و التاسع و الثلاثين من الصحيفة السجادية.
4- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

مسألة 40: يحرم القمار

(مسألة 40): يحرم القمار (108)، سواء كان بالآلات المعدة له مع

______________________________

عمن ظلمه، و أما نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقه و لا يسلمه. 28- لا يخذله.

29- يحب له من الخير ما يحب لنفسه. 30- يكره له من الشر ما يكره لنفسه، ثمَّ قال عليه السّلام: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له و عليه» (1)، و لا بد من حمل مثل هذه الأخبار على المرتبة الكاملة من الأخوة الإيمانية لا كل من يدعيها بلا شاهد على مدعيه، بقرينة قول علي عليه السّلام: «الإخوان صنفان إخوان الثقة، و أخوان المكاشرة، فأما إخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه، و عاد من عاداه، و أكتم سره و أعنه و أظهر منه الحسن و إنهم أعز من الكبريت الأحمر، و أما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان» (2)، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر يونس بن ظبيان: «اختبروا إخوانكم بخصلتين، فإن كانتا فيهم و إلا فاعزب ثمَّ اعزب ثمَّ اعزب، المحافظة على الصلوات في مواقيتها، و البر بالإخوان في العسر و اليسر» (3)، فلا بد من تقييد إطلاق مثل هذه الأخبار بقيود خاصة كما في إطلاقات أدلة التكاليف الإلزامية.

(108) للأدلة الثلاثة بل الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (4). و من السنة المتواترة التي يأتي التعرض لبعضها. و من الإجماع: إجماع الإمامية بل

ص: 139


1- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة حديث: 24.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 103 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
4- سورة المائدة: 90.

العوض (109)، أو بالآلات المعدة له بلا عوض (110)، أو بغير الآلات المعدة له بعوض (111)، أو كان بغير عوض في غير ما نص على جواز

______________________________

المسلمين في الجملة. و من العقل إنه منشأ للفساد و الإفساد و تضييع المال و العمر.

(109) لأن هذا هو المتفق عليه من الأدلة اللفظية و اللبية.

(110) لصدق القمار عليه عرفا، فتشمله العمومات و الإطلاقات قهرا. و عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسير الآية: «و أما الميسر فالنرد و الشطرنج، و كل قمار ميسر- إلى أن قال عليه السّلام- كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرم و هو رجس من عمل الشيطان» (1)، فإن ظهوره في مطلق القمار بالآلات المعهودة مما لا ريب فيه، مضافا إلى إطلاق قول علي عليه السّلام: «كل ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر» (2)، و في خبر الفضيل قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس: النرد، و الشطرنج حتى انتهيت إلى السدر، فقال عليه السّلام: إذا ميز اللّه الحق من الباطل مع أيهما يكون؟ قال: مع الباطل، قال عليه السّلام:

فما لك و للباطل؟!» (3)، و قريب منه ما عن الصادق عليه السّلام في موثق زرارة (4)، و لا ريب في ظهورها في الإطلاق.

(111) نصوصا و إجماعا، ففي خبر ابن سيابة عن الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أن الملائكة تحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوى ذلك فهو قمار حرام» (5)، و عن الصادق عليه السّلام: «أن الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و البصل- الحديث-» (6)، و عن ياسر

ص: 140


1- الوسائل باب: 102 من أبواب ما يكتسب به حديث: 12.
2- الوسائل باب: 100 من أبواب ما يكتسب به حديث: 15.
3- الوسائل باب: 104 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.
4- الوسائل باب: 102 من أبواب آداب ما يكتسب به حديث: 5.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام السبق و الرماية حديث: 3.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام السبق و الرماية حديث: 6.

المسابقة فيه (112).

______________________________

الخادم، عن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن الميسر؟ قال عليه السّلام: الثفل من كل شي ء، قال: و الثفل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم» (1)، و عن أبي الحسن عليه السّلام في خبر معمر بن خلاد: «كل ما قومر عليه فهو ميسر» (2)، و عن أبي جعفر عليه السّلام في رواية جابر: «قيل يا رسول اللّه ما الميسر؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز» (3)، و لا ريب في شمول ما تقدم من الأخبار الدالة على دوران الحرمة و الفساد مدار صدق الباطل عليه لهذا القسم أيضا.

و احتمال الانصراف إلى خصوص ما كان فيه العوض، خلاف المتفاهم المحاوري كما هو معلوم.

كما أن ظهور هذه الأخبار في الحرمة و الفساد مما لا ينكر، فلا وجه لما عن بعض من الفساد دون الرحمة في هذا القسم.

و أما خبر ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أكل و أصحاب له شاة، فقال: أن أكلتموها فهي لكم، و إن لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا، فقضى فيه إن ذلك باطل لا شي ء في المؤاكلة من الطعام ما قل منه و ما كثر و منع غرامة فيه» (4)، فيستفاد من التقرير فيه عدم الحرمة.

فهو مخدوش: لأنه يمكن أن يستفاد من الحكم بالبطلان الحرمة أيضا، و هو كثير في النصوص (5)، كما لا يخفى على من له خبرة بها. و يمكن أن يكون تقريره عليه السّلام لأجل استظهاره منهم الرضاء المستأنف بعد التصرف في الشاة.

(112) للإجماع، و لأنه من الباطل، و للحصر المستفاد من قولهم عليهم السّلام: «لا

ص: 141


1- الوسائل باب: 104 من أبواب ما يكتسب به حديث: 9 و 1.
2- الوسائل باب: 104 من أبواب ما يكتسب به حديث: 9 و 1.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
4- الوافي ج: 9 باب: قضايا غريبة و أحكام دقيقة صفحة: 169 الطبعة الحجرية.
5- راجع الوسائل باب: 86 و 55 و 39 من أبواب ما يكتسب به.

مسألة 41: المرجع في الآلات المعدة للقمار أهل الخبرة بهذا العمل

(مسألة 41): المرجع في الآلات المعدة للقمار أهل الخبرة بهذا العمل، و هي تختلف باختلاف الأعصار و الأمصار (113). و ما كان أصله من آلات القمار فهجر عنه لا يلحقه حكم آلات القمار (114)، و ما كان بالعكس يلحقه الحكم (115).

______________________________

سبق إلا في خف أو حافر أو نصل» (1).

و أما ما عن بعض من استظهار الجواز في هذا القسم، للأصل، و عدم ثبوت الإجماع، و لعدم حركة كل باطل، و لأن قولهم عليهم السّلام: «لا سبق» يقرأ بفتحتين و هو العوض فلا يشمل المقام، فلا وجه له، إذ الرجوع إلى الأصل باطل في مقابل الدليل، و الإجماع ثابت كما يظهر من الرجوع إلى كلماتهم، و أرسل في التذكرة الحكم إرسال المسلمات و جعل المخالف بعض الشافعية، فيكون هذا الإجماع كسائر إجماعاتهم في سائر الأحكام و لم يثبت كون «السبق» في كلامهم عليهم السّلام متحركا، مع أن الأصل عدم الحركة. و احتمال إنه على فرض السكون يدل على نفي الصحة لا على الحرمة باطل، لأن نفي الصحة في مثل هذه الأمور يستلزم الحرمة ما لم تكن قرينة على التفكيك، كما إن صدق الباطل ملازم للحرمة إلا مع الدليل على الخلاف، و وجدان المقامرين اصدق شاهد حيث يرون ذلك من المنكرات الشرعية، و يتوبون إلى اللّه تعالى منه إن وفقوا للتوبة.

(113) لعدم ورود تحديد خاص لذلك من الشرع، و ما ذكر في الروايات إنما هو من باب المثال لما تعارف منها في تلك الأزمنة فكلما صدق الاسم عليه عند العرف يتعلق به الحكم.

(114) لفرض زوال الموضوع بالهجران.

نعم، مع الشك في الهجر و عدمه يجري الأصل الموضوعي و الحكمي.

(115) لأن الحكم يدور مدار تحقق الموضوع و المفروض تحققه.

ص: 142


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام السبق و الرماية حديث: 1.

مسألة 42: القمار عنوان خاص يكون أخص من مطلق اللعب و اللهو

(مسألة 42): القمار عنوان خاص يكون أخص من مطلق اللعب و اللهو (116). و هو من الأمور المتقومة بطرفين (117)، فلو فعل ذلك شخص واحد في نفسه و لنفسه لا يكون منه، و إن حرم من جهة أخرى (118). و كذا يتقوم بالقصد من الطرفين لهذا العنوان الخاص، فلو لم يكن قصد منهما أو قصد أحدهما دون الآخر، فلا حرمة من هذه الجهة (119).

مسألة 43: لا حرمة مع الجهل بالموضوع أو النسيان

(مسألة 43): لا حرمة مع الجهل بالموضوع أو النسيان، أو الاضطرار أو الإكراه أو التقية (120).

مسألة 44: يحرم التصرف في العوض المأخوذ في القمار

(مسألة 44): يحرم التصرف في العوض المأخوذ في القمار (121)،

______________________________

(116) لشهادة الشرع و العرف و اللغة بذلك، و لا ريب في صحة إطلاق اللهو و اللعب عليه أيضا كما في كل خاص بالنسبة إلى العام.

(117) لما هو المعروف منه في الخارج و الأدلة منطبقة على ما هو المعهود في الخارج.

(118) لما مر من تقومه بالطرفين، فلا موضوع له حينئذ و إن انطبق عليه عنوان اللهو و اللعب، و قلنا بحرمتهما مطلقا فيحرم من هذه الجهة.

(119) لظواهر الأدلة، و أصالة عدم الحرمة إلا فيما هو المتيقن من العنوان المخصوص.

(120) لحديث الرفع (1)، و نحوه الدال على رفع الأحكام الأولية بالاضطرار و الإكراه و التقية.

(121) لأصالة بقائه على ملك مالكه، و عدم انتقاله إلى غيره- كما في جميع الانتقالات الفاسدة- إلا برضاء مستأنف جديد بعد إلقاء الشارع رضائه الحاصل

ص: 143


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.

فيضمن عينه مع البقاء و العوض- مثلا أو قيمة- مع التلف (122).

مسألة 45: يحرم النقل و الانتقال بالنسبة إلى آلات القمار

(مسألة 45): يحرم النقل و الانتقال بالنسبة إلى آلات القمار و يحرم إبقائها و يجب إتلاف صورها (123).

______________________________

حين المقامرة.

نعم، لو كان رضائه الأول مطلقا من كل جهة، و لم يكن مقيدا بالمقامرة أصلا صح الاكتفاء به في التصرف فيه، و إن كان خلاف الاحتياط.

(122) لقاعدة اليد، و أصالة الاحترام في الأموال التي هي من الأصول النظامية العقلائية، فلا بد من إحراز الرضا أو إعطاء العوض.

و أما خبر ابن سعيد قال: «بعث أبو الحسن عليه السّلام غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها، فلما أتى به أكله فقال له مولى له ان فيه من القمار، قال عليه السّلام: فدعا بطشت فتقيأ فقاءه» (1)، فمع قطع النظر عن السند فيه جهات من البحث.

الأولى: هل الإمام مكلف في التكاليف الشرعية بأن يعمل بعمله الواقعي النفسي الأمري أو هو فيها كسائر المكلفين؟

الظاهر بل المعلوم هو الأخير، لعمومات أدلة ما هو معتبر من الظواهر و الأمارات و الأصول الشاملة لنفس النبي صلّى اللّه عليه و آله و المعصومين عليهم السّلام من آله.

الثانية: اعتناؤه بقول مولىّ له، يمكن أن يكون لأجل إنه عليه السّلام موثوق به لديه مع إنه تعليم للناس لكثرة الاهتمام بالتجنب عن الحرام.

الثالثة: تقيأه عليه السّلام كان أيضا لأجل تعليم الاهتمام بالتجنب عن الحرام مهما أمكن، مع إن المالية و إن زالت بتغير الصورة و الازدراد لكن ملكية الغير باقية للمادة القريبة مع إمكان الرد إن أراد.

(123) لأنها مما يجي ء منها الفساد محضا و يجب قطع مادة الفساد شرعا

ص: 144


1- الوسائل باب: 35 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

مسألة 46: تحرم القيادة و القيافة

(مسألة 46): تحرم القيادة و القيافة (124).

______________________________

و عقلا، و تقدم بعض ما ينفع المقام.

(124) نصا و إجماعا، ففي صحيح ابن سنان قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني عن القواد ما حده؟ قال عليه السّلام: يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا، و ينفى من المصر الذي هو فيه» (1)، و في الحديث: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الواصلة و المستوصلة» (2)، و قد فسر الواصلة بقائدة النساء إلى الرجال، بل هي من الكبائر لتوعيد النار عليها، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «و من قاد بين امرأة و رجل حراما حرّم اللّه عليه الجنة و مأواه جهنم و ساءت مصيرا، و لم يزل في سخط اللّه حتى يموت» (3)، و لكن الشأن في اعتبار سند الحديث، مع إني لم أجد القيادة في عداد الكبائر فيما ورد في نصوصنا، و يمكن أن يستفاد كونها من الكبائر من ثبوت الحد بالنسبة إليها فتأمل.

و أما الثانية: فعمدة الدليل على حرمتها الإجماع في الجملة، و ما يأتي من خبر ابن جعفر على فرض تمامية الدلالة. و البحث فيها من جهات.

الأولى: إنها عبارة عن استكشاف الحالات النفسانية عن ظواهر البدن و استكشاف النسب منها، و قد وضع لها كتب خاصة من شاء فليراجعها.

الثانية: لا موضوعية للقيافة في الحرمة، بل حرمتها إنما تكون باعتبار ترتب الأثر المحرم عليها، فمعه تحرم و مع عدمه لا حرمة لها، لأن ذلك هو المتيقن من الإجماع.

نعم، لو ثبت سند حديث الجعفريات التي ورد عن علي عليه السّلام: «من

ص: 145


1- الوسائل باب: 5 من أبواب حد السحق و القيادة.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3 و 7.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب النكاح المحرم و كذا الذي قبله.

.....

______________________________

السحت ثمن الميتة- إلى أن قال- و أجر القافي» (1)، و إطلاقه من كل جهة، و كان له ظهور في الحرمة إن ثبت الإطلاق، و لكن كل ذلك مورد البحث.

الثالثة: في إن لها واقع أو لا؟ و الحق هو الأول في الجملة، كما تشهد به التجربة و مراجعة الكتب الموضوعة لها بالسنة شتى، و يشهد لما قلناه خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من تكهّن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلّى اللّه عليه و آله قلت: فالقيافة؟ قال عليه السّلام: ما أحب ان تأتيهم، و قيل: ما يقولون شيئا إلا كان قريبا مما يقولون، فقال عليه السّلام: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله» (2).

نعم، لا كلية فيما ذكروه.

ثمَّ أنه ورد في مجمع البحرين إن في الحديث: «لا آخذ بقول قائف» (3)، و عن بعض العامة إنه صلّى اللّه عليه و آله قضى بقول القائف (4)، و يمكن أن يكون ذلك على فرض صحته لأجل المماشاة مع الخصم، لا من جهة إنه صلّى اللّه عليه و آله استكشف الواقع عن قول القائف، إذ لا يتصور ذلك بالنسبة إلى من هو مؤيد بالوحي السماوي و بروح القدس، و نظير ذلك ما ورد في قصة مولانا الرضا و الجواد عليهما السّلام، ففي رواية زكريا بن يحيى الصيرفي قال: «سمعت علي بن جعفر يحدث حسن بن حسين بن علي بن الحسين عليهما السّلام، فقال: و اللّه لقد نصر اللّه أبا الحسن الرضا عليه السّلام، فقال له الحسن: أي و اللّه جعلت فداك لقد بغى عليه أخوته، فقال علي بن جعفر:

أي و اللّه و نحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم؟ قال له إخوته و نحن أيضا: ما كان فينا إمام قط حائل اللون، فقال لهم الرضا عليه السّلام: هو ابني، قالوا: فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد قضى بالقافة، فبيننا

ص: 146


1- مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
3- مجمع البحرين مادة: قوف.
4- سنن ابن ماجه باب: 21 من أبواب الاحكام حديث: 2349.

.....

______________________________

و بينك القافة، قال: ابعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا، و لا تعلموهم لما دعوتموهم و لتكونوا في بيوتكم، فلما جاؤا و أقعدونا في البستان و اصطف عمومته و أخوته و أخواته، و أخذوا الرضا عليه السّلام و ألبسوه جبة صوف و قلنسوة منها و وضعوا على عنقه مسحا و قالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثمَّ جاؤا بأبي جعفر عليه السّلام، فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له هاهنا أب و لكن هذا عم أبيه، و هذا عمه، و هذه عمته، و إن يكن هاهنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه و قدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن عليه السّلام قالوا: هذا أبوه، قال علي بن جعفر: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السّلام، ثمَّ قلت له: أشهد أنك إمامي عند اللّه، فبكى الرضا عليه السّلام، ثمَّ قال: يا عم ألم تسمع أبي و هو يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بأبى ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم المنتجبة الرحم، ويلهم لعن اللّه الأعيبس و ذريته صاحب الفتنة- الحديث-» (1)، فإن ما وقع من تقرير مولانا الرضا عليه السّلام إنما كان لأجل إظهار الحق و إزالة كيد العدو.

ثمَّ إنه أشكل على هذا الحديث.

أولا: بقصور السند.

و ثانيا: باشتماله على ما لا ينبغي تقرير الإمام عليه السّلام له، و هو رؤية القائف النساء.

و ثالثا: تقريره عليه السّلام بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد قضى بالقافة.

و الكل مخدوش. أما الأول: فمتن الحديث و القرائن الخارجية تشهد بوقوع القضية.

و أما الأخيران فلا ريب في انهما من باب تغليب الأهم على المهم لأن الأمر كان دائرا بين إزالة الإمامة بشبهات واهية و دسائس عدوانية، و بين تقرير الأمرين، و العقل و العرف يحكم بترجيح جانب تثبيت الإمامة و إبقائها كما هو واضح و معلوم لكل أحد خصوصا من كان ملتفتا إلى كيد بني العباس و ظلمهم

ص: 147


1- أصول الكافي ج: 1 باب الإشارة و النص على أبي جعفر الثاني حديث: 14.

مسألة 47: يحرم الكذب

(مسألة 47): يحرم الكذب (125)، و معناه من الأمور الوجدانية لكل احد كالصدق الذي هو كذلك أيضا (126).

______________________________

مع الأئمة عليهم السّلام، فالإمام عليه السّلام حكم بالواقع و قرره، و هو كون الجواد عليه السّلام ابنه و سكت عن طريق إصابة الواقع لمصالح كثيرة، فقد قرر عليه السّلام ما كان مقبولا عند الخصم ردا عليه بما هو مقبول لديه، و هذا أحسن طريق لمحاجة الخصم كما ثبت في محله.

و بالجملة: آثار صدق القضية المذكورة في الخبر ظاهرة لمن تأمل في حالات المأمون و إحاطته بهما بسلطة الوقت و كيده مع الإمامين عليهما السّلام.

(125) للأدلة الأربعة، فمن الكتاب آيات كثيرة مثل قوله تعالى سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ (1)، و من السنة المستفيضة بل المتواترة التي تأتي الإشارة إلى بعضها. و من الإجماع: إجماع المسلمين بل العقلاء، و من العقل حكمه الفطري بقبحه.

(126) لكون الصدق مطابقة الخبر للواقع وجدانا، و الكذب مخالفته له كذلك، و استعمال الكذب في قوله تعالى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ .. وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (2)، إنما هو راجع إلى قولهم بادعائهم أن شهادتهم صادرة عن صميم القلب مع أنها صادرة عن ظاهر اللسان لا صميم الجنان، فهي كذب بشهادة اللّه تعالى بل بحسب وجدانهم أيضا، إذ لا معنى للمنافق إلا مخالفة لسانه لجنانه.

ثمَّ إنه قد يعلم المتكلم بمطابقة كلامه للواقع، و قد يعلم بعدم مطابقته له، و قد يشك في ذلك.

و الأول: صدق.

ص: 148


1- سورة هود: 93.
2- سورة المنافقين: 1.

مسألة 48: الكذب على اللّه و على رسوله و على المعصومين من الكبائر

(مسألة 48): الكذب على اللّه و على رسوله و على المعصومين من الكبائر (127). و كذا إن كان على المؤمنين (128) و كذا الكذب الذي تترتب عليه المفسدة (129). و أما مطلق الكذب فلا ريب في كونه من الصغائر (130)،

______________________________

و الثاني: كذب و الظاهر أن الأخير أما كذب موضوعا أو ملحق به، و يدل عليه إطلاق قوله عليه السّلام: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» (1).

(127) إجماعا، و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية أبي خديجة:

«الكذب على اللّه و على رسوله من الكبائر» (2).

(128) لظهور إجماعهم على ذلك إن لم يكن أصل الكذب مطلقا من الكبائر و إلا فلا إشكال فيه بل هو المتيقن منه.

(129) لإجماع المسلمين و هو المتيقن مما يأتي من أخبار المعصومين عليهم السّلام.

(130) البحث في المسألة.

تارة: بحسب الأصل العملي.

و أخرى: بحسب الأصل اللفظي.

و ثالثة: بحسب كلمات الفقهاء.

و رابعة: بحسب المنساق من مجموع الأدلة الخاصة.

أما الأولى: فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر، لأن كونه من الصغيرة معلوم و الشك في كونه من الكبائر، و مقتضى الأصل عدم ترتب آثارها عليه و عدم تشريع الكبيرة بالنسبة إليه.

ص: 149


1- سفينة البحار ج: 2 صفحة: 474 الطبعة الحجرية و في كنز العمال ج: 3 حديث: 3082 صفحة: 352.
2- الوسائل باب: 139 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

.....

______________________________

و أما الثانية: فليس في البين إلا جملة من الإطلاقات الدالة على الحرمة و ترتب العقاب عليه، و لا ريب في انها أعم من كونه من الكبائر مع قصور سند جملة من تلك الأخبار كما سيأتي.

و أما الثالثة: فلم أظفر عاجلا على إجماع معتبر يدل على إنه من الكبائر، بل لم يتعرضوا لذلك في جملة من الكتب.

و أما الأخير: فمجموع ما ورد من الأخبار أقسام.

منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «إن اللّه عز و جل جعل للشر أقفالا، و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، و الكذب شر من الشراب» (1).

و منها: المرسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إلا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك باللّه، و عقوق الوالدين، و قول الزور»(2)، و المقصود من قول الزور الكذب.

و منها: الأخبار المصرحة بأن الكذب من الكبائر، كخبر ابن شاذان عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون، قال: «الإيمان هو أداء الأمانة، و اجتناب جميع الكبائر، و هو معرفة بالقلب و إقرار باللسان و عمل بالأركان و اجتناب الكبائر، و هي قتل النفس التي حرم اللّه تعالى- إلى أن قال- و الكذب، و الكبر- الحديث-» (3). و خبر الأعمش في حديث شرائع الدين، عن الصادق عليه السّلام قال:

«و الكبائر محرمة، و هي الشرك باللّه، و قتل النفس التي حرم اللّه- إلى أن قال- و التجبر، و الكذب، و الإسراف» (4).

و منها: المقيدات كقول أبي جعفر عليه السّلام في رواية إسحاق بن عمار: «لا تكذب علينا كذبة فتسلب الحنيفية- الحديث-» (5)، و ما تقدم من قوله عليه السّلام في

ص: 150


1- الوسائل باب: 138 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
2- كنز العمال ج: 3 صفحة: 476 حديث: 3758 طبعة حيدر آباد.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33 و 36.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33 و 36.
5- الوسائل باب: 139 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3.

و الأحوط كونه من الكبائر (131).

______________________________

رواية أبي خديجة: «الكذب على اللّه و رسوله من الكبائر» (1)، فمقتضى الصناعة الشائعة في المحاورات تقييدها بمثل هذه الأخبار.

و احتمال إن هذه الأخبار تدل على أن الكذب على اللّه و رسوله من أشد الكبائر خلاف الظاهر، إذ لا يستفاد كون مطلق الكذب كبيرة حتى يجمع بينها بهذا، و يشهد للتقييد قول السجاد عليه السّلام: «اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترء على الكبير- الحديث-» (2)، فإن ظهوره بل صراحته في أن منه صغير و كبير مما لا ينكر، و قول علي عليه السّلام: «إن الكذب يهدي إلى الفجور و الفجور يهدي إلى النار» (3)، و صحيح ابن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الكذاب هو الذي يكذب في الشي ء؟ قال عليه السّلام: لا، ما من أحد إلا يكون ذاك منه، و لكن المطبوع على الكذب» (4)، فإن ظهورهما في عدم كون مطلق الكذب من الكبائر مما لا اشكال فيه، بل يمكن أن يستفاد من الأخير كونه من الأمور العادية العرفية الغالبية فإما لا حرمة له أصلا، أو تكون الحرمة مكفرة بالحسنات و لو بلا توجه إلى ذلك، كما هو مقتضى إطلاق قوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (5)، فإثبات كون مطلق الكذب من الكبائر بحسب الأدلة مشكل.

(131) جمودا على ما يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار كونه من الكبيرة مثل قول علي عليه السّلام: «لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده» (6)، و خروجا عن خلاف من جعله منها.

ص: 151


1- الوسائل باب: 140 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 140 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 140 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 138 من أبواب أحكام العشرة حديث: 9.
5- سورة هود: 114.
6- الوسائل باب: 140 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

مسألة 49: يعتبر في تحققه القصد الجدي

(مسألة 49): يعتبر في تحققه القصد الجدي، فلو أخبر بلا قصد لا يكون حراما (132). و كذا لو كان بعنوان الهزل و اللغو (133)، و لكن الأحوط الاجتناب منهما أيضا (134)، كما إن الإنشائيات مع عدم واقع لها لا يكون من الكذب كوعد غير العازم بالوفاء، و مدح المذموم و بالعكس، و تمني المكاره، و إيجاب غير الموجب و نحو ذلك (135). كما إن خلف

______________________________

(132) لأنه من مقولة الخبر و هو متقوم بالقصد الجسدي، فيكون خروج ما لا قصد فيه من التخصص لا التخصيص.

(133) لعدم تحقق القصد الجدي فيهما أيضا.

نعم، لو كذب مع القصد الجدي في مقام الهزل و اللغو يشمله دليل الحرمة، و عليه يحمل ما تقدم من قول علي عليه السّلام: «لا يصلح من الكذب جد و لا هزل» (1).

(134) لإطلاق ما تقدم من الخبرين، بل يترتب على تركه الثواب، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أنا زعيم بيت في أعلى الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في رياض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا و لمن ترك الكذب و إن كان هازلا، و لمن حسن خلقه» (2)، و لكن قصور أسنادها يمنع عن الاعتماد عليها في الجزم بالفتوى.

ثمَّ أن الهزل و اللغو أيضا من الأمور القصدية، فمع قصد أحدهما تترتب عليه المنقصة بل العقاب في بعض الصور.

(135) لأن الصدق و الكذب من صفات الخبر، و ذلك كله من الإنشائيات التي تكون قسيم الخبر، و لكن الظاهر ترتب حكم الكذب عليها لاشتراك الجميع في إظهار خلاف الواقع و إبطال الحق و إحقاق الباطل، بل ربما يكون أشد عقابا من الكذب من جهة المفاسد الخارجية المترتبة عليها.

ص: 152


1- الوسائل باب: 140 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 135 من أبواب أحكام العشرة حديث: 8.

الوعد ليس من الكذب (136)، و لكن الأحوط إنجاز الوعد و ترك خلفه (137). و كذا الادعائيات و المبالغة فيها ليست كذبا (138)، و الأحوط تركها أيضا (139).

______________________________

(136) لأنه ليس من مقولة القول، بل من شؤون العمل و الفعل.

(137) لقول علي عليه السّلام: «لا يعدن أحدكم صبيه ثمَّ لا يفي له» (1)، و لكن قصور سنده يمنع عن استفادة الحرمة منه، و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليف إذا وعد» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا في الصحيح: «عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فيخلف اللّه بدا، و لمقته تعرض، و ذلك قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3)، و كون جميع هذه الصفات مذمومة و خلاف المجاملات الأخلاقية مما لا إشكال فيه. و أما كونه معصية- صغيرة أو كبيرة- فلا يستفاد منها.

نعم، قد ينطبق عليه ما يوجب الحرمة بحسب العوارض الخارجية، فيمكن أن يقال: ان خلف الوعد تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة التكليفية.

(138) لأنها أيضا من الإنشائيات لا من الإخبار، و تقدم أن موضوع الكذب الإخبار دون الإنشاء.

نعم، يمكن أن تنطبق الحرمة عليها من جهة أخرى، بل يمكن أن يكون من الكذب موضوعا أيضا، إن حكم العرف بذلك كما إذا مدح البخيل المعروف عند الناس بالبخل و اللئامة بأنه من أجود الناس، أو مدح الجاهل المتوغل في الجهل بأنه عالم رباني.

(139) للجمود على بيان الحق الواقع مهما أمكن و تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله

ص: 153


1- الوسائل باب: 140 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 109 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 109 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 3.

مسألة 50: التورية ليست بكذب

(مسألة 50): التورية ليست بكذب (140)، و هي: أن يريد بلفظ معناه المطابق للواقع و قصد من إلقائه أن يفهم منه المخاطب خلاف ذلك مما هو ظاهر عند العرف (141).

______________________________

و المعصومين عليهم السّلام، حيث لم يعرف منهم مبالغة في شي ء هذا في غير ما هو المحرم منها و إلا فتحرم.

(140) إجماعا و نصوصا، منها ما ورد في تفسير قوله تعالى أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (1)، حيث قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى إنه قال لهم حين قالوا ما ذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك، و لم يقل سرقتم صواع الملك إنما سرقوا يوسف من أبيه، و ما ورد في تفسير قوله تعالى بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ (2)، حيث قال عليه السّلام ما فعله كبيرهم و ما كذب إبراهيم، قيل: و كيف ذلك؟ فقال: إنما قال إبراهيم فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ إن نطقوا فكبيرهم فعل، و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا و ما كذب إبراهيم، و سأل عن قول إبراهيم فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (3)، و ما كذب إنما عنى سقيما في دينه أي مرتادا» (4)، و في رواية عبد اللّه بن بكير عن الصادق عليه السّلام:

«في الرجل يستأذن عليه فيقول للجارية: قولي ليس هو هاهنا قال عليه السّلام: لا بأس ليس بكذب» (5)، و يقتضيه العرف المحاوري أيضا، لأن أبناء المحاورة لا يرون التورية من الكذب لا موضوعا و لا حكما.

(141) لأن هذه هي التورية عند المحاورة المتعارفة و لا وجه لتوهم الكذب

ص: 154


1- سورة يوسف: 70.
2- سورة الأنبياء: 63.
3- سورة الصافات: 88.
4- الوافي ج: 3 باب: 3 من أبواب ما يجب على المؤمن اجتنابه صفحة: 158 ط: الحجرية.
5- الوسائل باب: 141 من أبواب أحكام العشرة حديث: 8.

مسألة 51: يجوز الكذب مع الاضطرار إليه 142 و لا يجب فيها

(مسألة 51): يجوز الكذب مع الاضطرار إليه (142) و لا يجب فيها،

______________________________

لأن الكذب إنما هو القول المخالف للواقع و لا ريب في عدم مخالفة هذا القول له.

نعم، لم يأت المتكلم بكلامه بداعي بيان مراد السائل من كل جهة، بل أجمل في كلامه، و ليس من شؤون المحاورات الصحيحة العرفية كون المتكلم في مقام البيان من كل جهة و قد يكون الإهمال و الإجمال و تلبيس الأمر على المخاطب من أهم المقاصد، بل من شؤون الفصاحة و البلاغة و التورية فيما إذا تعلق بها غرض صحيح شرعي من هذا القبيل.

(142) للأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ (1)، و قوله تعالى إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً (2).

و من السنة قوله عليه السّلام: «ما من شي ء إلا و قد أحله اللّه لمن اضطر إليه» (3)، و نصوص مستفيضة بل متواترة دالة على جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني و المالي عن النفس أو عن الغير الواردة في أبواب متفرقة منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«احلف باللّه كاذبا و نج أخاك من القتل» (4)، و في صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: نمر بالمال على العشار فيطلبون منا أن نحلف لهم، و يخلون سبيلنا و لا يرضون منا إلا بذلك، قال عليه السّلام فاحلف لهم فهو أحلى من التمر و الزبد» (5)، و في رواية الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف؟ قال عليه السّلام: لا جناح عليه، و عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به؟ قال عليه السّلام: لا جناح عليه، و سألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال عليه السّلام: نعم» (6)، و في رواية سماعة عن الصادق عليه السّلام: «إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره

ص: 155


1- سورة النحل: 106.
2- سورة آل عمران: 194.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان حديث: 18 و 4 و 6 و 1، ج: 16.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان حديث: 18 و 4 و 6 و 1، ج: 16.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان حديث: 18 و 4 و 6 و 1، ج: 16.
6- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان حديث: 18 و 4 و 6 و 1، ج: 16.

التورية حينئذ (143)، و لكن الأحوط اعتباره مع القدرة عليها عرفا (144).

______________________________

و اضطر إليه، و قال عليه السّلام: ليس شي ء مما حرم اللّه إلا و قد أحله لمن اضطر إليه» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و من الإجماع إجماع المسلمين على الجواز حينئذ.

(143) للأصل، و إطلاقات أدلة الترخيص الواردة في مقام البيان و الامتنان و التسهيل، و اعتبار التورية ينافي ذلك كله خصوصا بالنسبة إلى السواد سيما في حال الاضطرار الذي قل من يلتفت إليها في تلك الحالة.

(144) خروجا عن ما نسب إلى المشهور من اعتبار عدم القدرة على التورية في جواز الكذب اضطرارا، و استدل لهم.

أولا: بأنه لا يتحقق الاضطرار مع القدرة عليها.

و ثانيا: بأن قبح الكذب عقلي لا يرتفع هذا القبح إلا بانطباق عنوان حسن عليه، و لا ينطبق العنوان الحسن إلا مع العجز عن التورية.

و يرد الأول: بأن المرجع في تحقق الاضطرار إلى الكذب هو العرف و هو يحكم بثبوت الاضطرار مطلقا حتى مع القدرة على التورية، لفرض تحقق الاضطرار إلى عنوان الكذب من حيث هو، و الشك في وجوب التورية عليه حينئذ يكفي في عدم الوجوب.

نعم، لو أمكن التقصي بغير التورية فالظاهر عدم صدق الاضطرار إلى الكذب حينئذ عرفا، فيكون المقام كالإكراه في البيع مثلا بحسب الانظار العرفية، و إن أمكن الفرق بينهما بالدقة العقلية، و لكنها ليست مناط الأحكام كما هو معلوم. و يرد الأخير بأن قبح الكذب الذي تترتب عليه المفسدة معلوم و المقام ليس منه لا أقل من الشك في ذلك، فكيف يجزم بالحكم بالقبح حينئذ، هذا مع إنهم لم يقيدوا جواز سائر الأقوال المحرمة عند الاضطرار إليها- كالسب، و التبري و نحوهما- بعدم القدرة على التورية، و ما يأتي في المسألة التالية من

ص: 156


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان حديث: 18 ج: 16.

و الضرر المسوغ للكذب ما هو المسوغ لسائر المحرمات (145).

نعم، يستحب تحمل الضرر الحالي الذي لا يجحف عليه تحمله (146).

مسألة 52: يجوز الكذب مع ترتب المصلحة عليه

(مسألة 52): يجوز الكذب مع ترتب المصلحة عليه (147)، كما يجوز الوعد الكاذب لمصلحة المداراة مع الزوجة و الأهل (148).

مسألة 53: تحرم الكهانة

(مسألة 53): تحرم الكهانة (149)، و هي عبارة عن الإخبار عما مضى

______________________________

عدم اعتبار هم العجز عنها في تلك المسألة فما الفارق بينها و بين المقام.

(145) لإطلاقات الأدلة الشاملة لجميع موارد الضرورة و الاضطرار بلا فرق بين الصغريات إلا بدليل خاص و هو مفقود.

(146) لقول علي عليه السّلام: «علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك، و أن لا يكون في حديثك فضل عن علمك، و ان تتقي اللّه في حديث غيرك» (1).

(147) إجماعا، و نصوصا، و اعتبارا، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن حسان:

«كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما، أو رجل و عد أهله شيئا و هو لا يريد أن يتم لهم» (2).

(148) لجملة من الأخبار، منها قوله صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، و الإصلاح بين الناس» (3)، و قريب منه غيره، و تقدم في خبر ابن حسان أيضا.

(149) إجماعا، و نصوصا، ففي الخصال عن الصادق عليه السّلام: «من تكهّن أو تكهّن له فقد برئ من دين محمد» (4)، و في بعض الأخبار ان أجرة الكاهن

ص: 157


1- الوسائل باب: 141 من أبواب أحكام العشرة حديث: 11 و 5.
2- الوسائل باب: 141 من أبواب أحكام العشرة حديث: 11 و 5.
3- الوسائل باب: 141 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2 و 8.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

أو يأتي بزعم أنه يأخذها عن الجان (150).

مسألة 54: اللهو حرام

(مسألة 54): اللهو حرام (151)، و هو عبارة عن الإلهاء و الاشتغال

______________________________

سحت (1)، و في الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه من كتاب» (2)، و في حديث المناهي: «إن رسول اللّه نهى عن إتيان العراف، و قال: من أتاه و صدقه فقد برئ مما أنزل اللّه عز و جل على محمد صلّى اللّه عليه و آله» (3).

(150) لما يستفاد ذلك من كلمات جمع. و عن جمع من أهل اللغة هي تتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل، و الكاهن يدعي معرفة الاسرار، و منهم من يدعى معرفة الأمور بمقدمات و أسباب يستدل بها على مواقعها من حال يراه أو كلام يسأله، أو فعل، أو حركات، أو سكنات، أو نحو ذلك مما يستشهد به على بعض الأمور و يطلق عليه العرّاف.

و لا فرق في الحرمة بين تعليمها و تعلمها و عملها، للإطلاق الشامل للجميع، و مقتضى التعليل في خبر الاحتجاج: «لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي» (4)، حرمة جميع الأخبار عن المغيبات على سبيل الجزم إلا للمعصوم نبيا كان أو وصيا أو من يتلوه من كل جهة و هو نادر جدا.

(151) إجماعا في الجملة، و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في عد الكبائر: «و الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر اللّه كالغناء و ضرب الأوتار» (5)، و الظاهر الملازمة العرفية بين اللهو و بين الصد عن ذكر اللّه تعالى كما لا يخفى على من جرّب ذلك، و منها قوله عليه السّلام: «كل ما ألهى عن ذكر اللّه فهو الميسر» (6)،

ص: 158


1- مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3 و 1.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3 و 1.
4- البحار ج: 10 باب: 13 من كتاب الاحتجاجات حديث: 2 صفحة: 168.
5- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 36.
6- الوسائل باب: 100 من أبواب ما يكتسب به حديث: 15.

عن اللّه تعالى شأنه، و له مراتب كثيرة جدا بعضها حرام و الجميع مرجوح (152).

______________________________

و قوله عليه السّلام: «كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: في تأديبه الفرس، و رميه عن القوس، و ملاعبته امرأته فإنهن حق» (1).

(152) فيكون المتيقن من تلك المراتب محرما و في غيره يرجع إلى البراءة، و لكن المرجوحية مسلمة في الجميع. و المتيقن ما كان فيه تهييج القوى الشهوانية و استلذاذها، كالطرب بالآلات المعدة له و ضرب الأوتار و الرقص و نحو ذلك مما تتلذذ منه القوى الشهوانية، و لم يرد ترخيص من الشرع على جوازه كملاعبة الرجل مع أهله و المسابقة و نحوهما.

ثمَّ إن اللهو تلهي النفس و اشتغالها باللذائذ الشهوانية، و تكون نفس هذه اللذة هي الغاية سواء حصلت حركة خارجية كالأغاني و أنحاء الموسيقى، أو لم تحصل حركة خارجية عرفية كاستماعها مثلا.

و اللعب: عبارة عن حركات خارجية تستلذ بها القوى الشهوانية بمراتبها الكثيرة. و اللغو عبارة عن الحركات الخارجية التي ليست لها غاية و لو التذاذ القوى الشهوانية. و لكل منها مراتب كثيرة أيضا، و القول فيهما عين القول في اللهو، فهما بجميع مراتبها مرجوحة، و المتيقن من المحرم منها مرتبة خاصة كاللعب بآلات القمار مثلا.

و لا ريب في ان المؤمن و لو كان بأدنى مرتبة الإيمان لمشغول عن ذلك كله، و قد فسر «الذنوب التي تهتك العصم» بشرب الخمر، و اللعب بالقمار، و تعاطى ما يضحك الناس من اللغو و المزاح و ذكر عيوب الناس (2).

ص: 159


1- الوسائل باب: 57 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 57. و في سنن ابن ماجه باب: 19 من أبواب الجهاد حديث: 2811.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب جهاد النفس حديث: 8.

مسألة 55: مدح شخص بما ليس فيه كذب

(مسألة 55): مدح شخص بما ليس فيه كذب، و مدح الظالم إن أوجب زيادة لشوكته حرام و لو كان بما فيه، و لا بأس في ما لم تترتب عليه المفسدة، بل قد يجب (153).

______________________________

فرع: مقتضى الأصل حلية الموسيقى الذي يترتب عليه غرض صحيح عقلائي غير منهي عنه شرعا، كالذي يكون لشعار الدولة، و ما يكون لتحريض الجيش، إلى غير ذلك مما لم ينه عنه في الشرع إن لم يترتب عليه مفسدة أخرى، و لو تردد الموسيقى بين كونه من قسم المحلل أو المحرم لا بأس به، للأصل و أما الخلاعيات في الإذاعة و التلفاز فلا ريب في الحرمة، لما عرفت سابقا.

(153) أما الأول: فلا ريب فيه إن كان إخبارا، و إن كان إنشاء فهو ملحق بالكذب في الإثم.

و أما الثاني: فيحرم التسبيب إلى زيادة شوكة الظالم في ظلمة بالأدلة الأربعة تأتي الإشارة إليها في المسائل الآتية.

و أما الثالث: فلأصالة البراءة بعد عدم دليل على المنع.

و أما الأخير: فلعموم أدلة التقية، و ما دل على رفع الحرمة لأجل الضرورة من العقل و النقل، و لا ينفع ذلك الممدوح بشي ء، لأن شر الناس عند اللّه الذين يكرمون اتقاء شرهم (1)، و أما قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من مدح سلطانا جائرا و تخفف و تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار» (2)، فلا ريب في دلالته على مذمة المادح مطلقا لما ثبت في محله من أن الطمع في الدنيا و أهلها من أخبث الصفات.

و أما الحرمة الفعلية فمبنية على كون مدحه له موجبا لزيادة الشوكة له، و كذا قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و من عظم صاحب الدنيا و أحبه لطمع دنياه سخط اللّه عليه،

ص: 160


1- الوسائل باب: 70 من أبواب جهاد النفس حديث: 8 و 9.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

مسألة 56: معونة الظالم في ظلمه حرام، بل في كل محرم

(مسألة 56): معونة الظالم في ظلمه حرام (154)، بل في كل محرم (155)،

______________________________

و كان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار»(1)، و يمكن انقسام تعظيم أهل الدنيا و حبهم و مدحهم بانقسام الأحكام الخمسة التكليفية كحب نفس الدنيا من حيث هي.

(154) للأدلة الأربعة فمن الكتاب آيات منها: قوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (2). و من السنة المتواترة بين الفريقين عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و المعصومين عليهم السّلام تأتي الإشارة إلى بعضها. و من الإجماع إجماع المسلمين بل الضرورة من الدين.

و من العقل حكمه القطعي بقبح إبقاء مادة الفساد، و جزمه بوجوب إزالتها مهما أمكن.

و أما النصوص فمنها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة، و أعوان الظلمة، و أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما و لاق لهم دواة، قال: فيجتمعون في تابوت من حديد فيرمى بهم في جهنم» (3)، و قوله عليه السّلام: «من مشى إلى ظالم ليعينه و هو يعلم إنه ظالم فقد خرج من الإسلام» (4)، و يشمله أيضا جميع ما مر في الإعانة على الإثم لأنه من أهمها كما لا يخفى، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إياكم و أبواب السلطان و حواشيها، فإن أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها أبعدكم من اللّه عز و جل، و من آثر السلطان على اللّه أذهب اللّه عنه الورع و جعله حيرانا» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(155) لأنه حينئذ من الإعانة على الحرام، و يجري فيه جميع ما تقدم فيها من الأحكام و الأقسام.

ص: 161


1- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- سورة هود: 113.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يكتسب به حديث: 16 و 13.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يكتسب به حديث: 16 و 13.
5- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

و هي من الكبائر (156). و أما إعانتهم في غير المحرمات فليست محرمة (157)، إلا إذا عد المعين من أعوانهم و ممن يقوى به شوكتهم

______________________________

ثمَّ ان الظالم في المقام يحتمل وجوها ثلاثة: مطلق العاصي لأنه ظالم لنفسه، و الظالم على الغير في نفسه أو عرضه أو ماله، و خصوص سلاطين الجور و الظاهر انصراف الأدلة عن الأولين، و لا ريب في كون الإعانة لهما من حيث ظلمها من الإعانة على مطلق الحرام الذي تقدم ما له من الأحكام، فالمراد به خصوص الأخير، و يشهد له مقابلته بالعاصي في خبر أبي حمزة عن السجاد عليه السّلام: «إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين» (1)، و قد فسرت قوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ب «الرجل يأتي السلطان فيحب بقائه إلى أن يدخل يده إلى كيسه فيعطيه» (2)، و سياق الروايات بعد رد بعضها إلى بعض ظاهر في خصوص الأخير.

(156) لتوعيد النار عليها فيما تقدم من الأخبار، و لذكرها بالخصوص في صحيح ابن شاذان، قال عليه السّلام: «و معونة الظالمين و الركون إليهم» (3).

و أما الإعانة في سائر المحرمات فهي تابعة للمحرم المعان عليه، فإن كان صغيرة فهي صغيرة و إن كان كبيرة تكون كذلك.

(157) للأصل، و إطلاق أدلة تلك الأمور واجبا كان أو مندوبا، أو مباحا مضافا إلى دعوى الإجماع على عدم حرمة إعانتهم في غير الحرام، و جريان السيرة على إعانتهم في الواجبات و المباحات و المندوبات.

إن قيل: إن مقتضى الإطلاقات الشمول للجميع، مضافا إلى خبر ابن أبي يعفور قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا، فقال له:

ص: 162


1- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33.

.....

______________________________

جعلت فداك إنه ربما أصاب الرجل من الضيق أو الشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه، أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما أحب أني عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء، و إن لي ما بين لابتيها لا، و لا مدة بقلم إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه بين العباد» (1)، و خبر محمد بن عذافر قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب و الربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال: فوجم أبي فقال له أبو عبد اللّه لما رأى ما أصابه: أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتى مات» (2)، و كذا خبر صفوان، قال: «دخلت على أبي الحسن الأول عليه السّلام فقال لي: يا صفوان كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، قلت: جعلت فداك أي شي ء؟ قال:

إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون، قال: و اللّه ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا للصيد و لا للهو، و لكن أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة، و لا أتولاه بنفسي، و لكن أبعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم؟ قلت:

نعم جعلت فداك، فقال لي: أ تحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال:

من أحب بقاءهم فهو منهم و من كان منهم كان ورد النار، قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك، قلت: نعم قال: و لم؟ قلت: أنا شيخ كبير و إن الغلمان لا يفون بالأعمال، فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر، قلت: مالي و لموسى بن جعفر عليه السّلام؟ فقال لي: دع هذا عنك فو اللّه لو لا حسن صحبتك لقتلتك» (3)، و إطلاق خبر العياشي قال:

«سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان

ص: 163


1- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يكتسب به حديث: 17.

.....

______________________________

يعملون لهم و يحبون لهم و يوالونهم؟ قال عليه السّلام: ليس هم من الشيعة، و لكنهم من أولئك، ثمَّ قرأ أبو عبد اللّه عليه السّلام الآية لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ، و القردة على لسان عيسى كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ قال: كانوا يأكلون لحم الخنزير و يشربون الخمور، و يأتون النساء أيام حيضهن ثمَّ احتج اللّه على المؤمنين الموالين للكفار، فقال:

«ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم .. و لكن كثيرا منهم فاسقون»، فنهى اللّه عز و جل أن يوالي المؤمن الكافر إلا عند التقية» (1)، يقال:

أولا: أنها مقيدة بخبر التحف: «و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم» (2).

و ثانيا: إعراض المشهور عنها أسقطها عن العمل بإطلاقها.

و ثالثا: انها محمولة على ما إذا استلزم العمل لهم زيادة شوكتهم و محبتهم و استيلائهم على الظلم و مع عدم ذلك كله فلا وجه للحرمة.

و بالجملة: في البين عناوين: الإعانة لهم في ظلمهم، و التعظيم لهم، و محبتهم، و ما يوجب زيادة شوكتهم، و الإعانة لهم في المباحات من غير أن يوجب ذلك كله.

و الأول حرام بالأدلة الأربعة.

و كذا الثاني و الثالث و الرابع ان رجع إلى جهة ظلمهم، و جميع الأدلة راجعة إلى ذلك بعد رد بعضها إلى بعض.

و أما الأخير: فمقتضى الأصل الإباحة بعد عدم الدليل على الحرمة.

و الحاصل حيثية الظلم حيثية تعليلية تدور الحرمة مدار ثبوتها وجودا و عدما. و أما النظر إليهم على وجه المحبة، فمقتضى الأصل إباحته أيضا، و لكن في خبر سليمان الجعفري قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: ما تقول في

ص: 164


1- الوسائل باب: 45 من أبواب ما يكتسب به حديث: 10.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

عرفا (158).

مسألة 57: لو كانت في البين تقية، أو ضرورة

(مسألة 57): لو كانت في البين تقية، أو ضرورة للإعانة- أو إظهار

______________________________

أعمال السلطان؟ فقال عليه السّلام: يا سليمان الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر، و النظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار» (1)، فلا بد من حمله على ما إذا كان ذلك من جهة ظلمهم و شوكتهم الظلمية، و كذا قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر عياض: «من أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصى اللّه» (2).

ثمَّ إن حب الظلمة و زيادة شوكتهم.

تارة: تكون من جهة الظلم فقط.

و أخرى: تكون من جهة أخرى كالرحيمية مثلا و اتصافه ببعض الصفات الحسنة و الخصال الحميدة، و مثله كون زيادة الشوكة من زيادة الشوكة الإسلامية.

و ثالثة: تكون مركبة منهما، و لا ريب في حرمة الأول، و مقتضى الأصل إباحة الثاني بعد قصور الأدلة عن شموله، و كذا الثالثة، لأن المنساق من الأدلة ان المحرم ما كانت حيثية الظلم علة تامة منحصرة، و في غيرها يرجع إلى البراءة و لكنه مشكل جدا، لأن استفادة العلية التامة المنحصرة لحيثية الظلم من مجرد الدعوى، فالإطلاقات شاملة لمجرد المدخلية و لو بنحو جزء العلة فلا يترك الاحتياط.

(158) لما تقدم آنفا فلا يحتاج إلى الإعادة.

و هل الأدلة المتقدمة تشمل الجائرين من الكفار أيضا، أو تختص بالجائرين من المسلمين؟ مقتضى الإطلاقات هو الأول إلا إذا كان الظلم منهم على نوعهم.

ص: 165


1- الوسائل باب: 45 من أبواب ما يكتسب به حديث: 12.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5.

المحبة- المحرمة، أو غير ذلك تزول الحرمة (159).

______________________________

(159) لعمومات أدلة التقية، و انه: «ما من شي ء حرمة اللّه إلا و قد أحله لمن اضطر إليه» (1).

فرع: سلطنة الجور و ظلم الجائرين على أقسام.

الأول: ما إذا أزال الجائر الحق و العدل عن مقره، و اقام مقامه الظلم و العدوان مع أنه يمكن للناس عادة إقامة الحق و إحقاقه و إزالة الجور و الفساد و لا ريب في شمول الأدلة لهذا القسم.

الثاني: ما إذا لم يمكن قيام الحق مقام الباطل عادة، لغلبة الجور و الفساد، و مقتضى الإطلاقات شمولها لهذا القسم أيضا.

الثالث: إنه لو فرض قيام الحق مقام الجور لا يمكن عادة إدارة الرعية إلا بما سنّه الجور، لقصور الظروف و الأشخاص عن إقامة الحق و احقاقه و عدم تمكنه بحسب المتعارف في العادة، و هل يشمل الأدلة هذا القسم أو لا، و الشك في الشمول يكفي في عدمه فيرجع حينئذ إلى الأصل.

ثمَّ إن التكليف لعدم الإعانة.

تارة: يكون متعلقا بكل فرد من الأفراد- كالغيبة و الكذب و نحوهما.

و أخرى: يكون متعلقا بالمجموع من الهيئة المديرة للجور و الظلم و هو.

تارة: يكون بنحو الإطلاق.

و أخرى: بنحو لو اجتمع جمع تحرم على البقية تتميم العلة فهل الحرمة في المقام من القسم الأول أو الثاني أو الأخير؟ مقتضى الإطلاقات هو الأول.

و بناء على تقرير الأئمة عليهم السّلام لحكومتهم في بعض الأمور مثل جباية الخراج يجوز معونتهم في تلك الجهة في قبول الولاية من قبلهم تسهيلا على الشيعة.

ص: 166


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الأيمان حديث: 16.

مسألة 58: النجش حرام

(مسألة 58): النجش حرام (160)، و هو أن يزيد في ثمن السلعة، و هو لا يريد شرائها ليسمعه غيره فيزيد لزيادته (161) بشرط المواطاة مع البائع على ذلك (162)، بل الأحوط ترك مطلق مدح السلعة في البيع لينفقها و يروجها لمواطاة بينه و بين البائع (163). و لا فرق فيه بين كون غرضه وصول النفع إلى البائع أو شي ء آخر (164).

مسألة 59: تحرم النميمة

(مسألة 59): تحرم النميمة (165)،

______________________________

(160) للإجماع، و النص ففي النبوي: «الناجش و المنجوش ملعونون» (1)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «لا تناجشوا و لا تدابروا» (2)، بل هو نحو غش و كذب يحكم بقبحه العقل.

(161) كما عن جمع من أهل اللغة، و عن الفقهاء.

(162) نسب ذلك إلى جمع من الفقهاء و يمكن أن يستفاد ذلك من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا تناجشوا»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لعن اللّه الناجش و المنجوش»، مع أن عمدة الدليل على الحرمة الإجماع و المتيقن منه ذلك.

(163) لذهاب جمع إلى شمول النجش لذلك أيضا.

(164) للإطلاق الشامل للجميع.

(165) للأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (3)، و قوله تعالى وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ (4). و من النصوص نصوص مستفيضة بل متواترة منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من مشى في نميمة بين اثنين سلط اللّه عليه في قبره نارا تحرقه إلى يوم القيامة، و إذا خرج من قبره سلط اللّه عليه

ص: 167


1- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب التجارة حديث: 2 و 4.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب التجارة حديث: 2 و 4.
3- سورة البقرة: 217.
4- سورة الرعد: 25.

و هي من الكبائر (166)، و قد تباح بل قد تجب (167).

مسألة 60: تحرم النياحة بالباطل

(مسألة 60): تحرم النياحة بالباطل كالمشتملة على الكذب و سائر الأمور الغير الشرعية- و يحرم أخذ الأجرة عليها (168).

مسألة 61: يحرم الدخول في الولايات و المناصب و الأشغال من قبل الظلمة و الجائرين

(مسألة 61): يحرم الدخول في الولايات و المناصب و الأشغال من قبل الظلمة و الجائرين (169) إلا بما فيه مصلحة المؤمنين و لا يخالف

______________________________

تنّينا أسود ينهش لحمه حتى يدخل النار» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار، و يدل على حرمتها جميع ما يدل على حرمة الغيبة بالفحوى و من الإجماع إجماع المسلمين، و أما العقل فإنها منشأ الفساد و الإفساد.

(166) لتوعيد النار عليها في الآية الكريمة، و لاستفاضة الأخبار بعدم دخول النمام الجنة.

(167) أما الأول: ففي ما إذا ترتبت عليها مصلحة غالبة على مفسدتها.

و أما الثاني: ففيما إذا ترتب عليها مصلحة ملزمة كإيقاع الفتنة بين المشركين ليحفظ المسلمين من شرهم.

(168) أما أصل حرمة مثل هذه النياحة فتدل عليها أدلة حرمة الأمور الذي تتضمنها النياحة من الكذب و سائر الجهات التي نهى عنها الشرع، و تقدم في أحكام الأموات ما يتعلق بالنوح بغير الباطل (2). و أما حرمة أخذ الأجرة عليها، فلقاعدة «أن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (3)، كما تقدم مكررا.

و لو شك في نياحة أنها محرمة أو لا فمقتضى أصالة الصحة ان صدرت من مسلم أو مسلمة عدمها و إن كان الأحوط الاجتناب.

(169) للأدلة الأربعة فمن الكتاب آية الركون (4)، و غيرها، و من العقل: أنه

ص: 168


1- الوسائل باب: 164 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.
2- راجع المجلد الرابع صفحة: 243.
3- تقدم في صفحة: 39 و 43.
4- سورة الهود: 113.

.....

______________________________

تشييد للظلم و تقوية له و هو قبيح، و من الإجماع: إجماع الإمامية، بل ضرورة مذهبهم. و من النصوص المستفيضة الواردة بالسنة شتى منها خبر التحف: «و أما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته، و العمل لهم، و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم- الحديث-» (1)، و خبر زياد بن أبي سلمة قال: «دخلت على أبي الحسن موسى عليه السّلام فقال لي: يا زياد انك لتعمل عمل السلطان؟ قلت: أجل، فقال لي: و لم؟ قلت: أنا رجل لي مروة و عليّ عيال و ليس وراء ظهري شي ء، فقال لي: يا زياد لئن أسقط من حالق فانقطع قطعة قطعة أحب إليّ من أن أتولى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم إلا ..، لما ذا قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: إلا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره، أو قضاء دينه يا زياد إن أهون ما يصنع اللّه جل و عز بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ اللّه من حساب الخلائق يا زياد فإن و ليت شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة- الحديث-» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار التي يأتي التعرض لها. و انما البحث في جهات.

الأولى: أن هذه الحرمة هل هي ذاتية- كحرمة نفس الظلم- من حيث هو، أو انها غيرية من جهة ترتب المفسدة عليها، فلو فرض عدم الترتب تكون مباحة قولان؟ مقتضى الأصل هو الأخير، لأن حرمتها مع ترتب المفسدة معلومة و إنما الشك في حرمتها من حيث ذاتها فيرجع إلى البراءة فإن استفيدت من الأخبار الحرمة الذاتية نقول بها حينئذ و إلا فيبقى مقتضى الأصل بحاله.

و الأخبار الواردة في المقام على قسمين.

الأول: الاخبار الظاهرة في النهي بنحو الإطلاق مثل ما تقدم من خبري التحف و زياد بن أبي سلمة، و صحيح داود بن زربي، قال: «أخبرني مولى لعلي بن الحسين عليهما السّلام، قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد اللّه عليه السّلام الحيرة فأتيته، فقلت:

جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت لا فعل- إلى أن قال- ظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة

ص: 169


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب ما يكتسب به حديث: 9.

.....

______________________________

ان أجور أو أظلم، و ان كل امرأة لي طالق، و كل مملوك لي حر، و عليّ إن ظلمت أحدا أو جرت عليه و إن لم أعدل، قال عليه السّلام: كيف قلت؟ فأعدت عليه الأيمان فرفع رأسه إلى السماء، فقال عليه السّلام: تناول السماء أيسر عليك من ذلك» «1»، و يخدش فيها: بأن الملازمة الغالبية بين الدخول في مناصبهم و ترتب المفسدة تمنع عن التمسك بإطلاقها كما هو معلوم فهي منزلة على ما هو الغالب، و هو ما يستلزم المفسدة، و المنساق من الأدلة التي ذكر فيها العمل لهم، و من التعليل الوارد في خبر التحف عدم الحرمة الذاتية، أي: أخذ نفس المنصب منهم من حيث هو أمر اعتباري من دون أي عمل لهم أصلا، و يظهر من الجواهر إمكان تحصيل الإجماع على عدم الحرمة الذاتية، و يشهد له منع الحرمة الذاتية لما جاز ذلك لأجل ترتب مجرد غايات راجحة كقضاء حوائج المؤمنين و الإحسان لهم، مع إنهم رحمهم اللّه يدعون تطابق الأدلة على جوازه لهذه الأمور و هذه هي القسم الثاني من الأخبار الدالة على الجواز، بل المرغبة فيه كما سيأتي، مضافا إلى انه لو فرض إطلاق من كل جهة في البين بحيث يكون ظاهرا في الحرمة الذاتية فإنما هو بالنسبة إلى عهد الدولتين- الأموية و العباسية- التي بذلوا كل جهودهم و أقصى وسعهم لإزالة الدولة الهاشمية بكل ما أمكنهم، فيجب على إمام الحق المدافعة معهم بكل ما يمكنه، فحرمة الولاية لهم و الدخول في مناصبهم يتصور لها وجه حينئذ، و لو لم تترتب عليه مفسدة، لأنه بنفسه حينئذ مفسدة عرفا في وقت حدوث ثورة الباطل على الحق، و أما بعد أن استقر الظلم و الجور و استترت دولة الحق إلى أن بدئ للّه ما يشاء و ظهرت شوكة الظالمين و استولوا على الأمر بجميع أنحاء الاستيلاء بحيث يكون دخول أحد في مناصبهم مع عدم العمل لهم وجوده كعدمه من كل جهة، فأي فائدة يتصور في الحرمة الذاتية حينئذ؟

إلا أن يقال: إن ترتب المفسدة من حكمة تشريع الحرمة لا أن يكون علة لها وجودا و عدما. و عهدة إثبات هذا القول على مدعيه.

و كيف يمكن إثبات الحرمة الذاتية مع قول الصادق عليه السّلام: «رجل يحب آل

______________________________

(1) الوسائل باب: 45 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

ص: 170

.....

______________________________

محمد صلّى اللّه عليه و آله و هو في ديوان هؤلاء فيقتل تحت رايتهم، فقال عليه السّلام: يحشره اللّه على نيته» «1»، و مثله صحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عن رجل مسلم و هو في ديوان هؤلاء و هو يحب آل محمد و يخرج مع هؤلاء في بعثتهم فيقتل تحت رايتهم؟ قال عليه السّلام: يبعثه اللّه على نيته، قال: و سألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء ان يصيب معهم شيئا فيعينه اللّه به فمات في بعثهم؟ قال عليه السّلام: هو بمنزلة الأجير إنه انما يعطي اللّه العباد على نياتهم» «2»، و نحوه غيره فإن لمثل هذه الأخبار نحو حكومة على جميع الأخبار المانعة.

ثمَّ إنه على فرض الحرمة الذاتية لها لا يكون من الكبائر، لعدم التعرض لها فيما ورد في تعدادها فيما تفحصت عاجلا.

نعم، ورد فيها معونة الظالمين و هي أخص منها، كما مر و هو مقتضى الأصل أيضا، و لو كانت الولاية مستلزما لمحرم يتبعه في كونها صغيرة أو كبيرة.

هذا حكم نفس الولاية من حيث هي مع قطع النظر عن متعلقها، و أما باعتبار المتعلق فيأتي التعرض له في الجهة التالية.

الثانية: متعلق الولاية إما محرم منصوص الحرمة بالخصوص، أو واجب شرعي، أو مندوب، أو مباح، أو مكروه، أو من قوانينهم المجعولة التي لم يدل دليل بالخصوص على حرمته، و ليس فيها ظلم شخصي أو نوعي.

و لا ريب في حرمة الأولى نصوصا و إجماعا كما تقدم، و أما البقية غير الأخير فإن لم تكن الولاية منهم محرمة ذاتية فلا ريب في جوازها في الكل، بل تتصف بالوجوب و الندب في الأولين، و يدل على الجواز بل الرجحان ما يأتي من أدلة الترغيب فيها، و هي التي تكون بقدر أدلة المنع لو لم تكن أكثر منها و قد وردت للامتنان و التسهيل، و أدنى مفادها أصل الرجحان بلا إشكال فيه، كما ورد في قضية يوسف عليه السّلام من قوله تعالى اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «3»، و يستفاد من تعليله التعميم في جواز الدخول بالنسبة إلى كل

______________________________

(1) الوسائل باب: 46 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

(3) سورة يوسف: 55.

ص: 171

.....

______________________________

من كان أمينا و عليما بالمصرف و كيفية الصرف و سائر الخصوصيات مع ظهوره في إنه كان بعمده و اختياره عليه السّلام، و ما ورد في قضية أبي الحسن الرضا عليه السّلام و قبوله لخلافة العهد من المأمون.

و لكن، يمكن الإشكال في الاستدلال بهما للمقام، لأن الحق كان لهما في الواقع و المأمون و عزيز مصر غصب حقهما، و الامام الرضا عليه السّلام و يوسف عليه السّلام رضيا بإرجاع بعض حقهما إليهما، و عن الصادق عليه السّلام: «كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان» «1»، و في موثق علي ابن يقطين: «قال لي موسى بن جعفر عليه السّلام: إن للّه تبارك و تعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه أولئك عتقاء اللّه من النار» «2»، و في رواية محمد بن بزيع قال أبو الحسن الرضا عليه السّلام: «إن للّه تعالى بأبواب الظالمين من نوّر اللّه له البرهان، و مكن له في البلاد ليدفع بهم عن أوليائه و يصلح اللّه به أمور المسلمين، إليهم ملجأ المؤمن من الضر و إليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، و بهم يؤمن اللّه روعة المؤمن في دار الظلمة أولئك المؤمنون حقا، أولئك أمناء اللّه في أرضه، أولئك نور اللّه في رعيته يوم القيمة، و يزهر نورهم لأهل السموات كما تزهر الكواكب الدرية لأهل الأرض، أولئك من نورهم يوم القيمة تضي ء منهم القيمة خلقوا و اللّه للجنة و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما على أحدكم إن لو شاء لنال هذا كله قلت: بما ذا جعلني اللّه فداك؟

قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمد» «3»، و تقدم في ذيل خبر زياد بن أبي سلمة ما يدل على المقام أيضا، فيستفاد من مجموع هذه الأخبار رجحانها لأجل أغراض صحيحة شرعية بل عقلائية غير منهي عنها شرعا، و لو قيل بحرمتها الذاتية لسقط الحرمة لذلك.

و أما الأخيرة فمقتضى هذه الإطلاقات جوازها أيضا إن كان فيها نفع شخصي أو نوعي للمؤمنين خصوصا إن أمضاها الحاكم الشرعي، و أما ان كان موردها مركبة من الحلال و الحرام، ففي حلاله حلال و في حرامه حرام لشمول الأدلة لهما.

______________________________

(1) الوسائل باب: 46 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3 و 1 و 2.

(2) الوسائل باب: 46 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3 و 1 و 2.

(3) راجع رجال النجاشي 5 صفحة 255 ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع.

ص: 172

الشرع المبين (170).

مسألة 62: تجوز الولاية المحرمة مع الإكراه من الجائر

(مسألة 62): تجوز الولاية المحرمة مع الإكراه من الجائر، بأن يأمره بالولاية و يتوعده على تركها بما يوجب الضرر بدنيا أو ماليا أو عرضيا عليه (171)، أو على من يتعلق به بحيث يكون الإضرار عليه إضرارا به عرفا، كمن يهمه أمره (172). و يباح به ما يلزمها من المحرمات الأخر و ما

______________________________

الثالثة: في موارد الجواز هل يشترط أن يقصد الشخص الجهات الراجحة من أول ما يدخل في ولايتهم، أو يكفي مجرد انطباقها و لو لم يقصد ذلك؟

مقتضى الإطلاقات هو الأخير، و لكن الأحوط هو الأول.

الرابعة: لا يخفى أن خطرات هذه المناصب كثيرة و عظيمة جدا في حلالها فضلا عن حرامها، و لا يخلو منها إلا الأوحدي الذي عصمه اللّه تعالى عن الزلل و الخطاء.

(170) لما مر من عدم الحرمة الذاتية للولاية من قبلهم لكن خطره عظيم فيما هو مشروع في نفسه فضلا عن غير المشروع.

(171) للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى شأنه إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً (1)، و من السنة المستفيضة منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه» (2)، و قولهم عليه السّلام: «التقية في كل شي ء» (3)، و قوله عليه السّلام: «ما من شي ء إلا و قد أحله لمن اضطر إليه» (4). و من الإجماع إجماع الإمامية بل المسلمين. و من العقل حكمه بتقديم الأهم على المهم.

(172) لأنه من الإضرار بنفس المكره حينئذ بعد أن عد الإضرار بهم إضرارا

ص: 173


1- سورة آل عمران: 28.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 2.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان حديث: 18 ج: 16.

يتفق في خلالها مما يصدر الإكراه به من الجائر (173) إلا في الدماء المحترمة (174)، و يجوز للمكره (بالفتح) تحمل الضرر المالي الذي توعد

______________________________

عليه بحسب المتعارف، فتشمله الأدلة.

(173) لعمومات الأدلة المتقدمة و إطلاقاتها الشاملة لها أيضا، و مقتضى إطلاق أدلة الإكراه، و عموم نفي الحرج و إطلاق قوله عليه السّلام: «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء فإذا بلغ الدم فلا تقية» (1)، شمولها لما إذا كان الضرر المتوعد به أقل من الضرر المكره عليه أيضا فضلا عن صورة التساوي أو ما إذا كان الضرر المتوعد به أكثر إذ لا دليل من عقل أو نقل على تحمل الضرر لدفع الضرر المتوجه إلى الغير.

نعم، لو توجه الضرر إلى الشخص أولا و بالذات لا يجوز دفعه بالإضرار بالغير قطعا و المقام من الأول دون الأخير، و لكن مقتضى الأخوة الإيمانية تحمل الضرر اليسير مع التمكن ان كان الضرر المتوجه إلى الأخ الإيماني كثيرا و في المساوي ان أمكن التحمل يكون من الإيثار المطلوب.

(174) لقولهم عليهم السّلام: «إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فإذا بلغ الدم فلا تقية» (2)، و يستفاد منه ان حد تشريع التقية إنما هو ما دون الدم و لا تشريع لها في الدم.

ثمَّ أن ظاهر الإطلاقات و الكلمات إن بالإكراه يباح كل محرم- مالا كان أو عرضا- إلا القتل و لا ضمان على المكره (بالفتح) لكونه كالآلة للمكره (بالكسر) فيكون الضمان عليه و أما دفع الضرر لأجل الخوف على النفس فيحل لأجله كل محرم أيضا حتى التصرف في مال الغير مع الضمان، و الظاهر جواز دفعه بهتك عرض الغير، إذ لا يعادل نفس المؤمن بشي ء، و أما دفعه بقتل المؤمن فلا يجوز مطلقا.

ص: 174


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

عليه، و عدم قبول الولاية عن المكره (بالكسر) (175).

مسألة 63: يعتبر في تحقق الإكراه عدم قدرة الشخص على التفصي عن توعيد المكره بالكسر

(مسألة 63): يعتبر في تحقق الإكراه عدم قدرة الشخص على التفصي عن توعيد المكره (بالكسر) بما هو سهل له و لا ضرر عليه فيه (176).

مسألة 64: لا فرق في الدم المحقون- الذي لا يجوز سفكه لا إكراه و لا اضطرارا- بين الصغير و الكبير

(مسألة 64): لا فرق في الدم المحقون- الذي لا يجوز سفكه لا إكراه و لا اضطرارا- بين الصغير و الكبير، و الذكر و الأنثى، و الوضيع و الشريف، و العالم و الجاهل (177).

______________________________

فرع: صور الاضطرار إلى كل من سفك الدم، و هتك العرض و نهب المال تسعة حاصلة من ضرب الثلاثة المضطر إليها في ثلاثة الغاية أي: ما كان لأجل حفظ نفس آخر أو عرضه أو ماله، و لا إشكال في حرمة سفك الدم بجميع صوره سواء كان لحفظ نفس أو مال أو عرض، و كذا لا يجوز هتك مال لحفظ مال آخر أو هتك عرض لصون عرض آخر، و يجوز كل منهما لحفظ النفس.

هذه أصول الأقسام و يتفرع منها أقسام كثيرة أخرى يحتاج استخراجها إلى مجال واسع و فحص بليغ و ربما تأتي الإشارة إلى بعضها في موجبات الضمان، و غيرها من الموارد المتفرقة.

(175) لقاعدة السلطنة و لأن دفع مثل هذا الضرر رخصة لا أن يكون عزيمة على ما هو المرتكز في الأذهان.

(176) لانصراف أدلة الإكراه عنه، بل الظاهر عدم صدق الإكراه عليه عرفا خصوصا في بعض موارده.

(177) لإطلاق قول الصادقين عليهما السّلام: «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية» (1)، و هل يشمل الدم مطلق الجرح أو يختص بما

ص: 175


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 1.

مسألة 65: يجوز أخذ الأجرة على كل مباح فيه غرض حلال، و كذا كل مكروه أيضا

(مسألة 65): يجوز أخذ الأجرة على كل مباح فيه غرض حلال، و كذا كل مكروه أيضا (178). و كذا كل واجب كفائي نظامي لم يعلم إنه من الحقوق المجانية الدائرة بين البشر (179). و طريق الاحتياط أخذ الأجرة فيها لغير إتيان ذات ما هو الواجب، بل لسائر الخصوصيات، كأخذ الطبيب الأجرة على الحضور عند المريض مثلا لا لنفس الطبابة (180). و كذا يجوز على جميع المندوبات التوصلية الغير المتقومة بالمجانية (181). و كذا في الواجب التخييري فيجوز أخذ الأجرة على اختيار الخصوصية (182)، و لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب العيني التعييني على الأجير (183). و كذا

______________________________

فيه قوام الروح؟ وجهان و المنساق من الحديث هو الأخير.

(178) لوجود المقتضى و فقد المانع فيشملها العموم و الإطلاق مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(179) للسيرة العقلائية في كل الأعصار و الازمان و جميع الملل و الأديان، و لم يردع عنها نبي و لا وصي نبي، بل قررت بعمومات الكتاب و السنة و سيرة الأمة حتى في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام و لولاه لاختل النظام و بطل سوق الأنام، و لا يرضى به عاقل فضلا عن الحكيم العلام.

(180) خروجا عن خلاف من يظهر منه عدم الجواز، و إن كان لا دليل عليه إلا بعض ما يأتي التعرض لها و لدفعها.

(181) لإطلاقات الأدلة و عموماتها بعد فرض وجود غرض صحيح في البين كما هو المفروض، و لا مانع في البين من عقل أو شرع.

(182) لأن اختيار الخصوصية من حيث هي ليست بواجبة فيخرج عن موضوع بحثهم من عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب، فإنه فيما لم تتحيث الواجب بحيثية زائدة على ذات الوجوب تكون مباحة حتى تشمله الإطلاقات و العمومات.

(183) البحث في هذه المسألة السيّالة في الفقه من جهات.

ص: 176

.....

______________________________

الأولى: في أن الوجوب من حيث انه وجوب ينافي أخذ الأجرة أو لا.

الثانية: في أن أخذ الأجرة على العباديات- واجبة كانت أو مندوبة- هل ينافي العبادية أو لا.

الثالثة: في تصحيح الأعمال العبادية النيابية.

أما الجهة الأولى: فالبحث فيها.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الأدلة.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأولى: فمقتضى الأصل العملي و إن كان عدم ترتب الأثر في كل معاوضة مطلقا إلا انه يكفينا الأصل اللفظي، أي: أصالة الإطلاق و العموم بعد وجود الغرض الصحيح في البين فلا مانع من هذه الجهة أصلا، فيكون مقتضى الإطلاقات و العمومات بعد صدق الإجارة عرفا الصحة مطلقا إلا مع الدليل على الخلاف.

و أما الثانية فلم يدع أحد نصا في هذه المسألة العامة البلوى إلا ما ورد في موارد كقوله عليه السّلام: «السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من اعمال الولاة الظلمة و منها أجور القضاة» (1)، مع إمكان حمله على قضاة الجور و الأجر من قبل الجائرين و يأتي التفصيل في محله إن شاء اللّه تعالى، و ما ورد في الأجرة على الأذان و الصلاة كقوله عليه السّلام: «لا يصلي خلف من يبتغي على الأذان و الصلاة الأجر. و لا تقبل شهادته» (2)، و ما ورد في فساد الدنيا والدين و اضمحلال الدين من قوله عليه السّلام: «و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر» (3)، و خبر زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السّلام: «إنه أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين و اللّه اني أحبك للّه، فقال له: لكني أبغضك للّه قال: و لم قال عليه السّلام: لأنك تبغي في الأذان كسبا، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من أخذ على تعليم

ص: 177


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 12.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب الشهادات حديث: 2 و 6.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب آداب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 6.

.....

______________________________

القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة» (1).

و إثبات قاعدة كلية بهذه الأخبار القاصرة بعضها سندا و بعضها دلالة مما لا ينبغي و على فرض الاعتبار لا بد و إن يقتصر على موردها في الحكم المخالف للإطلاقات و العمومات.

نعم، استدلوا بوجوه أخرى مثل أن الوجوب من حيث هو ينافي أخذ الأجرة، و انه مملوك للّه تعالى و لا يجوز تمليك ملك الغير إلى شخص آخر، و ان مورد الإجارة لا بد و إن يكون مقدورا و معنى القدرة إن شاء فعل و إن شاء ترك و حيث لا قدرة للمكلف في الواجب على تركه، و في الحرام على فعله، و فلا تصح الإجارة فيهما، مع انه لا نفع للمستأجر و قد استدلوا بالإجماع أيضا.

و الكل مردود. إذ الأول: عين الدعوى و أصل المدعى و ملكية العمل للّه تعالى نحو ملكية خاصة ليست من الملكية الاعتبارية فلا تنافي السلطنة الاعتبارية مع أنها طولية كملكية أموالنا له تعالى، و كذا سائر أعمالنا و القدرة التكوينية حاصلة بالوجدان، و الوجوب لا يستلزم سلب القدرة المعتبرة في المعاوضات، و عدم النفع خلاف الفرض، إذ المفروض أن فيه غرض صحيح يرجع إليه، مع إنه لا يختص بالمقام بل هو عام في جميع الموارد إذ تبطل كل معاوضة مع عدم غرض صحيح فيها. و الإجماع لم يصرح به إلا المحقق الثاني و هو موهون لوجود القول بخلافه من أعيان الأصحاب من القدماء و المتأخرين كما لا يخفى على المتتبعين. و أما الأخيرة: فاختلفت الكلمات فيها جوازا و منعا و لم يأت المانعين إلا بما مر، مما لا يروى الغليل و لا يشفي العليل، فالمسألة بلا دليل.

و خلاصة المقال: أن الواجبات مطلقا إما أن يستفاد من القرائن المعتبرة تقوّمها بالمجانية، و إنها من الحقوق المجانية بين الناس بعضهم على بعض، أو يشك فيه أو يستظهر منها إنها غير متقوّمة بها، و في الأول لا يجوز لفرض التقوم بالمجانية، و في الثاني يجوز بعد صدق المعاوضة عليه عرفا، فتشمله الإطلاقات

ص: 178


1- الوسائل باب: 30 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

.....

______________________________

و العمومات قهرا، و كذا في الثالث كما هو معلوم هذا نخبة الكلام في المقام، و قد تعرضنا لهذه المسألة في موارد كثيرة في هذا الكتاب (1).

أما الجهة الثانية: و هي أخذ الأجرة على العباديات- واجبة كانت أو مندوبة- فقالوا: في وجه عدم الجواز أن العبادة متقومة بالإخلاص و قصد القربة، و أخذ الأجرة ينافي القربة فتبطل العبادة لا محاله و ينفسخ عقد الإجارة قهرا، لأن ما وقع عليه العقد إنما هو العبادة و ما يقع من الأجير ليس منها في شي ء فلا تبرء ذمة المستأجر أبدا.

و يرد عليه أن العبادة متقومة بقصد القربة شرعا و عقلا و عرفا بأن تكون منبعثة عن داع قربي، بحيث يكون هو السبب القريب لإيجاد العبادة عرفا و أما كون جميع سلسلة حدوثه قربيا محضا فلا دليل من عقل أو نقل عليه.

نعم، هو مرتبة خاصة من مراتب الإخلاص لخواص الناس، كالأولياء الذين وضعوا جميع ما سوى اللّه تعالى تحت أقدامهم، فمن صلى في الصيف قريبا من المروحة مثلا ليبرد و يصلي قربة إلى اللّه تعالى و كان هذا القصد طوليا أو عرضيا بحيث لا ينافي استقلال داعوية القربة عرفا تصح صلاته، لوجود المقتضى و فقد المانع.

نعم، هو مناف لبعض مراتب الإخلاص الذي يقصر عامة الناس، عن الوصول إليه و لو لزم ذلك لبطل عبادة عامة الناس. هذا مع إمكان تفكيك مورد أخذ الأجرة و قصد القربة بأي وجه أمكن ذلك كأن يقال: أن مورد أخذ الأجرة تنزيل النفس منزلة المنوب عنه، أو تنزيل العمل منزلة عمله أو قضاء حاجته أو استمرار اخوته إلى غير ذلك مما يمكن أن يقال: هذا مع أن هذا البحث ليس له ثمرة عملية، لاتفاق النص (2)، و الفتوى على صحة عبادة النائب عن المنوب عنه و إنما حصل التشكيك لشبهات علمية ليست معتنى به أيضا، لأن إيكال مثل هذه الأمور إلى العرف و الوجدان أولى من أصل التعرض لها و فتح باب التشكيك فيها.

ص: 179


1- راجع المجلد الرابع صفحة: 12.
2- راجع المجلد السابع صفحة: 334.

الكفائي، كتجهيزات الميت (184).

نعم، لو كان واجب عيني أو كفائي محفوف بأمور مباحة أو مندوبة يصح أخذ الأجرة بالنسبة إليها (185). و كذا لا يجوز أخذ الأجرة لتعليم الابتلائيات بين الأنام من مسائل الحلال و الحرام (186).

مسألة 66: يجوز أخذ الأجرة لتعليم القرآن و سائر الكمالات الدينية أو الدنيوية

(مسألة 66): يجوز أخذ الأجرة لتعليم القرآن و سائر الكمالات الدينية أو الدنيوية (187)،

______________________________

ثمَّ انه قد تقدم في مسألة 6 من فصل شرائط غسل الميت و مسألة 9 من فصل مستحبات الأذان و الإقامة، و مسألة 35 من فصل القراءة، و مسألة 2 من فصل صلاة الاستيجار و سيأتي في مسألة 13 من فصل لا يجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة من كتاب الإجارة ما ينفع المقام و يرتبط به إذ المسألة سيّالة في كثير من الموارد.

أما الجهة الثالثة: فقد تقدم صحة الأعمال العبادية النيابية بالتفكيك بين مورد أخذ الأجرة و قصد القربة بجعل مورد أخذ الأجرة تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه، أو تنزيل عمله منزلة عمل المنوب ثمَّ يقصد القربة في ذات العمل فلا وجه وجه للإشكال من هذه الجهة كما تقدم(1).

(184) لتقومها بالمجانية، و كونها من الحقوق المجانية بين المؤمنين بعضهم على بعض، و يدل عليه إجماع الإمامية أيضا.

(185) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع فتشملها الأدلة قهرا.

(186) للإجماع، و لأنها أيضا من الحقون المجانية بين المؤمنين.

(187) للعمومات و الإطلاقات، و ظهور الاتفاق، و خبر ابن أبي قرة قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام هؤلاء يقولون: إن كسب المعلم سحت، فقال عليه السّلام: كذبوا

ص: 180


1- راجع المجلد السابع صفحة: 335.

و الأولى التنزه عنه في تعليم القرآن (188) خصوصا مع الشرط (189).

مسألة 67: المراد بالواجب المبحوث عنه في المقام ما إذا وجب شي ء على الأجير نفسه

(مسألة 67): المراد بالواجب المبحوث عنه في المقام ما إذا وجب شي ء على الأجير نفسه (190)، و أما إذا وجب على غيره، و يعتبر فيه

______________________________

أعداء اللّه إنما أرادوا أن لا يعلموا أولادهم القرآن، لو أن المعلم أعطاه رجل دية ولده لكان للمعلم مباحا» (1)، و عن إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام قال:

«قلت له: إن لنا جارا يكتب و قد سألني أن أسألك عن عمله، قال عليه السّلام. مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إني إنما أعلمه الكتاب و الحساب و اتجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه» (2)، و ذيل هذا الحديث يحتمل معنيان.

أحدهما: جعل مورد الاتجار و الكسب خصوص تعليم القرآن إثباتا للحق وردا لما قاله العامة- كما تقدم في رواية ابن أبي قرة- من ان: «كسب المعلم سحت» (3).

ثانيهما: جعل مورد الكسب و الحساب، و جعل تعليم القرآن من مجرد الإيجار أي: النفع المحض لا من قصد التكسب، و لا بد حينئذ من حمله على الأولوية بقرينة خبر ابن أبي قرة.

(188) لأن تعلم كلام اللّه أجل من أن يقابل بمال الدنيا مطلقا، و لقوله عليه السّلام:

«من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة» (4).

(189) لقوله عليه السّلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أجرة القارئ الذي لا يقرأ إلا على أجر مشروط» (5)، المحمول على شدة التنزه حينئذ مع إنه يمكن حمله على غير صورة التعليم و التعلم.

(190) لأنه المصرح في كلماتهم فراجع المطولات.

ص: 181


1- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 3.
3- ورد مضمونه في سنن ابي داود باب: 36 من كتاب البيوع حديث: 3416.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يكتسب به حديث: 7.

المباشرة فلا بأس بأخذ الأجرة عليه فيه (191).

مسألة 68: يحرم هجاء المؤمن، و كذا يحرم الهجر

(مسألة 68): يحرم هجاء المؤمن، و كذا يحرم الهجر أي: الفحش من القول و ما استقبح التصريح به (192).

______________________________

(191) للإجماع حتى في العبادات التي تشرع فيها النيابة، فتصح النيابة للأموات في العبادات- كالحج، و الصوم، و الصلاة- بل قد تجوز عن الحي أيضا كما مر في الحج، و قد مر التفصيل في فصل الاستيجار للصلاة و الصوم و الحج فراجع.

(192) أما الأول: فتدل على حرمته الأدلة الأربعة، لأنه إيذاء و ظلم، و يدل على حرمته ما يدل على حرمة الغيبة بالفحوى، و لا بأس به فيما إذا كانت في البين مصلحة راجحة على مفسدته بل قد تجب.

و أما الأخير: فلجملة من الأخبار منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إن اللّه حرم الجنة على كل فحاش بذي ء قليل الحياء لا يبالي ما قال و لا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان، قيل: يا رسول اللّه و في الناس شرك شيطان؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أما تقرأ قول اللّه عز و جل وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ- الحديث-» (1)، و عن الصادق عليه السّلام في خبر أبي عبيدة: «البذاء من الجفاء و الجفاء في النار» (2)، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إن من أشر عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه» (3)، و في خبر سماعة قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام: فقال لي مبتدئا:

يا سماعة ما هذه الذي كان بينك و بين جمالك؟ إياك أن تكون فحاشا أو سخابا أو لعانا، فقلت: و اللّه لقد كان ذلك انه ظلمني، فقال عليه السّلام: إن كان ظلمك لقد أوتيت عليه، ان هذا ليس من فعالي و لا آمر به شيعتي، استغفر ربك و لا تعد، قلت: استغفر اللّه و لا أعود» (4).

و الظاهر ان الفحش مما يختلف باختلاف العادات و الأقوام و الأشخاص

ص: 182


1- الوسائل باب: 72 من أبواب جهاد النفس حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 72 من أبواب جهاد النفس حديث: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 71 من أبواب جهاد النفس حديث: 8 و 7.
4- الوسائل باب: 71 من أبواب جهاد النفس حديث: 8 و 7.

مسألة 69: لا يجوز بيع المصحف الشريف من الكافر، و يبطل أصل البيع

(مسألة 69): لا يجوز بيع المصحف الشريف من الكافر (193)، و يبطل أصل البيع (194)، و الأحوط في البيع من المسلم جعل المعاوضة بالنسبة إلى الورق أو الغلاف و نحوهما، أو دفعه إليه بعنوان الهدية و دفع المشتري العوض بعنوان الهبة (195).

______________________________

و مورد الشك في الشبهة الموضوعية أو المفهومية البراءة و الاحتياط حسن على كل حال.

(193) لما أرسلوه إرسال المسلمات الفقهية، و يظهر منهم الإجماع عليه.

(194) لأن ظاهر كلماتهم ان النهي و إن كان تكليفيا و لكنه لأجل عدم قابلية المنقول إليه عن صلاحية التملك فيحرم و لا يحصل أصل الملكية.

و استدل أيضا بأنه هتك لحرمة القرآن، و بفحوى المنع عن بيع المسلم إلى الكافر. و فيهما: ما لا يخفى، و ظاهرهم عدم الجواز حتى باعتبار الغلاف و الورق و نحوهما.

كما أن ظاهرهم عدم جواز الاستيجار لكتابة القرآن للكافر أيضا، بل و عدم جواز تمكينه منه و استيلائه عليه، و الدليل على ذلك كله منحصر بالإجماع لو تمَّ.

و أما التفاسير و الكتب المشتملة على الأحاديث و أسماء اللّه تعالى و الأدعية، فيصح بيعها منه، للإطلاقات و العمومات من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص و إن كان الأحوط المنع فيها أيضا.

(195) عن جمع من الفقهاء حرمة بيع المصحف إلى المسلم أيضا- منهم الحلي، و الشهيد، و العلامة، و المحقق الثاني- و استدلوا بجملة من الأخبار منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق سماعة: «لا تبيعوا المصاحف فإن بيعها حرام، قلت: فما تقول في شرائها؟ قال عليه السّلام: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف و إياك ان تشتري منه الورق و فيه القرآن مكتوب، فيكون عليك حراما و على من باعه

ص: 183

.....

______________________________

حراما»(1)، و عنه أيضا قال عليه السّلام: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بيع المصاحف و شرائها؟ فقال عليه السّلام: لا تشتر كتاب اللّه، و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين و قل: أشترى منك هذا بكذا و كذا» (2)، و في خبر عبد اللّه بن سليمان قال: «سألته عن شراء المصاحف؟ فقال: إذا أردت أن تشتري فقل: اشترى منك ورقه و أديمه و عمل يدك بكذا و كذا» (3)، و لأن كلام اللّه جل جلاله أجل من أن يقابل بشي ء من متاع الدنيا الدنية التي هي انزل شي ء عند اللّه تعالى فلا يقابل بكلها بعض كلامه تعالى فضلا عن بعضها، و لكن قال في الجواهر و نعم ما قال:

«و التحقيق الجواز لإطلاق الأدلة و إطلاق كثير من الفتاوي في مقام ذكر شرائط البيع و غيره حتى في مسألة بيع المصحف من الكافر، فإن كلامهم هناك بإطلاقه شامل لجواز بيعه من المسلم من غير تقييد بالآلات، بل السيرة القاطعية أقوى شاهد على ذلك.

و دعوى: انها للآلات كما ترى فإنه لا ريب في ملاحظة الكتابة ببذل الثمن»، ثمَّ استدل بخبر ابن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن شراء المصاحف و بيعها؟ فقال عليه السّلام: إنما كان يوضع الورق عند المنبر، و كان ما بين المنبر و الحائط قدر ما تمر الشاة أو رجل منحرف فكان الرجل يأتي فيكتب من ذلك، ثمَّ انهم اشتروا بعد، قلت: فما ترى في ذلك؟ فقال لي: أشتري أحبّ إليّ من أن أبيعه، قلت: فما ترى ان أعطي على كتابته أجرا؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (4)، و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بيع المصاحف و شرائها؟ فقال:

إنما كان يوضع عند القامة و المنبر- إلى أن قال عليه السّلام- فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة و يجي ء آخر فيكتب السورة كذلك كانوا ثمَّ انهم اشتروا بعد ذلك؟ فقال:

أشتريه أحب إليّ من أبيعه» (5)، و يمكن استظهار الجواز منهما و قال رحمه اللّه أيضا:

«و لعل الفقيه الماهر إذا اعطى النظر حقه في نصوص المقام و في الأصول و القواعد يقطع بما قلناه».

أقول: فيحمل موثق سماعة على مطلق المرجوحية بقرينة غيره، و لكن

ص: 184


1- الوسائل باب: 31 من أبواب ما يكتسب به حديث: 11 و 1 و 6
2- الوسائل باب: 31 من أبواب ما يكتسب به حديث: 11 و 1 و 6.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب ما يكتسب به حديث: 11 و 1 و 6.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و 8.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و 8.

مسألة 70: ما تأخذه الدولة من الضريبة على الأراضي جنسا أو نقدا، و على النخيل و الأشجار يعامل معه معاملة ما يأخذه السلطان العادل

(مسألة 70): ما تأخذه الدولة من الضريبة على الأراضي جنسا أو نقدا، و على النخيل و الأشجار يعامل معه معاملة ما يأخذه السلطان العادل (196)، فتبرأ ذمة الدافع عما كان عليه من الخراج الذي هو أجرة

______________________________

مع ذلك الجزم بالجواز مشكل، لإمكان حمل ما يظهر منه الجواز على بعض المحامل و قد اشتهر بين المتشرعة التعبير عن اشتراء القرآن بالهدية.

ثمَّ إنه بناء على عدم صحة بيع النقوش المعبر عنها بكلام اللّه تعالى فهي باقية على ملك البائع، و انتقالها إلى ملك المشتري يصح بأحد الوجوه.

منها: التبعية كانتقال نقوش الدار- مثلا- تبعا لانتقال أصل الدار.

و منها: تملك المشترى لها بإعراض البائع عنها فبعد الاعراض تكون مما لا مالك لها، فيملكها المشتري، لوجود المقتضى و فقد المانع و هو أولى بالتمليك لكونها من توابع ملكه.

و منها: إن تمليك القرآن ينحل في الواقع إلى تمليكين بيعي، و هو بالنسبة إلى الورق و نحوه، و آخر بعنوان الهدية- مثلا- و هو بالنسبة إلى النقوش. و لا محذور بالنسبة إلى هذه الوجوه من عقل أو نقل، فيصح للمشتري ترتيب آثار الملكية على نفس النقوش أيضا. هذا مع أن للنقوش حيثيتين.

الأولى: كونها مظهر كلام اللّه تعالى.

الثانية: كونها عرضا خارجيا و سوادا على بياض مثلا و التفكيك بين الجهتين ممكن عقلا و يمكن اختلاف الحكم في خصوص المقام بحسبه.

و أما أبعاض القرآن التي تكون في بعض المجلات و الجرائد و نحوهما فإن كانت قليلة بحيث يكون كالشي ء المستهلك في المبيع فلا يشملها دليل المنع، و أما ان كانت معتنى بها عند المتشرعة فيشكل الجواز بل الظاهر المنع حينئذ.

(196) بإجماع المسلمين و المتواترة من نصوص المعصومين، و السيرة القطعية بين المؤمنين من عصر الخلفاء، و المسألة كانت من الضروريات الفقهية و انما صارت مورد البحث لشبهات عرضت إلى بعض الأذهان، و حيث بنى

ص: 185

الأرض الخراجية (197) بل لو لم تأخذه الدولة و أحال شخصا على من

______________________________

الطبقة اللاحقة على دفعها صارت كأنها نظرية، و كيف كان فمن النصوص صحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ فقال عليه السّلام: ما الإبل إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه، قيل له: فما ترى في مصدق يجئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول: بعناها فيبيعناها فما ترى في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له: فما ترى في الحنطة و الشعير يجئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه فيعزله بكيل فما ترى شراء ذلك الطعام منه؟ فقال:

إن كان قبضة بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل»(1)، و في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «إنه سئل عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث؟ قال عليه السّلام: نعم، لا بأس به قد قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبرا و أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر و الخبر:- هو النصف- (2)، و في صحيح إسماعيل بن الفضل قال: «سألته في الرجل يتقبل خراج الرجال و جزية رؤوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير و هو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون، أ يشتريه؟ أو في أي زمان يشتريه؟ يتقبل منه؟ فقال: إذا علمت ان من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبل به» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار، و تقتضيه قاعدة نفي العسر و الحرج.

و خلاصة المقال: ان سلطان العدل نزل سلطان الجور من هذه الجهة منزلة نفسه في وجوب الدفع إليه و صحة الأخذ منه من كل جهة لما تقدم.

(197) لأن سلطان العدل و الحكومة الحقة اذن في ذلك، و نزل فعلهم منزلة فعل نفسه تسهيلا على المسلمين و تيسيرا عليهم إلى يوم ظهور الحق المبين،

ص: 186


1- الوسائل باب: 52 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 4.

عليه الخراج فدفعه إلى المحتال يحل له و تبرء ذمة المحال عليه عما اشتغلت به (198)، و لكن الأحوط مراجعة الحاكم الشرعي و الاستيذان منه (199). و حكم سلطان المؤالف في ذلك حكم المخالف (200)، و الأحوط الرجوع إلى الحاكم الشرعي في هذه الأعصار (201)، خصوصا في المؤالف (202).

______________________________

فإنه علم استيلاء الجور و الفساد و سلطة الباطل و انتفاء دولة الحق مع ان للمسلمين حقوقا في الأراضي المفتوحة عنوة، فلو حرم عليهم مراجعتهم بالكلية ضاق التعيش عليهم أي مضيقة، فنفس فرض كونه سلطان حق و حكومة عدل يقتضي التوسعة على الأمة في ذلك.

(198) لأنه بعد فرض ان سلطان العدل نزل فعله منزلة فعل نفسه كما هو المنساق من الأخبار فلا فرق فيه بين ما بعد القبض و ما قبله كما في نفس سلطان العدل هذا مع تصريح المحقق الثاني بالإجماع على عدم الفرق بين القبض و عدمه. و أما تعبير الفقهاء بما يأخذه الجائر فهو إما من باب الغالب أو إن المراد به الأعم من الأخذ الفعلي و مطلق الاستيلاء عليه و لو بالحوالة.

(199) خروجا عن خلاف من خص الإذن بما بعد القبض، و لاحتمال أن يكون أصل الإذن مختصا بما إذا لم يتمكن من الرجوع إلى الحاكم الشرعي، و إن ضعف هذا الاحتمال جدا في هذا الحكم الامتناني العام البلوى.

(200) للإطلاقات المشتملة على لفظ: «السلطان» في هذا الحكم العام البلوى و المراد به كل من استولى على الأمر سواء يسمى بالسلطان أو بلفظ آخر، و سواء كان مخالفا أو مؤالفا و احتمال الانصراف إلى الأول بدوي لا يعتنى به مع عموم الحكمة و قاعدة الحرج الشامل لهما.

(201) لعدم حصر الخراج فيها على خصوص الأراضي الخراجية بل يأخذونه من كل ما يقدرون عليه.

(202) لما تقدم من احتمال الانصراف عنه و إن كان هذا الاحتمال

ص: 187

مسألة 71: جوائز السلطان يجوز أخذها و التصرف فيها

(مسألة 71): جوائز السلطان يجوز أخذها و التصرف فيها. كما يجوز أخذها بعوض من البيع و نحوه (203).

مسألة 72: يجوز لكل أحد أن يتقبل الأراضي الخراجية

(مسألة 72): يجوز لكل أحد أن يتقبل الأراضي الخراجية و يضمنها من الدولة بشي ء و ينتفع بها بأي نفع محلل شاء، أو يقبلها و يضمنها لغيره

______________________________

ضعيفا جدا.

(203) خلاصة الكلام يقع في مقامين.

الأول: إن أموال الدول على قسمين.

فتارة: تكون من الملكية الشخصية- كأموالنا الشخصية- كما إذا انتقل إلى السلطان مال بالإرث، أو استقرض مالا على عهدته الشخصية و اتجر به، أو حاز مباحا بقدر شأنه الشخصي فهذا يكون ماله و يكون مسلطا عليه و في عده من أموال الدولة مسامحة واضحة، و ليس لأحد من الرعية مزاحمته فيه و لا يجب عليه صرفه في مصالحهم و هو محترم، لقاعدة السلطنة التي هي من أجل القواعد النظامية إلا إذا القى الشارع احترامه كأموال الحربي على تفصيل تقدم في كتاب الجهاد.

و أخرى: تكون لهم التصرف من حيث كونهم مديرا للعباد و البلاد و جالبا إليهم الصلاح و دافعا عنهم الفساد.

و بعبارة أخرى: من حيث كونهم مسؤول الرعية عند العقلاء في تنظيم مصالحهم الدنيوية على ما ينبغي و يليق، فليست الملكية شخصية قطعا، بل هي نوعية- كملكية الصدقات للفقراء، و الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين فهي نحو مال خاص و ملكية خاصة لهم- أن يقوم بالتصرف فيها في مصالح الرعية، و ليس لهم التصرف فيها بما ليس فيه صلاح الرعية، كما إنه ليس لآحاد الرعية التصرف فيها لنفسه أيضا، إذ المال نوعي و الملكية نوعية. و من هذا القسم الخراج، أي: ما يجعل على الأرض أو غيرها من الدراهم أو الدنانير، و المقاسمة: أي ما يقسم مع الحكومة من حاصل الأرض، و حيازة الدولة المباحات و استخراجه للمعادن و نحو ذلك من تصرفاته النوعية من حيث إنه وكيل الرعايا بزعمهم فمثل هذه

ص: 188

.....

______________________________

الأموال أموال النوع، و لا بد و أن يصرف في مصالحهم و الهيئة المديرية يدعون أنهم أمناء الصرف و المصرف.

و حيث أن أموال الدولة من موارد اختلاط الحلال بالحرام لا بد من بيان مدرك الحكم في هذا الفرع العام البلوى للمسلمين، خصوصا في هذه الأعصار التي صار العالم كأنه بيت واحد، و كثرة ارتباطات بعضهم مع بعض و البحث فيه.

تارة: بحسب القواعد العامة.

و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة.

و ثالثة: بحسب الاعتبارات و الشواهد العرفية.

أما الأولى: فالمسألة من صغريات العلم المنجز فمن علم تفصيلا- أو إجمالا بعلم إجمالي منجز- بحرمة المأخوذ تماما أو اشتماله على الحرام يحرم الأخذ بلا إشكال، و مع عدم العلم التفصيلي أو الإجمالي المنجز كذلك، فمقتضى أصالة الإباحة و أصالة الصحة إباحة الأخذ و التصرف، و تقتضيها قاعدة نفي العسر و الحرج، إذ لو وجب الاجتناب لاختل النظام بلا كلام خصوصا في هذه الأعصار.

و أما الثانية: فهي ما ورد بالسنة شتى ناصة أو ظاهرة في الحلية و جواز الأخذ و التصرف و انها على أقسام.

القسم الأول: صحيح أبي ولاد، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم و أنا أمر به فأنزل عليه فيضيفني و يحسن اليّ، و ربما أمر بالدرهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنا و عليه الوزر» (1)، و من ذيله يمكن أن يستفاد قاعدة التعميم لكل مورد كما لا يخفى.

و منها: صحيح ابن مسلم و زرارة قالا: «سمعناه يقول: جوائز العمال ليس بها بأس» (2).

و منها: موثق أبي المعزى قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده، فقال:

ص: 189


1- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 5.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 5.

.....

______________________________

أصلحك اللّه أمر بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال عليه السّلام: نعم، قلت: و أحج بها؟ قال عليه السّلام: نعم» (1)، و في حديث آخر له: «أمر بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال عليه السّلام: نعم، قلت: و أحج بها؟ قال عليه السّلام: نعم» (2).

و منها: موثق يحيى بن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهم السّلام: «إن الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يقبلان جوائز معاوية» (3).

و منها: خبر أبي بكر الحضرمي قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده إسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع ابن أبي السماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثمَّ قال لي: لم تركت عطاءك؟ قال:

مخافة على ديني، قال عليهما السّلام: ما منع ابن أبي السماك ان يبعث إليك بعطائك؟ أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟» (4)، و فيه من الترغيب إلى الأخذ منهم ما لا يخفى.

و منها: موثق داود بن زربي قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: اني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها، أو الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثمَّ يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال عليه السّلام: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه» (5)، و فيه دلالة ظاهرة على احترام ما لهم.

و منها: خبر يونس ابن يعقوب عن عمر أخي عذافر، قال: «دفع إليّ إنسان ستمائة درهم أو سبعمائة درهم لأبي عبد اللّه عليه السّلام فكانت في جوالقي، فلما انتهيت إلى الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه، و رافقت عامل المدينة بها، فقال: أنت الذي شق جوالقك فذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، قال: إذا قدمنا المدينة فائتنا حتى نعوضك، قال: فلما انتهيت إلى المدينة دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، فقال: ما أعطاك خير مما أخذ منك فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك فإنما هو شي ء دعاك اللّه إليه لم تطلبه منه» (6).

و منها: خبر قيس بن زمانة قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فذكرت له

ص: 190


1- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و 6 و 7 و 8.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و 6 و 7 و 8.
5- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و 6 و 7 و 8.
6- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و 6 و 7 و 8.

.....

______________________________

بعض حالي، فقال: يا جارية هاتي ذلك الكيس، هذه أربعمائة دينار و صلني بها أبو جعفر فخذها و تفرح بها» (1).

و منها: خبر حسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام: «إن الحسن و الحسين عليه السّلام كانا يغمزان معاوية و يقعان فيه و يقبلان جوائزه» (2).

و منها: خبر الاحتجاج عن الحسين عليه السّلام: «انه كتب كتابا إلى معاوية، و ذكر الكتاب و فيه تقريع عظيم و توبيخ بليغ فما كتب إليه معاوية بشي ء يسوؤه، و كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم سوى عروض و هدايا من كل ضرب» (3).

القسم الثاني: خبر فضل بن الربيع عن أبي الحسن موسى عليه السّلام في حديث: «إن الرشيد بعث إليه بخلع و حملان و مال، فقال: لا حاجة لي بالخلع و الحملان و المال إذا كان فيه حقوق الأمة، فقلت: ناشدتك باللّه ان لا ترده فيغتاظ، قال عليه السّلام: اعمل به ما أحببت» (4)، و خبره الآخر: «إن الرشيد أمر بإحضار موسى بن جعفر يوما فأكرمه و أتى بها بحقة الغالية، ففتحها بيده فغلفه بيده ثمَّ أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير، فقال موسى بن جعفر عليه السّلام: و اللّه لو لا اني أرى من أزوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدا» (5)، حيث يظهر منهما عدم صحة الأخذ إلا للضرورة. و الحق ان القسم الأول من الأخبار غير قابلة للتقييد بمثل هذين الخبرين مع أن المال ماله عليه السّلام و يمكن حملهما على التقية من جهلة الشيعة.

القسم الثالث: ما ورد في الخراج و المقاسمة، و الزكاة كصحيح ابن الحجاج قال: «قال لي أبو الحسن موسى عليه السّلام: مالك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام إني أظنك ضيقا قلت: نعم، فإن شئت وسعت علي قال عليه السّلام: اشتره»(6)، و صحيح ابن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أشترى من العامل الشي ء و أنا أعلم إنه يظلم؟ فقال عليه السّلام: اشتر منه» (7)، و موثق أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنم الصدقة و هو

ص: 191


1- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 9 و 13.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 9 و 13.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 14 و 10 و 11.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 14 و 10 و 11.
5- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 14 و 10 و 11.
6- الوسائل باب: 52 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 4.
7- الوسائل باب: 52 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 4.

.....

______________________________

يعلم انهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم. فقال عليه السّلام: ما الإبل إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه- الحديث-» (1)، و في نوادر ابن عيسى قال: «سأل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن شراء الخيانة و السرقة قال عليه السّلام: إذا عرفت ذلك فلا تشتره إلا من العمال» (2).

و أما الأخيرة: فبعد علم الشارع الأقدس بهذه الحوادث و إخباره بها في جملة من الأخبار بغلبة الجور فهل يبقى التكليف بالاجتناب منجزا على كل حال أو يتغير بحسب الظروف و الأحوال، فكما أن تكليف الصلاة التي هي أهم أركان الدين يتغير بحسب حالات التقية و نحوها مقتضى سهولة الشريعة المقدسة هو الثاني و ثبوت الوزر الواقعي بالنسبة إلى الغاصبين لا ينافي التسهيل الظاهري بالنسبة إلى الرعية حفظا للنظام و تيسيرا على الأنام، و يشهد لما ذكرناه ذكر الزكاة أيضا في بعض الأخبار (3)، و الأحوط المراجعة في جميع الخصوصيات إلى الحاكم الشرعي.

الثاني: لا يعتبر ممن يصل إليه الجائزة أو الخراج و المقاسمة من الدولة الاستحقاق، و لا أن يكون من مصارف الزكاة، للأصل و الإطلاق، و عدم ما يصلح للتقييد، مع ان الحكمة التسهيل و رفع العسر و الحرج و هي تعم الجميع، و لكن الأحوط مراجعة الحاكم الشرعي في كل ذلك كما تقدم.

ثمَّ إنه نسب إلى جمع من الفقهاء كراهة الأخذ في صورة الجواز. كما نسب إلى جمع استحباب التخميس و ادعى عدم الخلاف فيه.

أما الأول: فهو قابل للمسامحة يكفى فتوى الفقيه، فضلا عما يمكن الاستدلال به من أن أقوى سبب لجلب القلوب هو المال و التسبب إلى القلب إلى الجائر مكروه بل قد يكون حراما.

و أما الثاني: فيكفي فيه دعوى عدم الخلاف بعد البناء على المسامحة في الاستحباب.

ص: 192


1- الوسائل باب: 52 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5 و 6.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5 و 6.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1 و 4.

و لو بالزيادة (204)، و يختص جميع ما قلناه بخصوص الشيعة (رفع اللّه

______________________________

(204) البحث. تارة: في مورد الخراج و المقاسمة.

و أخرى: في جواز تقبل الأراضي الخراجية من الدولة.

أما الأول: مورد الخراج و المقاسمة الشرعيين انما هو في الأراضي المفتوحة عنوة أو صلحا على أن يكون الأرض للمسلمين، و أن يكون الفتح بإذن الإمام عليه السّلام، و إلا فيكون من الأنفال، كما يشترط أيضا كونها محياة حال الفتح و ثبوت كونها مفتوحة عنوة بإذنه عليه السّلام بوجه معتبر و مع عدم الإحراز كذلك فالمرجع قاعدة الاشتغال إعطاء و أخذا بعد سقوط الأصول الموضوعية من جهة التعارض، أي: أصالة عدم الفتح عنوة، و أصالة عدم كونها ملكا لشخص خاص- إماما كان أو غيره- و لكن يمكن أن يقال: إن مقتضى الإطلاقات و العمومات أن الأراضي كلها للإمام عليه السّلام فيكون هذا نحو أصل معتبر في الأراضي إلا ما خرج بالدليل، فالمشكوك يكون للإمام عليه السّلام، للإطلاقات و للعمومات فلو قلنا بأن ما تأخذه الدولة من الأنفال حكم ما تأخذه من أرض الخراج دخل ما ثبت كونه من الأنفال في حكمها أيضا، و قد تقدم في كتاب الخمس بعض الكلام، و يأتي بقية الكلام في أحكام الأراضي، و في إحياء الموات.

أما الثاني: فيدل على الجواز مضافا إلى الإجماع نصوص كثيرة.

منها: صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان» (1).

و منها: خبر فيض بن المختار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثمَّ أؤاجرها من أكرتي على أن ما أخرج اللّه منها من شي ء كان لي من ذلك النصف و الثلث بعد حق السلطان؟ قال عليه السّلام: لا

ص: 193


1- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام المزارعة حديث: 3.

شأنهم)، بل يعم جميع المسلمين (زاد اللّه في شوكتهم) (205).

مسألة 73: الأموال المشتبهة بالحرام لا تخلو عن صور أربع

(مسألة 73): الأموال المشتبهة بالحرام لا تخلو عن صور أربع: فإما أن يعلم بالتفصيل إنه حرام بجميع أجزائه و جزئياته، و ليس فيه حلال أبدا.

و إما أن يعلم ذلك بالعلم الإجمالي المنجز من كل جهة، أو بالعلم الإجمالي غير المنجز، أو لا علم في البين أصلا بل يكون من مجرد الشبهة فقط (206) و لو وقع مال محرم في يده، فإما أن يعلم صاحبه و مقداره، أو لا يعلم كلا منهما، أو يعلم الصاحب دون المقدار، أو يكون بالعكس (207).

______________________________

بأس به كذلك أعامل أكرتي» (1)، و تقتضيه الإطلاقات و العمومات بعد تقرير الشارع لمثل هذه الأعمال من السلطان.

(205) للإطلاقات و العمومات، و قاعدة نفي العسر و الحرج مع ان اختلاط الشيعة مع المسلمين يقتضي التعميم أيضا، و ما في بعض الأخبار: «ليس لعدونا منه بشي ء» (2)، يمكن أن يراد به من حكم بكفره مع أنه يصح إرادة إنه ليس لهم مستقلا.

و أولا: و بالذات و إن كان يعمهم الحكم.

ثانيا: و بالعرض لأجل التسهيل على الشيعة.

(206) و حكم الصورتين الأولتين هو وجوب الاجتناب، لما أثبتناه في الأصول من أن العلم الإجمالي المنجز كالعلم التفصيلي في وجوب الموافقة العملية و حرمة المخالفة، و المرجع في الأخيرتين أصالة الحلية و البراءة، لما ثبت في محله من أن العلم الإجمالي الغير المنجز مثل الشبهة البدوية في جريان أصالة البراءة و الحلية.

(207) و قد تعرضنا لحكم جميع ما يتعلق بهذه الأقسام مفصلا في كتاب

ص: 194


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام المزارعة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 17.

مسألة 74: لو دفع شخص مالا إلى أحد ليصرفه في طائفة، و كان المدفوع إليه بصفتهم

(مسألة 74): لو دفع شخص مالا إلى أحد ليصرفه في طائفة، و كان المدفوع إليه بصفتهم كما إذا دفع إلى فقير مالا- زكاة أو غيرها- ليصرفها في الفقراء، أو دفع إلى سيد خمسا ليصرفه في السادة، و لم يعين شخصا معينا جاز له أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة (208) كما يجوز له أن يصرفه في عياله (209)، خصوصا إذا قال: إن هذا المال للفقراء أو السادة و إن مصرفه ذلك (210)، و لكن الأحوط التنزه عنه إلا بالإذن الصريح (211).

______________________________

الخمس في الخامس، مما يجب فيه الخمس: المال المخلوط بالحرام.

(208) لجملة من النصوص منها صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحل له الصدقة؟ قال عليه السّلام: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، قال عليه السّلام: و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه» (1)، و صحيح ابن يسار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعطي الزكاة فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا؟ قال: نعم» (2)، و في صحيح حسين بن عثمان عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «في رجل أعطى مالا يفرقه فيمن يحل له: إله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسم له؟ قال عليه السّلام: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره» (3)، و يقتضيه الظاهر أيضا، لأن مقتضى الظاهر ان المقصود صرف المال في مصرفه و المفروض إنه من مصرفه.

(209) لفرض انهم من مصارفه و قد أذن صاحب المال أن يصرفه في مصارفه.

(210) لظهور مثل هذه التعبيرات في الشمول له و لغيره أيضا.

(211) لأنه نحو تحريص على الدنيا، و تشمئز نفوس العوام من ذلك،

ص: 195


1- الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3 و 1 و 2.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3 و 1 و 2.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3 و 1 و 2.

مسألة 75: تقدم سابقا أن طلب الرزق ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة

(مسألة 75): تقدم سابقا أن طلب الرزق ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و الإباحة- و كذلك طلب العلم ينقسم حكمه إلى الأحكام الخمسة (212)، و عند المزاحمة و فقد المرجح من كل جهة يرجح طلب الفقه (213)، إن كان الطالب واجدا للشرائط.

______________________________

و لخبر ابن الحجاج عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين، و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟

قال عليه السّلام: لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه» (1)، المحمول على مطلق التنزه أو على ما إذا كانت قرائن تدل على صرفه في غير نفسه.

(212) أصل هذا التقسيم بالنسبة إليهما لعله من ضروريات الفقه، فلا إشكال فيه إنما الكلام في ترجيح أحدهما على الآخر عند التزاحم مع كثرة ما ورد في كل منهما من الترغيب و التحريض، و يختلف الترجيح باختلاف الأشخاص و الحالات و الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات، فقد توجب ترجيح طلب العلم و قد توجب العكس.

(213) لقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «أيها الناس أعلموا أن كمال الدين طلب العلم و العمل به، ألا و ان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه و سيفي لكم، و العلم مخزون عند أهله، و قد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه» (2)، و يشهد له قول أبي جعفر عليه السّلام:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يقول اللّه تعالى: و عزتي و جلالي و كبريائي و نوري و عظمتي و علوي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتّت عليه امره و لبست عليه دنياه، و شغلت قلبه بها و لم أعطه منها إلا ما قدرت له، و عزّتي

ص: 196


1- الوسائل باب: 84 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صفات القاضي حديث: 12.

.....

______________________________

و جلالي و عظمتي و نوري و علوي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي و كفلت السموات و الأرضين رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر و أتته الدنيا و هي راغمة» (1)، و تشهد له التجربة و التأمل في حالات العلماء الماضين (رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين) لأنهم كانوا في نهاية الفقر الذي قد لا يتصور فوقه فقر و قد اختاروا طلب العلم و استقاموا في ذلك فكفاهم اللّه شؤون دنياهم و آتاهم برزقهم من حيث لا يحتسبون، و ذلك سنّة اللّه التي قد جرت في عباده و لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلًا و لن تجد لسنّة اللّه تحويلا و لو أردنا أن نذكر في ذلك ما شاهدناه في أنفسنا و رأيناه من مشايخنا العظام لصار ذلك كتابا مستقلا و في يسير من الكثير عبرة لمن اعتبر.

فائدة: قد تعرضنا من كتاب تحف العقول الرواية المفصلة المتقدمة في ضمن المسائل و اعتمدنا عليها، و الكتاب معتبر اعتمد عليه الأصحاب منهم صاحب الوسائل، و صاحب البحار و الحدائق، و محتوياته تشهد بصدورها عن المعصوم عليه السّلام، كما لا يخفى على من كان مأنوسا بأحاديث الأئمة عليهم السّلام و أقوال النبي صلّى اللّه عليه و آله، و قال صاحب الكتاب في مقدمة كتابه: «و أسقطت الأسانيد تخفيفا و إيجازا و إن كان أكثرها لي سماعا و لأنها آداب و حكم تشهد نفسها» و قال الشيخ الجليل الشيخ حسين بن علي بن صادق البحراني في رسالته التي ألفها في السير و السلوك إلى اللّه على طريق أهل البيت عليهم السّلام: «و يعجبني أن انقل في هذا الباب حديثا عجيبا وافيا شافيا عثرت عليه في كتاب تحف العقول للفاضل النبيل الحسن بن علي بن شعبة من قدماء أصحابنا حتى ان شيخنا المفيد ينقل عن هذا الكتاب و هو كتاب لم يسمح الدهر بمثله» و لم أر من قدح في مؤلف هذا الكتاب و لو بأدنى قدح، و كل من تعرض له قرنه بالتجليل و التعظيم و التوثيق.

و أما نفس الكتاب الشريف فغاية ما قيل في الخدشة فيه أمور.

الأول: ان إخبارها مرسلة.

ص: 197


1- الوافي ج: 3 صفحة: 154 باب اتباع الهوى ط: الحجرية.

.....

______________________________

الثاني: عدم اعتناء أصحاب الجوامع الأربعة القديمة بالنقل منه، و من البعيد عدم اطلاعهم عليه.

الثالث: كون الحديث المتقدم الوارد في بيان معايش العباد مشتملا على الغلق و الاضطراب.

الرابع: إن الحديث يشبه تصنيف المصنفين في التشقيق و التقسيم.

الخامس: اشتمال الكتاب على النبويات.

و كل هذه الأمور باطلة و لا ينبغي الاعتماد عليها في استفادة القدح، و ما نشأت إلا عن قصور الاطلاع و عدم التتبع و الإحاطة.

أما الأول: فقد صرح المؤلف قدس سرّه في مقدمة الكتاب بوجه الإرسال و من يقول بأن هذا النحو من الإرسال يوجب القدح بعد كون المؤلف موثوقا به فيما قال في المقدمة؟ و بأي دليل يقول بذلك؟ مع إن المؤلف يصرح له بأن أكثرها سماع و لا موضوع للإرسال حينئذ.

و أما الثاني: فلا ريب في كونه أعم من القدح، إذ يمكن أن يكون لكثرة اشتهاره و اعتباره غنيا عن النقل عنه، لأن بناء أرباب الجوامع رحمهم اللّه على النقل عما كان في معرض الاندراس و الاضمحلال كما يظهر ذلك من عاداتهم رحمهم اللّه، بل و من عادة اللّه عز و جل حيث إنه كلما كان في معرض الزوال من الشريعة المقدسة يجدده بكل نحو تعلقت به إرادته الكاملة إتماما للحجة.

و أما الثالث: فلا بأس به و كم له من نظير في الأحاديث كما لا يخفى على الخبير خصوصا فيما هو منقول بالمعنى كما هو الظاهر منه.

و أما الرابع: فهو ساقط جدا، لأن التشقيق و التقسيم ورد في القرآن كما في سورة الواقعة (1)، و في الأحاديث كثيرا كما في موثق ابن بكير الوارد في لباس

ص: 198


1- و هي قوله تعالى كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ- الآية و كذا ما ورد في سورة الكهف في قصة خضر و موسى.

.....

______________________________

المصلي (1)، و غيره مما يراه الناظر شاليها بأول نظره.

و أما الخامس: فهو نحو اجتراء و ظلم بالنسبة إلى نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، حيث يفتخر على جميع الأنبياء بما تواتر منه: «أوتيت جوامع الكلم» (2)، فيبادر جمع في النبويات إلى الإسقاط و الطرح معللا بأنه نبوي، مع إن هناك قرائن كثيرة تدل على الوثوق بالصدور و لو إن الأعلام- رفع اللّه تعالى شأنهم- بذلوا جهدهم في أن يصححوا السند بالمتن لا العكس لما وقعوا في هذه المتاعب و المشاكل.

فتلخص: أن مؤلف الكتاب ثقة جليل و التأليف معتبر لا مغمز فيه.

ثمَّ ان ما ذكر فيه من حديث أقسام معايش العباد و تفصيل القول فيه الذي نقله في الوسائل و الحدائق مطابق للقواعد العامة و موافق للمجمع عليه بين الإمامية فهو معتبر من هاتين الجهتين أيضا.

و توهم إن الإجماع إنما هو على القواعد لا على الحديث.

مخدوش: بأن ظاهر الكلمات التمسك بنفس الحديث ساكتا عن القواعد.

كما أن توهم ان الشهرة ليست جابرة لضعف السند لو كان و على فرض الجبران، فهي شهرة القدماء لا المتأخرين مخدوش أيضا، لأن اتفاق جمع من أهل الخبرة بشي ء على الاعتماد عليه و اتفاق جمع من أهل الخبرة بشي ء على الاعراض عنه مما يوجب الاطمئنان بالاعتبار في الأول، و لا أقل من إيجاب الشك فيه في الثاني، و الظاهر كون ذاك في الجملة من الفطريات العقلائية، و لا فرق في هذه الجهة بين الشهرة القدمائية و المتأخرين بعد كون من تقوم به الشهرة من أهل الخبرة، و من النقاد و الحفظة هذا بعض ما يتعلق بكتاب تحف العقول.

ص: 199


1- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم حديث: 4، و في صحيح مسلم ج: 1 صفحة: 213 كتاب المساجد.

.....

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب البيع

اشارة

كتاب البيع

و هو: من أهم الأمور النظامية الابتلائية للإنسان منذ ظهوره على وجه الأرض إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، و لا يختص بزمان دون آخر و لا بمكان دون آخر بل يعم مشارقها و مغاربها على اختلاف الأمم و الأديان و لا بد من بيان أمور.

الأول: الفقه الإسلامي- بل فقه كل مذهب و ملة سماوي- إما أن يبحث عن بيان وظيفة الإنسان بينه و بين اللّه تعالى أو لا.

و الثاني: إما أن يبحث عن تنظيم الوظائف الفردية أو الاجتماعية أو لا، و الثاني إما متقوم بطرفين أو لا. و الأول هو العبادات و الثاني السياسيات و الثالث العقود و الرابع الإيقاعات، و قد بذل العقلاء بفطرتهم التي أودعها اللّه تعالى فيهم غاية جهدهم منذ عصور متوغلة في القدم في الوصول إلى هذه الأمور فلم يصلوا إليها إلا برسل إلهية و رسالات سماوية تكون لهم خير رفيق إلى هذا الطريق.

ثمَّ أن المعروف بين الفقهاء في تقسيم الفقه إنه إما عبادات، أو معاملات، أو أحكام- كالصيد و الذباحة و الأطعمة و الأشربة و الإرث و نحوها- أو سياسيات- كالحدود و الديات و القصاص و التعزيرات و نحوها- و قالوا: ان العبادات أقسام ثلاثة.

الأول: العبادات بالمعنى الأخص، و هي المتقومة بقصد القربة التي لا

ص: 200

.....

______________________________

تصح بدونها.

الثاني: العبادات بالمعنى الأعم، و هي تشمل كل ما يصح فيه قصد القربة فيخرج المكروه بالذات و المحرم، و تشمل العبادات بهذا المعنى جميع الفقه أي: العبادة الشأنية الاقتضائية.

الثالث: الأمور الحسبية التي تتقوم بأشخاص خاصة- كالقضاوة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر- و حيث انها تنظيم للبلاد و شؤون العباد بما شاء اللّه و أراد يصح أن تسمى عبادة من هذه الجهة.

كما إن المعاملات تطلق على معان ثلاثة.

الأول: ما لا يتقوم بقصد القربة فيشمل بهذا الإطلاق جميع أبواب الفقه إلا خصوص العبادات بالمعنى الأخص.

الثاني: ما يتقوم بالمتعاقدين فيختص بخصوص العقود فقط و لا تشمل الإيقاعات.

الثالث: كلما يحصل بالإنشاء الفعلي أو القولي فيشمل جميع العقود و الإيقاعات، و كل ذلك اصطلاح و لا مشاحة فيه قلّ أو كثر.

ثمَّ ان العقود إما إذنية- كالوديعة و العارية و الوكالة في الجملة- أو عهدية تنجيزية- كالبيع و الرهن و النكاح و نحوها- أو عهدية تعليقية- كالسبق و الرماية و الجعالة- أو من العهدية و الإذنية، كالإجارة فإنها بالنسبة إلى نقل المنفعة عهدية و بالنسبة إلى العين إذنية.

و أصل العقود متقومة بالعهد إلا أن له مراتب متفاوتة ادنيها الإذنية، و أعلاها التنجيزية اللازمة و ما بينهما متوسطات. و من قال: إن العقد هو العهد المؤكد أراد المرتبة الكاملة من العهد دون مراتبه الدانية المشتركة معها في مطلق العهدية.

الثاني: موضوعات الأحكام إما أمور تكوينية، أو تعبدية صرفة أو عرفية، أو من الموضوعات المستنبطة، و قد يكون من الأمور المركبة من الوجدان

ص: 201

.....

______________________________

و الأصل و جل موضوعات المعاملات بل كلها من القسم الثالث لأنها كانت معهودة بين الناس فوردت الشريعة عليها ثمَّ حددها بحدود و قيود، و لذا جرت سيرة الفقهاء على التمسك بالعمومات و الإطلاقات فيها ما لم يثبت الردع عنها شرعا إلا إذا كانت مشكوك الصدق عند العرف فلا يصح التمسك بها حينئذ.

الثالث: ما له التحقق الواقعي أقسام أربعة.

الأول: الذات الواجب بذاته تعالى و تقدس الذي هو عين الواقع و حقيقته.

الثاني: ما يكون في ذاته و بغيره كالجواهر بأنواعها من الروحاني و الجسماني فإنها موجودات مستقلة فتكون بذاتها و حيث إن لها علة فتكون بغيرها.

الثالث: ما يكون في غيره و بغيره كالأعراض بأقسامها، حيث إنها تحتاج إلى المعروض فتكون في غيرها و لها علة فتكون بغيرها.

الرابع: الاعتباريات التي تقوم بها النظام و لها واقعية اعتبارية، و ليست من الجواهر لعدم الاستقلال في تحقق ذواتها في الخارج، و لا من الاعراض لعدم تقومها بالموضوع، فهي برزخ بين الجوهر و العرض فمن حيث عدم التقوم بالموضوع تشبه الجوهر، و من حيث عدم التحقق الخارجي الاستقلالي تشبه العرض، فهي متحققة بالغير لاحتياجها إلى العلة و متحقق في ذاتها أي: في الاعتبار لا في الذات حتى تكون كالجواهر، و جميع الأحكام التكليفية و الوضعية من هذا القبيل على ما يأتي من الشرح و التفصيل.

و بضميمة المعاني الربطية التي أثبتناها في الأصول التي هي في الغير و بالغير و للغير تصير الأقسام خمسة، و لكن ليس لها تحقق استقلالي و كلامنا فيما له التحقق الاستقلالي و لو اعتبارا.

إن قيل: هذا مخالف لما ثبت في فن المعقول من عدم إمكان خروج ممكن من الممكنات عن إحدى المقولات فالقول بتحقق الاعتباريات باطل.

ص: 202

.....

______________________________

يقال: إن قولهم صحيح في الموجودات الحقيقية دون الاعتبارية، و هي خارجة عن مورد بحثهم مطلقا.

الرابع: جميع المنشئات من العقود و الإيقاعات لها جهتان.

الأولى: جهة الإضافة إلى المنشئ (بالكسر)، و من هذه الجهة تكون من الأعراض كالكيف المسموع إن كان الإنشاء قوليا أو الفعل إن كان فعليا فيما يصح الإنشاء بالفعل كالمعاطاة مثلا، و من حيث نفس الإنشاء القائم بالنفس يكون كيفا نفسانيا، و يصح أن تكون من مقولة الإضافة أيضا لأنها تصاحب عامة المقولات.

الثانية: جهة الإضافة إلى المنشإ (بالفتح) تكون من الاعتباريات، و لا بأس بأن يجتمع في شي ء واحد مقولات شتى و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فمن يقول بأنها من مقولة الإضافة أراد الجهة الأولى، و من يقول بأنها من مقولة الكيف أراد الجهة الثانية فراجعها فإنها مشوشة كما لا يخفى.

الخامس: لا ريب في أن الألفاظ موضوعة لطبيعي المعنى فقط بلا دخل لأنحاء الوجودات و آثارها فيه أبدا، فإنها تدور مدار العلل الخارجية و مقتضياتها و هي خارجة عن إرادة الواضع و عن خصوصيات الوضع، و لا ربط له بها و على هذا فطبيعي مفهوم البيع شي ء، و البيع باعتبار وجوده الإنشائي شي ء، و البيع باعتبار تعقّب القبول و تمامية الأثر شي ء آخر، و حينئذ فمن يقول باعتبار تعقب القبول في البيع لأنه المتبادر منه و لعدم صحة السلب عنه، فإن أراد ذلك بحسب الوجود الخارجي و مقام الفعلية فلا اشكال فيه، و هو متفق عليه بين الكل و هو المتبادر منه لهذه الجهة. و لا يصح السلب منه أيضا، و أما إن أراد ذلك بحسب مقام ذات طبيعي البيع من حيث هو مفهوم خاص في مقابل سائر المفاهيم، فلا ريب في عدم اعتبار ذلك، لانسلاب جميع الخصوصيات عن المفاهيم في مرتبة الوضع كما هو معلوم.

و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فمن يقول باعتبار تعقب القبول فيه

ص: 203

.....

______________________________

أي: من حيث الوجود الخارجي و مقام الأثر، و عليه لا فرق بين تعقب القبول و سائر الشرائط المعتبرة في ترتب الأثر. و من يقول بعدم الاعتبار أي: بلحاظ المفهومية من حيث هي.

نعم، لو كان مفهوم البيع في مرتبة ذاته متقوما بالغير كالإضافيات المحضة لكان له وجه، و لكنه ليس كذلك.

و خلاصة الكلام: إن للإيجاب مراتب متفاوتة كما أن لتعقب القبول أيضا كذلك.

الأولى: صدور الإيجاب لغوا و عبثا بلا قصد جدي و لا إرادة حقيقية كما إذا قال لغوا: بعت داري بلا قصد الإنشاء و بلا قابل في البين أصلا و لم يقل أحد باعتبار تعقب القبول فيه.

نعم، ربما ينسبق إلى الذهن القبول من جهة الأنس الذهني بالإيجاب و القبول الحقيقي الخارجي، و لكنه ليس من التعقب الحقيقي، بل عبور ذهني من جهة أنسه بما في الخارج فيكون كالأخبار بإيجاب البيع كذبا مع علم المخاطب بأنه كاذب، ففرض تعقب القبول حينئذ عبوري ذهني لا أن يكون حقيقيا خارجيا.

الثانية: ما إذا ثبت القصد الجدي في الإيجاب و إنشائه مع عدم قابل في البين و لا وجود شرائط النقل و الانتقال لا العرفي منها و لا الشرعي، و هذه الصورة كالصورة الأولى لا وجه لتعقب القبول مع الالتفات إلى ذلك إلا بنحو ما تقدم من العبور الذهني الغير المستقر.

الثالثة: ثبوت القصد الجدي إلى الإيجاب و إنشائه و وجود القابل و قبوله مع تحقق الشرائط العرفية للنقل و الانتقال دون الشرعية، و لا ريب في تحقق المرتبة من مراتب التعقب بالقبول حينئذ كما لا ريب في عدم تحقق المرتبة الحقيقية الواقعية شرعا.

الرابعة: عين الصورة الثالثة مع تحقق الشرائط الشرعية أيضا، و لا ريب

ص: 204

.....

______________________________

في تحقق التعقيب بالقبول من كل جهة و ثبوت الأثر كذلك، و حينئذ فإن أراد من يقول بأن البيع عبارة عن الإيجاب المتعقب بالقبول ترتب الأثر الشرعي أي:

الملكية الاعتبارية الحاصلة بالعقد، فلا ريب في أنه أخص من مطلق تعقب القبول، فلا وجه لقوله من هذه الجهة و إن أراد مجرد تعقب القبول و لو بنحو العبور الذهني و من دون حصول الملكية الاعتبارية و النقل و الانتقال الخارجي فهو حق في الجملة، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات أيضا، فراجع و تأمل و إن بعد عن ظواهر بعضها.

السادس: مما تعارف بين الناس الملك، و الحق، و الحكم فيرون لأنفسهم ملكا و فيما بينهم حقوقا و في شريعتهم حكما، و لا اختصاص لذلك بملة الإسلام بل يعم جميع الأنام، و الملك من البديهيات في وجدانهم، فيرونه إنه الاستيلاء و السلطة المطلقة على المملوك.

و في مورد الحق يرون نحوا من الاستيلاء و السلطة أيضا، فيكون الفرق بينه و بين الملك بالشدة و الضعف.

و ما يقال: من أنه لا فرق بين الحق و الحكم إلا بالاعتبار فلا يكون التقسيم ثلاثيا بل يكون ثنائيا، الملك و الحكم مخالف لوجدان الناس و استعمالات الفقهاء، كما سيأتي.

و أما الحكم فلا يرون فيه الاستيلاء و السلطة أبدا و لو بأضعف أنحائه، و إنما هو ترخيص محض من الحاكم بالنسبة إليه، فيقولون: هذه أراضي لا أبيعه إلا بثمن كذا- مثلا- لأنه ملكي، و هذا المكان حقي لأن فيه رحلي، و لي أن أصلي في هذا المكان- مثلا- لأن اللّه أباح لي ذلك، و الأول: مثال الملك، و الثاني: مثال الحق، و الأخير: مثال الحكم.

ثمَّ انّه كل حق قابل للإسقاط و النقل إلا ما خرج بالدليل، للسيرة العقلائية على ذلك و إرسال الفقهاء له إرسال المسلمات، و كل حكم لا يقبل الاسقاط و النقل مطلقا، للإجماع، و لعدم كونه تحت اختيار المكلف.

ص: 205

.....

______________________________

و يمكن أن يكون نفس الحق غير قابل للنقل و الانتقال و الاسقاط، و لكن باعتبار متعلقه يقبل ذلك كله، و قد تقدم في أحكام الأموات (1)، بعض الكلام و يأتي في الموارد المناسبة إتمام المقال.

و أما لو شك في شي ء إنه حكم أو حق، أو كان شي ء ذو جهتين فمقتضى الأصل عدم سقوطه بعد ثبوته و عدم تحقق النقل و الانتقال بالنسبة إليه، و لا يصح التمسك بالعمومات و الإطلاقات، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

نعم، لو علم قابليته للنقل و الانتقال و الاسقاط.

عرفا و شك في ذلك شرعا، فتشمله العمومات و الإطلاقات لتنزلها على العرفيات، فالموضوع محرز حينئذ.

السابع: الملكية الاعتبارية التي يقوم بها النظام.

تارة: يحصل بلا إرادة و اختيار كما تحصل بالإرث بموت المورّث.

و أخرى: تحصل بأمر قصدي قائم بشخص واحد- كالملكية الحاصلة بالحيازة في المباحات الأصلية.

و ثالثة: تحصل بسبب قصدي ينتسب به إلى تمليك الغير بلا احتياج إلى المطاوعة و القبول، كالملكية الحاصلة بالوصية بناء على عدم اعتبار القبول فيها.

و رابعة: تحتاج إلى المطاوعة و القبول كما تحصل في البيع و نحوه، فالملكية واحدة و إن اختلفت أطوارها و شؤونها. و لها أيضا أقسام أخر من الاستقلالية، و التبعية، و الطلقية، و المحجورة بأسبابها التي يأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى.

الثامن: العقود الناقلة بين الناس ثلاثة لا رابع لها، ناقل العين، و ناقل المنفعة، و ناقل الانتفاع.

و الأول: إما بيع، أو هبة، أو صلح، أو قرض و سيأتي تعريف البيع و إن

ص: 206


1- راجع ج: 3 صفحة: 387.

.....

______________________________

العوض مأخوذ في قوامه و تحققه، و أما الهبة فهي متقومة بالمجانية عند المتعارف من الناس و ظاهر الفقهاء أيضا ذلك، و العوض في الهبة المعوضة شرط خارج عن قوامها فهي مباينة مع البيع من هذه الجهة، و الصلح متقوم بالتسالم و العوض خارج عن حقيقته فيختلف عن البيع و الهبة. و أما القرض فهو: تمليك بالضمان مثلا أو قيمته، فهو أيضا مخالف مع الجميع.

و أما الثاني: فهو الإجارة و المساقاة و المزارعة بأنواعها كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، لأنهما إما إجارة النفس للعمل أو إجارة الأرض أو الشجر للعمل فيهما، و يمكن إدخال النكاح في الإجارة أيضا، و قد ورد في المنقطع «انهن مستأجرات» (1). و في الدائم و إن ورد «إنما يشتريها بأغلى الثمن» (2)، و لكن لا بد من حمله على بعض المحامل فللإجارة أنواع، النكاح الدائم و المنقطع من أحديها.

و الأخير: هو العارية و يأتي تفصيل ذلك كله في محله إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إن المتعارف بين الناس في البيع، بل في مطلق المعاوضات ان التقابل بين المالين، إلا أن في البيع يكون ذلك من قوام ذاته، و في غيره يكون من الشرط الخارج عنه.

و لكن الشقوق العقلية أربعة: كون التقابل بين المالين، و كونه بين الفعلين، و كونه بين الفعل و المال أو العكس، و الظاهر بل المعلوم إن الفعل طريق إلى المال، لا أن يكون له موضوعية خاصة في مقابل المال فيرجع جميع الأقسام إلى القسم الأول.

التاسع: المشهور بين الفقهاء إن ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيحة فأشكل عليه.

أولا: بأن نزاع الصحيح و الأعم إنما هو في المجعولات الشرعية

ص: 207


1- الوسائل باب: 4 من أبواب المتعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1.

.....

______________________________

و المعاملات إمضائية لا شرعية حتى يجري فيه النزاع المعهود.

و ثانيا: إنه لا يصح التمسك بالإطلاقات و العمومات على هذا، لكونها مجملة بناء على الصحيح، لأن له مراتب شتى و لم يعلم أي مرتبة فيها أريد، فلا وجه للتمسك بها حينئذ، مع إن بناء الفقهاء على التمسك بها مطلقا.

و الحق إن أصل هذا النزاع و الإشكال ساقط.

أما الأول: فلأنه المراد بالصحيح: الصحيح الاقتضائي لا الفعلي من كل جهة فيجامع الأعم أيضا.

و أما الثاني: فلأنه ليس النزاع مختصا بالمجعولات الشرعية بل مورده المستعملات الشرعية أعم من التأسيسية و الإمضائية، مع انّا قد أثبتنا في محله من إنه لا تأسيس للشارع في الألفاظ مطلقا، و على فرض صيرورة الألفاظ مجملة بناء على الصحيح لا يضر بالتمسك بها لأنه إجمال واقعي، و لا يضر ذلك بكونها مبينة عند العرف فهي من حيث كونها مبينة عند العرف تكون مورد الأدلة الشرعية، فكل صحيح عرفي صحيح شرعي إلا ما خرج بالدليل الخاص و كل ما صدق عليه البيع- مثلا- عند العرف صح التمسك بإطلاق دليله أيضا لتنزل الأدلة على العرفيات مطلقا.

نعم، لو شك في الصدق العرفي لا وجه للتمسك بها حينئذ، و لا فرق بعد ذلك كله بين كون الألفاظ مستعملة في الأسباب أو في المسببات، و ذلك لمكان الاتحاد العرفي بينهما.

العاشر: مقتضى الوجدان إن في كل عقد جهات ثلاثة.

الإيجاب و القبول القائم بالمتعاقدين من حيث صدور كل منهما مستقلا من الموجب و القابل، و العهد و العقد الذي يكون مظهرا للإيجاب و القبول خارجا، و العنوان البسيط الاعتباري الذي هو الأثر لذلك كله. و المسبب عن جميع ذلك و هو البيع، و الصلح، و الهبة، و النكاح إلى غير ذلك.

و هذه الجهات الثلاثة.

ص: 208

.....

______________________________

تارة: تلحظ مستقلا و مع قطع النظر في كل واحد منها عن الآخر.

و أخرى: تلحظ المجموع من حيث المجموع و لكل واحد من هذين اللحاظين آثار و أحكام يأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى. و نسبة العنوان البسيط إلى كل واحد من الإيجاب و القبول و العقد نسبة الأثر التوليدي إلى مؤثرة عند اجتماع شرائط التأثير، كاجتماع شرائط التأثير في الأفعال و الشرائط الوضوئية و الغسلية في حصول الطهارة، و ما كان له هذا العرض العريض و هذه الجهات و الملاحظات فلو عرّف من بعض جهاته لا وقع لتكثير الاشكال عليه مع إن هذه التعريفات من شرح الاسم و من جهة لا من كل جهة، و قال في الجواهر و نعم ما قال رحمه اللّه: «لم نجد فيما وصل إلينا من كتب الأصحاب تعريفا له جامعا مانعا».

الحادي عشر: المتعارف في البيوع مطلقا كون المبيع عينا، و عليه إجماع الفقهاء أيضا فقالوا: إن البيع لنقل الأعيان بل جعلوه الأصل في ذلك، و الإجارة لنقل المنفعة، و العارية لنقل الانتفاع، و المراد بالعين هنا في مقابل المنفعة و الحق فتشمل العين الشخصية الخارجية و الكلي المشاع و الكلي في العين كصاع من صبرة و الكلي الذمي و الدين، و يأتي تفصيل كل ذلك إن شاء اللّه تعالى في محله، و لو أطلق البيع على بيع المنفعة يكون بنحو من المجاز و العناية.

و أما العوض فيصح بكل ما له غرض صحيح غير منهي عنه شرعا- منفعة كان أو حقا أو شيئا آخر- سواء كان قابلا للنقل و الانتقال أو الإسقاط أو لا، كما لو باع شخص شيئا لزيد بعوض أن يصلي زيد فرائضه اليومية، مثلا، و حيث أن في العوض غرض عقلائي صحيح يصح و يصدق عرفا البيع فتشمله الإطلاقات و العمومات قهرا، و لا مانع في البين من إجماع أو نص، أو شاهد عقلي، كما يصح أن يكون العوض حقا قابلا للنقل أو للإسقاط و إن لم يقبل النقل.

الثاني عشر: البيع ينحل إلى أمور خمسة: الإنشاء القائم بالطرفين قوليا كان أو فعليا على ما سيأتي تفصيله، و المبادلة الحاصلة بينهما، و الملكية

ص: 209

.....

______________________________

الحاصلة لهما، و الالتزام النوعي منهما على التسليم و التسلم، و حق الامتناع عند امتناع الآخر و كل التزام بيعي يشتمل على هذه الأمور عند العقلاء كافة، و إذا نظرنا إلى الأثر الحاصل من تلك الأمور يكون بسيطا، و إذا نظرنا إلى نفس هذه الأمور يكون مركبا فيصير النزاع في البساطة و التركب لفظيا لا معنويا، و يكفي فيها عدم ثبوت الردع عنها شرعا في هذا الأمر العام البلوى، و قد ورد التقرير بأنحاء شتى يأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى، و من أراد تعريف البيع بالحد الجامع لا بد له و إن يأتي بما يشمل على تمام هذه الجهات، و لم أر في تعريفاتهم ما يشمل عليها فيعلم من ذلك أن مرادهم مجرد الإشارة الإجمالية إلى خاصة من خواصه فقط، و منه يعلم سقوط جملة كثيرة من الإشكالات في المقام.

الثالث عشر: البيع متقوم عرفا بتبديل الملكية و المالية بحسب الغالب و بينهما تلازم عرفا، و إن كان الفرق بين المال و الملك بحسب الدقة بالعموم من وجه فقد يجتمعان- كدارنا و ثيابنا و كتبنا مثلا- و قد يكون الشي ء مالا من دون أن يكون ملكا كالكلي قبل الاستقرار في الذمة، و المباحات قبل الحيازة، و عمل الحر قبل وقوع المعاوضة عليه، فحيثية المالية و صف بحال الذات و ينتزع من الشي ء باعتبار كونه مما يميل إليه النوع و يبذل بإزائه المال، و قد يكون ملكا من دون أن يكون مالا كحبة من الحنطة و الشعير، و شعرة من الغنم و البعير، فالملكية من قبيل الوصف بحال المتعلق فينتزع من الشي ء باعتبار الإضافة الوجدانية و الاستيلاء.

الرابع عشر: لفظ الشراء من الأضداد فيطلق على فعل البائع المعبر عنه في الفارسية ب (فروختن)، و على فعل المشتري المسمى ب (خريدن)، و من الأول قوله تعالى وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ (1)، و من الثاني قوله تعالى:

ص: 210


1- سورة يوسف: 90.

البيع: جعل عين بإزاء عوض (1).

______________________________

إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (1)، و لكن الغالب استعمال البيع في فعل البائع، و الشراء في فعل المشتري إلا مع القرينة على الخلاف.

الخامس عشر: للعقود مطلقا شروط عامة لنفس العقد، و للمتعاقدين، و للعوضين، و شروط خاصة تختص ببعض العقود بالخصوص، و كذا للإيقاعات شروط عامة و لبعضها شروط خاصة، و نحن نتعرض للشرائط العامة لجميع العقود هنا (في البيع) و إذا وصلنا إلى العقود الأخر نحيلها على المقام، كما إنا نذكر الشروط العامة للإيقاعات في الطلاق إن شاء اللّه تعالى، و نحيل البقية عليه و من اللّه الاعتصام.

(1) التعاريف المذكورة لموضوعات الاحكام إنما هي من مجرد شرح اللفظ فقط و الإشارة الإجمالية إلى المقصود و ليس من الحدّ الحقيقي الواقعي في شي ء، و ربما يكون ما هو المغروس في الذهن من معانيها أعرف عند الناس مما قيل في تعريفها، فلا وجه لتطويل النقض و الإبرام بالنسبة إليها، و لكن نعمّا قيل إنه: لا يصل الإنسان إلى ما يغني إلا بصرف العمر فيما لا يغني، و قد اتفق أهل فن المعقول إن الإشكال على الشروح الاسمية ما لا ينبغي بالنسبة إلى العلماء خصوصا المهتمين منهم بأوقاتهم، فلا وجه للإشكال على ما ذكروا في تعريف البيع و نحوه بعد صحة كونه إشارة إلى المعنى المعهود في الأذهان.

و قد عرّف الفقهاء البيع بتعريفات مختلفة فعن جمع منهم الشيخ الطوسي رحمه اللّه إنه: «انتقال عين من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي»، و عن آخرين أنه: «الإيجاب و القبول الدالين على الانتقال»، و عن المحقق الثاني إنه: «نقل العين بالصيغة المخصوصة»، و عن الشيخ الأنصاري أنه:

ص: 211


1- سورة التوبة: 111.

.....

______________________________

«إنشاء تمليك عين بمال».

و الكل مخدوش. أما الأول: فلأنه نتيجة البيع لا البيع من حيث إنه فعل البائع. إلا أن يقال: إنه يدل على فعل البائع بالملازمة العرفية، و هذا المقدار يكفي في تعريفه.

و أما الثاني: فلأن الإيجاب و القبول من سنخ الألفاظ و البيع من المعاني الاعتبارية إلا إن يقال: أن ذكر الإيجاب و القبول من باب الطريقية للمعنى المعهود لا الموضوعية.

و أما الثالث: فلأنه لا يشمل المعاطاة مع أن عامة البيوع منها إلا أن يقال:

إن الصيغة المخصوصة من باب الطريقية لكل ما تحصل به المعاهدة البيعية لا الموضوعية الخاصة، فتشمل المعاطاة أيضا المتحققة بالفعل.

و أما الأخير: فلفظ الإنشاء و التمليك و المال من التطويل بلا طائل لأن البيع «جعل عين بإزاء عوض» سواء كان بعنوان التمليك أو لا، و سواء كان العوض مالا أو لا، كما سيأتي الوجه في ذلك.

ثمَّ ان عناوين العقود مختلفة لغة و عرفا و شرعا، فالبيع- كما تقدم- هو «جعل عين بإزاء عوض»، و الصلح هو «التسالم»، و الهبة: متقومة بالمجانية و الإجارة متقومة بالتعاوض على المنفعة كما تقدم، فلا وجه لنقض بعضها مع بعض مع اتفاق التصادق الموردي في الجملة، كالصلح بعوض و الهبة المعوضة، و الإجارة إذا كان العوض عينا حيث إنها حينئذ تمليك عين من طرف المستأجر بمال هو المنفعة لأن التصادق الموردي في الجملة لأمور خارجية لا يوجب الاتحاد في الحقيقة في الاعتباريات المختلفة بحسب الاعتبار لدى العرف، و هو مما لا بد منه في الأمور الاعتبارية بلحاظ العوارض الخارجة عن ذاتها، فلا نقض بما ذكر على تعريف البيع بما ذكرناه، و ما ذكره شيخنا الأنصاري رحمه اللّه.

كما إنه لا ريب في أن العوض خارج عن حقيقة الهبة لتقومها بالمجانية- كما تقدم- و لكنه يتصور على وجوه.

ص: 212

.....

______________________________

الأول: شرط التعويض بمال- كأن يقول وهبتك هذا بشرط أن تعطيني كذا.

الثاني: شرط فعل الهبة- كأن يقول وهبتك هذا بشرط أن تهبني كذا.

الثالث: شرط النتيجة- كأن يقول وهبتك هذا بشرط أن يكون مالك الفلاني لي.

و الكل صحيح إلا الأخير، فإنه مبني على صحة شرط النتيجة و يأتي تفصيله في للشروط.

بقي هنا شي ء: و هو أنه هل يعتبر في مورد البيع التمليك و التملك و يكون ذلك من مقوماته بحيث لو انتفى ذلك لا يكون من البيع مطلقا، أو انه ليس البيع إلا جعل شي ء بإزاء شي ء بالنحو المعهود في الأذهان، سواء كان من التمليك أو التملك أو لا؟ ظاهر الكلمات هو الأول و لا ريب في انه الغالب فيه، و لكن لا دليل لهم من عقل أو نقل على انه من مقوماته، مع أن هناك موارد كثيرة قالوا فيها بصحة البيع، و جرت سيرتهم الفتوائية عليها و يصعب التزام الملكية فيها، كما إنه لا وجه فيها للتأويل.

منها: بيع العبد ممن ينعتق عليه إذ الملكية ممتنعة، و لا فرق فيه بين الزمان القليل و الكثير، كما لا وجه للملكية الفرضية لأن فرض الممتنع بعيد عن شأن العلماء بل العقلاء، و كما وجه للالتزام بالملك الحقيقي آنا ما و لا للملك الحكمي. و أما حديث لا عتق إلا في ملك (1)، فالمراد به التسلط على العتق و هو يحصل بجعل المشتري الثمن الخاص بإزاء العبد، و لا تحتاج إلى أزيد منه مع بناء العتق على التغليب مهما أمكن الطريق إليه، و قد أتعبوا في ذلك أنفسهم لأجل ذهابهم إلى مبنى لا دليل عليه.

و منها: بيع الدين على من هو عليه بناء على عدم تصور ملك الإنسان لما في ذمته، و لأجله يسقط.

ص: 213


1- الوسائل باب: 5 من أبواب العتق حديث: 16.

مسائل في البيع

مسألة 1: عقد البيع يحتاج إلى إيجاب و قبول

(مسألة 1): عقد البيع يحتاج إلى إيجاب و قبول (2) و يكفي كل لفظ

______________________________

و فيه: إنه لا محذور في ملك الشخص لما في ذمته لأن المالك و المملوك متغايران واقعا و اعتبارا، و تكون نتيجة ذلك وفاء الدين و سقوطه، و التغاير الاعتباري يكفي في ذلك فضلا عن الواقعي.

و منها: اشتراء آلات المسجد و القنطرة- مثلا- من الزكاة أو من غلة العين الموقوفة فإنه ليس فيه تمليك و لا تملك.

و منها: البيع بإزاء سقوط الحق و ليس فيه تملك بناء على أن الحق سلطنة فعلية، و لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد كما يظهر ذلك من الشيخ رحمه اللّه.

و لكنه مخدوش: بأن قيام طرفيها بشخص واحد مع الوحدة الوجودية من كل جهة لا يعقل، و أما مع التعدد الاعتباري و كفاية ذلك في الاعتباريات فلا ريب في الصحة، مع أن بناء الفقهاء على كفاية التعدد الاعتباري في جملة من الموارد كما سيأتي.

و تلخيص المقام ان اعتبار التمليك و التملك في البيع إن كان باعتبار الغالب فهو حق لا ريب فيه، و إن كان بلحاظ الذات و الحقيقة فلا يمكن إقامة الدليل عليه، بل الأصل و الإطلاق ينفيه فحقيقة البيع كما تقدم: «إنما هو جعل شي ء بإزاء شي ء»، أو «اعتبار عوض للعين بنحو خاص، أو تبديل العوض بالعين».

(2) بالضرورة من المذهب إن لم يكن من الدين، و لأصالة عدم النقل و الانتقال إلا بذلك بعد عدم شمول الإطلاقات و العمومات من جهة الشك في الصدق العرفي بدون المبرز الخارجي، بل لا شك في عدم الصدق عرفا، لأن البيع كسائر المقاصد العقلائية التي لا يكتفي فيها بمجرد الرضاء الباطني ما لم يكن مبرز خارجي في البين، و المبرز الخارجي إما لفظ أو فعل أو إشارة- كما في الأخرس- أو كتابة على ما يأتي من التفصيل في المسائل الآتية.

ص: 214

ظاهر في المعنى المقصود (3) كبعت، و ملكت و نحوهما في الإيجاب، و قبلت، و اشتريت، و رضيت، و ابتعت و نحوهما في القبول (4)، و كذا في جميع العقود فيكفي فيها أيضا الظهور في المعنى المقصود (5).

مسألة 2: لا يعتبر في عقد البيع العربية

(مسألة 2): لا يعتبر في عقد البيع العربية، بل يصح بكل لفظ حتى مع القدرة على العربية (6)،

______________________________

(3) للإطلاقات و العمومات، و اعتبار الظاهر مطلقا في المحاورات، و عدم الدليل على اعتبار الصراحة، بل مقتضى السيرة العرفية المحاورية عدم اعتبارها في إبراز المقاصد العقلائية التي منها العقود و الإيقاعات.

(4) لظهور كل ذلك في المعنى المقصود فتشملها الأدلة لا محالة، و لا فرق في الظهور بين كونه بحسب ذات اللفظ أو بقرينة لفظية، لصدق الظهور عرفا.

و دعوى الانصراف إلى خصوص الأول لا وجه له.

نعم، لو كان الظهور لأجل قرينة غير لفظية من حال أو غيره فلدعوى الانصراف وجه، و لكنه بصير من المعاطاة حينئذ إن حصل الفعل و يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(5) لوحدة الدليل الشامل للجميع.

(6) للإطلاقات و العمومات الشاملة لجميع اللغات، و عدم ورود تحديد من الشرع في ذلك.

و عن جمع اعتبارها مع الإمكان، للتأسي، و لعدم صدق العقد على غير العربي، و لأن عدم صحته بالعربي الغير الماضي يستلزم عدم الصحة بغير العربي بالأولى.

و الكل باطل. إذ الأول: لا وجه له لأن الموضوع ليس تعبديا حتى يتأسى فيه بصاحب الشرع، مع أن لهجته صلّى اللّه عليه و آله كانت عربيا، و ذلك لا يدل على اعتبار

ص: 215

و كذا لا يعتبر الماضوية فيصح بالمضارع أيضا (7)، و كذا لا يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة و الاعراب بعد الظهور العرفي في المعنى المقصود خصوصا في اللغات المحرفة عند سواد الناس، كأن يقول بعت- بفتح الباء، أو كسر العين، أو سكون التاء- (8).

مسألة 3: يجوز تقديم القبول على الإيجاب إذا كان بمثل اشتريت و ابتعت

(مسألة 3): يجوز تقديم القبول على الإيجاب إذا كان بمثل اشتريت و ابتعت (9)،

______________________________

العربية، و الثاني خلاف الوجدان، و الأخير ممنوع كبرى و صغرى.

(7) لإطلاق أدلة العقود و عموماتها، و ما ورد في بيع الآبق (1)، و اللبن في الضرع (2)، من الإيجاب بلفظ المضارع، و فحوى ما ورد في النكاح (3).

و نسب إلى المشهور اعتبار الماضوية لأن المستقبل أشبه بالوعد، و قصد الإنشاء به خلاف المتعارف، و الأمر استدعاء لا إيجاب.

و الكل مخدوش. أما الأول: فلفرض الظهور في الإنشاء الفعلي و لو بالقرينة، و كذا الأخير، و الظاهر أن هذا النزاع صغروي لا أن يكون كبرويا، و كذا النزاع في اعتبار جملة من مثل هذه الشروط فلا ينبغي البحث فيها.

(8) كل ذلك لأصالة العموم و الإطلاق، و عدم وصول تحديد خاص من الشرع في هذا الأمر العام البلوى، خصوصا مع اختلاف اللهجات اختلافا شتى و لا دليل على اعتبار عدم اللحن إلا الاقتصار على القدر المتيقن، و هو مردود مع وجود الإطلاقات و العمومات.

(9) لتحقق إنشاء تملك المبيع عرفا تقدم أو تأخر، فتشمله الأدلة لا محالة و لا يعتبر في القبول غير إنشاء التملك و الرضاء بفعل البائع، و الرضا يتعلق

ص: 216


1- الوسائل باب: 8 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 3.
3- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد.

.....

______________________________

بالمستقبل كتعلقه بالماضي و الحال، و كذا المطاوعة فإنها إن كانت اعتبارية تدور مدار صحة الاعتبار عند العرف، و لا إشكال في صحة الاعتبار لديهم.

نعم، في المطاوعة الخارجية كالكسر و الانكسار لا وجه للتقدم كما هو معلوم، لأنه من تقدم المعلول في الوجود الخارجي على علته.

و أما دعوى: ان المقام من قبل الإيجاب و الوجوب، فيصح التفكيك بينهما لا مثل الكسر و الانكسار حتى لا يصح.

ففيه: ان الإيجاب و الوجوب أيضا لا يمكن التفكيك بينهما إذا لو حظ الوجوب بالنسبة إلى الإيجاب في مرتبة واحدة كالوجوب الإنشائي بالنسبة إلى الإيجاب كذلك، مع انا قد أثبتنا في الأصول أن الوجوب إنما هو بحكم العقل و هو خارج عن المداليل اللفظية، و الإيجاب من طرف المولى إنما هو من إتمام الحجة من ناحيته فقط، فلا ربط فيهما بالمقام من هذه الجهة.

ثمَّ إنه يمكن ان يستدل على جواز تقديم القبول على الإيجاب أن جواز تقدمه في النكاح لورود النص به (1)، يدل على الجواز في غيره بالفحوى.

و عن جمع عدم الجواز، للإجماع، و لأن القبول فرع الإيجاب و الفرع لا يتقدم على الأصل، و الإطلاقات منزلة على المتعارف و هو تقديم الإيجاب على القبول.

و الكل مخدوش.

إذ الأول: لا وجه له في مثل هذه المسألة الخلافية.

و الثاني: عين الدعوى، مع انه لا يصح في الموجودات التأصلية الخارجية دون الاعتبارية التي تدور مدار الاعتبار كيفما اعتبر.

و الأخير: بأن التعارف من باب الغالب لا التقييد، فالمقتضي لصحة التقديم موجود و المانع عنه مفقود.

ص: 217


1- الوسائل باب: 1 من أبواب عقد النكاح.

و كذا إن كان بمثل قبلت و رضيت (10)، و لكن الأحوط المنع فيهما (11)، و يصح أيضا إن كان بنحو الأمر و الاستيجاب، كما إذا قال: من يريد الشراء: بعني هذا الشي ء بكذا، و قال البائع: بعتك بما قلت (12)

______________________________

(10) لعين ما تقدم في السابق من غير فرق، و استدل للمنع فيه- مضافا إلى ما مر مع رده- بأن معنى رضيت و قبلت إن شاء نقل المال في الحال إلى الموجب على وجه العوضية، و هو لا يتحقق إلا مع التأخر عن الإيجاب و إن تحقق مجرد الرضاء به، و لكن معنى رضيت و قبلت أخص من مجرد الرضاء.

و فيه: إن القبول بأي لفظ كان يشتمل على أمور أربعة.

الأول: نفس اللفظ من حيث هو لفظ صادر عن القابل، و لم يقل أحد بلزوم تأخره عن الإيجاب، لأن مورد البحث المعنى القائم به لا نفس اللفظ من حيث هو.

الثاني: الرضاء المكشوف عنه، و لا ريب في صحة تعلقه بالمتأخر كتعلقه بالمقارن و الماضي.

الثالث: المطاوعة الحاصلة منه و قد تقدم أن المطاوعة الاعتبارية تدور مدار صحة الاعتبار، و لا إشكال في صحته.

الرابع: الانتقال الفعلي على وجه العوضية، و لا ريب في صحة اعتباره أيضا لتباني المتعاقدين على ذلك تبانيا جزميا فعليا، و ليست العقود الا ارتباطات و تباينات عرفية ما لم يثبت الردع عنها شرعا، و لا يثبت الردع بمثل ذلك، و مجرد عدم المعهودية لا يكون ردعا بعد الإطلاقات و العمومات الشاملة للأفراد الشائعة و النادرة.

(11) خروجا عن مخالفة جمع بل مخالفة شبهة الإجماع.

(12) لما مر في سابقيه من غير فرق و أشكل فيه من وجهين.

ص: 218

و ان كان الأحوط فيه اعادة القبول (13).

مسألة 4: يعتبر الموالاة بين الإيجاب و القبول

(مسألة 4): يعتبر الموالاة بين الإيجاب و القبول (14) و المراد بها عدم الفصل الطويل بينهما بما يخرجهما عن عنوان العقد و المعاقدة عند العرف (15)، و لا يضر الفصل بحيث يصدق معه أن هذا قبول لذلك الإيجاب (16).

______________________________

الأول: عدم الماضوية.

و فيه: ما مر من إنه لا دليل على اعتبارها من عقل أو نقل.

الثاني: عدم كشفه عن الرضاء الفعلي.

و فيه: إنه خلاف الفرض و الوجدان.

(13) خروجا من خلاف من منع عن تحقق القصد بهما، و إن كان لا دليل عليه.

(14) لأن لكل عقد و عهد بين شخصين نحو وحدة عرفية اتصالية عرفية تزول تلك الوحدة بتخلل ما ينافيها في البين، مضافا إلى السيرة المستمرة بين العقلاء خلفا عن سلف، و لم يثبت الردع عنها.

فإن قيل: إن الإطلاقات يكفي في الردع.

يقال: مع بناء العقلاء على التحفظ على الوحدة العرفية، كما في إبراز سائر مقاصدهم العقلائية المتقومة بين شخصين لا وجه للتمسك بالإطلاق لتنزلها على المألوف بينهم، فإما أن نعلم بعدم الصدق أو الشك فيه، و على أي تقدير لا وجه للتمسك بها في نفيها، كما في سائر الموارد التي تعتبر فيها الموالاة من العرفيات و المجاملات و العبادات.

(15) لأن ذلك هو المنساق منها عرفا في العقد، و مثله مما يقوم بالطرفين كسائر مكالماتهما العرفية و المجاملات الدائرة بينهما التي يلتزمون على حفظ الوحدة الاتصالية فيها، و يستنكرون على من يخالف ذلك.

(16) لأصالة بقاء الوحدة الاتصالية مع عدم حكم العرف بانقطاعها.

ص: 219

مسألة 5: يعتبر في العقد التطابق بين الإيجاب و القبول

(مسألة 5): يعتبر في العقد التطابق بين الإيجاب و القبول، فلو اختلفا- بأن أوجب البائع البيع على وجه خاص من حيث المشتري أو المبيع أو الثمن أو توابع العقد من الشروط، و قبل المشترى على وجه آخر- لم ينعقد (17).

مسألة 6: لو قال البائع: بعت هذا من موكلك، فقال الوكيل: اشتريته لنفسي لم ينعقد

(مسألة 6): لو قال البائع: بعت هذا من موكلك، فقال الوكيل: اشتريته لنفسي لم ينعقد (18)، و لو قال بعت هذا من موكلك، فقال: الموكل الحاضر

______________________________

(17) لاختلاف الأغراض المعاملية باختلاف خصوصيات العوضين و المتعاوضين و سائر الجهات و الخصوصيات، و للسيرة المستمرة العقلائية في جميع الملل و الأديان و الأمكنة و الأزمان على التحفظ على ذلك، بحيث يستنكر خلافه و يعد مستهجنا في المحاورات المعتبرة، و لا يكون من العقد الصحيح لديهم، و الأدلة الشرعية وردت على طبق ذلك أيضا، مع إن القبول عنوان المطاوعة للإيجاب، و مع المخالفة لا تتحقق المطاوعة.

ثمَّ انه إما إن تصدق المطاوعة أو يصدق العدم أو يشك في الصدق و عدمه، و يصح العقد في الأول فقط دون الثاني لعدم الصدق و كذا الأخير، لعدم جواز التمسك بالأدلة مع الشك في الموضوع.

نعم، لو رضيا مستأنفا بذلك بعقد لا حق أو بمجرد التعاطي يصح، و لكنه خلف الفرض.

ثمَّ إن المطابقة على أقسام: المسامحة العرفية و الدقة العرفية، و الدقة العقلية و ليس المدار على الأخير قطعا، بل الأمر يدور بين الأولين، و بذلك يمكن أن يرفع النزاع عن جملة من الموارد من القول بعدم الصحة و القول بها.

(18) لعدم تحقق المطاوعة في القبول من كل جهة، و عدم حكايته لتمام الإيجاب، و مجرد أن الوكيل كان طرف الخطاب لا يصحح المطابقة في انطباق عنوان المشتري المصرح به في إيجاب البائع عليه.

ص: 220

الغير المخاطب. قبلت، يصح حينئذ (19)، و لو قال بعتك هذا بكذا، فقال:

اشتريت لموكلي، فإن كان الموجب قصد وقوع البيع للمخاطب من حيث هو و بنفسه لم ينعقد (20)، و أما إن كان قصده أعم من كونه أصيلا أو وكيلا أو نائبا صح العقد (21).

مسألة 7: لو قال: بعتك هذا بألف، فقال: اشتريت بعضه بألف أو بخمسمائة لم ينعقد

(مسألة 7): لو قال: بعتك هذا بألف، فقال: اشتريت بعضه بألف أو بخمسمائة لم ينعقد (22) و لو قال: اشتريت كل نصف منه بخمسمائة،

______________________________

نعم، لو كان المراد بقوله: «من موكلك» كل من صرح بالقبول مباشرة أو تسبيبا يصح حينئذ، لأن المخاطب على هذا إنما هو العنوان لا الشخص، و بذلك يمكن أن يجمع بين قول من قال بالصحة و من قال بالبطلان.

(19) لأنه لا موضوعية للوكيل من حيث هو و إنما هو بمنزلة لسان الموكل، و يحكم العرف بالتطابق بين الإيجاب و القبول حينئذ، و لا يشك و لا يتأمل في تحقق الموافقة العرفية.

نعم، لو أحرز أن لصدور القبول من الوكيل خصوصية خاصة يمكن أن يشك، و يتأمل فيها حينئذ.

(20) لعدم تحقق المطابقة بين الإيجاب و القبول، لأن الموجب قصد خصوص الوكيل من حيث هو فيكون الموكل خارجا عن المخاطبة العقدية و إن كان هو المشتري الواقعي الحقيقي و لا ملازمة بينهما.

(21) لكون المخاطب حينئذ العنوان العام المنطبق على كل منهما، فيكون كالعام المنطبق على كل ما يصلح للفردية قهرا.

(22) لعدم المطابقة العرفية بين الإيجاب و القبول.

نعم، لو علم من القرائن أن البائع لم يقصد خصوصية خاصة من قوله:

«هذا بألف»، بل كان من مجرد الإشارة لاستظهار حال المشتري و الرضا بكلما قال صح حينئذ.

ص: 221

يصح (23).

مسألة 8: لو قال البائع لشخصين: بعتكما بألف، فقال أحدهما: اشتريت نصفه بخمسمائة، لم ينعقد

(مسألة 8): لو قال البائع لشخصين: بعتكما بألف، فقال أحدهما:

اشتريت نصفه بخمسمائة، لم ينعقد (24)، و لو قال كل منهما ذلك صح البيع (25).

مسألة 9: لو قال البائع: بعتك المبيع بالثمن المعلوم على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام- مثلا- فقال اشتريت

(مسألة 9): لو قال البائع: بعتك المبيع بالثمن المعلوم على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام- مثلا- فقال اشتريت، فإن أحرز- و لو من القرائن الحالية أو المقامية- إن مراده القبول مع شرط الخيار صح البيع (26)، و إن أحرز من القرائن إنه قصد الشراء بلا خيار لم ينعقد البيع (27)، و لو انعكس بأن أوجب البائع بلا شرط و قبل المشتري مع الشرط فلا ينعقد مع

______________________________

(23) لصدق المطابقة العرفية و إن لم تصدق بالدقة العقلية، و المناط في المحاورات على الأول دون الأخيرة لو لم تكن قرينة على الخلاف.

(24) بناء على ظهوره العرفي في عدم انحلال المبيع إلى النصفين المستقلين، و أما لو كانت في البين قرينة على أن المقصود إخراج البائع المبيع عن ملكه و لو بأي جزء من أجزائه فالظاهر الصحة.

(25) لتحقق المطابقة العرفية و إن لم تتحقق المطابقة بالدقة العقلية، و تقدم ان المدار على الأولى دون الأخيرة.

(26) لوجود المقتضى و فقد المانع فلا بد من الصحة حينئذ.

(27) لعدم المطابقة العرفية بين الإيجاب و القبول فلا وجه للصحة.

و توهم الصحة مع ثبوت الخيار للبائع مردود: بأن الشرط الذي يوجب تخلفه الخيار إنما هو فيما إذا وقع التراضي عليه بين الطرفين ثمَّ ظهر التخلف، و المقام ليس كذلك، لفرض عدم وقوع التراضي عليه بين الطرفين.

نعم، لو عم الخيار ما إذا حصل الشرط من أحدهما من دون رضاء الآخر لثبت الخيار في المقام، و لا يلتزم أحد به.

ص: 222

الشرط (28)، و كذا مطلقا (29).

مسألة 10: يعتبر في العقد ان يقع كل من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الإنشاء

(مسألة 10): يعتبر في العقد ان يقع كل من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الإنشاء، فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير قابل للقبول، أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الإيجاب لم ينعقد (30).

______________________________

(28) لفرض عدم وقوع التراضي بينهما على الشرط، فلا موضوع لوجوب الوفاء به.

(29) لصدق عدم التطابق بين الإيجاب و القبول عرفا، فلا وجه للانعقاد.

نعم، يصح مطلقا بناء على المسامحة العرفية بأن يقال: أن العرف بنظره المسامحي يرى وجود هذا الشرط كالعدم فتصح المعاهدة بالنسبة إلى أصل إنشاء العقد، و لكن عهدة إثبات هذا الدعوى على مدعيه لفرض تقييد المعاهدة من أحد طرفيها، فلا وجه لثبوتها مطلقا.

(30) لأن بناء العقلاء على أن معاهدتهم الواقعة فيما بينهم التزامات التفاتية جامعة للشروط المعتبرة فيها من حين حدوثها إلى تمامها، و يقتضيه مفهوم العهد و العقد في المحاورات المعتبرة أيضا فإن المنساق منه إن المعاقدة مع الغير- الذي له التزام أيضا- لا ينعقد إلا مع الشعور و الالتفات إلى خصوصية الالتزام من كل منهما إلى أن يفرغا منه، و الشك في صدق العهد و العقد مع الخلاف يكفي في عدم صحة التمسك بالإطلاقات و العمومات، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك هذا فيما هو قوام المعاهدة عرفا و كذا فيما يعتبر فيها شرعا، إذ الظاهر من أدلة اعتبارها ذلك أيضا.

و بعبارة أخرى: الشرائط العرفية و الشرعية للعقود شرط لمجموع الإيجاب و القبول من حيث التأثير لا أن تكون شرطا لكل واحد منهما بحسب ذاته فقط، و كذا الشرائط في كل ما هو مركب من الأجزاء المتدرجة الوجود

ص: 223

.....

______________________________

المرتبطة بعضها مع بعض فلو بطلت الركعة الأخيرة من صلاة الظهر- مثلا- لا أثر لبقية الركعات، و كذا لو بطلت الركعة الأولى لا أثر للبقية فالتأثير في كل جزء منوط في حاق الواقع بتأثير بقية الأجزاء سابقا و لا حقا، هذا خلاصة دليلهم على اعتبار هذا الشرط و هو صحيح فيما إذا كان القابل حين إنشاء الموجب غير قابل للمخاطبة عقلا أو شرعا، لأن الإنشاء العقدي حينئذ بلا طرف فيصير لغوا و المفروض إنه ليس من الإيقاع.

و أما العكس و هو ما إذا وقع الإيجاب جامعا للشرائط من كل جهة و كان القابل جامعا لشرائط القبول أيضا حين إنشاء الموجب و لكن خرج الموجب حين إنشاء القابل للقبول عن قابلية توجيه الخطاب إليه بنوم أو غفلة أو نحوهما مع رضائه بالعقد و علمه بتعقب القبول، فالقبول مرتبط بالإيجاب- و بالعكس- واقعا و عرفا ارتباطا عقديا، و لا يقول أحد بأنهما إنشاءان لا ربط لأحدهما بالآخر، فمقتضى الإطلاقات و العمومات الصحة حينئذ.

فرع: لو اختلفا المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شرائط الصيغة للعقد، فبناء على العذرية المحضة في الامارات- و بناء على الطريقية- لا وجه لصحة العقد لتقومه بطرفين و المفروض أن أحدهما يراه باطلا، و كذا بناء على السببية لأنها تنفع لخصوص من قامت لديه فقط دون غيره و طريق صحة العقد لهما منحصر بأمرين.

أحدهما: كون الصحة عند أحد الطرفين موضوع للصحة عند الآخر أيضا و إثباته يحتاج إلى دليل و هو مفقود و إن كانت تقتضيه سهولة الشريعة خصوصا في المسائل الابتلائية الاختلافية.

ثانيهما: أن عمدة الدليل على اعتبار ما ذكر من الشروط إنما هو الإجماع و شموله لمثل المقام ممنوع فيرجع فيه إلى أصالة الصحة و العمومات و الإطلاقات، لفرض صدق العقد عليه عرفا. هذا في مثل العربية و الماضوية و نحوهما مما يعتبر في كل واحد من الإيجاب و القبول، و كذا في شرائط

ص: 224

مسألة 11: يقوم مقام اللفظ مع التعذر- لخرس أو غيره- الإشارة المفهمة

(مسألة 11): يقوم مقام اللفظ مع التعذر- لخرس أو غيره- الإشارة المفهمة (31) و لو مع التمكن من التوكيل (32)، و يقوم مقامه الكتابة مع العجز عنه و عن الإشارة (33).

______________________________

المتعاقدين و العوضين مما كان دليله منحصر بالإجماع و كان من المسائل الخلافية، فيجوز فيها التمسك بالإطلاقات و العمومات بعد صدق العقد عليه.

و أما مثل الموالاة و التنجيز، و نحوهما مما يعتبر في أصل تحقق الهيئة التركيبية، فالظاهر بطلان العقد بفقده فلا يبقى مجال للصحة حينئذ، لفرض إنها من مقومات الهيئة التركيبية، فبزوالها تزول أصل الهيئة فلا يصدق العقد حتى يتمسك فيه بالعمومات و الإطلاقات و سيأتي في شرائط المتعاقدين و العوضين ما يتعلق بالمقام، بل حق هذا الفرع إن يذكر هناك.

(31) للإجماع، و النص الوارد في التشهد، و التلبية (1)، و الطلاق (2)، و الظاهر أن ذكرهما من باب المثال لكل مقصود يؤدي باللفظ، و يصح دعوى السيرة العقلائية أيضا، فإنها جارية على الاكتفاء بإشارة العاجز عن النطق في إظهار المقاصد و المنويات.

(32) لإطلاق كلمات الفقهاء و بناء العقلاء فإنهم يكتفون بالإشارة المفهمة حتى مع القدرة على التوكيل و إبراز العقود ليس إلا كإبراز سائر مقاصدهم العقلائية من غير فرق بينها في ذلك أصلا.

(33) لبناء العقلاء في محاوراتهم اللفظية على التلفظ مهما أمكنهم ذلك و مع العجز عنه فالإشارة المفهمة و مع العجز عنها يبرزون مقاصدهم بالكتابة مع التمكن منها و مع القدرة من الإشارة و الكتابة، فظاهرهم تقديم الإشارة على الكتابة و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص و الحالات و بذلك

ص: 225


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الأرحام و باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

مسألة 12: يقع البيع بالمعاطاة

(مسألة 12): يقع البيع بالمعاطاة (34) سواء كان في الخطير أو

______________________________

يمكن أن يجمع بين الكلمات في تقديم الإشارة على الكتابة أو العكس.

(34) قد أطيل الكلام في المعاطاة و لا يستحق تلك الإطالة، لأن أصل النزاع في هذه المسألة صغروي لا أن يكون كبرويا و ذلك فإن أصل النزاع يرجع إلى أن الفعل كالقول في المبرزية عن المراد القلبي و الرضاء الباطني أو لا، فاتفقوا على الصحة في الأول و على عدمها في الأخير.

و لا بد من تقديم أمور.

الأول: المعاطاة من الأمور المعهودة العامة البلوى عند جميع الناس قبل الشريعة و حين البعثة و بعدها في جميع الأمكنة و الأزمان و الملل و الأديان فاللازم الرجوع إلى وجدانهم فيها، فإن كان فيه ما يخالف الشرع يطرح و إلا فهو المعول فيها.

و أما كلمات الفقهاء فإن وافقت وجدان الناس فلنعم الوفاق و إن خالفت فلا بد من ردها إلى أهلها، و إذا راجعنا الوجدان منا و من جميع الناس نرى أولا إنها بيع لغة و عرفا و شرعا، و كذا في جميع العقود التي تجري فيها المعاطاة تكون مسماة باسم ذلك العقد فلا نجد فرقا في التسمية بين اللفظي من ذلك العقد و الفعلي منه و من ينكر ذلك فإنما ينكر باللسان و يعترف بالجنان و العرف و الوجدان من أكبر البرهان، و نرى ثانيا أن مقصود المتعاطيين في هذا الأمر الذي يقوم به نظام معاشهم التمليك و التملك، لأن هذا القصد هو محور نظامهم في مبادلاتهم مطلقا، و لا يخطر قصد الإباحة ببالهم أبدا و الوجدان حاضر معنا و العرف ببابنا فاللازم الرجوع إليهما، إذ الموضوع عرفي لا أن يكون استنباطيا حتى يكون المرجع فيه آراء المجتهدين.

و أما تصرف المحقق الثاني رحمه اللّه في أقوال الفقهاء بحمل الإباحة في كلامهم على الملك الجائز «و تصرف صاحب الجواهر في نفس الموضوع بأن محل النزاع المعاطاة المقصود بها مجرد الإباحة، و رجح بقاء الإباحة في كلامهم على ظاهرها، فكل منهما من قبيل تفسير ما لا يرضى صاحبه كما لا يخفى على من

ص: 226

.....

______________________________

راجع مكاسب شيخنا الأنصاري، فإنه رحمه اللّه أتعب نفسه في نقل أقوال الفقهاء في المسألة و ببيان ما يتعلق بها.

مع أن قصد الإباحة على قسمين.

أحدهما: قصدها في مقابل الملكية من حيث هي صفة مضادة لها مع الالتفات و التوجه إلى الملكية أيضا.

ثانيهما: قصدها من حيث هي من أهم آثار الملكية و العاقل المتوجه الملتفت لا يقصد الأولى.

نعم، يقصد الثانية و هي ملازم لقصد الملكية في الرتبة السابقة، لأن قصد الملكية مغروسة في الأذهان فتتوجه النفس إلى أهم آثارها اللازمة لها بالعيان.

الثاني: تقدم إن المعاملات مطلقا إمضائية من الشرع لا أن تكون تأسيسية.

نعم، قد حددها الشارع بحدود و قيود مخصوصة، فإن ظفرنا بذلك الحد و القيد فلا بد من اتباعه، و إلا فالعرف هو المحكّم فيها من كل جهة بلا شبهة و ريبة، و كلما تفحصنا في الأدلة الواصلة إلينا من الشرع لم نظفر في هذا الأمر العام البلوى لكل مسلم ما يروي الغليل و يشفي العليل، إلا حديث واحد و هو رواية خالد بن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجي ء فيقول: اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا، قال عليه السّلام: أ ليس إن شاء ترك و إن شاء أخذ؟ قلت:

بلى، قال عليه السّلام: لا بأس به إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام» (1)، فاستدل به على بطلان المعاطاة لعدم الكلام فيها.

و الحق إن هذه الجملة: «إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام» مجملة لا يصح الاستدلال بها لشي ء إلا بقرائن توجب ظهورها في المراد إذ المحتملات فيها كثيرة.

منها: إن لخصوص اللفظ موضوعية خاصة في التحليل و التحريم، فلا يكفي مجرد القصد و إن أبرز بفعل يدل عليه، و على هذا الاحتمال يصير شاهدا

ص: 227


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام العقود حديث: 4.

.....

______________________________

للمقام.

و منها: ان العنوان الواحد أن أظهر بلفظ خاص يوجب التحليل و إن أظهر بلفظ آخر يوجب التحريم، فان قالت المرأة: «أنكحتك نفسي» تحل و إن قالت:

«ملكتك بضعي» تحرم فلا رابط لها حينئذ بالمقام.

و منها: أن يراد بالكلام المحلل خصوص المقاولة المتعارفة قبل إيجاب البيع، و بالمحرّم إيجاب البيع، و يشهد له صدر الحديث و لا ربط له حينئذ بالمقام أيضا.

و منها: إن المحللات و المحرمات في أصل الشريعة منحصرة في اللفظ مطلقا و هذا الاحتمال بذاته باطل عند كل متشرع فضلا عن الفقيه، فإن كان الاستدلال بظاهر الحديث فما يكون ذات احتمالات كثيرة كيف يكون ظاهرا في المقام. و إن كان بسياق الحصر، فالدلالة السياقية تابعة للدلالة اللفظية، فإذا كانت الدلالة اللفظية مجملة كيف يكون الدلالة السياقية تامة، هذا حال الحديث الذي استدل به لهذا الأمر المهم العام البلوى. نعم، قد وردت مادة البيع و الشراء في الكتاب و السنة كثيرا و لكنها بمعزل عن بيان اعتبار اللفظ في عقد البيع و عدمه، بل يشير إلى المعنى المعهود الذي هو موضوع أحكام كثيرة شرعا.

و استدل أيضا بإجماع الغنية على إنها ليست بيعا.

و فيه: إنه خلاف الوجدان فلا بد و إن يؤول على فرض الاعتبار.

الثالث: لفظ المعاطاة لم يرد في نص حتى يهتم بتفسيره.

نعم، ورد ذلك في كلمات الفقهاء. و الحق أنها تشمل كل ما لم يشتمل اللفظي مع الاجتماع لجميع الشرائط، سواء تحقق تعاط في البين من الطرفين أولا، فالأولى في العنوان أن يقال: إن البيع مثلا يتحقق بالعقد اللفظي و بما ليس فيه عقد لفظي مع وجود مبرز آخر عن عنوان المعاهدة.

الرابع: لا ريب في تقوم العقود مطلقا بالعهد المبرز له، إذ لا يكفي مجرد العهد القلبي بين الطرفين من دون إبراز في البين، باتفاق العقلاء، و إجماع الفقهاء، و مقتضى الأصل و العمومات و الإطلاقات عدم شرطية خصوص اللفظ في حيثية الإبراز و الإظهار، فيجتزى بكل ما فيه جهة الإبراز و حيثية الإظهار عند العرف، لأن اعتبار اللفظ إنما هو لكشفه عن المعاهدة الواقعة و الارتباط

ص: 228

.....

______________________________

المعاملي الواقع بين المتعاملين، و لا موضوعية فيه بوجه أبدا، فبكل وجه كشفت المعاهدة الواقعة بينهما نثبت به المعاقدة و المعاهدة، و لا ريب في أن التعاطي و نحوه يكشف عن المعاهدة و المعاقدة، و ربما كان الكشف فيه أقوى من الكشف الحاصل من اللفظ، فمقتضى الأصلين العملي و اللفظي عدم اعتبار اللفظ في جميع العقود بعد ظهور أصل المعاقدة و المعاهدة بوجه معتبر إلا ما خرج بالدليل، و هذا هو عادة العلماء في نفي القيود المشكوكة في العبادات و المعاملات مطلقا فليكن المقام من إحدى صغرياتها و يأتي في مستقبل المقال ما يستوضح به الحال.

الخامس: من الأمور النظامية الدائرة بين العقلاء من سالفهم و آلفهم الوفاء بالعهد الذي يقع فيما بينهم، فيلتزمون به أشد الالتزام، و يجعلون ذلك من علامات الإنسانية و يستنكرون نقض العهد أشد الاستنكار، و يجعلون ذلك من الرذائل و الذمائم، و يسقط اعتبار ناقض العهد لديهم و لا يعتمدون عليه، فكل عهد فيما بينهم يلزم الوفاء به إلا ما ثبت لديهم صحة نقضه، بلا فرق فيه بين عهودهم القولية أو الفعلية، و يمكن الاستدلال عليه بالشكل الأول البديهي الإنتاج بأن يقال: المعاطاة عهد بين الطرفين، و كل عهد كذلك يلزم الوفاء به، فالمعاطاة يلزم الوفاء به، و كذا بالنسبة إلى حسن الوفاء بالعهد و قبح نقضه، و قد أمضت الشرائع الإلهية هذا الأمر النظامي المهم بالسنة شتى و طرق مختلفة يأتي الاستدلال عليه بآيات من الكتاب، و أحاديث من السنة، و مقتضى ذلك كله لزوم العهود الفعلية التي منها المعاطاة إلا مع نص صحيح أو إجماع صريح على الخلاف.

السادس: قد استدل على اعتبار الصيغ الخاصة في الصحة بوجوه.

منها: إجماع الغنية، و الشهرة المنقولة.

و منها: النبوي الناهي عن بيع المنابذة و الملامسة، و عن بيع الحصاة (1).

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام» (2).

ص: 229


1- الوسائل باب: 12 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 13.
2- تقدم في صفحة: 228.

.....

______________________________

و منها: الأخبار المشتملة على مادة البيع و الشراء كما سيأتي.

و الكل باطل، إذ لا وجه للأولين مع كون المسألة ذات أقوال ستة بل سبعة، و كون عدم الصحة مخالف لوجدان عامة العقلاء و سواد الناس، و النبوي قاصر دلالة، لأنه في مقام بيان تعيين المبيع بهذه الأمور و لا ربط له بالمعاطاة الجامعة لجميع الشرائط إلا اللفظ، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام مجمل لا وجه للاستدلال به في المقام كما مر و لا إشعار في الأخير باشتراط الصيغة فضلا عن الدلالة كما هو واضح لأهل البصيرة.

السابع: اشتراط الألفاظ الخاصة في العقود المتعارفة بين الناس إما تعبد شرعي محض، أو شرط الصحة، أو شرط اللزوم. و الكل منفي بالأصل و الإطلاق و العموم، لاستقرار بناء العقلاء كافة فضلا عن العلماء على إنه ما لم تتم الحجة على شي ء لا يحكمون به، سواء كان من الوجوب النفسي أو الغيري، فنفس الالتزام و التعهد العقلائي له موضوعية خاصة في الصحة و اللزوم ما لم يردع عنه الشريعة المقدسة، و يأتي التعرض لما يعتبر فيه اللفظ لدليل خاص به.

الثامن: الإنشاء خفيف المؤنة جدا، و هو أمر واقعي و لكل واحد من أفراد الإنسان انشاآت كثيرة في اليوم و الليلة قولا و فعلا مع إن ذهنه غير متوجه إليها تفصيلا، أما الإنشاءات الفعلية فالبائع يعطي المتاع إلى المشتري، و المشتري يعطي العوض إلى البائع، و جمع يعطون الصدقات و آخر يقبلونها، و جمع يعطي الهدايا و آخر يقبلونها إلى غير ذلك مما لا تحصى من الأفعال الإنشائية.

و أما القولية فأكثر منها يقول الوالد لولده واظب على اكتساب الفضائل و تجنب عن ارتكاب الرذائل، و واظب على دروسك، و يقول الزوج لزوجته نظفي البيت، و تقول له جئنا الغذا بكذا- مثلا- إلى غير ذلك مما لا يعد و لا يحصى التي يقوم بها نظام المحاورات الاجتماعية البشرية، و المعاملات الفعلية إنشاءات فعلية تحكم بها الفطرة البشرية و لا يعتبر أن يكون المنشئ لها متوجها إلى ما قاله العلماء في معنى الإنشاء و الفرق بينه و بين الإخبار، لأن كل ذلك تبعيد للمسافة و تضييق لحكم الفطرة بلا ضرورة داعيه إليه، و لا يعتبر في المنشئ سواء كان إنشائه بالقول أو بالفعل أو يكون متوجها إلى عنوان الإنشاء من حيث إنه إنشاء، للأصل بل يكفي توجهه الارتكازي الإجمالي الفطري إلى إيجاد المعنى فقط بما

ص: 230

.....

______________________________

ارتكز في ذهنه و نفسه، هذه خلاصة ما ينبغي أن يفصل في غير المقام.

التاسع: المعاهدات المحللة الدائرة بين العقلاء الممضاة شرعا- قولية كانت أو فعلية أو كتبية- مبنية على اللزوم و الثبات، فلا ينقض إبرامها و لا يزول ثباتها إلا بأسباب خاصة يأتي التعرض لها في المباحث الآتية إن شاء اللّه تعالى، فيصح للفقهاء تأسيس أصل عقلائي و هو: «أن الأصل في العقود و المعاهدات اللزوم»، و يعم هذا الأصل جميع العقود بأسبابها القولية أو الفعلية الدالة على التمليك و التملك.

و يمكن الاستدلال على هذا الأصل العقلائي بأمور.

الأول: الوجدان، فانا نرى بالوجدان أن نقض العهد و فك العقد قبيح، و يستنكر من ارتكب ذلك و يكفي عدم ثبوت الردع شرعا في تقرير الشارع له أيضا.

الثاني: بناء العقلاء عليه في جميع عقودهم القولية و الفعلية في جميع أدوارهم و شؤونهم و أعصارهم و دهورهم.

الثالث: اقتضاء ذات التمليك و التملك ذلك، لأن من لوازمها السلطة المطلقة على دفع كل معارض و مزاحم و لا معنى للزوم إلا هذا.

و توهم إنه بعد رد أحدهما لا ملكية في البين حتى يقتضي اللزوم.

باطل: لأنه خلف الفرض، إذ المفروض حصول السلطنة المطلقة من كل جهة، و مقتضاها دفع المزاحم و المنافي بأي نحو شاء و أراد.

نعم، لو كان الحاصل مطلق السلطنة المحدودة لكان للتوهم مجالا، و لكنه خلاف وجدان المتعاملين.

الرابع: قوله تعالى أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1)، فإن الحلية المطلقة الامتنانية من كل وجه تقتضي عدم صحة الرد بدون رضاء أحد المتعاهدين، و لا معنى للزوم إلا هذا، و لا فرق في ذلك بين كون الحلية وضعية أو تكليفية، فإنها تدل على اللزوم بناء على الأولى بالمطابقة و على الثانية بالملازمة العرفية التي هي

ص: 231


1- سورة البقرة: 257.

.....

______________________________

كالمطابقة أيضا في الاعتبار عند أهل المحاورة.

الخامس: إطلاق قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، فإنه إما إرشاد إلى بناء العقلاء في عقودهم و عهودهم أو تعبد امتناني نظامي فيما تعارف بين الناس، فيقتضي عدم صحة الرد بدون رضاء الآخر بعد تمامية المعاهدة و المعاقدة الصادقة على القولية و الفعلية.

السادس: قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (2)، فأثبت تعالى الملكية بإضافة المال إلى مالكه، ثمَّ نهى عن جميع التصرفات الباطلة فيه مطلقا التي منها رد أحد المتعاقدين من دون رضاء الآخر، و لا معنى للزوم إلا هذا.

السابع: ذيل ما تقدم من الآية إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ حصر تبارك و تعالى التصرفات الصحيحة بالتراضي الذي تكون التجارة من إحدى مصاديقها، فالرد الذي يقع من دون رضاء الآخر باطل و لا أثر له، و هذا هو معنى اللزوم.

الثامن: قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المؤمنون عند شروطهم» (3)، فإنه ظاهر عرفا في لزوم الوقوف عند الشرط و العهد و الوفاء به مطلقا إلا فيما استثنى بدليل معتبر و هو معنى اللزوم.

التاسع: قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إن الناس مسلطون على أموالهم» (4)، و هو من أهم القواعد العقلائية النظامية، و ظهوره في السلطنة المطلقة على المال مما لا ينكر، فيكون انتزاع العوض من طرف المعاهدة و المعاقدة من دون رضاء مخالفا للسلطنة المطلقة التي حكم بها العقل، و قررها الشارع و هو معنى اللزوم.

العاشر: قوله صلّى اللّه عليه و آله: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (5)، فإنه ظاهر في أن طبع

ص: 232


1- سورة المائدة: 1.
2- سورة النساء: 29.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4 ج: 15.
4- البحار ج: 2 باب: 33 من كتاب العلم حديث: 7 صفحة: 272 ط: طهران.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الخيار حديث: 1.

.....

______________________________

البيع مبنى على اللزوم، و الجواز لأجل الخيار و لأمر عارض عليه. فتلك عشرة كاملة إذا القيناها على عامة الناس و سوادهم يستظهرون منها اللزوم و لا وجه بعد ذلك لبعض التشكيكات، لأن التشكيك يجري حتى في جملة من الضروريات، إذ لأحد معين للوهم حتى يقف لديه.

و عمدة تلك التشكيكات إن التمسك بهذه الإطلاقات و العمومات بعد رجوع أحد المتعاطيين تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، فيسقط الاستدلال بها من هذه الجهة فلا وجه للصحة حينئذ فضلا عن اللزوم.

و الجواب أن الصدق العرفي مما لا ريب فيه فإنه إذا رجع البائع مثلا إلى المشتري و أخذ المبيع عنه بلا رضاه يرى المشتري من نفسه صحة المدافعة معه، و يستنكر متعارف الناس رجوع البائع و يلومونه عليه، و لو لا حكمهم ببقاء الموضوع لما كان وجه لهذا الاستنكار و الملامة. و من أراد الاطلاع على تفاصيل الأقوال و الاحتمالات، فليراجع المطولات.

و يمكن الاستنتاج للزوم بالشكل الأول البديهي الإنتاج بأن يقال: العقد عهد مؤكد مشدّد، و كل عهد مؤكد مشدد يقبح نقضه بدون رضاء الآخر، أو إذن من الشارع فكل عقد يقبح نقضه، و بضميمة عدم الفرق بين العقود الفعلية و القولية يتم دلالته أيضا.

و لا دليل على خلاف اللزوم المستفاد منها في المقام إلا دعوى الإجماع على عدم كونها بيعا تارة، و على نفي اللزوم أخرى.

فتخرج المعاطاة على الأول عن مورد موضوعا، و على الأخير حكما، و حديث «إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام»(1).

و الأول: مردود بالوجدان و التصريح بخلافه من الأعاظم و الأعيان.

و الثاني: توليدي لا أن يكون تحقيقيا كما هو واضح لمن بذل جهده و جال نظره في هذا الميدان.

و الأخير: من المجملات كما سبق فيه الشرح و البيان، فالمقتضي للزوم

ص: 233


1- تقدم في صفحة: 227.

.....

______________________________

موجود و المانع مفقود و طريق الاحتياط واضح.

العاشر: لو فرض أن المتعاطيين قصدا الإباحة المطلقة لا التمليك و التملك ففيه جهات من البحث.

منها: أن هذه الصورة أيضا صحيحة و لازمة، لأن الإباحة المطلقة من أظهر آثار الملكية و لوازمها، و لا فرق في قصد التمليك و التملك بين أن يكون أولا و بالذات و بالمطابقة أو بواسطة أهم آثارها و أعظم لوازمها، لمكان الملازمة بين قصد اللازم و الملزوم بنحو الجملة و الاجمال و هذا المقدار من القصد يكفي، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار الأزيد عليه، فالملكية حاصلة لا أن تنقلب الإباحة إليها إلا إنها بناء على الملكية بالمطابقة و أولا بالذات و بناء على الإباحة بالملازمة و ثانيا و بالعرض.

نعم، من كان ملتفتا إلى إمكان التفكيك بين اللازم و الملزوم في القصد و قصد الإباحة المطلقة مقيدا بعدم الملكية يقع التفكيك حينئذ و لا أظن أحدا يقصد ذلك.

و منها: إنه على فرض الإباحة المطلقة المحضة تشملها الإطلاقات و العمومات، إذ لا موضوعية للملكية من حيث هي، و إنما تكون طريقا للسلطة المطلقة و الاستيلاء على تمام آثارها فهي العمدة في الواقع و عند الناس، و العمومات و الإطلاقات منزلة على ذلك.

و إن شئت قلت: الملكية أعم من ملكية الذات و ملكية الآثار و الاستيلاء المطلق عليها، فالملكية موجودة لا أن تتبدل الإباحة المحضة إليها.

و منها: إنه من المسلمات عند الفقهاء: ان البيع، و الوقف، و العتق، و نحوها متوقف على الملكية- و يأتي تفصيل ذلك كله في محله إن شاء اللّه تعالى- فهل المراد بها ملكية الذات و العين، أو يكفي فيها مالكية التصرفات المطلقة التي هي من أهم آثار ملكية العين، بل لا أثر لملكية العين إلا ذلك و يظهر من الفقهاء الأول، و لا دليل لهم عليه إلا قوله عليه السّلام: «لا بيع إلا فيما تملك» (1)، و قوله عليه السّلام: «لا

ص: 234


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب عقد البيع حديث: 3، و في سنن أبي داود باب: 7 من أبواب الطلاق حديث: 1290.

.....

______________________________

عتق إلا في ما تملك» (1). و مثل هذا التعبير أعم منه و من الأخير كما لا يخفى على الخبير، و مقتضى إطلاق دليل إباحة آثار الملكية هو الثاني، و على هذا لو أباح شخص ماله لزيد بجميع آثار الإباحة مطلقا يصح لزيد بيعه، و يكون الثمن له لفرض إنه مالك للبيع و يكفي ذلك في كون المبيع له و دخول الثمن في ملكه، فمالكية البيع له أقسام ثلاثة.

الأول: من كان مالكا للعين.

الثاني: من كان مالكا للبيع بإذن شرعي، أو مالكي كالولي و الوكيل.

الثالث: من كان مالكا لمطلق التصرفات، فيكون نفس هذه الحيثية كافية في اعتبار كون البيع له و دخول الثمن في ملكه، و لا نحتاج إلى تكلف حصول الملكية آنا ما قبل الإنشاء جمعا بين الأدلة، إذ الملكية اعتبارية كما مر فكما يصح اعتبارها بالنسبة إلى ذات العين يصح اعتبارها بالنسبة إلى السلطة المطلقة على جميع التصرفات، و هي ملازمة للسلطنة على الذات عرفا.

إن قيل: بناء على الاعتبار الأخير ذات العين هل تكون باقية على ملك المالك الأول، أو انتقلت إلى الثاني، و على الأول تلزم المحاذير التي يأتي التعرض لها في كلام بعض الفقهاء، و على الأخير يكون خلف الفرض، إذ المفروض قصد الإباحة المحضة بالنسبة إلى الآثار.

يقال: لا ريب في تحقق ملكية الآثار و مالكيتها و هذه الملكية و المالكية انبساطية تشمل العين أيضا، فملكية العين و مالكيتها في المقام تكون تبعا للملكية المطلقة بالنسبة إلى التصرفات المطلقة، فيحكم العرف بانطواء ملكية العين في الملكية المطلقة التصرفية من وجه، و إن كانت ملكية التصرفات منطوية في ملكية العين في موارد أخرى و من لحاظ آخر.

و بالجملة: العرف يرى في مورد ملكية التصرفات المطلقة الملكية للعين أيضا، إلا ما خرج بالدليل.

و منها: إن القول بالإباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك مستلزم

ص: 235


1- ورد مضمونه في الوسائل باب: 5 من أبواب العتق.

.....

______________________________

لتأسيس قواعد جديد.

الأول: عدم تبعية العقود للقصود مع أنها تابعة لها، حتى جعل ذلك من القواعد فأرسل إرسال المسلمات، أن العقود تابعة للقصود.

و فيه: إنه إن كان المراد بهذه القاعدة ان كل عقد لا بد و إن يقع عن قصد و إرادة، و يتبع لها تبعية المعلول للعلة فهو حق لا ريب فيه، و إن كان المراد إن كلما قصد في العقد لا بد و أن يتحقق في الخارج فلا دليل عليه من عقل أو نقل.

نعم، لو كان القصد علة تامة منحصرة لتحققه خارجا يلزم التحقق، و إلا يكون من تخلف العلة التامة المنحصرة عن المعلول، و قد أثبتوا استحالته، و إليه يرجع ما قيل في تحليل هذه القاعدة: «ما قصد لم يقع».

و أما ما ذكر من تخلف العقد عن المقصود في موارد خمسة: كالضمان في العقد الفاسد بالمثل أو القيمة مع إن المقصود كان هو الضمان بالمسمى، و عدم كون العقد المشروط فيه الشرط الفاسد فاسدا مع أن المقصود اشتراطه به، و التبعيض في بيع ما يملك و ما لا يملك مع أن المقصود كان عدم التبعيض، و بيع الغاصب لنفسه مع إنه يقع للمالك مع إجازته، و ترك ذكر الأجل في المتعة و صيرورته نكاحا دائما مع أن المقصود كان الانقطاع.

فالكل باطل. إذ الأول: خارج تخصصا، لأن المدار في القاعدة إنما هو العقود الصحيحة الممضاة شرعا لا الفاسدة، مع أن الضمان في العقود الفاسدة ضمان اليد لا ضمان المعاوضة.

و الثاني: بأن الشروط من باب تعدد المطلوب لا أن تكون من التقييد الحقيقي الواقعي و إلا فلا بد من الفساد، و يأتي التفصيل في محله إن شاء اللّه تعالى.

و الثالث: بأن القصد إلى ما يملك و ما لا يملك انبساطي تحليلي لا أن يكون تقييديا حقيقيا.

و الرابع: بما يأتي من ان الإجازة إنما تتعلق بذات المبادلة من حيث هي لا من حيث الإضافة إلى الغاصب.

و أما الخامس: فهو ليس مخالفا للقاعدة لأن القصد تعلق بالنكاح، و ذات

ص: 236

.....

______________________________

النكاح من حيث هو لا فرق فيه بين الدائم و المنقطع، و كل ما تحقق النكاح يدوم مطلقا إلا مع ذكر التحديد، مع إنه منصوص كما يأتي في محله.

الثاني: كون إرادة التصرف من المملكات.

و فيه. أولا: ما تقدم من إنه تعتبر ملكية العين عند العرف في ظرف المالكية المطلقة للتصرفات المطلقة.

و ثانيا: إنه لا محذور فيه من عقل أو شرع و له نظائر كالرجوع عن الطلاق.

و ثالثا: إن السبب في الملكية المعاطاة بشرط التصرف فيكون كبيع الصرف بشرط القبض.

الثالث: تعلق الخمس بغير الملك.

و فيه: إن تعلق خمس الأرباح مسبوق بالتصرف فيتعلق بالملك، و خمس غير الأرباح متعلق بذات المال من أي مالك كان، و كل من أعطاه يرجع إلى من تعلق الخمس في ملكه.

الرابع: تعلق الزكاة بغير الملك.

و فيه: ما تقدم في الخمس.

نعم، لو فرض أن المالك لا يجب عليه الخمس أو الزكاة، لقصور فيه من جنون أو صغر فلا يجبان، لا على المالك للقصور و لا على المتصرف لعدم الملك، و لا استبعاد فيه.

الخامس: تعلق الاستطاعة و الديون و إعطاء الخمس و الزكاة بغير الملك.

و فيه: إنه يكفي في جميع ذلك المالكية المطلقة للتصرفات المطلقة، و لا تعتبر الملكية الذاتية للأصل و الإطلاق و العرف.

السادس: تعلق النفقات، و الشفعة و المواريث، و الرباء و الوصية بغير الملك.

و فيه: مضافا إلى ما تقدم من الجواب العام كفاية الإباحة المطلقة و مالكية التصرفات المالكية في ذلك كله، و الوارث يرث المال بعين ما كان للمورث من نحو الملكية و المالكية.

السابع: تحقق الغنى و الفقر بغير الملك.

ص: 237

الحقير (35)، و هي في الغالب عبارة: عن تسليم العين بقصد كونها ملكا

______________________________

و فيه: إنه لا بأس به مع وجود السلطة المطلقة على مطلق التصرف، فيتحقق الغنى عرفا و شرعا و مع عدمها فلا مال و لا غنى فيتحقق الفقر لا محالة.

الثامن: كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر.

و فيه: إنه لا محذور فيه من عقل أو شرع مضافا إلى ما مر.

التاسع: كون التلف مملكا.

و فيه: أن مقتضى قاعدة اليد هو الضمان بالمثل أو القيمة، و حيث أن ظاهرهم الإجماع على عدم الضمان بهما في المقام، يفرض الملكية قبله بآن ما، و لا محذور فيه جمعا بين الأدلة و حفظا للقواعد.

العاشر: أن التصرف إن كان من النواقل القهرية فلا يتوقف على النية، و إلا كان المتصرف خائنا في ملك بلا نية.

و فيه: إنه لا بأس بالقول بعدم توقفه على النية و على فرض التوقف يكفي فيها النية الإجمالية الارتكازية، و لو لم يكن ملتفتا إليها فعلا.

الحادي عشر: قصر التمليك و التملك على التصرف أن يكون المتصرف موجبا قابلا.

و فيه: إنه لا محذور فيه بعد اقتضاء الإذن في التصرف ذلك.

الثاني عشر: إن النماء الحادث قبل التصرف لا بد و إن يكون للمالك، لأن حدوثه ليس موجبا لملكية العين و لا نفس النماء.

و فيه: إنه تطويل بلا طائل، إذ لا نحتاج إلى الملكية في النماء و لا في العين، لأن نفس الإباحة المطلقة من كل جهة تشمل جميع شؤون العين من نمائها و غيرها، و قد ذكر غير ذلك من الاستبعادات و ظهر جواب الجميع مما مر أيضا.

فتلخص: من جميع ما تقدم أن المقتضى للصحة و اللزوم في المعاطاة موجود حتى على القول بالإباحة و المانع عنهما مفقود إلا شبهة الإجماع في الأخير.

(35) بضرورة المذهب بل الدين في هذه الأعصار و ما قاربها، و لشمول

ص: 238

للغير بالعوض، و تسليم شي ء آخر من الطرف بعنوان العوضية (36).

______________________________

جميع ما تقدم لصحتها و لزومها لهما.

(36) لما استقر عليه سيرة العقلاء في المعاطاة الدائرة بينهم و لا فرق في العوض بين كونه عينا أو منفعة أو حقا أو انتفاعا، كما تقدم سابقا. هذا بحسب الغالب و لكن الأقسام المتصورة عشرة، لأن المبادلة إما أن تكون بحسب الملكية، أو بحسب الإباحة، و ما كان بين الفعلين إما أن تكون تمليكين أو إباحتين، أو بين تمليك و إباحة، و ما كان بين مال و فعل، إما أن تكون إباحة أو تمليكا، و المال إما أن يجعل عوضا في الملكية أو في الإباحة، فهذه أقسام عشرة. و الكل صحيح للعمومات و الإطلاقات.

و الإشكال في موارد الإباحة بأنها لا توجب إباحة التصرفات المتوقفة على الملك، لفرض توقفها على الملكية و هي غير حاصلة و سلطنة المالك ليست مشرعة بل هي تجري فيما إذا أحرز شرعيتها بوجه معتبر.

مردود. أولا: بما مر من إن الإباحة المطلقة المالكية الغير المحدودة بحد تتضمن التمليك التبعي و الملكية، و هذا المقدار يكفي في التصرفات المتوقفة على الملك.

و ثانيا: إن الموارد التي قالوا فيها بتوقفها على الملك، كالبيع، و العتق، و الخمس، و الزكاة، و ثمن الهدى، و وطئ الجارية، و غير ذلك مما قيل يكفي فيها صحة اعتبار المالكية عرفا، و تتبعها الإطلاقات و العمومات شرعا، و لا ريب في صحة الاعتبار بعد إطلاق الإباحة المالكية التي قررها الشرع أيضا.

و أما الإشكال الذي نسب إلى العلامة رحمه اللّه من الوجه العقلي في استحالة إن يشتري الإنسان بمال غيره لنفسه شيئا، لأن معنى المعاوضة دخول العوض في ملك من خرج من ملكه المعوض، و تسمية غيره بالمعاوضة يكون من الخلف

ص: 239

مسألة 13: يجوز في المعاطاة جعل الثمن كليا في ذمة المشتري

(مسألة 13): يجوز في المعاطاة جعل الثمن كليا في ذمة المشتري، و يصح السلف المعاطاتي، كما تجوز النسية المعاطاتية (37).

مسألة 14: يعتبر في المعاطاة جميع ما يعتبر في البيع العقدي ما عدى الصيغة من شروط المتعاقدين و العوضين

(مسألة 14): يعتبر في المعاطاة جميع ما يعتبر في البيع العقدي ما عدى الصيغة من شروط المتعاقدين و العوضين، فلا تصح مع فقد شي ء منها (38)،

______________________________

المستحيل، فمردود: بأن معنى المعاوضة إنما يلحظ من حيث جعل شي ء، بإزاء شي ء فالمبادلة و المعاوضة من حيث الوصف بحال الذات إنما يلحظ بين العوضين فقط مع قطع النظر عن إضافتها إلى المالكين.

نعم، يلزمها في الغالب تلك الإضافة لا أن تكون مقومة لحقيقتها.

كما إن الاشكال بأن الإباحة بالعوض خارجة عن المعاملات المعهودة فلا تشملها الأدلة.

مردود .. أولا: بعدم الخروج بل شائعة بين الناس في مثل دخول المطاعم و المقاهي و نحوهما، و على فرض الخروج لا بأس، لشمول الإطلاقات و العمومات لها ما لم يكن دليل على التخصيص و التقييد، و يا ليتهم تركوا الناس و أذهانهم الساذجة و فطرتهم المستقيمة التي جبّلهم اللّه تعالى عليها حتى لا نحتاج إلى جملة كثيرة من هذه التطويلات.

(37) كل ذلك للإطلاقات و العمومات مما دل على صحة البيع في الذمة، و بيع النسية، و بيع السلف مع جريان السيرة على كل ذلك، و تقدم أن المعاطاة بيع، و هي إنما تكون في مقابل العقد اللفظي لا أن تكون متقومة بالتعاطي من الطرفين فكلما فقد فيه العقد اللفظي و استجمع جميع شرائط البيع معاطاة سواء كان في البين تعاط من الطرفين أو لا.

(38) لأنها بيع عرفي، لغوي، شرعي فتشملها الأدلة المثبتة لشروط و حدود للمتبايعين و العوضين بناء على ما هو مقتضى الوجدان من قصد

ص: 240

و يتحقق فيها الخيارات الآتية في محلها (39)، و تسقط بما تسقط الخيارات في البيع اللفظي، فلو كان المبيع معيبا و تصرف فيه ليس له خيار العيب (40).

مسألة 15: تتحقق المعاطاة بوصول المبيع إلى المشتري و العوض

(مسألة 15): تتحقق المعاطاة بوصول المبيع إلى المشتري و العوض

______________________________

التمليك و التملك فيها و إفادتها للملكية، و كذا بناء على الإباحة المطلقة لجميع التصرفات، لما أثبتناه من أن مالكية التصرف يستلزم مالكية العين بالبيع لدى العرف و العقلاء، و حينئذ فمع فقد شي ء من تلك الشرائط لا يصح لدليل اعتبار ذلك الشرط، و قاعدة أن المشروط ينتفي بانتفاء الشرط.

نعم، بناء على عدم قصد التمليك و التملك و مجرد قصد الإباحة و عدم حصول الملكية بوجه لا تشملها أدلة اعتبار الشرائط في البيع، لانسباق البيع المفيد للملك منها، و لكنه من مجرد الاحتمال الواضح الفساد و المخالف لما هو المتداول منها بين الناس فلا وجه لنقله و صرف الوقت في رده، كما أن احتمال كونها معاملة مستقلة ساقط عرفا بل و لغة أيضا، و من ذلك كله يظهر إنه لا موضوع للبحث عن شرائط العقد اللفظي في المعاطاة لعدمه فيها.

نعم، أصل الإنشاء متحقق فيها و تقدم إنه خفيف المؤنة جدا.

(39) لوجود المقتضى و فقد المانع بناء على لزومها من الأول فتشملها أدلة تلك الخيارات، و كذا بناء على عدم اللزوم من الأول و صيرورتها لازمة بإحدى الملزمات الآتية، بل و كذا بناء على عدم اللزوم قبل عروض الملزمات إذ لا مانع من عقل أو نقل من تعدد منشأ الجواز في شي ء واحد.

و توهم: إنه من تحصيل الحاصل و اجتماع المثلين و إنه لغو.

باطل كله: لأن الجواز الخياري نحو حق له آثار بخلاف الجواز العقدي، فإنه حكم و مع هذا التعدد و وجود الغرض الصحيح في جعله كيف يلزم المحذور.

(40) لما يأتي في محله من سقوطه فهو مانع عن الثبوت و موجب للسقوط بعد الثبوت.

ص: 241

إلى البائع إن كان ذلك بعنوان إنشاء البيع الفعلي، و كذا بالمقاولة و المراضاة على العوضين بقصد إنشاء البيع الفعلي و إن لم يكن إعطاء في البين (41).

مسألة 16: لو لم يمكن تمييز البائع عن المشتري بالقرائن المعتبرة فأصل المعاوضة صحيحة

(مسألة 16): لو لم يمكن تمييز البائع عن المشتري بالقرائن المعتبرة فأصل المعاوضة صحيحة (42)، و لكن لا تترتب الآثار الخاصة للبائع و لا للمشتري على كل واحد منهما بالخصوص (43)، و يصح أن تكون معاملة مستقلة (44).

______________________________

(41) لصدق البيع الفعلي بالنسبة إليهما فتشملها الإطلاقات و العمومات و ليس البيع الفعلي متقوما بالتعاطي من الطرفين، بل هو كل ما ليس فيه عقد لفظي مع استجماعه لسائر الشرائط.

نعم، لو لم يكن في البين قصد الإنشاء لا يكون ذلك من البيع لتقومه به، بل يكون من مجرد الإذن و الرضاء بالتصرف، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

(42) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها، فيشملها قوله تعالى:

إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (1).

و توهم: إن البيع متقوم بتمييز البائع عن المشتري.

فاسد: لأنه كما مر: «جعل شي ء بإزاء شي ء»، أو «مبادلة مال بمال» كما عن المصباح، فلا وجه لتقومه به.

نعم، هذا هو الغالب فيه لا أن يكون مقوما له.

(43) للشك في الموضوع فلا يمكن التمسك بالإطلاق و العموم حينئذ.

(44) لأنه لا دليل على لزوم حصر المعاملات فيما تكون معهودة في الفقه من عقل أو نقل حتى يتكلف بأدخلها في أحديها، و كذا الكلام في العقد اللفظي

ص: 242


1- سورة النساء: 29.

مسألة 17: البيع العقدي لازم من الطرفين إلا مع وجود خيار في البين، أو إقالة من الطرفين

(مسألة 17): البيع العقدي لازم من الطرفين (45) إلا مع وجود خيار في البين، أو إقالة من الطرفين (46). و أما المعاطاة فيصح القول باللزوم فيها أيضا (47)، و لكن الأحوط التراضي إن أراد أحدهما الرد دون الآخر (48).

مسألة 18: تلزم المعاطاة بتلف أحد العينين، أو التصرف المغير، أو الناقل للعين

(مسألة 18): تلزم المعاطاة بتلف أحد العينين، أو التصرف المغير، أو الناقل للعين (49)،

______________________________

إن لم يمكن فيه تمييز البائع من المشتري، كما إذا أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة.

(45) لأصالة اللزوم في العقود و العهود العهود التي هي من أهم الأصول النظمية العقلائية التي تقوم بها النظام بين فرق الأنام من مسلمهم و غيرهم، و قد شيدنا أركان هذا الأصل الأصيل بأمور عشرة راجع ما تقدم في التاسع من الأمور المزبورة في أول المعاطاة.

(46) لإجماع الفقهاء، و سيرة العقلاء، و أدلة خاصة يأتي التعرض لها في محالها، و الإقالة عبارة عن فسخ الالتزام الواقع بينهما برضاء من الطرفين.

(47) لما تقدم من الأمور العشرة الشاملة لها.

(48) خروجا عن شبهة الإجماع على جوازها و عدم لزومها، و على هذا لا وجه للتعرض لملزمات المعاطاة لكنا نتعرض لها تبعا لهم.

(49) لوجوه .. الأول: أن المتيقن من الإجماع الذي ادعى على الجواز على فرض ثبوته غير هذه الصور.

الثاني: إن الجواز إن كان بالأدلة اللفظية فلا وجه له، لأن مفادها اللزوم لا الجواز، كما مر مفصلا و إن كان بالأصول العملية فهي لا تجري للشك في الموضوع بل مقتضى بعضها اللزوم كما يأتي.

الثالث: أصالة بقاء الملكية و اللزوم بناء على الملك. و توهم إنه لا مجرى لهذا الأصل مع الإجماع على الجواز.

مدفوع: بأنه لم يقم إجماع على الجواز بناء على الملكية، و بناء على

ص: 243

.....

______________________________

الإباحة المتيقن منه إمكان تراد العينين دون غيره.

الرابع: المنساق من الجواز عند العقلاء في العهود الفعلية تراد العينين بما هما عليه حين تحقق العهد من الخصوصيات و الإضافات و سائر الجهات، و مع زوال أحديها لا وجه للجواز بهذا المعنى، و ليس معنى الجواز هنا نقض العهد و إزالته بعد إبرامه، و مع عدم إمكان تراد العينين بما هما عليه حين العهد لا موضوع للجواز أصلا.

و توهم: ان هذا صحيح بالنسبة إلى نفس العينين، و أما بالنسبة إلى المثل أو القيمة فيمكن التدارك بلا اشكال فيتحقق الجواز حينئذ.

مدفوع: بأنه لا وجه لتوهم ضمان المثل أو القيمة في المقام، لأن المعاوضات الدائرة بين الناس على قسمين.

الأول: ما يثبت فيه ضمان المالية مطلقا فمع إمكان رد المسمى فيه فهو المتعين، و مع عدمه شرعا أو عرفا فبالمثل أو القيمة كما يأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: ما يتقوم بالإعطاء أو الأخذ فقط من دون ضمان شي ء وراء ذلك بحيث يستنكر العقلاء التضمين بالمثل أو القيمة مع التلف، و يرون التلف من انقطاع القرار المعاملي بينهما مطلقا، و يصير أحدهما أجنبيا عن الأخر، و قد جرت السيرة بينهم على ذلك خلفا عن سلف فهذا الضمان ضمان أصل المسمى فقط لا المالية المتبادلة المطلقة حتى يتحقق في المثل أو القيمة.

و بعبارة أخرى: ضمان جهتي لا من كل جهة، و في مثله لا وجه لجريان قاعدة اليد و الإقدام و غيرهما، و لا لأصالة بقاء السلطنة و إنها حاكمة على عدم الضمان بالمثل أو القيمة إلى غير ذلك من التطويلات لأن متعارف الناس يرون انقطاع السلطنة مطلقا بعد التلف فيما يتقوم بالأخذ و الإعطاء فقط، و معه كيف يجري الأصل فيكون كجريانه في مقابل الأمارة فالمعاطاة التي تكون إنشائها بحدوث عنوان التبادل لزومها يكون بعروض ما يوجب سقوط التراد بعين ما

ص: 244

بلا فرق بين النقل اللازم و الجائز (50) و لو عادت العين بفسخ أو نحو فلا يعود التراد (51).

______________________________

حدث أولا، فكما أن انقضاء المجلس في البيع اللفظي يوجب اللزوم، التغيير في العوضين يوجبه في المعاطاة.

و خلاصة الكلام: أن الجواز فيها على القول به جواز تعليقي ما دامي، لأن هذا هو المستفاد من الأدلة على فرض صحة الاستفادة، أي: معلق على بقاء العينين من كل جهة حتى من حيث الإضافة إلى المتصرف، و ما دام العينين كذلك فمع الإحراز يثبت الجواز بتحقق الموضوع و مع عدم الإحراز فلا موضوع للجواز فتكون الأقسام ثلاثة.

الأول: إحراز بقاء الموضوع على ما كان عليه حين المعاهدة.

الثاني: إحراز عدم البقاء.

الثالث: الشك في البقاء و عدمه. و حكم الأولين معلوم.

و أما الأخير: فمع العلم بالحالة السابقة في الموضوع يعمل بها و مع العدم يرجع إلى الأصل الحكمي، و هو أصالة اللزوم في العهد و البيع، و هذا الذي قلناه يجري في جميع الفروع الآتية فلا وجه بعد ذلك للتكرار و الإعادة.

هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام بلسان عرفي مبين. و أما الكلمات فهي مشوشة مضطربة مطولة حتى عن جمع من مشايخنا قدس سرهم فراجع و تأمل، و يمكن أن يكون لب مراد جمع منهم ذلك بعد حذف القشور و الزوائد.

و من ذلك كله يعلم حكم التصرف المغير للعين و النقل اللازم في البين، لسقوط موضوع التراد حينئذ فيتحقق اللزوم لا محالة، و قد أثبتنا سابقا إنه لا فرق في ذلك بين الإباحة و الملك فراجع فالتفصيل في ذلك بينهما مما لا وجه له.

(50) لعدم تحقق موضوع التراد و تحصيله غير واجب، للأصل فتجري أصالة اللزوم بلا مانع.

(51) لأصالة اللزوم و إن المتيقن من التراد غير ذلك، فلا يجري استصحاب الجواز، لعدم إحراز الموضوع.

ص: 245

مسألة 19: لو امتزجت العينان أو أحدهما، فلا رجوع

(مسألة 19): لو امتزجت العينان أو أحدهما، فلا رجوع خصوصا إن لحق ذلك بالتلف (52)، و كذا لو تصرف في العين تصرفا مغيرا للصورة كطحن الحنطة و فصل الثوب (53).

مسألة 20: لو مات أحدهما لم يكن لوارثه الرجوع

(مسألة 20): لو مات أحدهما لم يكن لوارثه الرجوع (54)، و لو جن يقوم وليه مقامه في الرجوع (55).

مسألة 21: لو وهب أحد المتعاطيين ما وصل إليه هبة غير معوضة

(مسألة 21): لو وهب أحد المتعاطيين ما وصل إليه هبة غير معوضة ليس للمالك الأول الرجوع في الهبة (56).

مسألة 22: لو باع العين ثالث فضولة، و أجاز المالك الأول يكون ذلك رجوعا

(مسألة 22): لو باع العين ثالث فضولة، و أجاز المالك الأول يكون ذلك رجوعا (57)، و لو أجاز المالك الثاني قبله نفذ و يلزم المعاطاة، و لا رجوع للأول، و لو أجازا متقارنين. و كان إجازة المالك الأول بعنوان

______________________________

(52) لتعذر التراد عرفا فلا يبقى موضوع للرجوع، خصوصا إن كان ذلك في حكم التلف.

(53) لعدم إحراز موضوع التراد فيرجع إلى أصالة اللزوم.

(54) لسقوطه بالنقل القهري كسقوطه بالنقل الاختياري، مع أن مثل هذا الرجوع إما حكم شرعي أو مشكوك في انه حق أو حكم، و على كل تقدير لا يشمله دليل «ما تركه الميت فلوارثه».

(55) لثبوت ولايته الفعلية في كل ما يتعلق به و المقام من إحدى أفراده.

(56) لعدم ولاية له عليه، و لا الرجوع في ذات العين لعدم تحقق موضوع التراد مع فرض بقاء الهبة، بل لو رجع الموهوب إلى الواهب يشكل الرجوع، للشك في بقاء الموضوع.

(57) إن كان بعنوان الرجوع، و أما إن كان بعنوان مجرد تنفيذ بيع الغير مع الغفلة عن الرجوع ففي كونه رجوعا إشكال، و إن كان مع الالتفات إليه، فيكون كالصورة الأولى، لعدم تفرقة العرف بينهما حينئذ.

ص: 246

الرجوع نفذ و لا يبقى موضوع لإجازة المالك الثاني (58)، و لو رجع المالك الأول في المعاطاة فأجاز الثاني الفضولي لغت الإجازة، سواء قلنا بأنها ناقلة أو كاشفة (59).

مسألة 23: النماء يكون لمن انتقل إليه 60 و إن رجع المالك الأول

(مسألة 23): النماء يكون لمن انتقل إليه (60) و إن رجع المالك الأول، فالنماء المنفصل و المستوفاة لا رجوع فيهما (61) و النماء المتصل يكون لمن رجع.

مسألة 24: التعاطي الحاصل في ضمن العقود اللفظية الفاسدة إن كان الرضاء به مقيدا بذلك العقد لا يكون من المعاطاة

(مسألة 24): التعاطي الحاصل في ضمن العقود اللفظية الفاسدة إن كان الرضاء به مقيدا بذلك العقد لا يكون من المعاطاة (62)، و إن كان الرضاء حاصلا على أي تقدير، أو كان في البين رضاء مستقل بالتعاطي مع قطع النظر عما حصل في العقد اللفظي يكون ذلك من المعاطاة (63).

مسألة 25: لو أريد جعل شرط في ضمن المعاطاة من إثبات خيار

(مسألة 25): لو أريد جعل شرط في ضمن المعاطاة من إثبات خيار، أو إسقاطه، أو جعل مدة لأحد العوضين أو نحو ذلك، فالأحوط إجراء الصيغة و جعل ذلك في ضمنها (64).

______________________________

(58) لأن العرف يرى الأثر لإجازة المالك الأول في نظير المقام فيزول موضوع الإجازة الثانية، مع أنها متقدمة رتبة أيضا.

(59) لصدق كون الرجوع قبل تصرف الآخر عرفا.

(60) بناء على إفادة المعاطاة الملكية واضح، لأن النماء تابع للملك و كذا بناء على الإباحة المطلقة لفرض شمولها للنماء أيضا.

(61) لكونهما حصل من ملكه فيكونان له، و يأتي في أحكام الخيار ما ينفع المقام.

(62) لفرض عدم إمضاء الشارع لمثل هذا الرضاء.

(63) موضوعا أو حكما كما تقدم.

(64) مقتضى ما تقدم من صحة المعاطاة و لزومها صحة جعل الشرط فيها

ص: 247

مسألة 26: تجري المعاطاة في جميع العقود لازمة كانت أو جائزة

(مسألة 26): تجري المعاطاة في جميع العقود لازمة كانت أو جائزة إلا ما دل الدليل على عدم جريانها فيه (65).

مسألة 27: كما يقع العقد بالمباشرة يقع بالوكالة أو الولاية من طرف واحد أو طرفين

(مسألة 27): كما يقع العقد بالمباشرة يقع بالوكالة أو الولاية من طرف واحد أو طرفين (66)، و يجوز لشخص واحد تولي طرفي العقد

______________________________

أيضا و لزومه بلزومها كما في البيع العقدي، و لكن حيث ادعى الإجماع على عدم اللزوم، و قد مرت المناقشة في تحققه و إنه توليدي لا تحقيقي، فالأحوط ما ذكرناه خروجا عن احتمال المخالفة، مع أن في عدم وجوب الوفاء بالشروط المذكورة في ضمن العقود الجائزة إن كان الشرط بمعنى: وجوب الوفاء بها ما دام ذلك العقد باقيا، لعموم أدلة الوفاء بالشرط الشامل لها أيضا.

نعم، يجوز إذهاب موضوع وجوب الوفاء بالشرط بفسخ العقد الجائز، و هو غير عدم وجوب الوفاء به ما دام العقد باقيا، و لكن أرسل بعضهم إرسال المسلمات عدم وجوب الوفاء بها في العقود الجائزة، و يمكن أن يكون المتيقن منه على فرض اعتباره فيما إذا بنى على الفسخ أو عدم البناء على الالتزام به.

و أما مع البناء على الالتزام به فأي فرق بينه و بين اللازم من هذه الجهة، مع انه لا يظن بهم القول بعدم وجوب الوفاء فيما إذا ذكر الشرط في ضمن العقود اللازمية الخيارية، و أي فارق بينها و بين غيرها، و يأتي تتمة الكلام في غير المقام.

(65) لأصالة عدم اعتبار اللفظ لا في الصحة و لا في اللزوم، و للعمومات و الإطلاقات في كل عقد و عهد الشاملة للفظي منه و للفعلي، و لا دليل على الخلاف من عقل أو نقل إلا ما نقل من الإجماع الذي مضى حاله و فساده.

نعم، في بعض العقود دل دليل خاص على عدم صحة المعاطاة فيه و يأتي تفصيله في النكاح و غيره.

(66) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و نصوص خاصة واردة في موارد

ص: 248

أصالة من طرف و وكالة أو ولاية من آخر، أو وكالة أو ولاية من الطرفين، أو وكالة من طرف و ولاية من آخر (67).

مسألة 28: لا يجوز تعليق العقد على شي ء غير حاصل حينه

(مسألة 28): لا يجوز تعليق العقد على شي ء غير حاصل حينه (68)

______________________________

متفرقة (1)، يأتي التعرض لها في محالها.

(67) لأصالة عدم اعتبار التعدد، و الإطلاقات، و العمومات الشاملة لجميع الصور، و لا مانع في البين إلا توهم اتحاد الموجب و القابل، و هو باطل لكافية التعدد الاعتباري، و هو حاصل و لا دليل من عقل أو نقل على اعتبار التعدد الوجودي الخارجي بل الأصل و الإطلاق ينفيه.

(68) للإجماع، و لأن اعتبار التنجيز في الوكالة التي هي من العقود الجائزة بالإجماع يستلزم اعتباره في العقود اللازمة بالفحوى، و لأن العقد لا بد و ان يكون محزوما به حين صدوره، و لعدم تصور التعليق في الإنشاء، و لتوقيفية العقود، و لأن حصول أثر العقد لا بد و أن يكون بعده بلا فصل، هذه هي الأمور التي استدل بها على اعتبار التنجيز في العقود و مانعية التعليق فيها.

و الكل مخدوش. أما الأول: فلمعلومية مستند المجمعين كلا أو بعضا، مع أن المتيقن منه على فرض اعتباره ما إذا كان التعليق موجبا لزوال القصد الجدي الاستعمالي بلا فرق فيه بين الوكالة و غيرها، و معه لا إشكال لأحد في البطلان.

و أما الثاني: فلأن الجزم في الإنشاء موجود فعلا وجدانا و إن أريد به تحقق فعلية الأثر من كل جهة فيرجع إلى الوجه الرابع و يأتي ما فيه.

أما الثالث: فلأن الإنشاء من حيث انه إنشاء لا تعليق فيه و انما التعليق في المنشأ، و هو صحيح و واقع في المحاورات العرفية كثيرا.

أما الرابع: فلا أصل له في ألفاظ العبادات فضلا عن المعاملات، و إنما

ص: 249


1- راجع الوسائل باب: 33 و 37 من أبواب أحكام العقود، و كذا في أبواب النكاح.

سواء علم حصوله فيما بعد أو لا، و لا على شي ء مجهول الحصول حينه (69). و أما تعليقه على ما هو معلوم الحصول حينه- كما إذا قال بعتك إن كان اليوم يوم السبت و كان كذلك فيجوز (70)، و كذا يجوز إن قال: أنت

______________________________

تكون تلك الألفاظ بتمامها من عبادتها و معاملاتها ألفاظ لغوية عرفية نظامية وردت الشريعة عليها لا أنها أخذت منها.

نعم، قد حد الشارع لها حدودا و قيدها بقيود، و كذا معاني تلك الألفاظ في الجملة و لا ربط له بتوقيفية الألفاظ.

أما الخامس: فلأن ترتب أثر العقد تابع لكيفية إنشائه فإن الإنشاء معلقا يترتب بعد تحقق المعلق عليه و إلا فيترتب عليه فعلا، و لا محذور فيه من عقل أو نقل أو عرف و له نظائر كثيرة شرعا و عرفا، و أي فرق بين التكليفيات حتى يجوز فيها التعليق كما أثبتناه في الأصول و الوضعيات حتى لا يجوز فيها.

نعم، يمكن أن يقال: إن بناء العقلاء في العقود المتعارفة بينهم في كل عصر و زمان عدم التعليق فيها إلا في موارد خاصة، بحيث يعد هذا من الأصول المعتبرة المحاورية بينهم، و معه لا يصح التمسك بالإطلاقات و العمومات لتنزلها على العرفيات، و لعل أنظار جميع الفقهاء رحمهم اللّه إلى ما قلناه، فالقصور في التعبير لا في أصل الدليل كما لا يخفى على الخبير.

(69) لشمول بناء العقلاء، و إجماع الفقهاء، و الأدلة المتقدمة على فرض الاعتبار لهذه الصورة.

(70) لإطلاقات أدلة العقود، و عدم جريان جميع ما مر من الأدلة المذكورة للبطلان في هذه الصورة، مضافا إلى ظهور الإجماع على الصحة هذا إذا علم بوجود المعلق عليه.

و أما مع عدم العلم به فيشكل الصحة بناء على اعتبار الجزم بالوقوع، و قد مر ذلك في بيان الأدلة التي أقيمت على اعتبار التنجز في العقود.

ص: 250

وكيلي و لا تبع إلا يوم الجمعة بخلاف ما إذا قال: أنت وكيلي في يوم الجمعة في البيع (71)، أما التعليق على لوازم العقد و شرائطه مع تحققها حين العقد و العلم بذلك فلا بأس به (72).

______________________________

و خلاصة الكلام إن التعليق إما على مشكوك الحصول أو على معلومه، و كل منهما إما حالي أو استقبالي، و على الأربعة إما أن يتعلق بما هو خارج عن العقد أو بما هو من لوازمه فهذه أقسام ثمانية، و في الكل إن قلنا بأن لنفس التعليق من حيث هو موضوعية خاصة في المانعية و البطلان فيوجب البطلان في الجميع، و إن قلنا بأنه لا موضوعية له في البين، بل لا بد من انطباق عنوان آخر مبطل عليه فلا وجه للبطلان في موارد معلوم التحقق، إذا كان خارجا عن العقد فضلا عما كان من لوازمه، و حيث تمسكنا للبطلان بما هو المتعارف بين الناس و التعليق مطلقا غير معهود في العقود المتعارفة لديهم فكل مورد دل دليل على صحة التعليق فيه من إجماع أو غيره نقول به، و في غيره يرجع إلى المعهود المتعارف، مع أن الأغراض المعاملية تختلف حسب اختلاف تأدية المقاصد و التعبيرات و يظهر أثر ذلك عند المنازعة و الخصومة.

(71) لعدم التعليق في الأول بخلاف الثاني و إن كان مفادهما واحدا في الواقع.

ثمَّ أن عدم التعليق أعم من العلم بترتب الأثر على العقد، إذ رب عقد غير معلق يعلم المتعاقدين بعدم ترتب الأثر الشرعي عليه، أو يشكون في ذلك، أو يشك أحد المتعاقدين في أن الآخر يفي بالعقد أو لا، بل لا يضر اعتقاد عدم ترتب الأثر أيضا مع الإنشاء الغير المعلق.

(72) للإطلاقات، و عدم شمول أدلة المانعة على فرض التمامية لهذه الصورة، كما إذا كان المال ماله و هو يعلم به و قال: إن كان مالي بعتك، و لكنه خلاف الاحتياط خصوصا في صورة عدم العلم به فينشأ منجزا أو بإذن للجاهل

ص: 251

مسألة 29: لو قبض المشترى ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه 73 و كان مضمونا عليه

(مسألة 29): لو قبض المشترى ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه (73) و كان مضمونا عليه بمعنى أنه يجب عليه أن يرده إلى مالكه مع وجوده، و مع التلف بآفة سماوية وجب عليه رد عوضه من المثل أو القيمة (74).

______________________________

بالموضوع أن ينشأ.

و الحاصل: أن التعليق على أمر استقبالي مجهول التحقق مبطل لما عرفت، و التعليق على أمر حالي معلوم التحقق لا بأس به لما مر، و التعليق على أمر حالي مشكوك التحقق، و على أمر استقبالي معلوم التحقق فضلا عن مشكوكه يوجب البطلان على المشهور كما تقدم.

(73) للإجماع، بل الضرورة الفقهية و يدل عليه أيضا، الأصل و قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه بعد عدم شمول الأدلة للفاسد من العقود مطلقا.

(74) لأصالة احترام مال الناس التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية، و تدل عليها الأدلة الأربعة. و معناها: إنه مع إمكان رد العين وجب ذلك و مع عدم إمكانه فلا بد من البدل الجعلي أو الواقعي، و مع بطلان الأول- لفرض بطلان العقد و عدم إمضاء الشارع له- يتعين الأخير عرفا و شرعا و عقلا و لا معنى للضمان إلا هذا. هذا مضافا إلى إجماع الإمامية بل المسلمين.

و هذا من فروع القاعدة المعروفة في أبواب المعاملات: كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده التي أطيل الكلام فيها، و حق هذه القاعدة أن تذكر بعد شرائط المتعاقدين و العوضين. و لكن، حيث أن مشايخنا تبعا لمشايخهم تعرضوا لها في المقام تعرضنا لها هنا أيضا و نحن نلخص الكلام في جهات.

الأولى: في شرح لفظها.

الثانية: في مدركها.

الثالثة: في بيان موارد النقض.

الرابعة: في الأحكام المتفرعة عليها.

ص: 252

.....

______________________________

ليعلم أولا إن هذه القاعدة ليست آية من الكتاب الكريم، و لا قول أحد المعصومين عليهم السّلام، و لا مورد إجماع معتبر، فالمدار كله على نفسها، و إنما اصطادها الفقهاء من الاستقراء فيما ورد من المعصومين عليهم السّلام في موارد شتى، و في تقرير الأصول النظامية حفظا للضمانات و تنظيما لقواعد المعاملات فلا فائدة في شرح اللفظ أصلا، و إنما نشير إليه اقتداء بمشائخنا قدس سرّهم فنقول:

أما الأولى: فالمراد بالعقد أعم من اللازم و الجائز، بل يشمل ما هو برزخ بينه و بين الإيقاع- كالخلع- و ذلك كله للإطلاق الشامل للجميع، و المراد بالضمان معناه المعهود في جميع موارد استعمالاته و مشتقاته، و هو: كون الشي ء في ضمن العهدة سواء كان بتسبيب من الشخص، أو بجعل الشارع، أو العرف كما في الغرامات الشرعية أو العرفية. و العهدة لها آثار تكليفية و وضعية، و لكن لا يختلف أصل المعنى باختلافها، ففي ضمان المعاوضة و ضمان التكفل و ضمان للتغريم جامع ضمن العهدة موجود، و الاختلاف في بعض الخصوصيات.

فمعنى القاعدة ان كل مورد كانت عهدة مورد العقد على المتعاقدين في الصحيح فعهدته عليها في الفاسد أيضا هذه ما يتعلق بالضمان. و أما حكمه فكلمة (ب) أما للسببية التامة و العلة المنحصرة، أو لمطلق الاقتضاء و السببية الناقصة، أو للظرفية. و الأول باطل لعدم العلية التامة المنحصرة في جملة من العقود إلا بعد القبض، فيتعين أحد الأخيرين. و الظاهر إن مطلق الاقتضاء مساوق للظرفية في الجملة، و المنساق منهما عرفا ما كان من باب الوصف بحال الذات، فلو كان الضمان بحسب الشرط كالعارية المشروطة فيها الضمان فهو خارج عن السياق العرفي عن موضوع عن هذه الجملة، و الإلحاق الحكمي يحتاج إلى دليل عليه بالخصوص و لا بد في التعميم من النظر في القرائن الخارجية.

أما الثانية: فيدل عليه.

أولا: أصالة احترام المال التي هي من الأصول المعتبرة العقلائية المقررة بمثل قاعدة اليد، و انه «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيبة نفسه» (1)، و ان «حرمة

ص: 253


1- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.

.....

______________________________

ماله كحرمة دمه» (1)، فتقتضي ضمانه بالمثل أو القيمة إلا إذا ثبت المسمى شرعا و مع عدم ثبوته أو الشك فيه فالمتعين انما هو المثل أو القيمة.

و ثانيا: قاعدة اليد التي هي من القواعد العقلائية التي قررها الشارع، و ليس المراد باليد هنا الجارحة الخاصة، بل المراد الاستيلاء فيكون معناها: إن كل من استولى على مال الغير فهو المأخوذ و لا بد من رده إلى صاحبه إما بعينه أو بمثله و قيمته أو بعوضه المسمى إن كان في البين تراض شرعي عليه.

و ثالثا: قاعدة الإقدام فان إقدام المتعاوضين في المعاوضات المالية على حفظ مقدار مالية ما لهم بلا نقيصة فيها بشي ء و هو المثل أو القيمة الواقعية و تعين المسمى من باب الطريقية لهما لا أن يكون له موضوعية خاصة.

فلا وجه لتوهم أن الإقدام إنما وقع على المسمى فقط، فلا وجه لضمان المثل أو القيمة، لأن الإقدام انما يقع على تدارك المال بعوضه الواقعي في الواقع، و المسمى إنما ذكر طريقا إليه فالأصل في الضمانات عند العقلاء كافة المثل أو القيمة الواقعية، فإن حصل تراض شرعي على المسمى فهو طريقي إلا إذا ثبت بدليل معتبر أن له موضوعية خاصة حتى مع فساد العقد، كما لا وجه لتوهم ان الإقدام انما يتحقق مع الجهل بالفساد، و أما مع العلم به فيكون الإعطاء مجانيا لا معاوضيا. فإنه فاسد، لأن العلم بالفساد أعم من المجانية كما في جميع المعاملات بالمحرمات مع علم الطرفين أو أحدهما بفساد المعاملة.

كما أن توهم إن التعليل بالإقدام أعم من وجه من المدعى، لأنه قد يكون الإقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض، و قد لا يكون إقدام في العقد الفاسد كما إذا شرط في البيع ضمان المبيع على البائع إذا تلف في يد المشتري. فاسد و ساقط من أصله لأن المراد: الإقدام المعاملي من حيث ذات المعاوضة من حيث هو لا الجهات الخارجية عن ذات القرار المعاملي، و لا ما هو خارج عن متعارف العقلاء مثل بعتك بلا ثمن فإنه على أي تقدير خارج عن البيع المعهود، لأن محتملات هذا التعبير ثلاثة.

ص: 254


1- مسند احمد بن حنبل ج: 1 صفحة: 446.

.....

______________________________

الأول: قصد البيع الحقيقي المعهود بين الناس و هو من قصد المتنافيين الذي لا يصدر عن عاقل.

الثاني: قصد الهبة بلا عوض بهذا اللفظ فيصير خارجا عن المقام، و يأتي حكمه في بيان عكس المسألة.

الثالث: قصد البيع الحقيقي مع شرط إسقاط الثمن و هو أيضا خارج، لما مر من استظهار كون الحكم بحسب ذات العقد لا من الجهات الخارجية من شرط أو غيره. و لو عبر عن أصل قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده بهذا التعبير- يسلم عن جملة من التطويلات-: «المعاوضات لا بد منها من تدارك العوض جعليا كان أو واقعيا لتقومها بذلك، و المجانيات لا تدارك لها بشي ء لفرض المجانية» و لما احتجنا إلى شرح و بسط أزيد من تصور مفهوم الجملة، و يغني نفس هذا التصور عن إقامة المدرك عليه، و تكون من القضايا التي قياساتها معها هذا حكم أصل القضية المعهودة.

و أما عكسها و هو: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

ففيه: تعقيد أيضا و حق التعبير فيه أن يقال: المجانيات و العقود الاستيمانية لا ضمان فيها بالفطرة.

أما الأولى: فبضرورة من العقل و العقلاء، لأن الضمان مطلقا ينافي المجانية.

و أما الأخير: فلأن التضمين ينافي الاستيمان و التأمين عرفا و شرعا و عقلا، فيصير خلاصة الأصل و العكس أن المعاوضات متقومة بالعوض إما جعلا أو واقعا، و المجانيات و الاستيمانات لا تدارك فيها بشي ء، و الظاهر كونهما أصلا و عكسا من الضروريات في جميع الملل و الأديان بلا اختصاص بخصوص شرع الإسلام، و منه ظهر انه لا وجه لاتعاب النفس في بيان المدرك و الدليل للأصل و العكس، لأن ما كان دليله معه و يغني تصوره عن إقامة الدليل عليه لا وجه لتضيع الوقت و الاطناب فيه.

أما الجهة الثالثة فذكروا للنقض موارد كلها مخدوشة نشير إلى الجميع بنحو التلخيص و التهذيب.

ص: 255

.....

______________________________

منها: ما قيل في الضمان في العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة مع أن صحيحها لا يوجب ضمان العين، لأن العين أمانة في يد المستأجر لاستيفاء منفعتها و لا وجه لتضمين الأمين.

و فيه. أولا: أنه يظهر من الأصحاب عدم ضمان العين في الإجارة الفاسدة لعين ما ذكروه في الإجارة الصحيحة، فإن الإذن المالكي في الاستيلاء على العين لأجل استيفاء المنفعة حصل فيهما، و لحاظ صحة الإجارة إنما هو بنحو الداعي لا التقييد، فلا يضر تخلفه بلا فرق بين الصحيحة و الفاسدة من هذه الجهة، فلا وجه لكون خروج العين المستأجرة في الإجارة الفاسدة لأجل التخصص لأن الإجارة إنما يتعلق بالمنفعة دون العين كما قد يتوهم، إذ لا فرق على هذا المبنى بين الإجارة الصحيحة و الفاسدة، لخروج العين عن موردها في كليهما.

نعم، هي مورد استيفاء المنفعة و يأتي التفصيل في كتاب الإجارة. كما لا وجه لكونه لأجل التخصيص بدعوى: أن مقتضى عموم قاعدة اليد الضمان مطلقا، و هو مقدم على هذه القاعدة، إذ فيه: إنه لو عمل بهذا العموم لا يبقى مورد لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده. بل قاعدة اليد مخصصة بقاعدة عدم جواز تضمين الأمين.

و منها: الصيد الذي استعاره المحرم من المحل بناء على فساد العارية، فقيل بضمان المحرم له بالقيمة مع أن صحيح العارية لا يوجب الضمان.

و فيه: أن الأكثر لم يظهر منهم القول بالضمان في صورة التلف السماوي الذي هو مورد البحث، و إنما حكموا بالضمان في صورة الإتلاف الذي ليس مورد البحث أصلا.

و يمكن أن يكون المقام من الإتلاف عرفا، لفرض حرمة الإمساك و الرد و وجوب الإرسال، فإن حكم العرف بأنه إتلاف فلا ريب في الضمان لأجل الإتلاف، و إن شك فيه أو حكم بعدمه فلا ضمان في البين و ان تلف، للأصل و القاعدة، و الحكم بالضمان لأجل اليد، أو لأجل تقديم حق الناس على حق اللّه تعالى، أو الضمان و الفداء جمعا بين الحقين. لا دليل على ذلك كله، لأن اليد مخصصة ببناء العقلاء، على أن المجانيات لا ضمان فيها لوجود الإذن المجاني

ص: 256

.....

______________________________

وجدانا فيها، و قضية تقديم حق الناس على حق اللّه تعالى من فروع قاعدة اليد، مع إنها لا كلية فيها.

و الأخير: لا دليل عليه من عقل أو نقل، فيا ليت الفاضل رحمه اللّه لم يظهر منه هذا القول حتى يقع الاعلام في البلوى.

مع انه لا دليل يصح الاعتماد عليه كما حققه شيخنا المحقق المدقق الأصبهاني الغروي قدس سرّه في حاشيته على المكاسب مفصلا، و من شاء فليراجع إليه فإنه رحمه اللّه أدى حق المطلب بحثا و كتبا، فلا وجه للنقض على القاعدة من هذه الجهة.

و منها: المنافع الغير المستوفاة فإنها غير مضمونة في البيع الصحيح بخلاف الفاسد.

و فيه: إن المنافع و الأغراض العقلائية بالنسبة إلى العين تلحظ في القيمة تكون مالية العين بلحاظ المنافع المترتبة عليه كما هو واضح، فالضمان واحد بسيط انبساطي بالنسبة إلى العين و المنافع، لا أن يكون متعددا عرضيا بالنسبة إلى العين تارة، و بالنسبة إلى المنافع أخرى، كل منهما مستقلا و في عرض الآخر.

و الظاهر إن في الرجوع إلى الوجدان كفاية عن اقامة البرهان.

و منها: حمل المبيع فاسدا، فعن جمع القول بضمانه في البيع الفاسد مع إنه غير مضمون في البيع الصحيح.

و فيه: مع إن المسألة خلافية أن الحمل مضمون في البيع الصحيح و الفاسد، لأنه أما داخل في المبيع بالتبعية أو من المنافع التي تقسط الثمن عليها عرفا، فلا وجه للنقض بالنسبة إليه أيضا و متعارف أهل الخبرة شاهد لما قلناه.

و منها: الشركة الفاسدة بناء على أنه لا يجوز التصرف فيها، فأخذ المال المشترك حينئذ موجب للضمان مع أن صحيحها لا يوجبه.

و فيه: إنه لم ينقل فيها الضمان عن أحد فعده من موارد النقض عجيب.

نعم، الضمان مقتضى كون التصرف عدوانا و هو جار في جميع موارد القاعدة كما هو واضح إلى النهاية.

فتلخص من الجميع إنه لا نقض على القاعدة أصلا و عكسا و كل منهما

ص: 257

.....

______________________________

صحيحة موافقة لوجدان العقلاء في عقودهم المعاوضية و الاستيمانية، و ما ورد من قوله عليه السّلام: «أن من استمأنه المالك ليس له أن يضمنه» (1)، موافق للفطرة العقلائية كما هو كذلك في جميع الأحكام الشرعية بعد التهذيب و التلخيص.

أما الجهة الرابعة: ففيها فروع مهمة نذكر خمسة عشر منها هنا، و نذر البقية إلى كتاب الغصب و سائر المقامات المناسبة.

الأول: يجب رد المقبوض بالعقد الفاسد إلى مالكه مع العلم بعدم رضائه ببقاء المال تحت يده، بل و مع الشك أيضا بالإجماع بل الضرورة، و قوله عليه السّلام:

«لا يحل مال أمر مسلم إلا بطيب نفسه» (2).

الثاني: هذا الوجوب فوري، لأصالة الفورية في رد أموال الناس و حقوقهم إلا ما دل الدليل على الخلاف، و قد أرسل صاحب الجواهر هذا الأصل إرسال المسلمات في موارد كثيرة من كتابه الشريف، و تقتضيه الفطرة السليمة من المتشرعة بل العقلاء أيضا بالنسبة إلى أموالهم، لأن الاستيلاء على مال الغير بدون إذن مالكي و لا شرعي قبيح في جميع الآنات المتصورة، و رفع هذا القبح إنما يتحقق بالرد فيجب في أول أوقات الإمكان.

الثالث: لو علم كل منهما برضاء صاحب المال فيما قبضه، و لو على تقدير فساد العقد يجوز لكل منهما التصرف و الانتفاع بما قبضه و لو بإتلافه و لا ضمان عليه، لأنه حينئذ من المعاطاة فيما إذا كان الفساد من ناحية نفس العقد لا من ناحية العوضين و المتعاملين، و قد تقدم ما يتعلق بها.

الرابع: مئونة الرد على القابض، لوجوب ما لا تتم الواجب إلا به و لا فرق بين القليلة و الكثيرة إلا إذا كانت إجحافا. هذا إذا كان هو الناقل من مكانه و أما إذا كان في مكان القبض و قد انتقل البائع إلى محل آخر، فمقتضى الأصل عدم وجوب المؤنة عليه و كفاية مجرد التخلية.

الخامس: لو كانت في إمساكه مصلحة صحيحة شرعية و كان من الإحسان المحض إلى المالك يشكل وجوب الرد حينئذ لقوله تعالى:

ص: 258


1- الوسائل ورد مضمونه في باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 11.
2- تقدم في صفحة: 253.

.....

______________________________

ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)، و إن المتيقن من أدلة وجوب الرد و المنصرف منها غيره.

السادس: لا فرق في الإمساك المحرم بين الزمان القليل و الكثير، لعموم:

«لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (2)، الشامل لكل منهما.

السابع: أصل القبض في المعاملات الفاسدة حرام تكليفي، و موجب للضمان إن كان الرضاء مقيدا بالمعاملة الفاسدة، لشمول: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (3)، لأصل الحدوث و البقاء.

نعم، لو كان الرضاء مطلقا غير مقيد بها فلا حرمة حينئذ في البين.

الثامن: المنافع المستوفاة من العين مضمون بالعوض على من استوفاها، لأصالة احترام المال المقررة بقوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (4)، و بقاعدتي اليد، و الإتلاف، و لا ينثلم هذا الأصل النظامي العقلائي إلا بدليل صحيح صريح و هو مفقود.

و أما ما نسب إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الخراج بالضمان» (5)، فهو مجمل متنا، فيحتمل أن يكون المراد من ضمن خراج أرض من الدولة يجب عليه ذلك و لا ريب في انه أجنبي عن المقام، أو يكون المراد أن منافع الشي ء بإزاء تضمين العين بالعوض تضمينا مالكيا سواء قرره الشارع أو لا، و هذا هو الذي استفاده صاحب الوسيلة و لا ريب في أنه من مجرد الاحتمال من دون أن يكون من ظاهر المقال، أو يكون المراد ضمان العين بالعوض ضمانا صحيحا شرعيا، و هذا يختص بالمعاملات الصحيحة الشرعية، أو يكون المراد مجرد اشتغال الذمة يعني: أن كل من كان مشغول الذمة بشي ء تكون منافعه له، و هذا هو الذي استفاده أبو حنيفة من ظاهر الحديث و مع هذه الاحتمالات يسقط أصل الحديث عن الاستدلال و لو تمَّ سنده.

ص: 259


1- سورة التوبة: 91.
2- تقدم في صفحة: 253.
3- تقدم في صفحة: 253.
4- تقدم في صفحة: 253.
5- سنن ابي داود باب: 71 من أبواب البيوع حديث: 3508 و في سنن ابن ماجه باب: 43 من أبواب التجارات حديث: 2243.

.....

______________________________

و أما موثق ابن عمار قال: «سأله رجل و أنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال: أبيعك داري هذه، و تكون لك أحب إليّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردها عليّ؟

فقال عليه السّلام: لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه، قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال: الغلة للمشتري، ألا ترى إنه لو احترقت لكانت من ماله» (1)، و في خبر معاوية بن ميسرة قال: «سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه و بين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط انك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله؟ قال عليه السّلام: له شرطه، قال أبو الجارود: فإن ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين؟ قال عليه السّلام: هو ماله، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري» (2)، فإنها تدل على أن النماء للمالك و حيث أن المالك في المعاملات الفاسدة إنما هو من انتقل عنه المال لا من انتقل إليه يصح الاستدلال بها للمقام أيضا و إن لم تكن فيها خصوصية خاصة للاستدلال بها فيما نحن فيه.

التاسع: يضمن القابض المنافع الغير المستوفاة الفائتة تحت يده أيضا لقاعدة الاحترام و اليد، و الإتلاف فإنه باستيلائه على مال الغير و إمكان رده إليه، و مع ذلك لم يرده إليه يصدق أنه أتلف عليه المنافع و إن لم يستوفها لنفسه.

و توهم: إن المنافع ليست بأموال، و إن قاعدة اليد لا تشملها، لاختصاصها بالأعيان، و قاعدة الاحترام انما تقتضي عدم جواز التصرف و عدم إتلافه بلا عوض و أما الضمان مع عدم الاستيفاء كما هو المفروض فلا تدل القاعدة عليه.

فاسد: إذ الأول مخالف لوجدان للناس، فإن مالية المنافع لديه كمالية الأعيان بلا فرق بينهما في ذلك، و الثاني أيضا مخالف لوجدانهم حيث أنهم يرون أن اليد عبارة عن الاستيلاء على ما يتعلق بالغير و منعه عما يتعلق به، و هو ثابت في الحقوق فضلا عن المنافع، كما إن الأخير لا وجه له، لأن مقتضى

ص: 260


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخيار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الخيار حديث: 3.

.....

______________________________

الاحترام حرمة التصرف و تدارك ما تلف تحت يده و تصرفه، و العرف أصدق شاهد في المقام، مع انهم لا يفرقون بين المقبوض بالعقد الفاسد و المغصوب و ظاهرهم الاتفاق على ضمان المنافع الغير المستوفاة في الغصب، و طريق الاحتياط التصالح و التراضي في هذه المسألة التي اختلفت فيها الأقوال التي لا دليل على جملة منها كما لا يخفى على من راجع المطولات.

العاشر: المتعارف بين العقلاء كافة في ضماناتهم و غراماتهم أنهم يرون تدارك أموالهم بالمثل فيما هو مثلي، و بالقيمة فيما لم يكن كذلك، و ليس لفظ المثل و القيمة من الحقائق الشرعية و لا المتشرعة حتى يطنب فيها الكلام، بل هما من الأمور النظامية المعاشية بين جميع الأنام من حدوث المدنية بينهم إلى يوم القيام، و الفقيه في مثل ذلك لا بد، و أن يتبع ما هو المغروس في فطرتهم، فلا وجه لإجماعهم فيما هو مختلف فيه حتى زمان انعقاد إجماعهم على فرض اعتباره، و لو فرض ورود هذين اللفظين في خبر من الأخبار ليس ذلك لأجل تعبد شرعي فيه، بل لأجل أنه موضوع عرفي لا بد و أن يرجع فيه إلى العرف كما في سائر موضوعات الأحكام التي وردت في شريعة الإسلام فكل شي ء من الأشياء حكم أهل خبرة ذلك الشي ء انه مثلي يكون ضمانه بالمثل، و كلما لم يحكم به كذلك فهو قيمي يكون ضمانه بالقيمة، فجميع المصنوعات بالمكائن من الأقمشة و غيرها مما لا يحصى مثلي عند أهل الخبرة، و في غيرها قد يتحقق المثلية أيضا. و في مورد الشك في إنه مثلي أو قيمي فمع تساويها في المالية و القيمة يتخير الدافع، لعدم دليل على التعيين بعد ظهور إجماعهم على عدم وجوب الاحتياط في الماليات مؤيدا بقاعدة نفي الضرر، و مع التفاوت فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الزائد على الدافع لتردد أصل اشتغال الذمة في حاق الواقع بينهما، سواء قلنا بأن نفس العين في الذمة إلى أن تفرغ أو أن بالتلف تشتغل الذمة بالمثل في المثلي و القيمة في القيمي، لأن أصل اشتغال الذمة من حيث ذات المالية مردد بين الأقل و الأكثر، و في مثله تجري البراءة عن الزائد كما في العبادات أيضا، مع أنه يحرم على الطرف أخذ الزائد أيضا، و طريق الاحتياط التصالح أو القرعة. هذا إذا كانت الشبهة موضوعية.

ص: 261

.....

______________________________

و أما إن كانت مفهومية بأن تردد مفهوم أصل المثل بين المثلية في المالية فقط أو هي و الكيفية أو هما و سائر الجهات الملحوظة فيصير مفهوم القيمي أيضا مرددا بين الأقل و الأكثر، فإن كان عرف معتمد في البين يرجع إليه، لأن المسألة عرفية لا عقلية و لا استنباطية، و العرف الخاص مقدم على العام كما في سائر الموارد و إن لم يكن كذلك، فالبحث فيه.

تارة: بحسب الأصل اللفظي.

و أخرى: بحسب الأصل العملي.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأولى: فقد يقال إن مقتضى إطلاق قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1)، أن الأصل في الضمانات بالمثل إلا ما خرج بالدليل، لما أثبتوه في صناعة الأصول من ان العام المخصص بالمجمل مفهوما المتردد بين الأقل و الأكثر حجة بالنسبة إلى موارد الشك، فالآية الكريمة مخصصة بالقيمات و المفروض إنها مرددة بين الأقل و الأكثر أي: المتيقن و المشكوك فالتخصيص ثابت بالنسبة إلى المتيقن و في المشكوك يرجع إلى أصالة العموم.

و فيه. أولا: أنه ليس لفظ المثل في الآية الكريمة مستعملا في المثل في مقابل القيمة بل في الماهية المهملة الجامعة بينهما كما يتصور الجامع بين الصحيح و الأعم، فالمثلية المذكورة فيها لا اقتضائية من كل جهة لا بد و إن يرجع في التعيين إلى سائر الجهات المعتبرة، و هذا هو شأن الآيات الكريمة في تشريع القوانين الكلية.

و ثانيا: على فرض أن يكون المثل في المقام مقابل القيمة لا تثبت أصالة المثلية إلا إذا أستفيد من الآية الكريمة في المطلقة لا مطلق المثلية، و إثبات الأولى يحتاج إلى دليل و هو مفقود بل الظاهر هو الأخير، لأن الأغراض العقلائية في الأموال إنما يتعلق بحفظ المالية فقط، و المثلية الخارجية طريق إليها لا أن

ص: 262


1- سورة البقرة: 194.

.....

______________________________

تكون لها موضوعية خارجية، و على هذا يمكن أن يستدل بالآية على أصالة القيمة في الماليات مطلقا، فلا تدل الآية على أصالة المثلية بمجرد ورود لفظ «المثل» فيها.

و قد يستدل على أصالة المثلية بأن المثل أقرب إلى التآلف فلا بد من اعتباره أصلا في الضمانات المالية.

و فيه. أولا: انه أول الدعوى، لأن قيم الأموال أصولها مطلقا، و المالية تدور مدارها.

و ثانيا: من قال بأن بناء العقلاء في التضمنيات على رعاية الأقرب إلى التآلف مطلقا حتى مع تساوي المالية من كل جهة.

نعم، لو كانت الأقربية موجبة لتفاوت المالية تلاحظ حينئذ، و لكنه يرجع إلى أصل المالية، و لو كان شخص دقيقا في تضمينه بالدقيات التي توجب الأقربية إلى التآلف لعد مستنكرا لدى متعارف الناس و يوبخونه و يجعلون ذلك من الصفات الخسيسة.

أما الثانية: فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر، لأن التحفظ على أصل المالية و ضمانه معلوم عقلا و شرعا و الخصوصيات الأخرى ما لم توجب زيادة المالية مشكوكة و المرجع فيها البراءة.

و قد يتمسك بأصالة احترام المال و إن مقتضاه هو المثل مطلقا.

و فيه: إن ضمان أصل المال و الخروج عن عهدته بهذا الأصل معلوم من طريقية العقلاء الزائد عليه مشكوك، فيكون من مجاري البراءة العقلائية.

و أما الثالثة: أي الكلمات فهي مشوشة مضطربة هنا و في الغصب فراجعها في المطولات تجدها كذلك.

و يمكن جعل النزاع بينهم لفظيا، لأن خصوصيات المثلية أقسام ثلاثة.

الأول: ما توجب زيادة المالية و لا فرق فيها بين ضمان المثل و القيمة اتفاقا.

الثاني: ما توجب زيادة رغبات الناس في بذل المال، و هي أيضا كذلك.

الثالث: ما تكون اقتراحية فقط من دون أن توجب الزيادتين و لا دليل من

ص: 263

.....

______________________________

عقل أو نقل على لزوم ملاحظة الأخير، فراجع و تأمل، فإنه لو بني على وجوب مراعاة، اقتراحيات الناس في الغرامات لاختل النظام، و يظهر مما ورد في القتل في الحرم (1)، أن المناط في المثلية بعد لحاظ أصل الاعتذار لا بد و ان يكون من الأمور المهمة جدا لا كل شي ء ينساق إليه النظر، ففي موثق ابن عمار قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في رجل قتل في الحرام أو سرق؟ قال عليه السّلام: يقام عليه الحد في الحرم صاغرا لأنه لم ير للحرم حرمة، و قد قال اللّه عز و جل: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ- الحديث-» (2)، فما يعتبر في المثلية بحكم العقلاء لا بد من إتباعه، و ما هو مشكوك الدخل ليس لنا دليل على اعتباره، لأن التمسك بالأدلة اللفظية تمسك بالعام في الشبهة الموضوعية و مقتضى الأصول العملية عدم اعتباره كما مر.

الحادي عشر: للمثل حالات مختلفة عدم الوجود إلا بأكثر ثمن المثل، و تعذر وجدانه: و سقوطه عن المالية. و لا بد و ان نتعرض لجميع ذلك فنقول: إنه لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل و كان ذلك لأجل ترقي القيمة السوقية وجب تحصيله، لعموم الأدلة و بناء العقلاء في غراماتهم، و كذا لو كان ذلك لجهة أخرى و لم يكن ضرر على الغارم. و أما معه فمقتضى قاعدة نفي الضرر التبدل بالقيمة. هذا إذا لم يكن عالما بالفساد و لا غاصبا. و أما فيهما فعن جمع لزوم تحمل الضرر عليه.

أما الأول: فلإقدامه عليه، و أما الأخير فلأنه «يؤخذ بأشق الأحوال»، و يمكن الخدشة فيهما، لأن العلم بالفساد أعم من الإقدام على الضرر كما هو واضح عند الناس في معاملاتهم التي يعلمون بفسادها، و قضية الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال ليست حديثا و لا معقد إجماع معتبر، فإن تمَّ إجماع عليه فهو و إلا فمقتضى قاعدة نفي الضرر التبدل بالقيمة، و يأتي في كتاب الغصب تتمة الكلام.

الثاني عشر: يجوز للمالك مطالبة عوض ماله مثلا كان أو قيمة في أي محل شاء و أراد سواء وصلت إلى ذلك المكان عين ماله أولا، لعموم: «الناس

ص: 264


1- الوسائل باب: 46 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.

.....

______________________________

مسلطون على أموالهم» (1)، لكنه مع تعذر المثل في المثلي ينقل إلى القيمة كما في سائر الموارد.

الثالث عشر: ليس للمالك الإلزام بالرد إلا إلى المكان الذي وصلت إليه العين، و كذا ليس له الإلزام بالمثل إلا في الأمكنة التي وصلت إليها العين، و ذلك لظهور أدلة الضمانات في ذلك، فتكون نسبة الأمكنة التي مرت عليها عين ماله نسبة الأيادي التي جرت عليها في صحة الإلزام بالرد، لفرض جريان حكم الغصب و العدوانية بالنسبة إلى الجميع فيكون جواز المطالبة أعم موردا من الإلزام بالدفع.

هذا مع التفاوت و أما مع التساوي من كل جهة فيصح الإلزام بالرد أيضا في كل مكان.

الرابع عشر: لو تعذر المثل لا بد من تفريغ الذمة بالقيمة و إنما الكلام في جهات.

الأولى: المرجع في التعذر حكم المتعارف من أهل الخبرة بذلك الشي ء و كل ما قاله الفقهاء، فإن رجع إلى حكم العرف فهو و إلا فلا دليل عليه، و الظاهر اختلاف ذلك عند العرف بحسب الأزمنة و الأمكنة و الأشياء اختلافا كثيرا- خصوصا في هذه الأزمان التي تقاربت البلاد من شرقها و غربها- و مع الشك فالمرجع وجوب تفريغ الذمة بالمثل.

الثانية: يجوز للمالك مطالبة القيمة مع ثبوت تعذر المثل، كما يجوز له الصبر إلى وجدانه، لقاعدة السلطنة، و ظهور الإجماع و السيرة العملية بين المتشرعة.

الثالثة: يجوز للضامن إلزام المالك بأخذ القيمة إن كان تعذر المثل أبديا دائميا، و أما ان كان ما داميا و أراد المالك الصبر فطريق الاحتياط في التراضي، للشك في ثبوت الحق حينئذ لكل منهما في ذلك.

الرابعة: لكل عين من الأعيان- كالحنطة مثلا- اعتبارات منها الثبوت

ص: 265


1- تقدم في صفحة: 232.

.....

______________________________

الخارجي بشخصيتها.

و منها: اعتبار المالية التي هي من أهم الاعتبارات بين العقلاء.

و منها: الاعتبار الذمي بنحو الكلية كجميع الكليات الذمية الدائرة بين العقلاء في معاملاتهم و ديونهم.

و منها: اعتبار نفس العين الخارجي في الذمة لا بقيد الخارجية حتى يستحيل ذلك بل بعنوان الظرفية، فجميع الأعيان الخارجية بتمام صفاتها و جهاتها لها ظرفان ظرف خارجي و ظرف اعتباري ذمي، و ليس كل ما يعتبر في الذمة لا بد و أن يكون كليا إذ لا دليل عليه من عقل أو نقل، لأن الذمة أوسع من الخارج بمراتب، فيصح اعتبار الجزئي الخارجي فيها أيضا. و على هذا فلو تلف العين في الخارج يعتبر اشتغال الذمة بنفسها لا بالمثل أو القيمة بمجرد التلف، لفرض صحة اعتبار بقائها الذمي و لا وجه للانتقال بمجرد التلف إلى المثل أو القيمة، لعدم ملزم لذلك من عقل أو نقل و الانتقال إليهما انما هو حين الأداء، إذ لا يمكن الأداء إلا بأحدهما مع فرض تلف العين، فالانتقال إنما هو انتقال أدائي فقط لا ذمي، إذ العين باقية في الذمة إلى حين فراغها:

إن قيل: لا وجه لاشتغال الذمة بالعين بعد التلف مع عدم القدرة على أدائها.

يقال: الوضعيات لا تدور مدار القدرة و ما تدور مدارها انما هو التكليفات و المفروض ان حين الأداء تنقلب العين إلى المثل أو القيمة هذا.

و لكن نسب إلى المشهور إن الانتقال إليهما إنما هو حين التلف، فإن كان ذلك منهم لأجل عدم إمكان اعتبار نفس العين في الذمة فإمكانه من الوضوح بمكان، و إن كان لأجل دليل آخر فلم يصل إلينا منهم في ذلك شي ء حتى نرى صلاحه و فساده، و سنشير إلى الثمرة بين الوجهين في بعض ما يأتي من الفروع.

الخامسة: المدار في القيمة في المثلي المتعذر مثله على يوم الأداء و الدفع، و هذه مما اضطربت كلماتهم فيها غاية الاضطراب مع عدم استناد جملة منها إلى ركن وثيق و لا بنائها على التثبت و التحقيق و ربما ينهي الأقوال فيها إلى عشرة بل أكثر، و نحن نقدم مقدمات عرفية صحيحة لعلها تنفع في غير

ص: 266

.....

______________________________

المقام أيضا.

منها: إن المالية على أقسام.

الأول: الاعتقادية الوهمية بأن يعتقد شخص بأنه ذا مال و لا أثر لمثل هذه المالية لا شرعا و لا عند العقلاء كافة، بل هو فقير تحل له الصدقات.

نعم، لمثل هذه الاعتقادات و الأماني الباطلة لذة خيالية فقط، و قد قيل:

أمانيّ أن تحصل نكن غاية المنى و إلا فقد عشنا بها زمنا رغدا

الثاني: المالية الخارجية الغير المستقرة كترقي القيم السوقية العابرة في زمان يسير الغير الواصلة إلى مرتبة الفعلية، فمن كانت له أموال ترقت فيهما السوقية في يوم أو أيام إلى ألوف الدنانير مثلا ثمَّ تنزلت لا يقال إنه صاحب ألوف من الأموال، بل ربما يعد من الفقراء في الحال و هو مسلم عند الشرع و العقلاء، و تقدم في كتاب الخمس عدم تعلقه بزيادة القيمة السوقية مع عدم الوصول إلى مرتبة الفعلية، لأنها ليست بربح و لا مال عرفي عند الناس، و كذا تحقق الاستطاعة بها ممنوع أيضا إلى غير ذلك من الفروع التي نشير إليها في محالها. و من ذلك يظهر سقوط جملة من الأقوال في ضمان أعلى القيم من كذا إلى كذا و إن شئت العثور عليها فراجع المطولات.

الثالث: المالية المستقرة الثابتة لا العبورية الزائلة و هي التي ينتظم بها النظام في شرع الإسلام و عند عقلاء الأنام و المراد بالمستقرة الثابتة أي الصرفية الفعلية.

و منها: إن المرجع في الحكم بتفريغ الذمة و سقوط الشي ء عنها هو العرف، فمهما حكموا بذلك تشمله الأدلة الشرعية أيضا، و هم يحكمون بالفراغ فيما إذا تداركت المالية في يوم الأداء إذا لم يكن من اشتغلت ذمته في مقام تضييع حق المالك و الإضرار به مهما أمكنه، و لا يلتفتون إلى ما وراء ذلك.

إن قيل: نعم و لكن ظاهر قوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1)، هو التضمين بأعلى القيم من يوم الاعتداء إلى يوم الأداء، لفرض أن

ص: 267


1- سورة البقرة: 194.

.....

______________________________

زمان أعلى القيمة وقع الاعتداء أيضا فيصح الاعتداء بمثله.

يقال: المنساق منها في الأموال انما هو الاعتداء بمثل المالية المستقرة أي الصرفية الفعلية لا الحادثة الزائلة، و مجرد الشك في كون المراد من الآية ذلك يكفي في عدم صحة التمسك بإطلاقها، لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

و منها: أن نفس العين تعتبر في الذمة بحسب الحكم الوضعي حتى مع وجودها في الخارج، لأن الاعتبار خفيف المؤنة لا منافاة بينها و بين تحقق مورده في الخارج أيضا فهي باقية في الذمة إلى حين فراغها عنه عرفا فيصير اعتبارها فيها لغوا حينئذ و لا ريب في ضمان تفاوت المالية بمعنى: إنه إن افرغ ذمته حين ترقى القيمة السوقية وجب عليه أداء قيمة ذلك الحين، و أما لو لم يفرغ ذمته فاستقراره في الذمة لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل الأصل العقلي و النقلي ينفيه.

إن قيل: إن استقراره في الذمة من فروع بقاء العين فيها و صحة اعتبارها في الذمة، فكلما دل على بقائها في الذمة يدل على اشتغالها بترقي القيمة السوقية أيضا.

يقال: قد تقدم إن للعين حيثيات كثيرة، حيثية العينية من حيث هي، و حيثية المالية إلى غير ذلك من الحيثيات و اعتبارها في الذمة إنما يكون من الحيثية الأولى، و أما من الحيثية المالية فهي لا اقتضاء بالنسبة إلى مراتبها و حدودها فلا تتعين تلك المراتب و الحدود إلا بالتفريغ فقط من باب السالبة المنفية بانتفاء الموضوع.

و منها: إن قيمة العين إما أن تكون متساوية من حين أخذها إلى حين الأداء فلا موضوع للأقوال في هذه الصورة أصلا، و كذا لو كانت متفاوتة تفاوتا يسيرا يتسامح فيه عند المتعارف، و أما أن تكون متفاوتة بالترقي من حين الأخذ إلى حين الأداء تفاوتا لا يتسامح، كأن تكون حين الأخذ درهما فصارت بالتدريج إلى خمسة دراهم مثلا حين الأداء، و قد استظهرنا تعين قيمة حين الأداء خصوصا مع التقصير فيه.

ص: 268

.....

______________________________

و أما ان تكون بالعكس، بأن تكون حين الأخذ خمسة دراهم فنزلت إلى درهم حين الأداء و حينئذ إما أن يكون التأخير لعدم التمكن من الأداء و القصور عنه، أو يكون مع القدرة عليه عرفا و شرعا و التعمد في التأخير مترقبا لتنزل القيمة، و الجزم بأن المدار على قيمة يوم الأداء في هذه الصورة مشكل جدا بل ممنوع، و بذلك يمكن أن يجمع بين جملة من الكلمات التي أهمل تفصيلها.

الخامس عشر: المرجع في تعيين قيمة المثل إنما هو أقل خبرة ذلك الشي ء، فإذا كان الشي ء من المثليات المتوسطة تفرض قيمتها كذلك أيضا، و إن كان من المثليات النادرة الوجود نفرض قيمتها هكذا، و المرجع في تعيين ذلك كله الثقات من الخبراء البصراء، هذا بعض الكلام هنا و يأتي في كتاب الغصب إن شاء اللّه تعالى، إذ الدليل واحد و إن تعددت الفروع.

ثمَّ انه قد يستدل على اعتبار يوم الغصب بصحيح أبي ولاد: «أرأيت لو عطب البغل و نفق أ ليس كان يلزمني؟ قال عليه السّلام: نعم قيمة بغل يوم خالفته- الحديث-» (1)، و محتملات هذه الجملة ثلاثة.

الأول: أن يكون الظرف متعلقا يلزمك المستفاد من قوله عليه السّلام: «نعم» فيدل على إن يوم المخالفة يوم اشتغال الذمة بالقيمة. أما انها قيمة يوم المخالفة أو أعلى القيم أو قيمة الأداء فلا يستفاد ذلك منه، و هذا احتمال حسن ثبوتا و لا محذور فيه إثباتا إلا ما عن الشيخ الأنصاري رحمه اللّه من أن اشتغال الذمة بالمغصوب من حين الغصب معلوم لكل أحد و لا وجه للسؤال عنه.

و فيه: إن السؤال ليس عن اشتغال الذمة بأصل المغصوب حتى يكون مستهجنا بل عن الاشتغال التقديري لو عطب البغل و نفق، أي: الانتقال إلى البدل، فقال عليه السّلام: إن الانتقال إلى البدل إنما هو يوم المخالفة و أما انه هل يتعين البدل في خصوص يوم المخالفة أو غيرها فلا يستفاد ذلك من هذه الجملة.

نعم، يمكن أن يستفاد منها ما نسب إلى المشهور من اشتغال الذمة بالبدل مع تلف العين لا أن يكون نفس العين معتبرة في الذمة بعد التلف أيضا إلى حين

ص: 269


1- الوسائل باب: 17 من أبواب آداب أحكام الإجارة حديث: 1.

.....

______________________________

التفريغ و الأداء كما اخترناه، و لكنه أيضا مشكل، لإمكان أن يقال: إن الحديث في مقام بيان الحكم التكليفي لا الوضعي.

الثاني: أن يكون يوم المخالفة متعلقا بالقيمة المضافة إلى البغل، فكأن القيمة أضيفت إلى البغل أولا و إلى يوم المخالفة ثانيا، فيستفاد منه تعين يوم المخالفة.

الثالث: أن يكون يوم المخالفة قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل، فيدل هذان الوجهان على أن المناط في الضمان على يوم المخالفة، و هما لشيخنا الأنصاري رحمه اللّه.

و أشكل على الوجه الأول منها جميع المحشين بأن المضاف لا يضاف ثانيا إلا أن يلحظ مقيدا بالإضافة الأولى، فيصير كالوجه الثاني منهما فلا وجه لتعددهما. و يمكن أن يجاب عنه بكفاية التعدد الاعتباري، و هو حاصل بلا إشكال.

و لكن يرد عليهما عدم استفادة اختصاص يوم المخالفة باستقرار الضمان من كل جهة: لإمكان أن يكون المراد منها حدوث طبيعي الضمان فيها و تصاعده بتصاعد القيمة و تنازله بتنازلها إلى حين الأداء و التفريغ، و يشهد له اختلاف التعبير.

فتارة: عبر بيوم «المخالفة».

و أخرى: «بيوم ترده عليه».

و ثالثة: بيوم «الاكتراء» فلا يستفاد من هذه الجملة قاعدة كلية للضمان في أبواب الضمانات.

ثمَّ إن الشيخ رحمه اللّه فصل القول في الفروع المستفادة من الصحيحة، مع ان جملة منها لا ربط لها بالمقام و لا بد و أن يتعرض لها في كتاب القضاء.

ص: 270

فصل في شروط المتعاقدين

اشارة

فصل في شروط المتعاقدين

الأول: البلوغ

اشارة

الأول: البلوغ (1)، فلا يصح بيع الصبي و إن كان مميزا و كان بإذن

______________________________

فصل في شروط المتعاقدين

(1) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الأدلة العامة.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

و رابعة: بحسب كلمات الأعلام قدس سرّهم و يجري هذا البحث في إنشاءات الصبي مطلقا عقدا كان أو إيقاعا.

أما الأولى: فمقتضى الأصل عدم اعتبار البلوغ، لأن المسألة من صغريات الشك في الشرطية بعد صدق العقد عرفا على عقد الصبيان أيضا.

و ما يقال: من أن المورد من موارد جريان أصالة عدم النقل و الانتقال، و قد ثبت في محله أن الأصول الموضوعية مقدمة على الأصول الحكمية.

باطل: لأنه فيما إذا شك في أصل الصدق العرفي لا ما إذا أحرز ذلك و شك في أصل تشريع شي ء فيه جزءا أو شرطا، فإن المرجع فيه البراءة.

أما الثانية: فإن أصالة الإطلاق و العموم في الأدلة العامة لكل عقد تشمل الصبي و غيره، فتطابق الأصلان على عدم اعتبار البلوغ في العاقد مطلقا.

أما الثالثة: فاستدل.

ص: 271

.....

______________________________

تارة: بقول علي عليه السّلام: «إن القلم رفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ» (1).

و أخرى: بحديث: «عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة» (2)، و خبر ابن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: «و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة» (3).

و الكل قابل للخدشة. إذ الأول: مردد بين رفع الإلزام أو المؤاخذة التي هي من آثاره، أو رفعه مطلقا حتى يكون كالبهائم و غير المميز و تعين الأخير يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و المنساق منه بالقرائن المغروسة في الأذهان هو الأول يعني: إنه ليس كالبالغ في التشديد عليه في جعل القانون و في جزائه، و الظاهر كونه بهذا المعنى من المسلمات بين جميع ملل الدنيا و لا تختص بشرع الإسلام كما لا يخفى. كما لا ريب في الملازمة بين رفع الإلزام و المؤاخذة فأيهما رفع يلزمه رفع الآخر.

و الثاني: سياقه سياق الجنايات و الأخذ بإطلاقه خلاف طريقة الشرع و العقلاء، لأن الكل يستحسنون من الصبيان أفعالهم الحسنة و يستقبحون أفعالهم القبيحة، مع أن الخطأ لا يتصف بالحسن و القبح، و كيف يصح التعميم مع كثرة اهتمام الشارع بتعلم الصبيان معارف الإسلام و ترغيب أوليائهم إلى ذلك، مع انه قد ورد هذا التعبير في الأعمى أيضا (4)، و لم يحتمل أحد فيه التعميم، و أما جواز الأمر في قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا يجوز أمر الغلام في الشراء و البيع» فالمنساق منه في موارد استعمالاته النفوذ التصرفي الاستقلالي، و بقول مطلق و هو مسلّم لا ريب فيه، و لكنه أعم من بطلان عقوده و إيقاعاته مع تحقق

ص: 272


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب القصاص و باب: 11 من أبواب العاقلة.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب عقد البيع حديث: 1.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب القصاص في النفس ج: 19.

.....

______________________________

سائر الشرائط و مجرد هذا الاحتمال يكفي في سقوط الاستدلال به.

و بالجملة: لا يجد العرف فرقا بين إخباراته و إنشائه في صحة الأولى مع اجتماعها للشرائط دون الثانية، كيف و من مفاخر بعض الأنبياء انه آتاه اللّه الحكم صبيا (1)، و من فضائل علي عليه السّلام انه أسلم صبيا، و قد أثبتت العلوم الحديثة علما خاصا لاستكشاف مراتب عقل الصبيان و فطنتهم من أفعالهم، و قد جرب ذلك فكيف تكون تلك الأفعال الكاشفة عن الاستعدادات التكوينية و العقول الفطرية خطأ، مع أن هذه المسألة العامة البلوى بين الناس في جميع الأزمنة و الأمكنة لا بد و أن يعتني الشارع بها اعتناء كثيرا و أن يهتم الناس بالسؤال فيها في أعصار المعصومين عليهم السّلام فكيف أهمل حتى ظهر الإجماع بعد قرون.

و أما خبر السكوني عن الصادق عليه السّلام: «نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فإنه إن لم يجد سرق» (2)، فالاستدلال به على الجواز أولى، لظهوره في أن المحذور شي ء آخر و هو احتمال السرقة، و لو كان نفس الكسب من حيث هو باطلا و فاسدا لكان التعليل به أولى من التعليل بذلك كما هو واضح، و يدل عليه وحدة سياقه مع صدره المتكفل لكسب الإماء معللا:

«فإنها إن لم تجد زنت» (3)، مع انه لا ريب في صحة كسب الإماء.

و أما قول علي عليه السّلام: «المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم» (4)، فالسياق العرفي المحاوري منه أن قوله عليه السّلام: «و قد رفع عنهما القلم» كالبيان لقوله عليه السّلام: «عمدهما خطأ»، فلو اكتفى عليه السّلام بإحدى الجملتين لتم الحكم، فلو قال عليه السّلام: «عمدهما خطأ» صح و تمَّ، و كذا لو قال عليه السّلام: «قد رفع عنهما القلم» لأن متعارف الناس يفهمون أنه مع رفع القلم لا إلزام و لا عقوبة بالنسبة إليهما، و لكن القوم أطنبوا في

ص: 273


1- سورة مريم: 12.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب القصاص في النفس حديث: 2.

.....

______________________________

فقه الحديث خصوصا بعض مشايخنا قدس سرّهم.

و خلاصة القول إن المحتملات في قوله عليه السّلام: «و قد رفع عنهما القلم» أربعة.

الأول: البيانية و هو الذي ينساق إلى أذهان متعارف أهل اللسان، و يقتضيه لحن كلام المعصومين عليهم السّلام، حيث إنه ليس بنائهم على التعقيد و الإجمال في بيان أحكام اللّه تعالى مع عدم بنائهم غالبا على بيان العلية و المعلولية للحكم، كما لا يخفى على من تدبر كلماتهم المباركة.

الثاني: أنه علة لثبوت الدية على العاقلة.

الثالث: أنه معلول لقوله عليه السّلام: «عمدهما خطأ».

الرابع: أنه لا ربط له بذلك كله أبدا، بل هو في مقام بيان رفع العقوبة دنيوية كانت- كالحدود مثلا- أو أخروية مثل العقاب المستلزم لرفع الإلزام المستلزم لرفع العقوبة و العقل السليم يحكم بالأخير.

ثمَّ إنهم قالوا: إن الثمرة بين الثاني و الثالث تظهر في الأمور المتقومة بالقصد مثل الإتلافات، فبناء على العلية تشملها مع تحقق الضمان فيها قطعا، فلا بد من إخراجها بالتخصيص و السياق آب عن التخصيص، و بناء على المعلولية فهي غير داخل حتى نحتاج إلى التخصيص، و قد ظهر مما ذكرناه ان أصل المبنى فاسد، فلا وجه للبحث عن الثمرة و إن شئت التفصيل فراجع المطولات.

أما الجهة الرابعة: فتكرر في كلماتهم نقل الإجماع على اعتبار البلوغ في العقود و الإيقاعات، و الشهرة الفتوائية و السيرة العملية حتى بين المتدينين.

و يظهر عن جمع عدم الاعتبار بهذا الإجماع منهم العلامة، و ولده، و المحقق الأردبيلي و غيره، و الشهرة استنادية، و السيرة أعم من الاشتراط و من مطلق التنزه عن أفعال الصبيان المعلوم فيه الرجحان، فالحكم بلا دليل و طريق الاحتياط واضح.

ص: 274

الولي إذا كان مستقلا في إيقاع المعاملة (2).

نعم، لو كانت المعاملة بين البالغين الكاملين و كان الصبي كمجرد الآلة لا بأس به (3).

مسألة 1: بيع الصبيان

(مسألة 1): بيع الصبيان.

______________________________

و يمكن أن يجعل النزاع لفظيا فمن اشترط أي: فيما إذا لم يلتفت إلى الخصوصيات المعتبرة فيها و الاستيذان من الولي، كما هو الغالب في الصبيان بل الأصل فيهم، و من لم يشترط أي: فيما إذا التفت و توجه و استأذن و إن كانت الكلمات آبية عن هذا الجمع، و يدل على ما قلناه قوله عليه السّلام: «إذا احتلم و عرف الأخذ و العطاء» (1)، إذ يستفاد منه إنه لا موضوعية للبلوغ من حيث هو و إنما هو طريق لمعرفة الأخذ و الإعطاء، فكلما تحققت هذه الجهة تصح معاملاته و عقوده و في غيره لا يصح و إن كان بالغا.

إلا أن يقال: إن ذلك من الحكمة لا العلية، و يدل عليه أيضا ما مر من خبر السكوني حيث علل عليه السّلام فيه النهي بغير الصغر لا أن يعللها به.

ثمَّ إن تصرفات الصبي إما في نفسه أو في ماله لضرورياته، أو في حوائجه العرفية، و مقتضى قاعدة السلطنة جواز الجميع، و يأتي في كتاب الحجر بعض الكلام.

(2) لإطلاق الأدلة على فرض الصحة الشامل لجميع ذلك.

(3) لأن المتيقن من إجماعهم الذي هو عمدة الدليل على فرض اعتباره غير هذه الصورة قطعا.

ثمَّ إنه يظهر من مشهور الفقهاء إن الصبي مسلوب العبارة مطلقا، فلا يصح أن يكون وكيلا للغير في إجراء الصيغة و لو بإذن الولي، فتكون عبارات الصبي كعبارات الهاذل و النائم و لا دليل لهم على ذلك غير ما تقدم، و تقدمت المناقشة

ص: 275


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6.

تارة: يكون بلا اجتماع الشرائط و لا ريب في البطلان (4).

و أخرى يكون مع اجتماع الشرائط حتى اذن الولي (5).

و ثالثة: يكون مع اجتماع الشرائط غير اذن الولي (6)، و لو شك في أن بيع الصبي جامع للشرائط أو لا فيحمل على الصحة (7)، و لا فرق فيما تقدم بين الجليل و الحقير (8).

مسألة 2: يجوز تملك الصبي للمجانيات كالهبات و العطيات، و الصدقات

(مسألة 2): يجوز تملك الصبي للمجانيات كالهبات و العطيات، و الصدقات (9).

______________________________

فيها، و لعلهم أرادوا ما إذا لم يلتفت إلى الخصوصيات المعتبرة في العقود و الإيقاعات كما هو الغالب فيكون النزاع صغرويا.

(4) بلا خلاف فيه عند الكل.

(5) و هذا هو الذي نسب إلى المشهور البطلان، و قلنا إنه لا دليل لهم عليه.

(6) مقتضى الأدلة الصحة لو أذن الولي و يصير من صغريات الفضولي، و لكن يظهر من المشهور البطلان و عدم الأثر لا جازته، لكونه مسلوب العبارة كما مر و لا دليل لهم عليه.

(7) لقاعدة الحمل على الصحة و شمول أدلة القاعدة له أيضا.

(8) لإطلاق الدليل جوازا أو منعا.

(9) للإطلاقات و العمومات و السيرة، و يظهر ذلك من جملة من الاخبار، ففي صحيح يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين أ يعطي الصغار و الكبار سواء و النساء و الرجال، أو يفضل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟ فقال عليه السّلام: كلهم سواء» (1)،

ص: 276


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الكفارات حديث: 3 ج: 15.
مسألة 3: تثبت الوضعيات غير المتوقفة على القصد بالنسبة إلى الصبيان كالنجاسة، و الطهارة و الجنابة و نحوهما

(مسألة 3): تثبت الوضعيات غير المتوقفة على القصد بالنسبة إلى الصبيان كالنجاسة، و الطهارة و الجنابة و نحوهما (10) و أما الضمانات المالية و الجنائية ففيها وجهان (11).

مسألة 4: عبادات الصبي صحيحة شرعية مع اجتماع الشرائط

(مسألة 4): عبادات الصبي صحيحة شرعية مع اجتماع الشرائط (12)، و المشهور صحة وصيته إذا بلغ عشرا (13).

______________________________

و في خبر أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال عليه السّلام: نعم حتى ينشأوا و يبلغوا» (1)، و في خبر أبي خديجة قال الصادق عليه السّلام: «ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة، كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا» (2)، إلى غير ذلك من الاخبار.

(10) لإطلاق الأدلة، و عدم الخلاف من أعلام الملة.

(11) من عدم اختصاص الوضعيات بالبالغين فتعم الجميع. و من سيرة المتشرعة حيث يستنكرون تضمين غير المميز أو وليه و يرونه كالحيوان، مع احتمال انصراف أدلتها عنه أيضا. مع أن الإتلاف الموجب للضمان متقوم بالقصد عرفا، و لا يتحقق هذه القصد من غير المميز و النائم و الحيوان، و هناك فروع أخرى مهمة نتعرض لها في محالها.

(12) لوجود الملاك و الأمر الشرعي، و إمكان قصد التقرب.

نعم، من بعض حكم التشريع عليهم التمرين، و ذلك لا يوجب قصر حكم المشروع على خصوصه كما هو واضح و تقدم مكررا في قسم العبادات فراجع (3).

(13) نصا (4)، و فتوى على ما يأتي تفصيله في كتاب الوصية. و عن جمع

ص: 277


1- الوسائل باب: 6 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1 و 2.
3- راجع ج: 7 صفحة: 326 و غيره.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام الوصايا حديث: 3.
مسألة 5: النزاع في ان عقد الصبي صحيح أو باطل لا ثمرة له في هذه الأعصار

(مسألة 5): النزاع في ان عقد الصبي صحيح أو باطل لا ثمرة له في هذه الأعصار، و ينحصر مورد العقد بالنكاح و الإيقاع بالطلاق (14).

الثاني: العقل

الثاني: العقل فلا يصح بيع المجنون (15).

الثالث: القصد

اشارة

الثالث: القصد فلا يصح بيع النائم و الهازل و الغالط و الساهي (16).

______________________________

من القدماء صحة طلاقه و وقفه إذا بلغ عشرا، و يأتي تفصيل القول في ذلك كله في محله إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنه يتحقق البلوغ الموجب لصحة العقد في كل من الذكر و الأنثى بنبات الشعر الخشن على العانة و لا اعتبار بالزغب و الشعر الضعيف، و بخروج المني نوما أو يقظة بجماع أو غيره، و بالسن و هو في الذكر إتمام خمسة عشر سنة و في الأنثى إتمام تسع سنين، و يتحقق في الأنثى بالحيض أيضا، و يأتي تفصيل ذلك كله في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى.

(14) لأن جميع المعاملات تقع بالمعاطاة، و حينئذ فإن علم إنه آلة للولي فيصح بلا إشكال، و إن شك فيه يحمل فعله على الصحة، لأنه مسلم و إن علم العدم فتتوقف الصحة على إذن الولي.

(15) لإجماع المسلمين، بل جميع العقلاء، و ما تقدم من النص و يصح من الأدواري في دور إفاقته مع تحقق سائر الشرائط.

(16) لبناء العقلاء كافة على أن ما لا قصد فيه ساقط عن الاعتبار مطلقا، و المراد بهذا القصد القصد الجدي الاستعمالي على ما هو معتبر في جميع المحاورات الإنسانية بفطرة عقولهم، و هو في الأخباريات قصد حكائي و في الإنشائيات قصد إنشائي، و كل منهما مما ارتكز في نفوس الأنام في نظامهم الاجتماعي بلا فرق بين الخواص و العوام.

و لو شك في تحقق القصد في المتعاقدين فمقتضى قاعدة الصحة و ظاهر حال العقلاء في محاوراتهم التحقق إلا مع القرينة على الخلاف. و خلاصة

ص: 278

مسألة 1: لا يصح وحدة البائع و المشتري بأن يبيع شخص ماله لنفسه و يشتريه لنفسه بماله

(مسألة 1): لا يصح وحدة البائع و المشتري بأن يبيع شخص ماله لنفسه و يشتريه لنفسه بماله (17)، و يصح أن يكون البائع أو المشتري أو كلاهما كليا، كما يجوز أن يكون شخصا خارجيا فيهما أو في أحدهما، و يجوز الاختلاف بأن يكون أحدهما كليا و الآخر شخصيا خارجيا، بل يجوز أن يكون أحدهما أو كلاهما فردا مرددا بعد أوله إلى التعيين (18).

______________________________

المقال: إن الإنشاء مطلقا استعمال اللفظ، و كل استعمال إنشائي متقوم بقصود ثلاثة.

1- قصد اللفظ.

2- قصد استعمال اللفظ في المعنى جدا.

3- قصد كون هذا الاستعمال الجدي بعنوان تحقق المعنى خارجا لا لأجل الفرار عن توعيد المكره (بالكسر) و نحوه، و يأتي بيان اعتبار القصد الثالث في المسألة التالية، و هذه القصود الثلاثة ارتكازية و لا يلزم أن يكون التفاتيا و لو إجمالية فضلا عن التفصيلية.

(17) و هذا من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى تعرض الفقيه له.

(18) كل ذلك للإطلاقات و العمومات بعد تحقق الغرض العقلائي فيه.

نعم، الغالب هو الشخص فيهما، و ذلك لا يوجب التقييد و التخصيص كما ثبت في محله، فتكون الوضعيات في هذه الجهة كالتكليفيات في تصور الوجوب العيني و التخييري و الكفائي فيها، و لا محذور فيه عقلا و نقلا، إذ الاعتباريات خفيف المؤنة جدا يتوسع فيها بكل ما أمكن ما لم يقم دليل معتبر على الامتناع من شرع أو عقل، و هو مفقود إلا بعض الأمور التي لم تتم دلالتها مثل لزوم بقاء الملك بلا مالك في الأول و عدم الجزم في العقود، و عدم الدليل على تأثير التعيين المتعقب في الأخير.

و الجميع مردود، لأنه تكفي إضافة الملك إلى المالك مجرد صحة اعتبار

ص: 279

مسألة 2: لا يعتبر في قوام المعاوضة تعيين من يبيع و من يشتري و العلم به

(مسألة 2): لا يعتبر في قوام المعاوضة تعيين من يبيع و من يشتري و العلم به (19) إلا فيما إذا كان هناك غرض صحيح في البين كبيع الكلي، أو الشراء بثمن كلي (20).

مسألة 3: لو كان أحد المتعاقدين أو كلاهما يعقد عن الغير- وكالة أو ولاية

(مسألة 3): لو كان أحد المتعاقدين أو كلاهما يعقد عن الغير- وكالة أو ولاية.

______________________________

الإضافة عرفا كما في مالكية السادة للخمس، و الفقراء للصدقات، و النماء بالنسبة إلى الأوقاف الخاصة و العامة و غير ذلك. و الجزم حاصل وجدانا.

و الأخير: عين المدعي فكيف يجعل دليلا.

ثمَّ ان كل ملكية محفوفة باعتبارات ثلاثة.

الأول: اعتبار نفس المالكية.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 16، ص: 280

الثاني: اعتبار المالكية.

الثالث: اعتبار المملوكية، و لا تلازم عقلا أو شرعا بين التبدل في أحديها و التبدل في الآخرين فقد يتبدل المالك مع بقاء عين المملوك كما في الهبة المجانية و الإرث، و قد يتلازم تبدل المالك لتبدل الملك كما في المعاوضات المالية كالبيع و غيره و هذه هي حقيقة المعاوضات، و أما ان من خرج من ملكه العوض لا بد و أن يدخل المعوض في ملكه فهو أمر غالبي لا أن يكون من المقومات كما أشرنا إليه سابقا، فيصح أن يقول أحد لآخر: اشتر بمالي لنفسك شيئا و إن كان خلاف الاحتياط خروجا عن خلاف العلامة و من تبعه.

(19) للإطلاق بعد صدق البيع بدونه عرفا.

(20) لأن التعيين هنا معتبر من باب الوصف بحال المتعلق لا من باب الوصف بحال الذات بمعنى اعتباره في قوام المعاوضة، و كما في النكاح حيث أن تعيين الطرفين لازم، لتعلق الغرض به، فالمدار كله على تعيين ما يختلف الرغبات باختلافه و هو يختلف باختلاف العقود كما لا يخفى.

ص: 280

فتارة: تكون في البين قرائن خاصة معتبرة معلومة على الوكالة أو الولاية فيصح حينئذ توجيه الخطاب إلى نفس العاقد من دون ذكر الوكالة أو الولاية (21).

و أخرى تكون هنا قرينة عامة ظاهرة في ان المخاطب ملحوظ بالعنوان الأعم من المباشرة أو الوكالة و الولاية كما في المعاوضات فيصح حينئذ توجيه الخطاب إلى نفس الطرف من دون ذكر الولاية أو الوكالة (22).

و ثالثة: لا يكون كذلك فلا بد من ذكرهما (23).

مسألة 4: لو نذر أن لا يعقد مع شخص فعقد معه

(مسألة 4): لو نذر أن لا يعقد مع شخص فعقد معه فهل يبطل أصل

______________________________

(21) لشيوع مثل هذه الإطلاقات و الاستعمالات في المحاورات و الأدلة وردت على طبقها هذا إذا كانت تلك القرائن لفظية، و كذا لو كانت حالية معلومة معتبرة عند أبناء المحاورة، لفرض إنها صارفة لظاهر اللفظ إلى المراد و المقصود في الواقع.

و دعوى: أنه لا بد في العقود اللفظية من الاعتماد على القرائن اللفظية دون الحالية.

لا شاهد عليه بعد كون عنوان الإنشاء لفظيا عرفا و كانت القرينة الحالية من سنخ المداليل السياقية العرفية فليس هذا خروجا عن اللفظ في العقود اللفظية بعد اعتباره في المحاورات، و اعتمادهم عليه في بيان مقاصدهم، و لكن الأحوط عدم الاعتماد على القرائن الحالية و لو كانت واضحة خروجا عن مخالفة شبهة الإجماع خصوصا في النكاح.

(22) لفرض ان المخاطب ملحوظ بالعنوان الأعم.

(23) لأصالة عدم ترتب الأثر بدونه و الشك في شمول الأدلة لمثله. و لو لم يذكر يمكن تصحيحه بعد ذلك بإجازة من له العقد، لصدور العقد بلا اقتضاء

ص: 281

العقد (24) أو يصح و أن فعل حراما و تتعلق به الكفارة (25)؟ الظاهر صحة العقد (26)، و كذا لو نذر أن لا يبيع ماله بأقل من ألف دينار- مثلا- فباعه بالأقل.

الرابع: الاختيار

اشارة

الرابع: الاختيار (27)

______________________________

و بالإجازة يصير مما فيه الاقتضاء فتشمله الأدلة كما لا يخفى.

(24) لتعلق النهي به فيبطل.

(25) لأن الحرمة التكليفية لا تنافي الصحة الوضعية كما في بيع وقت النداء، أو مع نهي الوالدين مثلا.

(26) لما مر من ان هذه النواهي ظاهرة في التكليفية.

(27) للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1)، و من السنة قوله صلّى اللّه عليه و آله: «رفع عن أمتي تسعة أشياء، الخطأ، و النسيان، و ما أكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطروا عليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا» (2). و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء. و من العقل حكمه الفطري بقبح الظلم، لأن أكل مال الغير بلا طيب نفسه ظلم عليه، و هو قبيح و المتعارف من الناس لا يرون العقود و الإيقاعات الإكراهية سببا لحصول مسبباتها في الخارج و الأدلة الشرعية تشير إلى هذا المعنى المركوز في الأنفس و الأذهان، و ليس ذلك من التعبديات حتى نحتاج إلى بعض التطويلات.

و إنما البحث في جهات لا بد و أن نشير إليها إجمالا.

الأولى: مورد الكلام هنا إنما هو في المكره بغير حق، و أما المكره بالحق- كالمحتكر و بيع الطعام على المشرف على الهلاك أو في مورد إجبار الحاكم الشرعي- فلا ريب في الصحة حينئذ و لا اعتبار بعدم رضاه لقيام رضاء ولي

ص: 282


1- سورة البقرة: 188.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

.....

______________________________

الأمر مقام رضاه، فيكون البيع صحيحا حينئذ إذا استجمع سائر شرائط الصحة التي منها القصد الاستعمالي الجدي، و مع عدم تحققه أو الشك فيه يتولى العقد الحاكم الشرعي، و يشكل جريان أصالة الصحة هنا لمكان الإكراه، لأنه كالقرينة على العدم.

الثانية: القصد إلى الشي ء أعم من طيب النفس به وجدانا، فرب فعل مقصود و لا يطيب نفس الفاعل به، و رب أمر غير مقصود و يطيب النفس به كمال الطيب و الرضا، و ما هو المنفي في المكره إنما هو طيب النفس و الرضا لا أصل القصد، فإن قصد استعمال اللفظ و قصد الإنشاء جدا موجود و المفقود إنما هو طيب النفس و الرضاء بما هو إنشاء. و ما نسب إلى جمع منهم الشهيد من إنه لا قصد للمكره لعله أراد الحصة الخاصة من القصد، أي: ما هو المقارن مع طيب النفس فلا نزاع في البين حينئذ.

نعم، طيب النفس و الرضاء على أقسام.

الأول: ما يحصل مع الاقتدار و السلطة المطلقة على المعاملة كما يحصل في نوع معاملات الناس لنوعهم.

الثاني: ما يحصل أيضا عند عروض الأمور النوعية لنوعهم، كالمعاملات الواقعة عند الضرورات و الاضطراريات بطيب النفس منهم مع وجود السلطة المطلقة منهم على ما لهم و عدم تسلط الغير عليهم، فالسلطة مطلقة لكنهم يوجبون أعمال هذه السلطة المطلقة لأمر أهم من الضرر عند أنفسهم، فيكون هذا الرضاء و طيب النفس من باب الوصف بحال الذات، أي: يحصل لنفس المالك بلا سلطة الغير عليه في ذلك و لا بد من نفوذه و صحته كما هو دأب العقلاء في معاملاتهم الضرورية و الاضطرارية.

الثالث: ما يحصل عن سلطة الغير دفعا لشره، و هذه مناف للسلطة المطلقة التي جعلها الشرع و العقلاء في أموالهم، و لو كنا نحن و طبع هذه السلطة المقهورة تحت استيلاء الغير لقلنا ببطلان الإنشاءات المستندة إلى السلطنة المقهورة، لتقومها بطبعها بالاستيلاء و السلطنة القاهرة لا المقهورة و ليس الحكم تعبديا حتى نحتاج إلى حديث الرفع، و لا يكون الموضوع من الموضوعات

ص: 283

.....

______________________________

المستنبطة حتى نحتاج إلى مراجعة كلمات الفقهاء، بل الحكم وجداني عرفي يكون الفقيه هنا تابعا للعرف لا العكس.

و من ذلك يظهر ما في جملة من الكلمات حتى ما عن بعض مشايخنا (1)، قدس سرّهم، و كنا نستشكل عليه و كان في مقام الجواب و لم يأت بشي ء يروي الغليل، و قد طبعت حاشيته الشريفة على المكاسب بنحو ما كان يباحث و كان كثيرا ما يقول أريد أن أراجع مرة أخرى في حواشي المكاسب و الكفاية، و لم يوفق حتى أدركته المنية جمع اللّه بينهم و بين صاحب الشريعة في أعلى غرف الجنان.

و بالجملة: كما تعتبر الملكية الطلقية في العوضين تعتبر السلطنة المطلقة في إنشاء المتعاقدين فمع مقهورية السلطنة فيه لا أثر في البين، و كذا في جميع الأفعال الصادرة عن عمد و اختيار، فإن مقتضى مرتكزات العقلاء في ترتب الأثر كون الفاعل المختار قاهرا في فعله و إرادته لا أن يكون مقهورا، و الظاهر وضوح الأمر بعد الرجوع إلى الوجدان.

و بعبارة أوضح يعتبر الاختيار في جميع الأفعال و الأقوال الاختيارية، و معناه كون المراد تحت الإرادة الاستقلالية بلا مقهورية في البين في مشية الفعل أو مشية الترك، و مع انتفاء القاهرية في إحدى المشيتين يخرج المورد عن الاختيار تخصصا.

إن قيل: فعلى هذا جميع موارد الإلزامات الشرعية من الإكراه، لمقهورية إحدى المشيتين فيها.

يقال: في موارد الامتثالات الشرعية إرادة الامتثال مستقلة و قاهرة و داعي الامتثال تبع للشرع و لا يصدق الإكراه عليه عرفا و لو فرض صدقه فهو من الإكراه بالحق الذي تقدم انه خارج عن مورد البحث. فيصح ما تقدم من الاستدلال بالأدلة الأربعة للمقام و لا وجه للمناقشة في الاستدلال بالآية الكريمة، و بحديث:

ص: 284


1- هو المرحوم آية اللّه العظمى المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي.

.....

______________________________

«لا يحل مال مرء مسلم إلا بطيب نفسه» (1)، كما عن جمع من محشى المكاسب بوجود الرضاء و طيب النفس في المعاملات الإكراهية و ذلك لأن المعتبر فيها إنما هو الرضا و طيب النفس القاهر لا المقهور تحت إرادة الغير، و لا ريب في أن الرضا و طيب النفس في المعاملات الإكراهية مقهوران تحت إرادة المكره (بالكسر).

الثالثة: الاضطرار في الاستعمالات المحاورية أعم من الإكراه، فإنه يطلق.

تارة: على ما إذا لم يكن إرادة في البين تكوينا كحركة يد المرتعش مثلا.

و أخرى على ما إذا اضطر إلى فعل كما في حالات الضرورات التي يلتجأ الشخص إليها، مثل ما إذا اضطر إلى قطع عضو من أعضائه لحدوث مرض فيه و إلا فيسري إلى قلبه فيقتله.

و ثالثة: الاضطرار إلى فعل من جهة توعيد الغير عليه.

و رابعة: الاضطرار إلى شي ء من جهة إرضاء الغير الذي لا يجد بدا من إرضائه- كالطلاق مداراة للأهل و إرضاء للوالدين مثلا- و يسمى الأخيرتان بالإكراه أيضا.

و بعبارة أوضح: الإكراه.

تارة، لأجل دفع الشر الذي لا يتحمل.

و أخرى لطلب الرضاء الذي لا بد منه، و يرجع هذا إلى دفع الشر أيضا، لأنه لو لم يطلق مثلا يختل أوضاعه و هو شر و أي شر أشد منه.

الرابعة: تقدم إن الإرادة المقهورة تحت إرادة الغير لا أثر لها عند العقلاء، إلا إذا كان القهر بحكم الشرع فيكون حينئذ بطلان ما يصدر من المكره- عقدا- كان أو إيقاعا مطابقا لهذا الأمر المركوز في الأذهان و المطابقة للقاعدة البنائية العقلائية من بنائهم على الاستقلال في القدرة و الإرادة فيما يتعلق بهم مهما

ص: 285


1- تقدم في صفحة: 253.

فلا يصح البيع من المكره (28)، و المرجع فيه انما هو العرف (29)، و يصح بيع المضطر إليه (30) و إن كان حاصلا من إلزام الغير لشي ء، كما إذا ألزمه ظالم على دفع مال فاضطر إلى بيع داره لدفع ذلك المال إليه (31)، و لا فرق

______________________________

أمكنهم، و هو من أهم أغراضهم فالبطلان لأجل هذه الجهة لا لأجل التعبد و إن لإكراه موضوعية خاصة لأجل ورود النص فيه.

الخامسة: الإكراه و الاضطرار مشتركان في رفع الحكم التكليفي في جميع الموارد نصا (1)، و إجماعا و يتفاوتان في الحكم الوضعي فإن الإنشائيات الإكراهية- عقدا كانت أو إيقاعات- باطلة بخلاف الاضطرارية منها فإنها صحيحة بالإجماع و السيرة.

ان قيل: أن مقتضى عموم حديث رفع الاضطرار (2)، شموله للإنشائيات الاضطرارية فلا بد من بطلانها أيضا.

يقال: لا وجه لبطلانها لأجل الحديث لأنه ورد في مقام التسهيل و الامتنان، و لو بطل الاضطراريات ربما اختل النظام و وقع الناس في ضيق شديد لا يليق بالشارع الرضاء به و الترخيص فيه.

نعم، ظاهرهم الإجماع على عدم رفع الحكم التكليفي في الإكراه الرضاء الغير في غير التقيد فيكون هذا خارجا عن العموم لظهور الإجماع.

(28) لما تقدم من اعتبار تحقق القصد و الإرادة الطلقية الاستقلالية في العقود و الإيقاعات، و في مورد الإكراه لا يكون القصد و الإرادة استقلالية و طلقية.

(29) لأنه من الموضوعات العرفية المختلفة باختلاف الأشخاص و النفوس، و الجامع بين الجميع تحقق الخوف في المكره (بالفتح) على ترك العمل المكره عليه من التخويف بإيقاع الضرر على تركه.

(30) بإجماع المسلمين، بل بضرورة الفقه إن لم تكن من الدين.

(31) لعدم إكراه في بيع الدار لا لغة و لا عرفا و لا شرعا.

ص: 286


1- تقدم في صفحة: 282.
2- تقدم في صفحة: 282.

في الضرر المتوعد به بين ان يكون متعلقا بالمكره بنفسه أو عرضه أو ماله، أو تعلق بمن يرتبط به كاولاده و عياله ممن يكون الضرر عليهم ضرره (32)، و لو رضي المكره بالبيع صح و لزم (33).

______________________________

نعم، هو غير ملائم للنفس، و يكون كرها و هما أعم من الإكراه بلا إشكال، إذ ليس كل كره إكراها كما هو معلوم، و لو بطلت المعاملات الكرهية و غير الملائمة للنفس لعم البطلان جملة كثيرة من معاملات الناس.

(32) لصدق الضرر بالنسبة إليه في جميع ذلك عرفا، مع ان ظاهرهم الإجماع على هذا التعميم، و الظاهر شموله للصديق الذي يعد ضرره إضرارا به، و لا يعتبر في الضرر أن يكون كثيرا، بل يكفي مطلق وجوده بعد إن كان ضررا عرفا، و قد يكون الفحش و الهتك و الإيذاء و التوهين ضررا و أي ضرر أعظم منها بالنسبة إلى النفوس العفيفة الآبية.

فتارة: يصدق الإكراه عرفا.

و أخرى يصدق عدمه.

و ثالثة: يشك في الصدق، و في الثاني: يصح العقد، و كذا في الأخير:

للعمومات و الإطلاقات بعد الشك في صدق الإكراه و كون المخصص منفصلا كما ثبت في الأصول.

فرع: لو وقعت معاملة للخوف عن ضرر حيوان أو تلف سماوي أو نحو ذلك لا يكون من الإكراه في شي ء، و كذا لو كان الضرر المتوعد به حقا، كما لو قال: بع دارك و إلا قتلتك قصاصا و كان مستحقا للاقتصاص منه.

(33) للإطلاق، و دعوى الاتفاق، و أصالة عدم لزوم مقارنة الرضا مع العقد، فيكون المقتضي حينئذ للصحة و اللزوم موجودا و المانع عنهما مفقودا، فيشمله جميع الأدلة الدالة على الصحة و اللزوم.

و استدل للبطلان حتى مع لحوق الرضا بأمور فسادها غنى عن البيان.

ص: 287

.....

______________________________

منها: إنه لا موضوع للرضاء اللاحق، لعدم قصد المكره للفظ.

و فيه: إنه خلاف وجدان المكرهين.

و منها: إنه ليس قاصدا للمعنى الاستعمالي.

و منها: عدم قصده لوقوع مضمون العقد في الخارج.

و فيهما: عين ما تقدم في الوجه الأول بلا فرق، لأنه قاصد للاستعمال، و لوقوع مضمون العقد فرارا عن التوعيد و ضرر الوعيد.

و منها: إن إنشاء المكره ليس بداعي الوقوع في الخارج، فلا موضوع للرضاء اللاحق.

و فيه. أولا: إن هذا الداعي موجود لكن الداعي على حصول هذا الداعي هو الإكراه، و لا دليل على كونه مانعا.

و ثانيا: على فرض عدم تحقق هذا الداعي لا يضر ذلك بتحقق الإنشاء الذي يصلح أن يكون متعلق الرضاء اللاحق، لأن تخلف الدواعي في الإنشائيات كثير.

و منها: انصراف أدلة اللزوم و الصحة إلى مقارنة الرضاء، فلا ينفع الرضاء اللاحق.

و فيه: إنه على فرض تسليمه غالبي لا اعتبار به، مع إنه لا وجه له من عقل أو نقل.

و منها: ان ظاهر قوله تعالى تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (1)، إنما هو حدوث التجارة عن التراضي الفعلي، و مع عدم فعليته حين حدوثها لا وجه لصحتها.

و فيه: إن التجارة عن التراضي موضوع عرفي إلى أن يكون من الدقيات العقلية، و لا من التعبديات الشرعية التي لم تكن، فحصلت بالتعبد و إذا راجعنا المتعارف بين التجار و المتعاملين يحكمون بأنه لا فرق في شؤون التجارة عن الرضاء بين مقارنته لها أو لحوقه بها، لأن ذلك كله من الاعتباريات التي تدور

ص: 288


1- سورة النساء: 92.

.....

______________________________

مدار صحة الاعتبار أينما دار، و من قال بصحة الفضولي من حيث مطابقة القاعدة يلزمه القول بالصحة هنا بالأولى.

و منها: إن مفاد حديث الرفع (1)، فرض ما وقع عن إكراه كالعدم من كل جهة، و ما كان معدوما شرعا كيف يلحقه الرضا.

و فيه: إن الرفع جهتي لا من كل جهة، فكلما كان فيه تضييق على الأمة يرفع، و ما ليس فيه كذلك بل فيه التوسعة لا وجه لرفعه، لأنه مناسب للامتنان و التوسعة على الناس في الشريعة التي بنيت على التوسعة و التسهيل، و صحة بيع المكره بعد الإجازة توسعة و امتنان بلا إشكال.

و بعبارة أخرى يلحظ في عقد المكره جهات ثلاثة:، فعلية التأثير كسائر العقود المؤثرة فعلا، و اقتضاء التأثير معلقا على الرضاء، و اللغوية المحضة لأجل الإكراه. و المتعارف يحكمون بأنه يكفي في الامتنان و التسهيل في رفع الإكراه نفي فعلية التأثير فقط. و أما التأثير الاقتضائي التعليقي فلا ربط له بالإكراه حتى يشمله الحديث.

و ما يقال: من إنه بعد رفع فعلية التأثير لا وجه لبقاء الاقتضاء.

مردود: و إن فصل فيه الكلام، لأن هذا تحليل عقلي و عرفي و للعقل، بل العرف أن يحلل الشي ء الواحد ما كان للفكر فيه مجال و للنظر فيه مساق.

فتلخص،: أن الصحة و اللزوم بعد الرضاء موافق لما هو المغروس في أذهان الناس و هو المنساق من مجموع الأدلة الشرعية بلا شبهة و التباس.

إن قيل: فليكن في عقد الهازل أيضا كذلك مع أن أحدا لا يقول فيه بذلك.

يقال: العرف يحكم بالتفرق بينهما فإنه يرى اللفظ الصادر من الهازل لغوا أصلا فلا موضوع للرضاء حينئذ ثمَّ انه هل يكون الرضاء المتأخر ناقلا و كاشفا يأتي التعرض له في بيع الفضولي إن شاء اللّه تعالى فراجع و تأمل.

ص: 289


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس و تقدم في صفحة: 309.
مسألة 1: لو شك في انه مكره أم لا

(مسألة 1): لو شك في انه مكره أم لا صح عقده و لزم (34).

مسألة 2: لو حصل منه الرضاء و طيب النفس فعلا مع الإكراه لأجل الجهل بالحكم

(مسألة 2): لو حصل منه الرضاء و طيب النفس فعلا مع الإكراه لأجل الجهل بالحكم، أو اعتقاد أنه لا بد من طيب النفس في مورد الإكراه أيضا ففي صحة العقد (35) إشكال (36).

مسألة 3: لو اعتقد الإكراه و أوقع العقد فبان عدمه يشكل الصحة

(مسألة 3): لو اعتقد الإكراه و أوقع العقد فبان عدمه يشكل الصحة (37)، و يصح في العكس (38).

مسألة 4: لا يعتبر عدم إمكان التفصي بالتورية في الإكراه

(مسألة 4): لا يعتبر عدم إمكان التفصي بالتورية في الإكراه (39)، فلو

______________________________

(34) للإطلاقات، و العمومات، و أصالة الصحة و اللزوم في صحة عقده و لزومه بعد عدم صحة التمسك بأدلة الإكراه، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، و مع جريان أصالة الصحة و اللزوم لا تجري الأصول الأخر.

(35) للإطلاقات و العمومات، و لا يصح التمسك بأدلة الإكراه لما تقدم في الفرع السابق.

(36) لفرض وجود الإرادة المقهورة تحت إرادة الغير واقعا فيشكل التمسك بالإطلاقات و العمومات حينئذ أيضا.

(37) لمقهورية إرادته من جهة خوف التوعيد الموجود في نفسه.

(38) لاستقلال الإرادة حينئذ.

(39) لإطلاق الأدلة و عدم الإشارة إلى اعتبار هذا الشرط في شي ء منها مع كون المسألة مورد الابتلاء، و لصدق الإكراه عرفا حتى مع القدرة عليها و عدم التقصي بها، و يشهد لذلك قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يمين في قطيعة رحم، و لا جبر، و لا في الإكراه، قلت: أصلحك اللّه فما فرق بين الجبر و الإكراه؟ فقال عليه السّلام:

الجبر من السلطان و يكون الإكراه من الزوج و الأم و الأب و ليس ذلك بشي ء» (1).

ص: 290


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الايمان ج: 16.

اكره على البيع فباع قاصدا للمعنى مع إمكان التورية بأن لا يقصد المعنى أصلا أو يقصد معنى آخر غير البيعة يكون مكرها و لا أثر لبيعه إلا بعد الرضاء به عن اختيار (40).

مسألة 5: لو تمكن من تخليص نفسه عن ضرر المكره بالاستعانة بمن يقتدر على ذلك

(مسألة 5): لو تمكن من تخليص نفسه عن ضرر المكره بالاستعانة بمن يقتدر على ذلك، بلا ضرورة حينئذ و مشقة و مع ذلك لم يفعل لا يكون مكرها (41).

مسألة 6: لا فرق في الإكراه بين الوضعيات و التكليفيات

(مسألة 6): لا فرق في الإكراه بين الوضعيات و التكليفيات من حيث الموضوع، فإذا تحقق الإكراه على محرم من المحرمات يرتفع حرمة، و كذا الوجوب عند الإكراه على تركه (42).

______________________________

و دعوى: عدم صدق الإكراه مع القدرة عليها، أو انصراف الأدلة عن هذا القسم.

مخدوش: إذ الأول مخالف للعرف و الوجدان، و الثاني: على فرضه بدوي لا اعتبار به.

(40) لصدق المكره عليه في المحاورات العرفية التي هي المناط في الاستظهار من الأدلة و إن فرض إنه لا يصدق عليه بالدقة العقلية التي لا اعتبار بها في الفقه مطلقا.

(41) لعدم صدق المكره عليه لا عرفا و لا لغة و لا شرعا، إذ ليس المراد بالإكراه مجرد التوعيد القولي من المكره (بالكسر)، بل هو التوعيد الذي لا يلام المكره على تحمله و لو أمكنه التخلص بسهولة، و مع ذلك فعل المكره (بالفتح) يلام على ذلك كما هو معلوم بالرجوع إلى الوجدان و السيرة المستمرة في جميع الأزمان.

(42) لحديث الرفع (1)، و بناء العقلاء على سقوط التكليف عند الإكراه

ص: 291


1- تقدم في صفحة 253.
مسألة 7: لو أكرهه على احد أمرين إما بيع داره أو عمل آخر

(مسألة 7): لو أكرهه على احد أمرين إما بيع داره أو عمل آخر فباع داره فإن كان في الشي ء الآخر محذور ديني أو دنيوي يتحرز منه و لا يطيب نفسه بوقوعه وقع البيع مكرها عليه و إلا وقع مختارا (43).

______________________________

على ارتكابه.

ثمَّ ان المرجع في تحقق الإكراه فيها أيضا هو العرف و الوجدان فمهما حكما بتحقيقه يترتب الأثر و لا يتحقق إلا مع عدم القدرة على التقصي، فمن أكره على فعل حرام و هو يقدر على مدافعة المكره و فعله مع ذلك لا يكون ذلك من الإكراه في شي ء، و القدرة على التفصي يختلف اختلافا كثيرا بالنسبة إلى الأشخاص، و يمكن أن يختلف بحسب اختلاف مراتب التكليف فلا بد و أن تعمل القدرة على التفصي عند الإكراه على الزنا أكثر من أعمالها على الإكراه على محرم جزئي آخر لا حد فيه و لا تعزير لا يخفى على الخبير.

فرع: داعوية الإكراه لإتيان المكره عليه.

تارة: تكون بنحو الاستقلال و العلية التامة المنحصرة، و لا ريب في شمول أدلة رفع الإكراه لهذه الصورة.

و أخرى تكون بنحو دخل داع اختياري آخر بنحو التبعية، بحيث لو لم يكن الداع الاختياري لأتى بالعمل المكره عليه بداع الإكراه، و مقتضى إطلاق أدلة رفع الإكراه الشمول لهذه الصورة أيضا.

و ثالثة: يكون بالعكس، فيكون داعي الإكراه تبعا بحيث لو لم يكن إكراه لأتى بذلك العمل على أي تقدير.

و رابعة: يكون كل منهما في عرض الآخر بحيث لو لم يكن أحدهما يكفي الآخر في الداعوية و إتيان العمل، و المنساق إلى الأذهان العرفية عدم كون الصورتين الأخيرتين من الإكراه و تقدم في داعوية قصد القربة في العبادات ما ينفع المقام.

(43) أما في الصورة الأولى فلكون كل واحد من طرفي التخيير مما يتحرز منه، فقد وقع الإكراه بالنسبة إلى الجامع بينهما فيتحقق الإكراه في كل واحد من

ص: 292

مسألة 8: لو أكرهه على بيع أحد الشيئين على التخيير

(مسألة 8): لو أكرهه على بيع أحد الشيئين على التخيير فكلما وقع منه كان مكرها عليه (44)، و لو أوقعهما معا تدريجا يقع الأول مكرها عليه دون الثاني (45) و اما لو أوقعهما معا دفعة يصحان معا (46) و لو أكرهه على بيع شي ء معين فضم إليه غيره و باعهما معا بطل بالنسبة إلى ما اكره عليه

______________________________

الطرفين لغة و عرفا، و أما في الصورة الأخرى فليس الجامع مما يتحرز منه، و يكون اختيار الطرف الآخر من التمكن العرفي السهل لدفع الضرر المتوعد به بلا محذور فيه، و حينئذ فلو اختار بيع الدار يقع ذلك عن طيب النفس و الاختيار فيصح لا محالة.

ثمَّ إنه لو قال الولد لوالده مثلا بعد دارك و إلا اقتل نفسي أو أقتل و باع الدار، فالظاهر كونه من الإكراه.

نعم، لو حصلت له إرادة مستقلة في بيع الدار خوفا عن وقوع الفتنة لا يكون منه، بل يكون من الاضطرار و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

(44) لصدق الإكراه بالنسبة إليه عرفا و لغة و شرعا فإنه بالنسبة إلى القدر المشترك الموجود في كل واحد منهما و الخصوصية الدقية العقلية الخارجية خارجة عن مورد الإكراه عرفا، و لو كانت هي أيضا مناط تحقق الإكراه لما يتحقق إكراه أبدا إذ ما من فعل مكرها عليه إلا و يكون بعض خصوصياته مورد الاختيار.

(45) لانطباق عنوان الإكراه و دفع الضرر المتوعد به على الأول قهرا، فيكون كالواجب التخييري الذي أتى بأحد فرديه ثمَّ أتى بالفرد الآخر، فلا وجه لكون الثاني مورد الإكراه و لا كون الإكراه داعيا على الإتيان به فلا محالة يكون مورد الإرادة الاستقلالية لا التبعيّة المقهورة، بل لو قصد به الإكراه يمكن أن يكون قصده لغوا لعدم موضوع له بعد انطباق الإكراه على الأول.

(46) لصدق إنه أتى بالبيع عن الاختيار و طيب النفس، و الإكراه بمعنى

ص: 293

و صح بالنسبة إلى البقية (47).

مسألة 9: لو أكرهه على الجنس، فإن كان جميع أنواعه غير جائز يتحقق الإكراه

(مسألة 9): لو أكرهه على الجنس، فإن كان جميع أنواعه غير جائز يتحقق الإكراه، كما إذا كرهه إما على شرب الخمر أو المغضوب أو المتنجس مثلا (48)، و لو كان بعض أنواعه جائزا، فلا يتحقق الإكراه كما إذا أكرهه على شرب الخمر أو المغصوب أو الماء مثلا، و كذا في الوضعيات فلو أكرهه على بيع داره أو كتبه، أو فرشته يتحقق موضوع الإكراه و أما لو أكرهه إما على بيع داره أو أداء دينه فلا يتحقق موضوع الإكراه (49).

مسألة 10: لو أكره أحد الشخصين على شي ء يتحقق الإكراه

(مسألة 10): لو أكره أحد الشخصين على شي ء يتحقق الإكراه

______________________________

التوعيد و إن كان موجودا أيضا،: و لكنه مضحمل في مقابل الاختيار و طيب النفس الموجود فعلا.

و بالجملة: العرف يرى هذا العمل غير العمل المكره عليه، و يكفي هذا المقدار في خروجه عن عنوان الإكراه.

نعم، لو أمكن هنا تحليل البيع عرفا لحقه حكم الفرع التالي، و لكن الظاهر عدم انحلال البيع في هذه الصورة.

(47) لتحقق عنوانين في البيع و انحلاله إلى بيعين، كبيع ما يملك و ما لا يملك فيعمل في كل واحد منهما بحسب دليله.

(48) يمكن المناقشة في المثال بأن الظاهر فيه تعيين شرب المتنجس لأهمية الخمر منه، و كذا المغصوب لأهمية مراعاة حق الناس عند الدوران بينه و بين حق اللّه تعالى، كما نسب إلى المشهور.

نعم، لو قلنا بأنه عند الإكراه إلى التصرف في مال الغير يجوز التصرف فيه مع تعهد العوض و تضمينه ضمانا صحيحا شرعيا يتعين ذلك و يكون مقدما على شرب المتنجس.

(49) لأن أداء الدين جائز بل واجب إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي يأتي التعرض لبعضها في كتاب الطلاق.

ص: 294

بالنسبة إلى كل منهما إلا إذا اطمئن أحدهما بأنه لو لم يفعل يأتي به الآخر فلا يتحقق الإكراه بالنسبة إليه حينئذ، و كذا لو كان كل واحد منهما عالما بأن الآخر يأتي بالمكره عليه فمن بادر لا يكون مكرها عليه و فعله يوجب سقوط الإكراه بالنسبة إلى الآخر أيضا (50)، و لو كان وقت الفعل متسعا يجوز المبادرة مع خوف لحقوق الضرر في تركها و لا يجوز مع عدمه في الإكراه على المحرمات (51).

مسألة 11: لو قال بع دارك أو دار زيد فضوليا ليس ذلك من الإكراه

(مسألة 11): لو قال بع دارك أو دار زيد فضوليا ليس ذلك من الإكراه فلو باع داره يقع صحيحا (52).

مسألة 12: قد يكون الإكراه بالنسبة إلى المالك و العاقد معا

(مسألة 12): قد يكون الإكراه بالنسبة إلى المالك و العاقد معا سواء اتحدا أو تعددا و حكمه معلوم، و قد يكون بالنسبة إلى المالك دون العاقد، كما إذا كره المالك على التوكيل في بيع داره فالمالك مكره و الوكيل العاقد مختار و هذه الصورة من صغريات بيع الفضولي (53)، و قد ينعكس الأمر بأن يكونه المالك مختارا و العاقد مكرها، و كأن يقول المالك لشخص بع مالي و إلا أقتلك و لا إشكال في صحة البيع في هذه الصورة (54).

______________________________

(50) لأنه لا يتحقق الإكراه بالنسبة إلى من يطمئن بتصدي الغير للفعل المكره عليه.

(51) لعدم موضوع الإكراه مع السعة و عدم الضرر فعلا في ترك المكره عليه.

(52) لأن بيع دار زيد فضوليا لا محذور فيه، فيكون مما تقدم في الفرع الأول.

(53) فإن أجاز المالك وكالة وكيله بعد رفع الإكراه عنه يصح العقد و إلا فلا.

(54) لأن المالك مختار و يكون راضيا بالبيع و القصد الاستعمالي الجدي

ص: 295

الخامس: كونهما مالكين للتصرف

اشارة

الخامس: كونهما مالكين للتصرف (55)، فلا تقع المعاملة عن غير المالك- إذا لم يكن وكيلا عنه أو وليا عليه، كالأب و الجد و الوصي عنهما، و الحاكم الشرعي (56) و لا من المحجور عليه، لسفه أو فلس، أو غير ذلك من أسباب الحجر (57)، و المراد بعدم الوقوع عن غير المالك- كالفضولي و المحجور عليه عدم اللزوم و النفوذ لا كونه لغوا بحيث لا يقبل الإنفاذ، فلو أجاز المالك العقد الواقع من غير المالك أو أجاز من له الحق العقد الواقع

______________________________

موجود في العاقد، و لا يعتبر في العاقد من حيث إنه عاقد سوى ذلك، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود. و ما قلناه في هذا الفرع يجري في جميع العقود و الإيقاعات و نشير إلى جملة منها في المواضع المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

(55) للأدلة الأربعة، فمن الكتاب آية التجارة عن تراض (1)، و من السنة قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرى مسلم إلا بطيب نفسه» (2). و من الإجماع إجماع المسلمين. و من العقل إن النقل و الانتقال بالنسبة إلى مال الغير بلا إذنه و رضاه ظلم بالنسبة إليه، و هو قبيح، و قد مرّ إن أصالة احترام المال من أهم الأصول النظامية العقلائية.

(56) لصحة بيع الوكيل عن الموكل بالضرورة على ما يأتي تفصيله في كتاب الوكالة إن شاء اللّه تعالى. و كذا الولي بالنسبة إلى المولى عليه على التفصيل الآتي.

(57) لأنه لا معنى للحجر إلا عدم استقلال المحجور عليه في البيع، و يأتي الكلام في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى.

ص: 296


1- سورة النساء: 29.
2- تقدم في صفحة: 253.

عن غيره صح و لزم (58).

______________________________

فصل في بيع الفضولي

(58) لوجود المقتضي لأصل الصحة، و هو صدور الإنشاء جامعا للشرائط إلا رضاء من له الحق، فإذا لحقه الرضاء يصير المقتضى موجودا و المانع مفقودا، فيؤثر العلة التامة أثره لا محالة.

ثمَّ إن البحث عن بيع الفضولي عن جهات.

الأولى: للعقد الفضولي إطلاقان، أخص و هو ما إذا فقد خصوص شرط الملكية فقط مع وجود سائر الشرائط. و أعم و هو ما إذا فقد بعض الشروط الأخر، كالاختيار، و البلوغ، و الملكية الطلقية. و بالجملة كلما يوجب التوقف على الإنفاذ و الإمضاء داخل فيه موضوعا أو حكما. فالمراد بالفضولي بهذا الإطلاق أي كل عقد يحتاج إلى الإمضاء و الإنفاذ و لو كان صادرا من نفس المالك، و تعبيرهم بالفضولي بالمعنى الأول من باب الغالب لا التقوم أو باعتبار أن عقده حيث إنه ليس علة تامة لوجوب الوفاء به كأنه فضول، و لو كان صادرا من نفس المالك فيشمل التعبيرين حينئذ.

الثانية: مقتضى أصالة عدم ترتب الأثر في جميع العقود و الإيقاعات هو الفساد مطلقا، و لذا اشتهر لديهم أصالة الفساد في العقود و الإيقاعات مطلقا أي بحسب الأصل العملي الموضوعي و هو استصحاب عدم ترتب الأثر. و أما مقتضى الأصول اللفظية- أي الإطلاقات و العمومات- فالصحة و ترتب الأثر مع صدق عنوان العقد عليه عرفا، كما مرّ بيانه سابقا.

و تحقيق المسألة.

تارة: بحسب الأصل العملي.

و أخرى: بحسب الأصل اللفظي أي الإطلاقات و العمومات.

و ثالثة: بحسب الأذهان العرفية.

و رابعة: بحسب كلمات الفقهاء.

ص: 297

.....

______________________________

و خامسة: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأول: فقد مر إن مقتضاه عدم الانعقاد و عدم ترتب الأثر، لأن الشك في أصل الحدوث فيستصحب عدمه، و كذا في جميع العقود و الإيقاعات مطلقا، و يمكن أن يقال في المقام بعدم جريان هذا الأصل، لأن الشك فيه مسبب عن اعتبار مقارنة الرضاء مع العقد. و مقتضى الأصل عدمه، و قد تسالموا على تقدم الأصل الجاري في السبب على الجاري في المسبب، هذا مضافا إلى قاعدة الصحة بعد صدق العقد عليه عرفا مع إنه بعد صدق الإطلاقات و العمومات لا تصل النوبة إلى هذه الأصول.

و أما الثاني: فلا ريب في شمول الإطلاقات و العمومات من كل عقد و إيقاع للفضولي منها عرفا و لغة، فيصح بحسبها أن يقال: باع زيد دار عمرو فضولة، و عقد بكر على بنت خالد فضولة، و هكذا في جميع العقود و الإيقاعات.

و أما الثالث: فلا يفرق الأذهان العرفية بين أن نقول: بعت داري و ربحت فيه، و بين قول باع فلان داري فضولة فأمضيته و ربحت في هذا البيع، فكما يرون الأول بيعا صحيحا جامعا للشرائط يرون الثاني أيضا كذلك، و لا يفرقون بحسب فطرتهم بين مقارنة الرضا و لحوقه في كون نتيجة كل من البيعين استندت إلى الرضاء و طيب النفس، و يرون أصل الرضا و طيب النفس من أهم المقومات. و أما مقارنته للإنشاء فهو شي ء غالبي لا أن يكون مقوما أو شرطا معتبرا في العقد أو الإيقاع، بل ربما يمدحون الفضولي و يعطونه العطية لأنه باع المال بأزيد مما أرادوا أن يبيعوه، كما وقع ذلك كثيرا على ما نقل.

و أما الرابع: فعمدة ما ذكروه في البطلان و ان الفضولي على خلاف القاعدة أنه لا بدّ في الإنشائيات مطلقا من الانتساب الصدوري إلى من له الإنشاء، بحيث لو أنشأ بلا رضاه يكون كالعدم لأنه وقع الإنشاء منتسبا إلى المنشئ لا إلى المالك و من له الإنشاء، فلو غيره الإجازة اللاحقة يلزم انقلاب الشي ء عما وقع عليه، و هو محال.

و فيه. أولا: إنه يكفي في الصحة مجرد الإضافة إلى من له حق الإنشاء و هي من الأمور الخفيفة المؤنة، فكما تحصل بالإذن السابق تحصل بالإجازة

ص: 298

.....

______________________________

اللاحقة، فإذا أذن في عقد أو إيقاع يقال العقد عقده و الإيقاع إيقاعه، و كذا لو وقع عقد أو إيقاع على ما يتعلق به ثمَّ أنفذه و أجازه يقال العقد عقده و الإيقاع إيقاعه بلا فرق بين الصورتين أصلا، فأصل هذه الدعوى مغالطة بين الانتساب الحدوثى الصدوري و بين صحة الإضافة بأي وجه أمكن عرفا، و المعتبر هو الثاني دون الأول، فإذا صحت الإضافة تشمله جميع الأدلة الدالة على صحة العقد و لزوم الوفاء به.

و ثانيا: استحالة انقلاب الشي ء عما وقع عليه إنما تكون التكوينيات بحسب نظام التكوين لا بحسب قدرة اللّه تعالى، و لا في الاعتباريات الدائرة مدار الاعتبار كيفما يصح الاعتبار، و لا يستنكر عند العرف. فهذا الدعوى ساقط أصلا و يكفينا في الصحة أصالة عدم اعتبار مقارنة الرضا، و أصالة العموم و الإطلاق في الإنشائيات مطلقا.

و أما الخامس: فاستدل للصحة- مضافا إلى الأصل العملي بالمعنى الذي مرّ و الأصل اللفظي- بأمور.

الأول: دعوى الإجماع عن التذكرة على الصحة.

و فيه. أولا: الإشكال في أصل تحققه.

و ثانيا: بأنه اجتهادي على فرض التحقق.

الثاني، الحديث الذي أطبق العامة على نقله عن عروة البارقي، و هو: «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله دفع إليه دينارا ليشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحديهما بدينار و جاء بدينار و شاة فدعا له النبي صلّى اللّه عليه و آله بالبركة في بيع و كان لو اشترى التراب لربح فيه» (1)، و اتفقت كتب القوم- الذين هم الأصل في هذا الحديث- على ضبط الراوي بعروة من كتب حديثهم و فقههم و ما ألفوه في حالات النبي صلّى اللّه عليه و آله و معجزاته و أصحابه. فنسبة الشيخ ذلك إلى عرنة المدني، و العلامة إلى عرفة الأزدي سهو منهما اللهم إلا أن تكون القضية متعددة، و إن شئت التفصيل

ص: 299


1- راجع مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب عقد البيع و في سنن الترمذي باب: 34 من أبواب البيوع و في مسند ابن حنبل ج: 1 صفحة: 204 و في كنز العمال ج: 16 حديث: 240 من أحاديث فضائل الأصحاب.

.....

______________________________

فراجع منتهى المقال (1).

و فيه: إن سياق الحديث و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و تبريكه و ملاحظة عاداته و حالاته مع أصحابه و كثرة تسامحه معهم قرينة قطعية على أنه صلّى اللّه عليه و آله أذن في التصرف في الدينار و الشاة بما شاء و أراد، فكان كالوكيل المفوض في هذه الجهة، بل الظاهر انه صلّى اللّه عليه و آله بالفراسة الإيمانية أو بالعلم الغيبي السماوي علم ذلك من عروة و أذن له في مطلق التصرف، ثمَّ دعا له حتى يبقى أثر دعائه المستجاب و هذه المعجزة في عروة ما دام حياته. و مع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال، و هناك احتمالات أخرى توجب سقوط الاستدلال به، و إن شئت العثور عليها فراجع المطولات.

الثالث: صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قضى في وليدة باعها إن سيدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثمَّ قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير، فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير ادنى، فقال: خذ وليدتك و ابنها فناشدة المشتري، فقال عليه السّلام: خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتى ينفذ لك ما باعك، فلما أخذ البيع الابن قال أبوه: أرسل ابني، فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأول أجاز بيع ابنه» (2). و السند تام و الدلالة ظاهرة، فالأخذ به متعين.

و أشكل عليه. تارة: بأن الحكم بأخذ الوليدة قبل سمع دعوى المشتري مما لا ينبغي.

و أخرى: بعدم الاستفصال عن الإجازة و عدمها.

و ثالثة: الحكم بأخذ الابن مع تولده حرا لا وجه له.

و رابعة: الحكم بأخذ ابن السيد مع عدم جواز حبس الحر مما لا ينبغي.

و خامسة: بتعليم الحيلة مع إنه لا يناسب الإمام عليه السّلام.

و سادسة: بظهوره في صحة الإجازة بعد الرد، فلا وجه للاستدلال به مع هذه المناقشات.

ص: 300


1- راجع منتهى المقال للمرحوم آية اللّه المامقاني ج: 2 صفحة: 251.
2- الوسائل باب: 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 1.

.....

______________________________

و فيه: إن كل هذه الإشكالات مردودة، لأن للحاكم الشرعي أن يتوصل في فصل الخصومة بين المتخاصمين خصوصا الإمام المعصوم عن الزلل سيما مثل أمير المؤمنين عليه السّلام بشتى التدبيرات و هذه أحسنها، و لا بد و أن يكون الحاكم مطلعا عليها و محيطا و عاملا بها. و أما قضية الظهور في تأثير الإجازة بعد الرد.

ففيه. أولا: إنه لم يقم دليل غير الإجماع على أن الإجازة بعد الرد لا أثر له، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، و المتيقن منه على فرض اعتباره ما إذا كان الرد متحققا في الخارج لا ما إذا كان استظهاريا، كما في المقام فلا قصور في الحديث للاستدلال به لصحة الفضولي.

الرابع: صحته في النكاح نصا (1)، و إجماعا يستلزم الصحة في غيره بالفحوى.

و نوقش فيه: بما ورد في الرد على العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل و بين بيعه بالصحة في الثاني، لأن المال له عوض و البضع ليس له عوض من قوله عليه السّلام: «سبحان اللّه ما أجور هذا الحكم و أفسده إن النكاح أولى و أجدر أن يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون الولد» (2). و المستفاد منه ان صحة الفضولي في العقود المالية يستلزم صحة النكاح بالأولى لا العكس فلا يصح الاستدلال بالفحوى للمقام.

أقول: يمكن المناقشة في الفحوى.

أولا: بأنها ظنية لا اعتبار بها.

و ثانيا: إن الاهتمام في المسبب- و هو الزوجية- لا يستلزم الاهتمام في السبب، فيمكن أن يكون بالنسبة إلى السبب بالعكس. فلا تسهيل في السبب المحدث للزوجية و التشديد في السبب الناقل للمال لأن يكون الحصول عليه لكل أحد سهلا يسيرا، فالأولوية غير ثابتة في السبب الذي هو مورد البحث و ان ثبتت في أصل المسبب عرفا و شرعا و أثرها لزوم الاحتياط في الشبهات مهما أمكن و لا ربط له بالمقام.

ص: 301


1- راجع الوسائل باب: 10 و 12 و 13 من أبواب عقد النكاح.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوكالة حديث: 2.

.....

______________________________

و ثالثا: الحكم في النكاح ليس مسلّما عند الكل الاقتصار بعض في صحة الفضولي فيه على موارد خاصة ورد فيها النص بالخصوص، ربما تبلغ تسعة موارد يأتي التعرض لها في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى، و التعدي منها إلى مطلق نكاح الفضولي مشكل فضلا عن غيره.

و لكن الظاهر ثبوت الفحوى عرفا و إنه أصرّ بعض مشايخنا على عدمه و أطال القول فيه، كما إن القول بالاقتصار في النكاح على خصوص موارد النص تفريط من القول لحصول الاطمئنان العرفي بحكم مطلق النكاح من مورد نص واحد منها فضلا عن موارد كثيرة، كما إنه لا نحتاج إلى إثبات الفحوى حتى يطال فيه الكلام نفيا و إثباتا، بل يكفي حصول الاطمئنان بتساوي باقي العقود مع عقد النكاح، و هو حاصل لكل من يراجع الأدلة، و لا أدري ما دعيهم إلى تفصيل المقال في هذه المسألة مع إن بنائهم على كفاية مطلق الاطمينانات في الاستظهارات الفقهية.

ثمَّ إن قول الإمام عليه السّلام: «النكاح أولى و أحرى أن يحتاط فيه» (1)، يحتمل وجوها.

الأول: أن يكون ردا على العامة و أن قولهم ببطلان النكاح لا وجه له، بل لا بدّ فيه من الاحتياط أما بالنكاح الجديد أو الطلاق.

الثاني: إن لفظ الاحتياط من الامام عليه السّلام ليس بمعنى الاحتياط الاصطلاحي بل صدر منه عليه السّلام لأجل التقية حيث إن هذا التفكيك منهم بين البيع و النكاح كان لمجرد الاستحسان منهم فرد عليه السّلام استحسانهم بهذا النحو تسكيتا لمقالهم و أن لا يعترضوا على الإمام عليه السّلام.

الثالث: إنه مجمل لا بد من رد علمه إلى أهله، و على أي تقدير لا يضر بثبوت الفحوى.

و يمكن الاستدلال بفحوى صحة بيع المكره بعد لحوق الرضاء بدعوى إنه إذا صح مع وجود الكراهة و عدم الرضا حين البيع يكون صحيحا في غيره

ص: 302


1- تقدم في صفحة: 301 و في الوسائل باب: 157 من أبواب مقدمات النكاح.

.....

______________________________

بالفحوى.

الخامس: جملة من الأخبار الواردة في المضاربة.

منها: موثق جميل عن الصادق عليه السّلام: «في رجل دفع إلى رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي أمره، قال عليه السّلام:

هو ضامن و الربح بينهما على ما شرط» (1). فإنه يمكن حمله على صورة الإجازة اللاحقة بعد مخالفة الشرط فيكون من الفضولي المعهود حينئذ.

و فيه: إنه من مجرد الاحتمال الذي لا يكفي في الاستدلال و إن صح الاستيناس و الاستشهاد، و المنساق منها بحسب الأذهان العرفية أن الشرط إنما هو من باب تعدد المطلوب لا التقييد الحقيقي، فأصل الإذن حاصل في صورة مخالفة الشرط أيضا مع تحقق الربح، و هذا هو المشاهد في المضاربات الواقعة بين الناس، فمثل هذه الأخبار لا ربط لها بالفضولي فلا تصلح للتأييد فضلا عن الاستدلال.

و قد يستدل له بما ورد في الاتجار بمال اليتيم بناء على شمول إطلاقها لاتجار غير الولي ثمَّ إجازة الولي لها.

منها: صحيح ربعي: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل عنده مال اليتيم، فقال عليه السّلام: إن كان محتاجا و ليس له مال فلا يمسّ ماله، و إن هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن». (2)

و منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في مال اليتيم، قال عليه السّلام: العامل به ضامن، و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال، و قال عليه السّلام: إن عطب أداه» (3).

و منها: خبر الصيقل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به؟

فقال عليه السّلام: إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن المال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال» (4).

ص: 303


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام المضاربة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 75 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3 و 2.
3- الوسائل باب: 75 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3 و 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7.

.....

______________________________

و منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال» (1).

و منها: خبر السمان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فأن اتجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الذي يتجر به» (2).

و فيه: إن المنساق منها بعد رد بعضها إلى بعض إنما هو الولي فلا تصلح للاستئناس فضلا عن الاستدلال، كما إنه لا وجه للاستشهاد للمقام بخبر ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السّلام: «عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عني و حج عني بالباقي، ثمَّ مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت و دفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف، فقال: موالي العبد المعتق إنما اشتريت أباك بمالنا، و قال الورثة: إنما اشتريت أباك بمالنا، و قال موالي العبد: إنما اشتريت أباك بمالنا فقال أبو جعفر عليه السّلام: أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد، و أما المعتق فهو ردّ في الرق لموالي أبيه، و أي الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان له رقا» (3)، بناء على أنه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك المبيع بعد طلبه الظاهر في الإجازة لم يكن مجرد دعوى الشراء بالمال، و لا إقامة البينة كافية في تملك المبيع.

و فيه: مضافا إلى قصور سنده، و هجر الأصحاب عنه إنه أجنبي عن المقام، إذ الظاهر منه وقوع البيع بالإذن السابق فلا ربط بالمقام، و لعمري ان الحكم في الفضولي أوضح من أن يستشهد له بمثل هذه الاستحسانات.

و كذا لا ربط لصحيح الحلبي بالمقام «عن الرجل اشترى ثوبا و لم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثمَّ ردّه على صاحبه، فأبى أن يقبله إلا بوضيعة، قال عليه السّلام: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه رد

ص: 304


1- الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 8 و 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 8 و 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

.....

______________________________

على صاحبه الأول ما زاد» (1). فأن الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا على صحة بيع الفضولي لنفسه.

و فيه. أولا: إنه يمكن أن يكون دليلا لجواز الإقالة بالزيادة أو النقيصة، كما نسب إلى ابن الجنيد لهذا الصحيح خلافا للمشهور القائلين بأنه لا بد في الإقالة من تراد نفس العينين بلا زيادة و نقيصة في البين فيكون أجنبيا عن المقام حينئذ.

و ثانيا: إنه لو كان البيع صحيحا بالإجازة لا فرق فيه بين البيع بالزيادة أو النقيصة أو التساوي، فما وجه الاختصاص بالأولى؟! فلا بد إذن من حمله على ما إذا وقعت الإقالة بالنسبة إلى نفس العينين بلا زيادة و لا نقيصة في البين و كانت الزيادة خارجة عن حقيقة الإقالة بصلح خارجي، و ردّ ما زاد يحمل على الندب حينئذ، و كذا لا وجه للتأييد بموثق عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام: «عن السمسار أ يشترى بالأجر فيدفع إليه الورق و يشترط عليه إنك تأتي بما نشتري فما شئت أخذته، و ما شئت تركته، فيذهب فيشتري ثمَّ يأتي بالمتاع، فيقول: خذ ما رضيت، ودع ما كرهت؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (2). فإن إطلاق قوله عليه السّلام: «لا بأس» يشمل جميع الاحتمالات في سؤال السائل التي.

منها: أن يأخذ السمسار المال قرضا و يشتري لنفسه ثمَّ يجيزه صاحب الورق.

و منها: أن يكون فضوليا عن صاحب الورق مترقبا لإجازته فيكون من مورد الفضولي.

و فيه: إن ظاهر الخبر تحقق الإذن السابق من صاحب الورق و تسليطه للسمسار عليه فيخرج عن مورد الفضولي.

السابع: قاعدة قررها أبو جعفر الباقر عليه السّلام في العقود في الفرق بين ما تقبل الإجازة اللاحقة و بين ما لا تقبلها، محصولها: أن كل عقد عصى فيه اللّه تعالى فالبطلان فيه مستقر ثابت لا يرتفع بالإجازة اللاحقة، كبيع الخمر و الخنزير

ص: 305


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العقود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.

.....

______________________________

و نحوهما من المحرمات، و كل ما خولف فيه المالك تنفعه الإجازة اللاحقة، فقال عليه السّلام في جملة من الاخبار الوارد في نكاح العبد بدون إذن سيده: «إنه لم يعص اللّه. و إنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز» (1). و هي قاعدة نظامية صحيحة تنطبق على مورد الفضولي فيصح بالإجازة.

إن قيل: إن معصية السيد معصية اللّه تعالى أيضا فلا وجه للصحة بالإجازة.

يقال: نعم إن معصية اللّه تعالى في مورد معصية السيد تعليقية على رضاء السيد.

و بعبارة أخرى المعصية التي توجب البطلان و لا تنفعها الإجازة ما كانت من الوصف بحال الذات و ما تنفعها ما كانت من الوصف بحال المتعلق. هذه جملة ما استدل به على صحة الفضولي في كل عقد إلا ما خرج بالدليل و في الإطلاقات و العمومات و أصالة عدم اعتبار مقارنة الرضا مع العقد غنى و كفاية.

و قد استدل للبطلان بالأدلة الأربعة. فمن الكتاب قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ- الآية- (2)، بدعوى ظهورها في اعتبار كون حدوث إنشاء التجارة عن تراض، فمع عدم الحدوث بهذا الوصف لا اعتبار بها و لو لحقتها الإجازة، لا استفادة الحصر من الآية في المحاورات العرفية إما لأجل الاستثناء في مثل المقام، أو لأجل السياق فأصل الحصر في الجملة مما لا مجال لإنكاره في عرف المحاورات.

و إنما الكلام في إنه هل ينفع شيئا في المقام؟ الحق هو عدمه.

أما أولا: فلأن في العقود و الإيقاعات شيئان، الأسباب و المسببات، و كل منهما من الاعتباريات و لا ريب عند كل أحد أن الأسباب لها طريقة محضة إلى النتائج و المسببات، و هي المناط الوحيد بين الناس فلا موضوعية للرضاء بالسبب حين حدوثه بوجه من الوجوه لا عرفا و لا شرعا و لا عقلا، فإذا كانت نتيجة العقد و مسببه مورد الرضاء و طيب النفس حين تأثير العقد، فتكون التجارة عن تراض لا محالة و العرف يحكمون بأنه ليس من الأكل بالباطل.

ص: 306


1- الوسائل باب: 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- سورة البقرة: 188.

.....

______________________________

و بالجملة: إذا كانت الأدلة منزلة على العرفيات فالعرف يرى الإجازة اللاحقة كالإذن السابق في الخروج عن كونه من الأكل بالباطل.

و ثانيا: العقد وقع عن الرضا و طيب النفس الحاصل للفضولي و الإجازة اللاحقة تنزلها منزلة الرضا و طيب نفس المالك، و لا بأس بذلك في الاعتباريات التي تدور مدار الاعتبار ما لم يقم على امتناعه الدليل.

و من السنة نصوص كثيرة منها النبوي: «لا تبع ما ليس عندك» (1)، و النبوي الآخر: «لا بيع إلا فيما تملك» (2)، و في حديث المناهي: «نهى عن بيع ما ليس عندك» (3)، و قوله عليه السّلام: «لا طلاق إلا فيما تملكه و لا بيع إلا فيما تملكه» (4)، و عن مولانا العسكري: «لا يجوز بيع ما ليس يملك» (5)، و عن الحجة (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف): «الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضي منه» (6)، و في صحيح ابن مسلم في الأرض: «لا تشترها إلا برضا أهلها» (7)، و في الصحيح الوارد فيمن باعت بعض القطائع فسئل عليه السّلام يعطيها المال أم يمنعها؟

قال عليه السّلام: «قل له: يمنعها أشد المنع فإنها باعته ما لم تملكه» (8)، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق.

و الجواب عن الجميع.

أولا: انه لا بد من تخصيصها بالكلي الذمي، فإنه جائز نصا و إجماعا، فيعلم منه انه ليس لنفس عدم كونه عنده موضوعية بل لا بد من انطباق جهة أخرى عليه.

و ثانيا: هي معارضة بما تقدم من الأدلة الدالة على الصحة و الترجيح معها،

ص: 307


1- سنن ابن ماجه باب: 20 من أبواب التجارات حديث: 2187.
2- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب عقد البيع حديث: 3.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 12.
4- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب عقد البيع حديث: 4 سنن ابن ماجه باب: 1 من أبواب الطلاق حديث: 2047.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 1.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 8 و 3 و 2.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 8 و 3 و 2.
8- الوسائل باب: 1 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 8 و 3 و 2.

.....

______________________________

لموافقة الإطلاقات و العمومات، و شهادة العرف و الوجدان على عدم الفرق بين المقارن و اللاحق.

و ثالثا: المنساق من مثل هذه التعبيرات في المحاورات انما هو النفي، أو النهي عن البيع المؤثر الفعلي التام، و هذا هو المنفي أو المنهي عرفا في مثل هذه الأخبار و هو مسلم بين الكل لأنه ما لم يجز المالك لا يقول بصحة أحد، و أما نفي مجرد الاقتضاء و الشأنية المحضة فلا تدل هذه الأخبار عليه بوجه من الوجوه.

و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا فمن يقول بدلالة مثل هذه الأخبار على البطلان، أي في مقام فعلية التأثير من كل جهة و من يقول بالعدم أي: في مقام الشأنية المحضة، و الاقتضاء الصرف فالصحة في جميع العقود الفضولية اقتضائية فإن لحقتها الإجارة يؤثر أثرها، و إلا فتبطل لا محالة كما هو شأن كلما فيه الاقتضاء بالنسبة إلى الجزء الأخير من العلة التامة.

ثمَّ أنه يصح لنا التمسك للاقتضاء بشكل بديهي الإنتاج فنقول: العقود الفضولية ليست من اللغو عند أبناء المحاورة و كل ما ليس كذلك فيه اقتضاء الصحة، فالعقود الفضولية فيها اقتضاء الصحة و لا ينبغي المناقشة فيه إلا ممن دأبه المناقشة في الواضحات، كما لا ينبغي التعرض للجواب لكل واحد واحد من الروايات مستقلا بعد كون أصل الجواب عن الجميع واحدا و لو بجامع واحد قريب عرفي كما ذكرناه فراجع و تأمل.

و من الإجماع ما ادعاه الشيخ في الخلاف.

و فيه: أن دعوى الإجماع في هذه المسألة الاختلافية من أول حدوثها على أحد الطرفين أوهن من بيت العنكبوت، مع اعتراف مدعيه بالخلاف و المخالف مع ذهاب أساطين القدماء إلى الصحة فكيف ينبغي دعوى الإجماع على البطلان.

و من العقل: إن عقد الفضولي تصرف في مال الغير و هو قبيح عقلا و حرام شرعا فيوجب البطلان لا محالة.

و فيه: إن مجرد العقد الذي له اقتضاء التأثير- لا أن يكون مؤثرا فعليا- ليس

ص: 308

.....

______________________________

من التصرف في مال الغير لا بحكم العقل و لا بحكم الشرع و لا بنظر العرف.

و لكن لا ريب في انه تجر لا ينبغي صدوره ممن يعتني بدينه.

نعم، لو كان العقد من العلة التامة التوليدية لحصول الأثر كان تصرفا حينئذ و لكنه لا نقول به بل هو محال، و كذا لو كان علة تامة و لم يكن توليديا و قلنا بحرمة مقدمة الحرام.

و لكن فيه. أولا: انه حينئذ ليس من دليل العقل، بل يدخل في النقل فيكون من السنة.

و ثانيا: قد أثبتنا في الأصول أن النهي التحريمي في المعاملات لا يدل على الفساد فراجع و تأمل.

و قد يستدل للبطلان بعدم القدرة على التسليم، و عدم موضوع لوجوب الوفاء بالعقد، و إن العقد غرري بالنسبة إلى الأصيل.

و الكل باطل لأن القدرة معتبرة حين التسليم لا حين العقد، و لم يقل أحد باعتبار القدر في مجرى الصيغة فقط و وجوبها إنما هو بعد الإجازة و للرضا قولا واحدا، و لا غرر في البين كما هو المعلوم لدى العرف. فتلخص من جميع ما مر أن المقتضى لصحة العقود الفضولية موجود بنحو الاقتضاء و المانع عنها كذلك مفقود.

الجهة الثالثة: من موارد عقد الفضولي: عقد المملوك بدون إذن سيده و المحتملات فيه ثلاثة.

الأول: البطلان مطلقا بحيث لا تنفعه لحوق الإجازة كما نسب إلى المشهور في عقد الصبي من كونه مسلوب العبارة رأسا. و هذا الاحتمال باطل بالنسبة إلى العبيد لترتب الأثر على أقوالهم و أفعالهم عقلا و شرعا، و ربما يزاد في قيمهم لأجل الكمالات القولية و الفعلية التي تكون فيهم.

الثاني: كونه صحيحا و نافذا و لو بدون رضاء سيده و لا ريب في بطلانه، لأنه ينافي العبودية و تكون قدرته و إرادته مندكا تحت قدرة السيد و إرادته، و العرف و العقلاء يرون ذلك باطلا، و لا نحتاج فيه إلى التعبد الشرعي و لولاه لاختل النظام كما هو واضح.

ص: 309

.....

______________________________

الثالث: حيث انه مملوك و عبد لا بد و أن يكون اختياره و ارادته من فروع اختيار المولى و إرادته إما بالإذن السابق أو الإجازة اللاحقة، و هذا هو الذي يقتضيه نظام العبودية في العالم، و عليه بناء العقلاء في عبيدهم و إمائهم و قرره الشرع الأقدس بقوله تعالى ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ (1)، و ليس المراد بها نفي القدرة التكوينية بل المراد القدرة التي يعملها المولى في شؤونه، و في المثل المعروف الرعية لا تقدر على شي ء في مقابل السلطان، و يدل على ما قلناه خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليهم السّلام قالا: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده قلت: فإن كان السيد زوّجه بيد من الطلاق؟ قال عليه السّلام: بيد السيد «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ أ فشي ء الطلاق» (2)، و عنه أيضا: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال عليه السّلام: ذلك إلى سيده ان شاء أجاز و إن شاء فرق بينهما» قلت: أصلحك اللّه ان الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد فلا تحل له إجازة السيد له، فقال عليه السّلام: إنه لم يعص اللّه، و إنما عصى سيده فإذا أجاز فهو له جائز» (3)، و المراد بالمعصية التعدي عن زيّ العبودية و ظهورهما فيما قلناه مما لا ينكر و حيث ان المسألة خارجة عن مورد الابتلاء فلا وجه للتفصيل بأكثر من ذلك.

الجهة الرابعة: الفضولي.

تارة: يعلم بعدم رضاء المالك ببيع ماله.

و أخرى لا يعلم به.

و ثالثة: يعلم برضائه بذلك مع تحقق الرضاء واقعا أيضا.

و رابعة: يعلم به مع عدم تحقق الرضاء في الواقع.

و لا ريب في كون القسمين الأولين من الفضولي المبحوث عنه عند الفقهاء، كما لا ريب في أن القسمين الأخيرين يوجب رفع الحرمة التكليفية لو

ص: 310


1- سورة النحل: 75.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب الطلاق حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 1.
مسألة 1: لا فرق في صحة بيع الفضولي- مع إجازة المالك- بينما

(مسألة 1): لا فرق في صحة بيع الفضولي- مع إجازة المالك- بينما إذا قصد وقوعه للمالك (59) و ما إذا قصد وقوعه لنفسه كما في بيع لنفسه كما في بيع

______________________________

كانت في البين، و هل يوجب الخروج عن عنوان الفضولية أيضا، بحيث يكون كالبيع المأذون فيه قبل العقد أو لا يوجب ذلك، بل يكون من الفضولي و لو علم بالرضا و صادف الواقع؟ الظاهر هو الأخير، لعدم اكتفاء العقلاء في معاملاتهم الدائرة بينهم على مجرد العمل بالرضاء ما لم يكن مبرز خارجي في البين، و لو كان ذلك سكوتا يعتمد عليه في كونه مظهر الرضا و مبرزه، و ذلك لأن فيها معرضية للخصومة و اللجاج فلا بد و أن يكون في الظاهر ما يصلح للاحتجاج و قطع اللجاج من قول أو فعل أو قرينة خارجية معتبرة يصلح للاستناد إليه عند نوع أهل العرف.

الجهة الخامسة: بعد كون الفضولي مطابقا للإطلاقات و العمومات و أصالة عدم اشتراط مقارنة الرضا بصدور الإنشاء لا فرق فيه بين العقود و الإيقاعات فيصح الإيقاع الفضولي مع الإجازة اللاحقة إلا مع دليل خاص أو عام على الخلاف و ليس في البين شي ء منهما سوى دعوى الإجماع، و حديث:

«لا عتق إلا بعد ملك» (1)، و الأول موهون جدا، و نجيب عن الثاني بعين ما أجبنا به عن قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا بيع إلا في ملك» (2)، فمقتضى القاعدة الجواز، و طريق الاحتياط معلوم خصوصا في الطلاق و العتق، حيث ادعى فيهما الإجماع على المنع بالخصوص، مضافا إلى الإجماع المدعى على المنع في مطلق الإيقاعات.

و انما الشأن في اعتبار مثل هذه الإجماعات، مع أن مقتضى الأصل عدم اعتبارها مطلقا.

(59) الأقسام في بيع الفضولي ثلاثة.

ص: 311


1- الوسائل باب: 5 من أبواب العتق.
2- راجع صفحة: 307.

الغاصب و من اعتقد انه مالك و ليس بمالك (60)، كما لا فرق فيما إذا قصد

______________________________

الأول: ما إذا قصد وقوعه عن المالك مع عدم سبق المنع.

الثاني: ما إذا قصد وقوعه عن نفسه.

الثالث: ما إذا قصد وقوعه عن المالك مع سبق المنع.

أما القسم الأول: فيشمله جميع الأدلة الدالة على صحة الفضولي من غير ثبوت ما يصلح للمنع على ما مر تفصيله.

(60) لشمول جميع الأدلة المتقدمة لهذا القسم أيضا بعد إمكان إلقاء قيد الإضافة إلى نفسه خصوصا في الاعتباريات التي هي أخف الأشياء مئونة. و يصح حيث ما أمكن الاعتبار عرفا.

و لكن قد أشكل عليه.

تارة: بشمول إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله «لا تبع ما ليس عندك» (1)، لهذا القسم.

و أخرى بأنه يكون من بيع الفضولي مع سبق منع المالك، لعدم رضاء الملاك غالبا بذلك.

و ثالثة: بأنه لا يتحقق فيه قصد المعاوضة الحقيقية، فلا يتحقق البيع أصلا، لأن معنى البيع قصد خروج المبيع عن ملك من يدخل الثمن في ملكه بدلا عنه، فإذا قصد البيع عن نفسه و دخول الثمن في ملكه لا يتحقق معنى البيع رأسا فيكون أصل قصده باطلا، فلا موضوع للإجازة حينئذ تكوينا. و هذا إشكال من جهة عدم الموضوع للإجازة لانتفاء الموضوع لها من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

و رابعة: بأن الإجازة اللاحقة إن تعلقت بعين ما أنشأه الفضولي و هو خلاف المقصود و إن تعلقت بالبيع بالنسبة إلى المالك فهو غير منشأ فيكون المنشأ غير مجاز و المجاز غير منشأ هذه هي الإشكالات التي استشكل بها على

ص: 312


1- سنن الترمذي ج: 3 باب: 19 حديث: 1332 و تقدم في صفحة: 307.

الوقوع عن المالك بين ما إذا سبقه منع المالك عن البيع و ما لم يسبقه المنع (61).

______________________________

هذا القسم من الفضولي.

و الكل باطل لا وجه.

أما الأول: فلما مر من ان المراد منه عدم صحة البيع في مقام ترتب الأثر الفعلي من كل جهة لا عدم الصحة و لو اقتضاء.

و أما الثاني: فلما يأتي من انه لا مانع من عقل أو نقل، و يكون المنع كعدمه في عدم المانعية.

و أما الثالث: فلما مر سابقا من إن حقيقة المعاوضة متقومة بتبادل المالين و لو مع قطع النظر عن تبدل المتعاوضين.

نعم، في الغالب يكون ذلك ملحوظا أيضا و لو إجمالا، لكن ليس ذلك من مقومات المعاوضة و لا من لوازمها الذاتية، فقصد نفس تبادل المالين و لو إجمالا يكفي في تحقق معنى البيع، سواء قصد تبدل المالكين أو لا، و ثبوت قصد تبادل المالين من الضروريات في كل بيع فضولي و لو كان لنفسه، و الإجازة اللاحقة تتعلق بنفس هذا القصد مع إلقاء قيد كونه لنفسه و لا ريب في الصحة حينئذ.

و منه يظهر الجواب عن الإشكال الرابع، لأن المنشأ انما هو تبادل المالين و هو مورد الإجازة اللاحقة، و قصد كونه عن نفسه ادعائي و تجعلي و الإجازة إنما تتعلق بما هو الواقع و الحقيقة دون ما هو الادعائي الجعلي، و الحقيقة في المقام انما هو لتبادل المالين بين المالكين الحقيقيين، فيبقى الحق و الحقيقة و يذهب الادعاء الباطل فاسدا و باطلا لا محالة، هذا لباب ما ينبغي أن يقال في المقام، و قد طال الكلام من مشايخنا الاعلام قدس سرّهم فراجع و تأمل هذا إذا باع الفضولي لنفسه و أجاز المالك فيقع البيع للمالك. و أما إذا باع لنفسه ثمَّ صار مالكا فيأتي حكمه في المسائل الآتية.

(61) للإطلاقات و العمومات، و ما تقدم من أن صحة الفضولي مطابقة

ص: 313

.....

______________________________

للقاعدة فلا بد حينئذ من إقامة دليل خاص لإخراج صورة سبق المنع عن تحت القاعدة، و قد ذكر له أمور.

الأول: انه كرد العقد فلا يبقى موضوع للإجازة بعد ذلك.

الثاني: أن الروايات الخاصة التي استدل بها لصحة الفضولي بعضها ظاهرة في عدم سبق المنع كخبر عروة (1)، و خبر السمسار، و خبر ابن أشيم (2)، و إن كان بعضها مطلقة كخبر الحلبي (3).

الثالث: انه من الرد بعد العقد موضوعا، إذ يكفي فيه عدم الرضاء الباطني آنا ما بعد العقد و هو متحقق في المقام.

الرابع: قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهرا» (4)، فيشمل صورة سبق المنع بالأولى.

الخامس: ان المشتري العالم بالغصب إن سلطه البائع على الثمن مجانا فلا وجه لرجوعه إلى المالك بالإجازة، و إن سلطه بعوض فكذا أيضا لفرض ان التسليط وقع للبائع من حيث هو، فلا ينتقل إلى المالك بالإجازة هذه هي الوجوه التي استدلوا بها على بطلان هذا القسم من الفضولي.

و الكل باطل. أما الأول: فلأن رد العقد و النهي عن إيجاد العقد موضوعا متباينان عقلا و عرفا، لأن و الأول إعدام ما وجد الثاني إنما هو النهي عن الإيجاد، و قد ثبت في الأصول أن النهي التكليفي في المعاملات لا يوجب الفساد إذا كان عن الخالق فضلا عما إذا كان عن الخلق.

و أما الثاني: ففيه أن كون موردها عدم سبق المنع لا يدل على تخصيص أصل الحكم به بعد ظهور الإطلاقات و العمومات و مثل خبر الحلبي في التعميم.

و أما الثالث: فكون مجرد عدم الرضاء الباطني ردا خلاف الوجدان.

و أما الرابع: فهو حق لا ريب فيه إن كان التزويج بغير الإذن أصلا حتى

ص: 314


1- راجع صفحة: 209 و 305.
2- راجع صفحة: 209 و 305.
3- راجع صفحة: 209 و 305.
4- راجع سنن ابن ماجه باب: 43 من أبواب النكاح حديث: 1959 و في الوسائل باب: 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
مسألة 2: لا فرق في صحة الفضولي بين كون الثمن من الغير أو كون المثمن منه أو هما كذلك

(مسألة 2): لا فرق في صحة الفضولي بين كون الثمن من الغير أو كون المثمن منه أو هما كذلك، و لا بين كون مورده العين الخارجي أو الكلي في ذمة الغير سواء كان هو الثمن أو المثمن أو هما معا، كما يجوز ان يكون بالاختلاف بأن يكون أحد العوضين عين مال الغير و الآخر كليا في ذمة الغير (62).

مسألة 3: لا فرق في صحة الفضولي بين ما إذا كان بالعقد أو بالمعاطاة

(مسألة 3): لا فرق في صحة الفضولي بين ما إذا كان بالعقد أو بالمعاطاة (63).

______________________________

الإجازة اللاحقة كما يدل عليه سائر الأخبار الواردة في هذا الباب المشتمل على قوله عليه السّلام: «إنما عصى سيده فإذا أجاز جاز» (1)، و لا يدل على بطلان ما إذا منع قبل العقد و بعد وقوعه أجازه.

و أما الخامس: فلا ريب في ان المشتري العالم بالفساد لا يملّك ماله مجانا إلى البائع كما هو المحسوس في مشتري الأعيان المحرمة فضلا عن المعاملات الفضولية، و إنما يملّك ماله بحيثية مالكية المبيع، و هذه الحيثية تقييدية فأينما وجدت هذه الحيثية كان التملك لها و هو المالك الحقيقي بعد الإجازة، فيكون الثمن ملكا له فالحق صحة هذا القسم من الفضولي أيضا.

(62) لأنه بعد كون الفضولي مطابقا للقاعدة يجري فيه جميع أقسام البيوع مطلقا إلا مع وجود دليل معتبر على الخلاف في بعضها و هو مفقود.

(63) لأنه بعد كون كل من المعاطاة و الفضولي مطابقا للقاعدة كما أثبتناه فتنطبق القاعدة على جميع موارد إمكان فروض الصغريات كما هو معلوم.

و توهم إن المعاطاة متقومة بالتراضي و قصد التمليك و التملك و هما من وظائف المالك، مع أن الدليل مختص بالفضولي العقدي.

ص: 315


1- تقدم في صفحة: 306.
مسألة 4: يعتبر في صحة الفضولي إجازة من له الحق

(مسألة 4): يعتبر في صحة الفضولي إجازة من له الحق (64) و هي تقع باللفظ الظاهر في الرضا بما وقع ظهورا عرفيا مثل: أجزت، و أنفذت و رضيت و نحوها، و كقوله للمشتري: بارك اللّه فيه و نحو ذلك من الكنايات التي هي أبلغ من التصريح (65)، و يقع بالفعل الكاشف عرفا عن الرضاء بالعقد، كما إذا تصرف في الثمن (66) أو أجاز البيع الواقع عليه (67)، و كما إذا أمكنت الزوجة من نفسها إذا زوجت فضولا و نحو ذلك من

______________________________

فاسد: بما أثبتناه سابقا من انه لا فرق في أسباب البيع بين القولي فيه و الفعلي، كما أن اختصاص الدليل بالفضولي العقدي من مجرد الدعوى مع وجود العمومات و الإطلاقات في البين. و الحق إن كلماتهم مضطربة و غير منقحة في المقام رفع اللّه تعالى شأنهم.

(64) بإجماع المسلمين، بل ضرورة من الدين، و الكتاب المبين، و نصوص المعصومين، و قد تقدم مرارا آية التراضي (1)، و حديث «لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه» (2)، و يمكن الاستدلال بدليل العقل أيضا لأن التصرف في مال الغير بغير رضاه ظلم و هو قبيح عقلا، فتطابقت الأدلة الأربعة على اعتبار الإجازة في العقود الفضولية.

(65) لأن كل ذلك معتبر في المحاورات العرفية و يستند الناس إليها في 2 مقام الاحتجاج و رفع التخاصم و اللجاج، و الأدلة الشرعية منزلة على ذلك كله ما لم يمنعه مانع و لا مانع في البين من عقل أو نقل.

(66) لأن اللفظ لا موضوعية له في المقام و إنما يعتبر من حيث الكشف عن الرضا، فكل ما يكون كاشفا عنه يصح الاعتماد عليه.

(67) لأنه مستلزم لإجازة البيع الواقع على المثمن أيضا.

ص: 316


1- سورة النساء: 29.
2- راجع صفحة: 253.

الأفعال (68).

مسألة 5: الإجازة من الأمور القصدية و ليست من الأمور الانطباقية القهرية

(مسألة 5): الإجازة من الأمور القصدية و ليست من الأمور الانطباقية القهرية فلو صدر منه لفظ أو فعل بلا قصد لا تتحقق به الإجازة (69)، و كذا لو شك في كون اللفظ أو الفعل كاشفا عن الرضا و لم يكن قرينة في البين على أحد الطرفين لا تتحقق الإجازة أيضا (70).

مسألة 6: لو تنازعا في ظهور ما صدر في الرضا و عدمه

(مسألة 6): لو تنازعا في ظهور ما صدر في الرضا و عدمه، فالقول قول المنكر بيمينه (71).

مسألة 7: لا يكفي مجرد الرضاء الباطني من دون كاشف عنه في البين في الخروج عن الفضولية

(مسألة 7): لا يكفي مجرد الرضاء الباطني من دون كاشف عنه في البين في الخروج عن الفضولية، فيحتاج نفوذ العقد إلى الإجازة خصوصا إذا لم يلتفت حين العقد إلى وقوعه، لكن كان بحيث لو التفت لكان راضيا (72).

مسألة 8: الأحوط أنه يعتبر في نفوذ الإجازة أن لا يسبقها الرد

(مسألة 8): الأحوط أنه يعتبر في نفوذ الإجازة أن لا يسبقها الرد (73).

______________________________

(68) لكشف ذلك كله عن الرضا كشفا عرفيا، و قد ورد في سكوت المولى عن نكاح العبد بعد علمه به بأنه إقرار و إجازة (1).

(69) لأصالة عدم تحقق الإجازة.

(70) لما تقدم من أصالة عدم تحققها.

(71) لأصالة عدم تحقق الرضا. و أما العين فلما يأتي في كتاب القضاء.

(72) لما تقدم في الجهة الرابعة فراجع.

(73) استدل على إنه يعتبر في نفوذها ان لا يسبقها الرد.

تارة: بالإجماع.

و أخرى بأن الإجازة تجعل المجيز كأحد طرفي العقد و من شروط العقد

ص: 317


1- الوسائل باب: 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 1.
مسألة 9: الإجازة كاشفة عن صحة العقد الصادر من الفضولي

(مسألة 9): الإجازة كاشفة عن صحة العقد الصادر من الفضولي من حين وقوعه، فتكشف عن ان المبيع كان ملكا للمشتري و الثمن ملكا للبائع من زمان وقوع العقد فكأن الإجازة وقعت حين العقد لا ان تكون ناقلة بمعنى: كونها شرطا لتأثير العقد من حين وقوعها و كأن العقد وقع حين الإجازة (74). و تظهر الثمرة بينهما في النماء المتخلل بين العقد و الإجازة،

______________________________

أن لا يتخلل الرد بين طرفيه.

و ثالثة: بأن مقتضى سلطة الناس على أموالهم تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه.

و الكل مخدوش: أما الإجماع فعهدة إثباته على مدعيه، مع عدم ثبوته عند القدماء الذين هم الأساس للإجماع. و حصول القطع منه برأي المعصوم عليه السّلام ممنوع في تخلل الرد بين الإيجاب و القبول، فضلا عن المقام و المتيقن منه على فرض اعتباره ما إذا أسقط الموجب إيجابه رأسا قبل تحقق القبول حتى يبقى للقبول بلا مورد و أما رد القابل.

أولا: ثمَّ القبول.

ثانيا: فالشك في كونه من مورد الإجماع يكفي في عدم شموله له.

أما الثاني: فهو ممنوع صغرى و كبرى أما الصغرى فلأن المقام أجنبي عنه، لأن العقد حصل و كمل بجزئيه جامعا لشرائط الإيجاب و القبول، و لم يحصل بين جزئي العقد ما يسقط عن الاعتبار و الإجازة تنفيذ لما وقع جامعا للشرائط.

و أما الكبرى فلما تقدم آنفا.

أما الثالث: فلا وجه له أصلا، إذ لم يحدث للطرف الآخر علاقة تزاحم سلطنة المالك حتى تدفع بقاعدة السلطنة، لأن عقد الفضولي قبل الإجازة لا أثر له، فمقتضى الأصل بقاء صلاحية العقد للحوق الإجازة و لو بعد الرد و إنما عبرنا بالاحتياط في عنوان المسألة خروجا عن مخالفة دعوى الإجماع.

(74) هذه احدى المسائل التي اضطربت فيها الأقوال و تشتت الاحتمالات

ص: 318

.....

______________________________

حتى صارت من المشكلات و العويصات عندهم منشأها إنه إن قلنا بحصول الملكية بالعقد قبل الإجازة يلزم تقدم المعلول على العلة و تأثير المعدوم- و هو الإجازة- في الموجود و هو الملكية. و إن قلنا بحصول الملكية بعد الإجازة و بعد الإنشاء بزمان يلزم تأخر المعلول عن العلة زمانا بعد صيرورة الإنشاء كالعدم، مع انه الأصل الأصيل في العقود كلها فضولية كانت أو غيرها، فكيف يؤثر مع العدم. و هذا الإشكال جعل الافهام صرعى و الأفكار حيارى فاختار كل مهربا فمن قائل بأن الشرط تعقب العقد للإجازة. و لا ريب في كونه خلاف ظواهر الأدلة و من قائل بالكشف الحقيقي المحض و يظهر ذلك من المشهور، و بعض الاخبار الخاصة كصحيح قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في وليدة باعها ابن سيدها و أبوها غائب فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر، فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال عليه السّلام: الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها فناشده الذي اشتراها، فقال له:

خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك فلما رآه أبوه قال له: أرسل ابني قال لا و اللّه لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه» (1)، و يأتي دفع إشكال تقدم المعلول على العلة بناء عليه إن شاء اللّه.

و من قائل بالكشف عن الرضاء التقديري و هو مقارن. و لا دليل على كفاية أصل الرضاء التقديري حتى يكون الكشف عنه كافيا و كان جوابا عن الإشكال.

و من قائل بالكشف بنحو اللم أي: كشف العلة عن معلولها.

و فيه: إنه خلاف ظواهر الأدلة الشرعية و إن نسب إلى المشهور.

و من قائل بالكشف الانقلابي يعني أن الإجازة تقلب الواقع عما كان عليه فيجعله مؤثرا بعد ما لم يكن كذلك.

و فيه: انه خلاف ما اشتهر من أن الشي ء لا يتغير عما وقع عليه في الأمور الواقعية.

و من قائل بالكشف الحكمي لا الموضوعي و الكشف الحكمي عبارة

ص: 319


1- الوسائل باب: 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 1.

.....

______________________________

أخرى عن النقل الموضوعي مع ترتب الأثر من حين العقد يعني: أن بالإجازة يترتب حكم الملكية من حين حدوث العقد لا أن تكون الإجازة شرطا للملكية الحقيقية حتى يلزم تقدم المعلول على العلة هذه أقوالهم قدس سرّهم.

أقول: أولا: حق القول أن يقال الكشف أما حقيقي أو تنزيلي، و جميع ما ذكر من الأقسام داخل في القسم الثاني، فلا وجه لتكثير الأقسام بعد عدم ثمرة معتنى بها في التكثير.

و ثانيا: أصل الإشكال الذي اضرهم للفرار عنه إلى التمسك بهذه الوجوه حصل من المغالطة بين الأمور التكوينية و الأمور الاعتبارية و جميع ما أثبتوه في فن المعقول من أحكام العلة و المعلول (1)، على فرض صحة بعضها إنما هو في التكوينيات فقط و لا تجري في الاعتباريات التي تقوم بها نظام البشر، و كذا الأحكام الشرعية التي هي أيضا من الاعتباريات الصحيحة العقلائية في جميع المذاهب و الأديان و لا ربط لعالم الاعتبار بعالم التكوين، كما لا ربط لهما بعالم الربوبي لفرض انه فوق العقول من كل جهة و لا يعقل الإحاطة بشي ء منه للبشر المتناهي من كل جهة و إن كملت عقولهم و دقت فطنتهم، كذلك عالم الاعتبار فإنه أوسع من عالم التكوين بمراتب، و له نظام خاص و تنظيم مخصوص في مقابل العوالم الخارجية التكوينية، و مؤسس هذه الاعتباريات الأنبياء و الرسل بالنسبة إلى الاعتباريات الشرعية و عقلاء العالم بجميع فرقهم بالنسبة إلى الاعتباريات العقلائية فكل ما صح في الاعتبار صحيح و إن خالف ما أثبتوه أهل الحكمة في التكوينيات، و كل ما لم يصح فيه ليس بصحيح و ان وافق ما قالوه، فكما أن العرفيات يختلف اختلافا كثيرا، فرب شي ء متعارف حسن عند طائفة يكون ذلك بعينه قبيحا عند طائفة أخرى. و بالعكس تكون نسبة الاعتباريات مع ما اثبتوا في الحكمة هكذا أيضا فما قالوه من امتناع اجتماع المثلين أو الضدين، و امتناع تقدم المعلول على العلة، و امتناع صدور الكثير عن

ص: 320


1- راجع الاسفار الأربعة ج: 2 باب العلة و المعلول في المرحلة السادسة.

.....

______________________________

الواحد و بالعكس لا موضوع لها في الاعتباريات رأسا و هي خارجة تخصصا، و لقد أحسن الأقدمون من أصحابنا رفع اللّه تعالى منازلهم في الآخرة حيث لم يتعرضوا لمثل هذه المباحث أصلا، و كان ذلك لما غرس في أذهانهم الشريفة من التباين بين الموضوعين و احتفظوا كل الاحتفاظ على أن لا يختلط الفقه الذي هو أهم مواريث الأنبياء و المرسلين بجملة من الأوهام و المغالطات، و في المقام إذا صح اعتبار حصول الملكية بعد عقد الفضولي مع لحوق الإجازة عند عامة الناس و سوادهم يصح شرعا أيضا، و إذا راجعنا إلى وجداننا و وجدانهم نراه صحيحا لا غبار عليه.

فما نسب إلى المشهور من الكشف الحقيقي هو الصحيح الموافق للأذهان الساذجة العرفية فكما يصح اعتبار السنة من الزمان المتدرج الوجود، و اعتبار الملكية من الأشياء المتفرقة الاجزاء، و اعتبار صلاة الظهر من الركعات المتقدمة و المتأخرة، و اعتبار الاعتبار في شخص يصير ملكا في مستقبل الأيام، و اعتبار الاعتبار أيضا ممن كان ملكا في سالف الأيام و سار أسيرا في أيدي الأنام، إلى غير ذلك مما هو كثير لا يحصى فكذلك في نظائر المقام فالعقد الفضولي مع الإجازة له نحو وحدة عرفية اعتبارية، بتلك الوحدة يؤثر في الملكية كما في بيع الصرف و السلم مع القبض، بل و جميع الأسباب المتدرجة الوجود في الزمان و الاعتباريات كما تكون أوسع شي ء دائرة و بها يقوم نظام الشريعة تكون أيضا أخف شي ء مئونة، و ما من شي ء إلا و هو محفوف بالاعتباريات و هذا الجواب سار في كل ما يجري فيه هذا الإشكال من أول الفقه إلى آخره، فتشمله العمومات و الإطلاقات بحسب ما كان مغروسا في أذهان فقهائنا الأقدمين و أذهان عامة الناس أجمعين، و هذا هو المستفاد مما ورد من الأدلة الخاصة أيضا في صحة الفضولي في المقام كصحيح محمد بن قيس (1)، و غيره فراجع.

ثمَّ إن منشأ القول بالنقل أو الكشف الحكمي أو الانقلابي، أو شرطية

ص: 321


1- تقدم في صفحة: 306.

فعلى الأول نماء المبيع للمشتري و نماء الثمن للبائع، و على الثاني بالعكس (75)، و في جواز تصرف الأصيل فيما انتقل إليه مع علمه بتحقق الإجازة فيجوز بناء على الكشف دون النقل (76)، و لا يجوز مع عدم علمه (77).

______________________________

الرضاء التقديري أو العنوان الانتزاعي إنما هو إشكال تقدم المعلول على العلة بناء على الكشف الحقيقي، و حيث إنه لا وقع لأصل هذا الإشكال في الاعتباريات مطلقا فلا وجه بعد ذلك للتفصيل و النقض و الإبرام و بسط الكلام مع وجود الأهم من ذلك في البين.

(75) لأنه على الكشف حصلت ملكية المثمن للمشتري و ملكية الثمن للبائع من حين حدوث العقد و النماء تابع للملك، فيكون نماء كل ملك لمالكه و بناء على النقل تحصل الملكية من حين الإجازة فيتبعها النماء من حين حدوث الملكية لا محالة، فلا فرق في ذلك بين الكشف الحقيقي و التنزيلي بأقسامه، لأن الآثار الشرعية و إن كانت مترتبة على الموضوعات الواقعية إلا أن للشارع تنزيل الموجود منزلة المعدوم و بالعكس، كما إنه لا اختصاص لذلك بخصوص النماء بل جميع آثار الملكية يترتب من أول العقد بناء على الكشف و من حين الإجازة بناء على النقل.

(76) لتحقق المقتضى و فقد المانع في الأول و عدم المقتضي في الثاني، لعدم الأثر للعقد بناء على النقل إلا من الإجازة، و لكن لو علم برضاء المالك بالتصرف يجوز له التصرف من هذه الجهة لا من حيث حصول الملكية.

(77) لأصالة عدم تحقق الإجازة، و لكن لو تصرف مع هذا و تحققت الإجازة يكون من التجري، و أما تصرف المالك فيما انتقل عنه فإن كان مع علمه بوقوع بيع الفضولي على ماله، فالعرف يراه ردا و مع عدم علمه به و إجازته بعد ذلك يمكن القول بصحة التصرفات ظاهرا و الانتقال إلى البدل خصوصا بناء

ص: 322

مسألة 10: لا تورث الإجازة لو مات المالك قبلها

(مسألة 10): لا تورث الإجازة لو مات المالك قبلها و انما تورث ما يكون مورد الإجازة (78).

مسألة 11: تتعلق الإجازة بالعقد

(مسألة 11): تتعلق الإجازة بالعقد و اما القبض و الإقباض الحاصل فالأحوط فيهما الاذن الجديد (79).

______________________________

على الكشف جمعا بين الأدلة و لأصالة بقاء عقد الفضولي على الاقتضاء و القابلية.

و أما لزوم المعاملة على الأصيل بناء على الكشف و علمه بتحقق الإجازة فالعرف يرى المعاملة لازمة عليه حينئذ بخلاف ما إذا لم يعلم فضلا عن النقل، هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام. و أما الكلمات فهي مشوشة بل بعضها من الرجم بالغيب جعل اللّه تعالى أقوالنا و أقلامنا مع أفعالنا تحت رعايته و عنايته.

(78) لأن جواز الإجازة حكم شرعي و الحكم الشرعي ليس قابلا للإرث، و أما إرث مورد الإجازة مالا كان أو حقا قابلا للنقل و الانتقال فلا إشكال فيه نصا (1)، و إجماعا.

و الفرق بين إرث الإجازة و إرث موردها إنه إن كانت الإجازة موروثة يمكن القول بأن الزوجة ترث منها، و إن كانت محرومة من موردها بخلاف ما إذا لم يكن موروثة فتدور إرثها عن متعلقها مدار عدم حرمانها عنه، و يأتي في إرث الخيار ما ينفع المقام.

(79) لما يظهر منهم أن موردها الاعتباريات دون الخارجيات كالأقوال و الافعال.

و فيه: إنه من مجرد الدعوى بل تشمل الاعتباريات و ما هو من لوازمها العرفية أو الشرعية- قولا كان أو فعلا- و ما من أمر اعتباري إلا و هو محفوف

ص: 323


1- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب و لا ضمان الجريرة و الإمامة ج: 17.
مسألة 12: الإجازة ليست على الفور فيصح التأخير فيها

(مسألة 12): الإجازة ليست على الفور فيصح التأخير فيها (80)، و لو تضرر الأصيل فله الخيار بعد عدم إمكان الإجبار (81).

______________________________

بقول أو فعل.

ثمَّ إنه بناء على عدم تعلق الإجازة بهما إن انطبق عليهما عنوان خاص صح انطباقه على مورد الإجازة يصح تعلق الإجازة به حينئذ كإسقاط الضمان فيما نحن فيه.

و أشكل عليه.

تارة: بأنه من إسقاط ما لم يجب.

و أخرى بأنه أن أريد به إسقاط ضمان المعاوضة فهو حكم شرعي غير قابل للإسقاط. و إن أريد به الغرامة فلا دليل على أن الإجازة تؤثر فيه.

و هو مردود: للكفاية المعرضية العرفية للإسقاط، فلا يكون حينئذ من إسقاط ما لم يجب، و ان ضمان المعاوضة فيه جهتان جهة الحكمية و جهة الحقية و الأولى مترتبة على الثانية، و لا ريب في إن الأخيرة قابلة للإسقاط فلا يبقى موضوع للجهة الأولى فيصح بيان قاعدة و هي: أن كلما يؤثر فيه الإذن السابق تؤثر فيه الإجازة اللاحقة إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج فيصح الاسقاط بمعنى ضمان الغرامة أيضا، و باب المناقشة و إن كانت مفتوحة و لكن جميعها قابلة للرد بعد التأمل و التدبر، فإجازة البيع إجازة لكل ما يلازمه من اللوازم العرفية و الشرعية إلا ما خرج بدليل معتبر، و لا فرق فيه بين قبض الثمن المعين و تشخيص الكلي في الفرد بعد التسالم على إن الإجازة اللاحقة كالإذن السابق عند كل من يقول بصحة الفضولي.

(80) للأصل، و الإطلاقات، و العمومات، و ظاهر صحيح ابن قيس(1)، و غيرها من الروايات.

(81) لقاعدة نفي الضرر و الضرار بناء على لزوم العقد من قبله و إلا فلا

ص: 324


1- تقدم في صفحة: 306.
مسألة 13: الإجازة. تارة: موافقة لما وقع كما و كيفيا، و أخرى مخالفة له

(مسألة 13): الإجازة. تارة: موافقة لما وقع كما و كيفيا، و أخرى مخالفة له من حيث النقيصة أو من حيث الزيادة و كل منهما.

تارة: بالنسبة إلى الجزء.

و أخرى بالنسبة إلى الشرط فهذه أقسام خمسة و لا ريب في صحة القسم الأول (82) و كذا في البقية إن انحل الالتزام العقدي و الاجازي إلى التزامات متعددة حسب تعدد انحلال المتعلق (83).

مسألة 14: لو أجاز المالك بعد إيجاب الفضولي و قبل قبول الأصيل صح العقد

(مسألة 14): لو أجاز المالك بعد إيجاب الفضولي و قبل قبول الأصيل صح العقد و ليس من الفضولي المعهود (84).

مسألة 15: لو باع المالك شيئا مع تحقق قصد إنشاء البيع منه كالفضولي و قبل المشتري

(مسألة 15): لو باع المالك شيئا مع تحقق قصد إنشاء البيع منه كالفضولي و قبل المشتري و لكن قال المالك أجيز بعد ثلاثة أيام- مثلا- يصح البيع (85).

______________________________

إشكال في البين كما لا يخفى.

(82) للإجماع عند كل من قال بصحة الفضولي و للإطلاقات و العمومات.

(83) لأنه بعد انحلال الالتزام من الأصيل و المجيز إلى التزامات كثيرة، بحيث يكثر مورده جزءا كان أو شرطا يصح فيما وقع به الالتزام و يبطل في غيره، و لو كان الالتزام بنحو المجموع من حيث المجموع تبطل في صورة الاختلاف مطلقا، لأن ما عقد ما لم يجز و ما أجيز لم يقع عليه العقد، و المنساق من العقود المتعارفة بين الناس إنما هو الانحلال. و لو شك في انه انحلالي أو مجموعي فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر في صورة الاختلاف بينهما بعد عدم وجود أصل موضوعي غير معارض في البين.

(84) أما صحة العقد، فلوجود المقتضى و فقد المانع. و أما عدم كونه من الفضولي المعهود فلأن المراد به في اصطلاح الفقهاء ما إذا وقعت الإجازة بعد تمامية الإيجاب و القبول لا في الأثناء.

(85) للإطلاقات، و العمومات، و هل يكون من الفضولي المعهود أو لا؟

ص: 325

مسألة 16: لا يعتبر في الفضولي وحدة المكان

(مسألة 16): لا يعتبر في الفضولي وحدة المكان، فلو كان الفضولي في بلد و الأصيل في بلد آخر و المجيز في بلد ثالث و حصل العقد و الإجازة بينهم بالوسائل الحديثة صح و لزم (86).

مسألة 17: لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية

(مسألة 17): لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية فلو تخيل كونه وليا أو وكيلا فباع ثمَّ بان الخلاف يكون من الفضولي (87) و أما العكس بأن تخيل كونه غير جائز التصرف ثمَّ بان أنه كان يجوز له التصرف بالولاية أو الوكالة أو كونه مالكا يصح البيع في الجميع (88)، و لكن يحتاج إلى

______________________________

صريح الجواهر هو الأول. و عن بعض الأخير و منشأ النزاع دعوى الانصراف و عدمه.

و قد يقال ببطلان أصل البيع، لعدم تحقق قصد الإنشاء جدا منه.

و فيه. أولا: إنه خلاف الوجدان بين المتعاملين، حيث يقولون: بعتك هذا المتاع، و لكن أمضيه بعد المراجعة إلى السندات و الدفاتر أو أهل الخبرة.

و ثانيا: إنه نزاع صغروي لا يضر بأصل الكبرى.

(86) للإطلاقات و العمومات بعد صدق العنوان عليه عرفا.

(87) لصدقه عليه عرفا، و شرعا، و لغة فهو من العناوين الانطباقية القهرية لا القصدية، حتى إنه لو قصد عدم الفضولية و باع لنفسه متجزما به يكون من الفضولي فضلا عن صورة عدم القصد.

(88) لوجود المقتضي للصحة و هو القصد الجدي في إنشاء البيع و كونه جامعا لسائر الشرائط، كما هو المفروض و فقد المانع عنها، إذ ليس ما يتوهم فيه المانعية إلا أنه قصد بيع مال الأجنبي فبان إنه ليس من الأجنبي، بل هو مما يتعلق به ولاية أو وكالة أو ملكا فما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد و العقود تتبع القصود.

و لكنه باطل، لأن هذا التخلف من تخلف الداعي و المقارنات، و هو كثير

ص: 326

الإجازة في اللزوم (89)، و كذا لو باع شيئا لنفسه و انكشف كونه وليا أو

______________________________

في المعاملات و ليس معنى تبعية العقود للقصود هذه القصود. و إلا لبطل جملة من المعاملات و اختل النظام بل المراد أن العقد لا بد و أن يصدر عن قصد جدي استعمالي صحيح لا أن كلما قصد في كل عقد لا بد و أن يتحقق خارجا، إذ لا دليل عليه من عقل أو نقل و بطلانه غنى عن البيان.

و ما نسب إلى القاضي- و هو ابن البراج و أحد تلامذة الشيخ رحمه اللّه- من أنه لو أذن السيد لعبده في التجارة و هو لا يعلم لا يصح بيعه. يراد به أن ثبوت الرضاء الباطني من السيد و عدم إبرازه ظاهرا لا يكفي، و قد مر سابقا عدم كفايته في صحة البيع بلا إجازة لا أن يكون مراده عدم صحة أصل البيع بحيث لا تنفعه الإجازة، لأن مشايخنا الأقدمون رحمهم اللّه أجل من أن ينسب إليهم مثل هذا القول.

(89) لأن مقتضى ظواهر الأدلة الدالة على عدم حل المال إلا بطيب النفس، و مقتضى حكم العقل بأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير هو عدم الجواز إلا إذا أحرز الرضاء بعنوان انه ماله، أو انه وليه في بينه أو وكيل أو مأذون فيه.

و بعبارة أخرى الرضاء الخاص الشخصي لا مطلق جنس الرضا بأي نحو كان، و هذا هو الذي يقتضيه كثرة اهتمام الشارع بأموال الناس و نفوسهم و أعراضهم، و المسألة سيالة في موارد كثيرة من الفقه نشير إليها في مواضعها، و حيث أن هذا الرضاء الشخصي الخاص بقيد كونه مالكا أو وليا أو وكيلا لم يحرز، فلا بد من الإجازة حينئذ.

إن قيل أن الاحتياج إلى الإجازة من قبيل لزوم ما لا يلزم، لأنه عقد صدر عن أهله و في محله فلا بد فيه من اللزوم، فالحكم بصحة البيع في المقام ملازم عرفا للزومه فلا مورد للإجارة بعد ذلك، و لا وجه للتفكيك بين الصحة و عدم اللزوم قبل الإجازة.

ص: 327

وكيلا فالبيع فيهما صحيح (90).

مسألة 18: يعتبر في المجيز أن يكون جائز التصرف حين الإجازة بالبلوغ، و العقل، و الرشد، و عدم الحجر

(مسألة 18): يعتبر في المجيز أن يكون جائز التصرف حين الإجازة بالبلوغ، و العقل، و الرشد، و عدم الحجر (91)، و لا يعتبر في صحة الفضولي جود مجيز حال العقد فيصح و لو تجدد حال الإجازة (92)، كما لا يعتبر فيه

______________________________

يقال: وجه التفكيك ظاهر لا مساق لإنكاره، لأن الرضاء الالتفاتي الشخصي ربما يكون مستلزما لإعمال خصوصيات و جهات لا يكون ذلك في جنس الرضا كما هو معلوم بالوجدان، و هذا من قبيل الحكمة لاعتباره لا العلة، فيعتبر فيما لم تترب عليه تلك الحكمة.

(90) للعمومات، و خصوص أدلة الولاية و الوكالة، و لكن يحتاج لزومه إلى الإجازة بعد الانكشاف، لعدم الرضاء الشخصي الخاص حين البيع عمن له حق البيع و الولاية عليه.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 16، ص: 328

(91) للإجماع، و إطلاق أدلة اعتبار البلوغ و العقل و الرشد، و عدم المنع بالحجر في صحة التصرف الشامل لحال الإجازة أيضا، فلا يصح إجازة الصبي و المجنون و المحجور مطلقا لسفه كان أو غيره، و يشمل دليل مانعية الحجر الصبي و المجنون أيضا مضافا إلى سلب عبارة المجنون عند العقلاء، و عبارة الصبي عند المشهور من الفقهاء، كما مر و إن ناقشنا في الأخير.

(92) لإطلاقات أدلة صحة الفضولي و عموماتها الشاملة لهذه الصورة أيضا، و لأن المناط في اللزوم على حال التنفيذ لا حال صدور العقد، فيكون وجوده بالنسبة إلى حال صدور العقد كعدمه، فلو زوج الفضولي الصغير مع عدم التمكن من الوصول إلى الولي حين العقد، و بعد مدة حصل التمكن منه و أجاز صح العقد.

ثمَّ إن المراد بوجود المجيز هنا وجوده من حيث ظهور الأثر لا أصل وجوده و لو لم يكن له أثر، و لذا نسب إلى العلامة رحمه اللّه اشتراط وجود المجيز حال

ص: 328

أن يكون جائز التصرف حين العقد على فرض وجوده (93) فإذا كان المالك غير جائز التصرف حين العقد لمانع من صغر، أو سفه، أو جنون أو نحو ذلك ثمَّ ارتفع المانع فأجاز تنفذ إجازته (94).

مسألة 19: لا يعتبر في المجيز أن يكون مالكا حين العقد

(مسألة 19): لا يعتبر في المجيز أن يكون مالكا حين العقد فيجوز أن يكون المالك حين العقد غير المالك حين الإجازة كما إذا مات المالك حين العقد قبل الإجازة فيصح بإجازة الوارث، و كما إذا باع المالك العين بعد وقوع عقد الفضولي و قبل الإجازة فتصح الإجازة للمنتقل إليه و إن لم تصح بالنسبة إلى المنتقل عنه لفوات محل الإجازة بالنسبة إليه بالانتقال عن ملكه (95).

مسألة 20: لو باع شيئا فضولة ثمَّ ملكه

(مسألة 20): لو باع شيئا فضولة ثمَّ ملكه إما باختياره كالشراء أو

______________________________

عقد الفضولي مستدلا بأن صحة العقد و الحال هذه ممتنعة فإذا امتنع في زمان امتنع دائما، و للزوم الضرر على المشتري، لامتناع تصرفه في العين لإمكان عدم الإجازة لإمكان تحققها.

و دليله الأول مخدوش صغرى و كبرى خصوصا في الاعتباريات و سيما بعد ما تقدم من صحة الإجازة حتى بعد الرد فإذا لم يكن دليل على مانعية الرد عن الإجازة فأي دليل على اعتبار أصل وجود المجيز و ضرر المشتري مجبور بالخيار في صورة الجهل، و في صورة العلم يرجع إلى الحاكم الشرعي فلا وجه لهذا الاستدلال.

(93) لأن شرائط جواز التصرف من شرائط التنفيذ و اللزوم فإذا لم يكن أصل وجود المجيز معتبرا حين عقد الفضولي، فعدم اعتبار تحقق شرائطه يكون بالأولى.

(94) لوجود المقتضى للنفوذ و فقد المانع عنه حينئذ.

(95) كل ذلك للإطلاقات و العمومات الشاملة لجميع هذه الصور.

ص: 329

بغير اختياره كالإرث- لزم البيع بإجازته بعد ما ملكه (96).

______________________________

(96) الأقوال في هذه المسألة بين الإفراط و التفريط، فقد حكى عن الشيخ و الشهيد اللزوم بعد الملك فلا حاجة إلى الإجازة، و حكى عن المحقق الثاني البطلان و عدم القابلية للحوق الإجازة، و عن جمع اللزوم بعد الإجازة.

و دليل اللزوم بلا احتياج إلى إجازة مستأنفة أصالة بقاء الرضاء من حين صدور العقد إلى حين حصول الملكية، فالمقتضي للزوم موجود و المانع عنه مفقود حينئذ.

و فيه: ما مر ان المناط في الإجازة الرضاء الشخصي الالتفاتي إلى ملكه و سائر جهاته و أصالة بقاء الرضا لا يثبت ذلك قطعا.

و استدل للبطلان بأمور كلها مخدوشة.

الأول: إنه من بيع مال الغير لنفسه.

و فيه: انه قد مر صحته و عدم الإشكال فيه بعد الإجازة.

الثاني: إن الفضولي خلاف القاعدة فلا بد فيه من الاقتصار على حصوله للمالك حين العقد بعد إجازته، مع انه لا قدرة على التسليم بالنسبة إلى المجيز حال العقد.

و فيه: ما مر من انه موافق للقاعدة فيصح بالنسبة إلى كلما انطبقت عليه القاعدة مطلقا و لا ريب في انطباقها على من باع شيئا ثمَّ ملك، و المعتبر من القدرة إنما هو حال ترتيب الأثر لا حال العقد، مع انه لا تعتبر القدرة في العاقد بلا كلام كما مر.

الثالث: الإجازة كاشفة فيلزم خروج المال عن ملك مالكه قبل دخوله فيه. و يرد بأن الإجازة كاشفة عن الواقع على ما هو عليه بحسب تدرج الوجود في الشرائط المعتبرة شيئا فشيئا، و المكشوف عنه ليس بسيطا آني الحصول بل هو عقد فضولي و تملك من المالك ثمَّ إجازة من المالك الجديد، فالإجازة

ص: 330

.....

______________________________

تتعلق بهذا العقد المتحقق في الخارج، و تكشف عن نحو تحققه من أول حدوثه منبسطا و متدرجا، فكما ان إجازة كل عقد تكشف عن إجازة الإيجاب أولا ثمَّ القبول ثانيا و لو لحق العقد ثالثا فكذا في المقام تكشف الإجازة عن أول حدوث العقد بمسيرة الشرعي المتدرج الوجود لا أن تكشف عن الملكية من أول العقد مع عدم تمامية موجباتها الشرعية، مع أن أصل هذا الإشكال مبني على الكشف الحقيقي و لا يجري في الكشف الانقلابي كما هو واضح.

الرابع: بناء على ان الكشف إجازة العقد الأول إنما يترتب عليه الأثر بإجازة الفضولي، و هي مترتبة على صحة العقد الثاني المتوقفة على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي فتكون صحته موجبة لكون المال المعين ملكا للمالك و للمشتري معا في زمان واحد، و هو محال فوجود الثاني يقتضي عدم الأول و هو موجب لعدم الثاني فيلزم وجوده و عدمه في آن واحد.

و فيه. أولا: أنه عين الإشكال الثالث أعيد بتقرير آخر كما لا يخفى.

و ثانيا: إنه مغالطة بين الكشف البسيط الآني الحصول و التدريجي الانبساطي كانبساط وجوب واحد على عمل مركب ذي أجزاء كثيرة متدرجة الوجود، و الكشف في المقام من الثاني دون الأول فكلما يجاب به عن الاشكال الثالث يجاب به عن هذا الإشكال أيضا.

الخامس: بناء على كاشفية الإجازة فهي تكشف عن صحة البيع الأول، و عن كون المال ملكا للمشتري الأول فقد وقع العقد الثاني على ماله فلا بد من أجازته، كما لو بيع المبيع من شخص آخر فأجاز المالك البيع الأول فلا بد من إجازة المشتري البيع الثاني حتى يصح، و يلزم على هذا توقف إجازة كل من الشخصين على الآخر و توقف صحة كل من العقدين و الإجازة على إجازة المشتري للغير الفضولي و هو من الأعاجيب.

و فيه: أن التوقف الباطل ما إذا كان عرضيا من كل جهة لا أن يكون طوليا انبساطيا كما مر، و هذا أيضا عين الاشكال الثالث أعيد ببيان آخر، و الجواب عن

ص: 331

.....

______________________________

الكل واحد، و لعمري ان هذه الشبهات مما لا يرضى بها صاحب الشرع بأن يتدخل في أحكامه التي وردت على طبق أذهان الناس و عامتهم و عدم ابتنائها على المغالطات.

السادس: ان بيع المالك ماله من الفضولي فسخ للعقد الأول الذي وقع من الفضولي فلا يبقى مورد للإجازة بعد ذلك، لأنه كالفسخ و الرد الذي لا يبقى معه موضوع للإجازة.

و فيه: أن الفسخ و الرد.

تارة: لفظي.

و أخرى فعلي، و هو إما بتفويت محل الإجازة رأسا مطلقا فيكون اعتبار بقائه لغوا محضا و إما بتفويت محلها بالإضافة إلى نفس البائع فقط دون غيره، كما في المقام فإنه لم يتحقق فيه الرد و الفسخ اللفظي و لم يفوّت محل الإجازة رأسا بأن كان المبيع عبدا فأعتق، و إنما فات محل الإجازة بالنسبة إلى البائع فقط دون الفضولي الذي اشترى المال و صار مالكا ثمَّ أجاز، فإن هذا البيع بالنسبة إليه محقق موضوع الإجازة له لا أن يكون مفوتا لمحلها بالإضافة إليه فهذا الإشكال حصل من الخلط بين فوت محل الإجازة بالنسبة إلى المالك الأصيل البائع و البائع الفضولي الذي أشترى المال و صار مالكا فأجاز.

السابع: الأخبار المستفيضة التي يكون المتحصل من مجموعها منطوقا أو مفهوما أو تعليلا إنه لا يجوز للشخص أن يبيع ما لا يملكه، و قد مر بعضها في ما استدل به على بطلان أصل بيع الفضولي مطلقا (1)، و في رواية يحيى بن الحجاج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقول لي: اشتر لي هذا الثوب هذه الدابة و بعنيها أربحك فيها كذا و كذا؟ قال عليه السّلام: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» (2)، و في صحيحة ابن مسلم قال: «سألته عن

ص: 332


1- تقدم في صفحة: 306.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام العقود حديث: 13.
مسألة 21: يعتبر في عقد الفضولي الذي يصير لازما بالإجازة أن يكون جامعا لجميع شروط العقد و العوضين و المتعاقدين

(مسألة 21): يعتبر في عقد الفضولي الذي يصير لازما بالإجازة أن يكون جامعا لجميع شروط العقد و العوضين و المتعاقدين (97)، و يعتبر في

______________________________

رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد، أو نسيئة فابتاعه الرجل من أجله؟ قال عليه السّلام: ليس به بأس أشتريه منه بعد ما يملكه» (1)، و كذا صحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام: «في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك إنما البيع بعد ما يشتريه» (2)، و صحيحة معاوية بن عمار (3) قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يجئني الرجل يطلب مني بيع الحرير و ليس عندي منه شي ء فيقاولني عليه و أقاوله في الربح و الأجل حتى نجتمع على شي ء ثمَّ أذهب فاشتري له الحرير فأدعوه إليه فقال عليه السّلام: أرأيت إن وجد بيعا هو أحب إليه مما عندك أ يستطيع أن ينصرف إليه و يدعك أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف إليه و تدعه؟ قلت: نعم، قال عليه السّلام: فلا بأس» إلى غير ذلك من الروايات فراجع أبوابها.

و فيه: ما مر من أن النهي عن البيع في مثل هذه الأخبار.

تارة: يراد به البيع الصحيح الفعلي الجامع لجميع الشرائط فعلا.

و أخرى البيع الصحيح الاقتضائي بحيث لو اجتمع سائر الشرائط لأثر أثره الفعلي و المنساق من الأخبار هو الأول و مورد البحث في بيع الفضولي هو الثاني فلا ربط لها بالمقام و على اللّه التوكل و به الاعتصام و من أراد الاطلاع على مزيد من ذلك فعليه بمراجعة كلمات شيخنا الأنصاري مع حواشي بعض مشايخنا الاعلام قدس سرّهم.

ثمَّ أن هذه الوجوه المذكورة للبطلان و إن كان ظاهر بعضها فيما إذا كان التملك اختياريا و لكن ملاك البحث شامل لغير الاختياري أيضا و قد صرح به شيخنا المدقق الأصبهاني الغروي أعلى اللّه مقامه في بحثه الشريف.

(97) لإطلاق أدلة اعتبار تلك الشروط الشامل لكل عقد سواء كانت له

ص: 333


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام العقود حديث: 8 و 6 و 7.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام العقود حديث: 8 و 6 و 7.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام العقود حديث: 8 و 6 و 7.

المجاز أن يكون معلوما للمجيز (98)، فلا يكفي إجازة المجهول إلا إذا علم بالقرائن أنه يجيز و يرضى بكل ما وقع و تحقق (99).

مسألة 22: لو وقعت بيوع متعددة على مال الغير فصوره أربع

(مسألة 22): لو وقعت بيوع متعددة على مال الغير فصوره أربع.

الأولى: ما إذا وقع على نفس مال الغير مكررا.

الثانية: ما إذا وقع عليه من أشخاص متعددين.

الثالثة: ما إذا وقع من شخص واحد على الأعواض و الأثمان بالترامي.

الرابعة: ما إذا وقع على العوض الشخصي مرارا، و القاعدة الكلية التي ذكرها الأصحاب رحمهم اللّه إن العقود الواردة على مال المجيز يصح المجاز و ما بعده دون ما قبله و العقود الواردة على بدل ماله يصح المجاز و ما قبله دون ما بعده (100).

______________________________

فعلية التأثير أو مجرد الاقتضاء و الصلاحية بلا فرق فيه بين الكشف و النقل، لأن الإجازة تنفيذ للواقع على أي تقدير و ليست عقدا مستأنفا فانطباق أدلة اعتبار الشروط في العقد و المتعاقدين و العوضين حين العقد قهري لا يحتاج إلى مزيد عناية و تطويل بيان إلا أن يدل دليل معتبر على الخلاف و هو مفقود.

(98) لأصالة عدم ترتب الأثر، و لبناء العرف و العقلاء في المعاملات الواردة على أموالهم على التثبت و التفحص مهما أمكنهم ذلك.

(99) لفرض صدور الإجازة على أي تقدير و بأي نحو وقع العقد كما إذا صرح و قال أجزت العقد الصادر من الفضولي بأي نحو كان و على أي شي ء وقع و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فراجع و تأمل.

(100) لأن هذا هو المتفاهم عرفا من الإجازة في الموردين فإجازة البيع الوارد على نفس المال حيث انه إخراج للمال عن الملك و إدخال في ملك الغير تصحح المجاز و ما بعده لا محالة بالملازمة العرفية فيكون ما قبله لغوا لا محالة

ص: 334

.....

______________________________

و إجازة البيع الوارد على العوض حيث إنه إدخال للعوض في الملك، و ما لم يدخل ما قبله لا يدخل ما يترتب عليه يستلزم ذلك إجازة ما قبله بحسب الملازمة العرفية، و يكون ما بعده لغوا لا محالة.

ثمَّ أن الاقسام اثنى عشر، ستة للغرض الأول، و ستة للغرض الثاني، فإنه لو كان المجاز العقد الواقع على مال الغير فأما أن يكون ذلك أول العقود الواقعة عليه أواخره، أو وسط بين عقدين على عوضه أو وسط بين عقدين يكون السابق منهما واقعا على نفسه و اللاحق على عوضه، أو بالعكس فهذه ستة أقسام، و هكذا لو كان المجاز العقد الواقع على العوض و لا بد من تطبيق هذه الاقسام على ما ذكره الأصحاب و لا موضوعية لهذا التشقيق و إن وقع في كلام بعض الأعاظم. و لا يخفى ان المراد بقولهم رحمهم اللّه: على بدل ماله يصح المجاز و ما قبله دون ما بعده إنما هو البدلية النوعية دون الشخصية، لأن البدل الشخصي في حكم شخص ماله من هذه الجهة.

فالصواب ان يقال: إذا ترتبت عقود على مال المجيز فإجازة واحد مما ترتب على شخص ماله أو على بدله الشخصي ملزمة لما بعده دون سابقة، كما أن إجازة واحد مما يترتب على عوض ماله عوضا نوعيا ساريا في كل واحد من العقود إجازة لسابقه دون ما بعده، و حيث ان المسألة عديم الابتلاء و فرضية محضة فلا وجه للتفصيل مع وجود الأهم و من شاء فليراجع المطولات.

ثمَّ إنهم قد ذكروا هناك إشكالان لا ينبغي ذكرهما أصلا فضلا عن اطالة القول فيه.

أحدهما: انه مع العلم بأن القابض لا يستحق القبض فإقباضه الثمن أذن في الإتلاف مجانا، كما أن إقباضه المثمن إتلاف فلا يبقى موضوع للإجارة في العقد الأول فكيف تترتب العقود.

و فيه: ان هذا الاشكال مخالف لوجدان كل من يأتي بالمعاملات الفاسدة مع الغاصبين و السرقة فإنهم بوجدانهم لا يفرقون بينها و بين المعاملات المحللة

ص: 335

مسألة 23: الرد الذي يوجب بطلان عقد الفضولي إما قولي، و اما فعلي

(مسألة 23): الرد الذي يوجب بطلان عقد الفضولي إما قولي (101)، و اما فعلي كما إذا تصرف فيه بما يوجب فوت محل الإجازة عقلا كالإتلاف، أو شرعا، كالعتق (102) الذي يفوت به محل الإجازة مطلقا حتى بالنسبة إلى غير المالك.

______________________________

التي تحصل منهم فيها قصد المعاوضة، و الإجازة تتعلق بالمقصود لا بخصوصية القاصد كما مر فراجع.

ثانيها: ان إجازة المالك للبيع الثاني تتوقف على كون المبيع ملكا له، إذ لا أثر لإجازة الأجنبي قطعا، و كون المبيع ملكا له متوقف على إجازته و هو دور.

و فيه: إنه من البطلان بمكان لأن الإجازة واحد نوعي تنحل إلى إجازات كثيرة حسب تعدد متعلقها، و ليست واحدة بالوحدة الشخصية بل انحلالية كالعام الاستغراقي الانحلالي.

(101) و هو كل لفظ له ظهور عرفي و لو بالقرائن في إسقاط العقد و إرادة عدمه، كقول: فسخت و رددت و نحو ذلك.

(102) و هو كل فعل له ظهور عرفي في التباني بينه و بين إنفاذ العقد و الدليل على سقوط الإجازة بذلك ان صحتهما معا من المتنافيين فلا بد إما من بطلان الإجازة أو بطلان التصرف و الثاني خلاف قاعدة السلطنة فيتعين الأول. هذه خلاصة ما قالوه بتلخيص منا.

و فيه: أما بالنسبة إلى الرد القولي فقد تقدم انه لا دليل من عقل أو نقل على أن الإجازة بعد الرد لا تؤثر. و أما بالنسبة إلى الرد الفعلي فأي مانع من تأثير الإجازة مع الحكم بصحة التصرف و الانتقال إلى البدل مع بناء الأصيل و المالك على إبقاء العقد خصوصا مع كون التصرف من المالك عن جهل بوقوع عقد الفضولي.

و بالجملة: أصالة بقاء اقتضاء العقد للتصحيح لا مدفع لها بوجه من

ص: 336

مسألة 24: قد يكون الرد مانعا عن لحوق الإجازة بالنسبة إلى خصوص المالك حين العقد فقط لا مطلقا

(مسألة 24): قد يكون الرد مانعا عن لحوق الإجازة بالنسبة إلى خصوص المالك حين العقد فقط لا مطلقا، كالتصرف الناقل للعين كالبيع و الهبة و نحوهما حيث ان بذلك لا يفوت محل الإجازة إلا بالنسبة إلى المنتقل عنه فقط (103) و أما المنتقل إليه فله أن يجيز بناء على عدم اعتبار كون المجيز مالكا حين العقد كما مر (104).

______________________________

الوجوه و قد أشكلنا بذلك على بعضد أعاظم مشايخنا قدس سرّهم و كان بصدد الجواب و لم يأت بما يرتضيه الأصحاب.

نعم، لا ريب في تحقق الرد القولي و الفعلي بما مر مع استقراره و عدم تعقب الإجازة رأسا و منه يظهر ما في تعبير سيد مشايخنا في الوسيلة بقوله رحمة اللّه:

«الرد الذي يكون مانعا عن تأثير الإجازة» و إن صح على مبناه قدس سرّه من عدم الأثر للإجازة بعد الرد.

ثمَّ أن ظاهرهم عدم الفرق في الرد الفعلي بين علم المالك بوقوع العقد و عدمه بل صرح به شيخنا الأنصاري قدس سرّه لأن التنافي بينها و بين الإجازة ذاتي قهري لا أن يكون قصديا اختياريا.

و فيه: ما مر من انه لا دليل على البطلان في صورة علم المالك و التصرف فيه فضلا عن صورة الجهل، فيصح الانتقال إلى البدل بعد الإجازة إلا أن يكون إجماع معتبر في البين و عهدة إثباته على مدعيه، و أما الرد القولي فظاهر بناء العقلاء على إنه لا أثر للأقوال مطلقا مع الجهل بعدم تأثيره إلا مع العلم.

و لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف و النقل لأن العقد له اقتضاء التأثير على أي تقدير فإذا سقط عن الاقتضاء بالرد قولا أو فعلا يكون الكشف و النقل في ذلك على السواء.

(103) بناء على ما نسب إلى المشهور من عدم الانتقال في مورد الإجازة إلى البدل و لو مع الأصيل و المالك.

(104) لأن هذه المسألة حينئذ من صغريات تلك المسألة، و قد تقدم ما

ص: 337

مسألة 25: يجوز التوكيل في الرد القولي و الفعلي

(مسألة 25): يجوز التوكيل في الرد القولي و الفعلي (105).

مسألة 26: لو آجر المالك العين ثمَّ أجاز البيع لفضولي

(مسألة 26): لو آجر المالك العين ثمَّ أجاز البيع لفضولي تصح الإجازة بإجازة الأصيل (106).

مسألة 27: كل لفظ أو فعل شك في كونه ردا لا يثبت به الرد

(مسألة 27): كل لفظ أو فعل شك في كونه ردا لا يثبت به الرد (107).

مسألة 28: لو باع الفضولي بخيار ففسخ ثمَّ أجاز المالك تصح الإجازة

(مسألة 28): لو باع الفضولي بخيار ففسخ ثمَّ أجاز المالك تصح الإجازة (108)، و إذا باع الفضولي بخيار ففسخ المالك يصح فسخه (109).

مسألة 29: لو اختلفا في انه هل رد المالك العقد أو لا

(مسألة 29): لو اختلفا في انه هل رد المالك العقد أو لا فالقول قول

______________________________

يتعلق بها في مسألة فراجع.

(105) لعمومات الوكالة الدالة على جريانها في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل.

(106) بناء على الكشف لأن المنافع و النماء تابع للملك فإذا حصلت الملكية للأصيل- بناء على الكشف- من أول حدوث عقد الفضولي فقد وقعت الإجازة في ملك الغير فإن أجازها صحت و إلا فلا.

نعم، بناء على النقل تصح الإجازة و تنتقل العين إلى الأصيل مسلوبة المنفعة، لعدم التنافي بين الإجازة و الإجارة و له الخيار مع الجهل.

(107) لأصالة بقاء قابلية العقد للحوق الإجازة و عدم خروجه عن صلاحية ذلك.

(108) لبقاء العقد بالنسبة إليه فيكون فسخ الفضولي كالعدم.

(109) و يكون ذلك إمضاء للعقد إلى ما قبل الفسخ، و لا بأس بأن يترتب على شي ء واحد عنوانان مختلفان من جهتين كالاستغفار فإنه إقرار للذنب و توبة عنه، هذا إذا حصل الانفساخ من حين الفسخ و أما أن حصل من حين وقوع العقد فيأتي تفصيله.

ص: 338

المنكر (110)، و كذا لو ردّ و اختلفا في انه هل أجاز قبل ذلك أو لا يقدم قول منكر الإجازة (111).

مسألة 30: لا يعتبر في الرد العلم بخصوصيات العقد

(مسألة 30): لا يعتبر في الرد العلم بخصوصيات العقد فيكفي رد العقد بنحو الإجمال (112).

مسألة 31: إذا لم يجز المالك عقد الفضولي

(مسألة 31): إذا لم يجز المالك عقد الفضولي سواء تحقق منه الرد أو تردد يجوز له انتزاع عين ماله مع بقائه ممن وجده في يده، و له الرجوع بمنافعه في هذه المدة، و له مطالبة البائع الفضولي برد العين و منافعها إذا كانت في يده و قد سلمها إلى المشتري (113)، و لو كانت في رده مئونة وجبت عليه (114). هذا مع بقاء العين و أما مع تلفها فيرجع ببدلها إلى من تلفت عنده (115).

مسألة 32: لو تعاقبت أياد متعددة على العين

(مسألة 32): لو تعاقبت أياد متعددة على العين بأن كانت مثلا بيد

______________________________

(110) للأصل بعد فقد الحجة للمدعي.

(111) للأصل بعد عدم دليل على الخلاف.

(112) لصدق الرد عرفا، فيشمله الإطلاق.

(113) كل ذلك لقاعدتي اليد و السلطنة التي هي من القواعد المعتبرة النظامية، و إجماع الإمامية بل المسلمين في الجملة، و نصوص خاصة في الموارد المتفرقة تقدم بعضها و تأتي الإشارة إلى بعضها الآخر في مظانها، و يجري في المقام ما تقدم في المقبوض بالعقد الفاسد مع أن الاستيلاء على مال الغير بدون رضاه حرام بالأدلة الأربعة و يوجب الضمان.

(114) لوجوب مقدمة الواجب ما لم يكن ضررا و إجحافا و لو كان الرد ما يكفي فيه مجرد التخلية و رفع اليد يكفي ذلك فيه كما في سائر الموارد.

(115) لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و قاعدة الاحترام، و قاعدة اليد، إذ الكل تقتضي تسلط المالك على ماله مع وجوده و على بدله مع التلف ما لم يكن أذن شرعي أو مالكي في الإتلاف في البين.

ص: 339

البائع الفضولي و سلمها إلى المشتري و هو إلى الآخر و تلفت عنده تخير المالك في الرجوع في أخذ البدل إلى أي واحد منهم (116) و له الرجوع

______________________________

(116) لفرض جريان يد الجميع على ماله، فله الرجوع إلى كل من جرى يده عليه، لقاعدة اليد و لا مانع من عقل أو نقل على اشتغال ذمم متعددة لمال واحد على البدل خصوصا في الاعتباريات التي تقوم بالاعتبار. و لا بأس بالإشارة إلى جهات، إذ المسألة سيالة في الفقه.

الأولى: الوجوه المتصورة في المال و الذمة أربعة:

الأول: الذمة الشخصية و المال الشخصي و لا ريب في الصحة و الوقوع.

الثاني: الذمة الشخصية و المال الكلي، و لا ريب في الصحة و الوقوع أيضا كما لا يخفى.

الثالث: الذمة الكلية و المال الشخصي و هذا يتصور على ما هو التحقيق من بقاء نفس العين بما هي في الذمة ما لم تفرغ، و لا محذور فيه من عقل أو نقل في اعتبار الواحد الشخصي في محال متعددة بحسب الاعتبار، لأن المحل و الحال كلاهما من الاعتباريات، إذ العهد و الذمة أيضا أمر اعتباري عقلائي و اعتبار العين فيهما أيضا كذلك و الممتنع إنما هو وجود شي ء واحد في محال متعددة إذا كان المحل و الحال كلاهما من الموجودات الخارجية دون الاعتباريات التي تدور مدار صحة الاعتبار كيف ما كان.

الرابع: الذمة الكلية و المال الكلي كما في المقام. و قد أشكل عليه بوجوه كلها مخدوشة.

منها: استحقاق المالك لا بدال متعددة مع إنه ليس كذلك لأنه لا يستحق إلا شيئا واحدا لا الإبدال المتعددة.

و فيه: إنه مناف للبدلية المفروضة فإن معناها الوحدة الابهامية الاهمالية المنطبقة على أي بدل كان، و ليست الوحدة تعيينية حتى تتعدد بتعدد الذمم.

و منها: أن الواحد لا يعقل ان يحل في محال متعددة.

و فيه: ما مر من أن الامتناع إنما هو في الواحد الخارجي التعييني لا الواحد

ص: 340

.....

______________________________

الاعتباري البدلي، كما هو واضح.

و منها: إنه غير معقول، لأنه ان أريد الذمة المرددة و الملكية المرددة المفهومية فلا تحقق للمردد من حيث هو كما ثبت في محله و إن أريد التردد المصداقي كما في الواجب التخييري فليس للبدل في كل ذمة بدل ليكون كالواجب التخييري، و إن أريد تقييد اشتغال كل ذمة بعدم اشتغال الأخرى فيلزم عدم اشتغال الذمم أصلا فينتفي أصل موضوع اشتغال الذمم.

و فيه: انه يمكن اعتبار الذمة المرددة و الملكية المرددة، و قضية انه لا تحقق للمردد صحيحة و لكنه في الخارجيات دون الاعتباريات التي ليس لها وجود خارجي و لا ذهني فتعتبر مهما كان للاعتبار إليها سبيل، كما يصح بنحو الترديد المصداقي و الواجب التخييري أيضا، و الترديد في المصداق إنما هو باعتبار ذمة زيد أو عمرو لا أن يكون في كل ذمة من حيث هي بدل و مبدل، بل كل ذمة بدل عن الأخرى في إرادة المالك و اختياره، كما يصح تقييد اشتغال الذمة بعدم اشتغال الأخرى بنحو القضية الحينية لا الشرطية و بنحو العدم البديل لا العدم الذاتي الأصيل، و كون الاشتغال أيضا بنحو البديل لا الأصيل فيكون كلا من الاشتغال و عدمه بدليل في حين عدم الآخر و لا محذور فيه أبدا.

الجهة الثانية: الذمة الكلية تلحظ.

تارة: بنحو المجموع من حيث المجموع.

و أخرى بنحو الاستغراق العمومي كما في اشتغال الذمة بالزكاة و الخمس و نحوهما من الحقوق العامة الخالقية و الخلقية.

و ثالثة: بنحو البدلي كما في المقام و لم أظفر على مثال للأول عاجلا في الوضعيات و لا في التكليفيات فيكون ممكنا ثبوتا و لكنه غير واقع إثباتا، و يمكن أن يمثل بغسل الجنابة فإنه لو لم يغسل جزء من البدن يبطل الغسل.

فتلخص من جميع ما مر إمكان تصوير ضمان ذمم متعددة لمال واحد عينا كان أو غيرها على البدل.

الجهة الثالثة: لا بأس بتصويره بنحو الواجب الكفائي أيضا، فيجوز للمالك الرجوع إلى الكل، و لو أعطي أحد منهم يسقط عن الكل و لو خالفوا

ص: 341

.....

______________________________

يعاقب الكل و ليس معنى الواجب الكفائي في التكليفيات إلا هذا.

و توهم انه لا وجه لجريان التكليف الكفائي في المقام لأن لازمه إنه يلزم استحقاق المالك لأبدال متعددة لو اجتمع الكل على تفريغ الذمة كما يحصل الامتثال في التكليفيات بفعل الجميع لو اتفق الكل على الامتثال في الواجب الكفائي التكليفي.

فاسد: لحصول الامتثال في المقام أيضا بفعل الجميع، إلا انه ليس للمالك إلا أخذ الواحد على البدل كما يكون في الواجبات التكليفية أيضا كذلك فيكون المأمور به منطبقا على واحد مما أتى به قهرا و يثاب البقية ثواب التفضل و الانقياد.

و بالجملة: العرف لا يرى الفرق في تصوير التكليف الكفائي بين التكليفيات و الوضعيات بعد التوجه و الالتفات و يأتي بقية الكلام عما قريب.

و قد قالوا في تصوير اشتغال ذمم متعددة بمال واحد وجوها أخر.

منها: ان الخطاب بالنسبة إلى من تلف لديه المال وضعي، و بالنسبة إلى البقية تكليفي، و يكون من المعاوضة القهرية بين الدافع و من تلف عنده المال.

و منها: المعاوضة القهرية بين الدافع و المالك لبقاء العين التالفة على ملك مالكها فيدفع الدافع العوض إلى المالك و يصير مالكا للعين و يرجع إلى من تلف لديه.

و منها: ان للعين التالفة ملكيتان فعلي و شأني و الأولى للمالك، و الثانية لمن جرت يده على المال.

بمعنى: إنه لو أدى عوض التالف له حق الرجوع إلى اللاحق فالجمع بين الملكيتين يقتضي ما قلناه.

و منها: ان للعين جهتان ملكية هي تكون للمالك، و عهدة تكون لمن جرت يده عليها و الجمع بينهما يقتضي ذلك.

و الكل مخدوش: لأن كل ذلك و إن أمكن ثبوتا و لكنه خلاف المتفاهم من ظواهر الأدلة إذ المنساق منها إلى الأذهان العرفية ما مر من البدلية و التفصيل يطلب من المطولات خصوصا ما كتبه شيخنا المحقق المدقق الأصبهاني

ص: 342

إلى الكل موزعا عليهم بالتساوي أو التفاوت (117)، و قرار الضمان على من تلف العين في يده (118) إن لم يكن مغرورا و الا فعلى الغار (119) هذا بالنسبة إلى ضمان أصل العين.

و أما الزيادة الفعلية أو السوقية فضمانها على من حصلت عنده و قرار الضمان على من نقصت لديه (120) و إذا رجع المالك إلى أحد و استوف

______________________________

الغروي رحمه اللّه في حاشيته الشريفة. مع إنه لا ثمرة عملية بعد الاتفاق على أصل الحكم.

(117) لاقتضاء ولايته على ماله و سلطنته المطلقة على ذلك بعد جريان يد الجميع عليه، فله أن يفعل ما يشاء في استيفاء ماله ما لم يردع عنه رادع شرعي و هو مفقود بالنسبة إلى التوزيع بالتساوي أو بالاختلاف.

(118) للإجماع، و لأنه حيث تلقى اللاحق العين من السابق لا وجه لقرار الضمان بالنسبة إلى السابق الذي انتقل العين منه إلى اللاحق، كما لا موضوع للضمان بعد التلف بالنسبة إلى شخص آخر لم تجري يده على ملك المالك فضلا عن قراره فالحكم- مع انه إجماعي- عقلي أيضا.

(119) لقاعدة ان المغرور يرجع إلى من غره، المعمول بها في أبواب الفقه و المعتمد عليها في الجملة عند كافة العقلاء كما سيأتي.

(120) أما ضمان الزيادة الفعلية فلقاعدة اليد و لا وجه لضمانها على من لم تحصل عنده، لعدم جريان يده عليها، و أما كون قرار الضمان على من نقصت عنده فلأن النقص كالتلف، و تقدم أن قرار الضمان على من تلف لديه المال، و أما ضمان زيادة القيمة السوقية فمبني على ضمان أعلى القيم، فمن قال به يلزمه القول هنا و من لم يقل به فلا موضوع للضمان لديه، و قد مر في المقبوض بالعقد الفاسد بعض ما ينفع المقام فراجع.

ص: 343

حقه منه ليس له الرجوع إلى آخر بعد ذلك (121) هذا حكم المالك مع الفضولي و كل من جرت يده على ماله مشتريا كان أو غيره.

و أما حكم المشتري مع البائع الفضولي فمع علمه بكونه غير مالك فالمعروف انه ليس له الرجوع بعوض الثمن إذا تلف عند البائع (122)

______________________________

(121) لفرض ان حقه بدلي و قد وصل إلى حقه فلا يبقى موضوع للرجوع بعد ذلك.

(122) على المعروف بين الأصحاب، و عن جمع منهم المحقق رحمه اللّه في بعض تحقيقاته صحة الرجوع، و لا بد من بيان الموضوع أولا ثمَّ التعرض للأصل، ثمَّ بيان ما يصلح أن يكون دليلا للطرفين.

فنقول: تارة: تكون في البين قرائن معتبرة دالة على أن المشتري في مقام التحفظ على ماله و عوضه مع تلفه و بنائه على عدم هتك ماله و عدم إلقاء احترامه، و لا يرضى بذلك أصلا و لا ريب في جواز رجوعه إلى عوض الثمن مع تلفه عند البائع لعدم صدور ما يوجب هتك ماله و إلقاء احترامه عنه، لأن ذلك إما قصدي أو انطباقي قهري، و المفروض عدم قصد الأول بل قصد عدمه و عدم انطباق الثاني لفرض وجود الأمارة المعتبرة على عدم الهتك.

و أخرى يكون في البين قرائن معتبرة على إنه أقدم على هتك ماله و لا معنى للرجوع حينئذ لوجود قرائن معتبرة دالة عليه و هي حاكمة على قاعدة اليد و الإتلاف الدالة على ضمان البائع.

و ثالثة: يتنازعان في وجودها و عدمها فيقدم قول المنكر مع اليمين إن لم تكن بينه على الإثبات في البين.

و رابعة: يكون من مجرد الشك فقط مع عدم تنازع و لا قرينة في البين، و هذه الصورة مراد ما نسب إلى المعروف من عدم الرجوع، و إلى غيرهم من جوازه. هذا ما يتعلق ببيان الموضوع.

ص: 344

.....

______________________________

و أما مفاد الأصل في المقام، فمقتضى الأصل الموضوعي عدم حصول الملكية للفضولي و أثره الشرعي وجوب الخروج عن العهدة إما برد العين أو بالبدل مع التلف، و لا مجرى لأصالة البراءة بعد فرض بقاء نفس العين في الذمة إلى ان تفرغ منها، و مقتضى قاعدة الاشتغال و الاحترام و الإتلاف التي هي من الأصول الفطرية العقلائية، و قد وردت الشريعة عليها و قررها هو الضمان أيضا، و ليست هذه الأصول متخذة من الشريعة كما أتعب به بعض مشايخنا قدس سرّهم. لأنّا نرى إنها جارية في جميع الملل و الأديان و لو في الجملة و لو لا خوف الإطالة لأوضحت انه ليس في الفقه جهة تعبدية و إنما هو أمور فطرية كشف عنها الشريعة المقدسة الختمية و أو حي بها الوحي السماوي على نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله الذي هو رأس العقلاء و رئيسهم فأثار دفائن العقول و دعاهم إلى ما حكم به الفطرة السليمة.

و أما الثالث: فقد تمسكوا لعدم الضمان بإطلاق قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (1)، لأن المال صار حلالا للفضولي، لفرض ان المشتري أحل له بطيب نفسه فأتلفه في ظرف الحلية له بطيب النفس، فلا وجه للضمان بعد ذلك.

و فيه: أن الطيب في إتلاف المال أما مجاني أو معاوضي، و الأول مفروض الانتفاء و مع الشك فيه لا يصح التمسك بالحديث، لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و الثاني من موجبات الضمان لأن المعاوضة بطبيعي العوض إما المسمى في ظرف وجوده أو البدل مع التلف هذا. مع أن مقتضى قاعدة اليد هو الضمان خرج منها ما أحرز فيه المجانية و بقي الباقي مطلقا.

و تمسكوا لعدم الضمان أيضا بالاتفاق على عدمه في صورة التلف.

و فيه: إنه لا وجه لاعتباره مع مخالفة جمع منهم المحقق، و معلومية مدرك المتفقين.

ص: 345


1- تقدم في صفحة: 253.

و عندي فيه إشكال بل منع (123)، و طريق الاحتياط التراضي (124) و مع البقاء يجوز له الاسترداد (125)، كما أنه يجوز له الرجوع مع الجهل بكونه فضوليا سواء كان الثمن باقيا أو تالفا (126)، و لا يجوز للفضولي التصرف في ما انتقل إليه مع علم المشتري بالفضولية (127).

مسألة 33: كل ما يغرمه المشتري للمالك أو ترد عليه من الخسارة يرجع به إلى البائع

(مسألة 33): كل ما يغرمه المشتري للمالك أو ترد عليه من الخسارة يرجع به إلى البائع مع الجهل بكونه فضوليا بل مع العلم أيضا إذا صدق الغرور منه عرفا (128) و إن لم يصدق الغرور فلا رجوع في صورة الجهل

______________________________

و أما التمسك بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده فتبعيد للمسافة و أكل من القفا، لأن هذه القاعدة أصلا و عكسا ليس مفاد نص، و لا معقد إجماع معتبر، و إنما الاعتبار بمدركها لا بنفسها، و مقتضى مدركها الضمان إلا إذا ثبتت المجانية.

و يمكن أن يجعل هذا النزاع بينهم لفظيا فمن قال بالضمان، أي: فيما إذا لم تحرز المجانية، و من قال بالعدم، أي: فيما إذا أحرزت. و لعمري أن الكلمات في المقام مضطربة و غير منقحة.

(123) ظهر وجه مما مر.

(124) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور و إن لم يكن له دليل كما مر.

(125) لأصالة عدم خروجه عن ملكه و فحوى جميع ما تقدم في الرجوع من التلف.

(126) للإجماع و قاعدتي اليد و الاحترام.

(127) لأنه أكل مال بالباطل إلا إذا أحرز المجانية المطلقة من كل جهة.

(128) لقاعدة الغرور التي هي من القواعد المعمول بها في أبواب الفقه.

و البحث فيها من جهات.

الأولى: في أنها هل من القواعد التعبدية حتى نحتاج إلى التماس دليل

ص: 346

.....

______________________________

تعبدي، أو انها من القواعد العقلائية فيكفي عدم ثبوت الردع عنها. و الحق هو الأخير لأنّا نرى في جميع الملل و الأديان، بل و جميع بني نوع الإنسان إن المغرور يتشبث بغاره، و يحكم جميع العقلاء بحسن هذا التشبث و يوبخون الغار و يلزمونه بدفع خسارات المغرور، فما نسب إلى نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:

«المغرور يرجع إلى من غره» (1)، و متنه يشهد باعتباره، و لا نحتاج إلى تكلف تصحيح سنده، مع ان فقهاء الفريقين اعتمدوا عليها و يكفي هذا في صحة الاعتماد عليه، و بذلك كله صرح شيخنا المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي أعلى اللّه مقامه في بحثه الشريف.

الثانية: قد استدل عليها.

تارة: بإجماع الإمامية بل المسلمين، و لا يمكن المناقشة فيه بوجه إلا أن يقال انه من حيث بناء العقلاء المرتكز في أذهانهم الشريفة لا من جهة التعبد الإجماعي.

و أخرى بنصوص مستفيضة واردة في الأبواب المتفرقة.

منها: صحيح جميل: «عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمَّ يجي ء مستحق الجارية، قال عليه السّلام يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» (2)، فإن حرية ولد المشتري أما أن يكون نفعا عائدا إليه أو لا و على التقديرين يثبت رجوع المغرور إلى الغار. إما بالمطابقة أو بالفحوى.

و منها: موثق إسماعيل بن جابر قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته، فسأل عنها فقيل هي ابنة فلان، فأتى أباها، فقال: زوجني ابنتك فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد انها غير ابنته و أنها أمة قال: ترد الوليدة على مواليها و الولد للرجل، و على الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل و خدعه» (3)، و في معتبرة رفاعة بن موسى قال:

ص: 347


1- لم أظفر على الحديث في المجامع الا انه موجود في الكتب الفقهية الاستدلالية.
2- الوسائل باب: 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 5.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب العيوب و التدليس حديث: 1 ج: 14 (النكاح).

.....

______________________________

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحدود و المحدودة- إلى ان قال- و سألته عن البرصاء؟ فقال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوجها وليها و هي برصاء ان لها المهر بما استحل من فرجها، و إن المهر على الذي زوجها، و إنما صار عليه المهر لأنه دلسها، و لو ان رجلا تزوج امرأة و زوجه إياها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي ء و كان المهر يأخذه منها» (1)، و في صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا دلست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها من غير طلاق، و يأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها» (2)، و يمكن استفادة العلية من قوله عليه السّلام: «لأنه دلسها» إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي تأتي الإشارة إليها، و يمكن الاستشهاد بقاعدة الضرر (3)، و قاعدة التسبيب (4)، و ما تسالموا عليه من ان قرار ضمان المكره (بالفتح) على المكره (بالكسر).

و أما ما ورد في بعض الأخبار من السكوت من رجوع المشتري إلى البائع، كخبر زريق قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام يوما إذ دخل عليه رجلان- إلى أن قال- فقال أحدهما انه كان عليّ مال لرجل من بني عمار، و له بذلك ذكر حق و شهود، فأخذ المال و لم استرجع منه الذكر بالحق، و لا كتبت عليه كتابا، و لا أخذت منه برأيه، و ذلك لأني وثقت به، و قلت له: مزّق الذكر بالحق الذي عندك، فمات و تهاون بذلك و لم يمزقها، و عقب هذا إن طالبني بالمال وارثه و حاكموني و أخرجوا بذلك الذكر بالحق و أقاموا العدل فشهدوا عند الحاكم، فأخذت بالمال و كان المال كثيرا فتواريت من الحاكم فباع عليّ قاضي الكوفة معيشة لي و قبض القوم المال، و هذا رجل من إخواننا ابتلى بشراء معيشتي من القاضي، ثمَّ ان ورثة الميت أقروا ان المال كان أبوهم قد قبضه، و قد سألوه ان يرد عليّ معيشتي و يعطونه في أنجم معلومة، فقال: اني أحب ان تسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذا، فقال الرجل- يعني المشتري- جعلني اللّه فداك كيف أصنع؟ فقال عليه السّلام: تصنع ان

ص: 348


1- الوسائل باب: 2 من أبواب العيوب و التدليس حديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب العيوب و التدليس حديث: 2 و 1.
3- راجع القاعدة في ج: 2 من تهذيب الأصول صفحة: 243.
4- راجع ج: 1 صفحة: 510.

.....

______________________________

ترجع بمالك على الورثة و ترد المعيشة إلى صاحبها و تخرج يدك عنها، قال: فإذا أنا فعلت ذلك له ان يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم، له ان يأخذ منك ما أخذت من الغفلة ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب ان ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت فإن للزارع إما قيمة الزرع إما ان يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع، فإن لم يفعل كان له ورد عليك القيمة و كان الزرع له، قلت جعلت فداك فإن كان هذا قد أحدث فيها بناء أو غرسا؟ قال: له قيمة ذلك- الحديث-»(1)، و خبر زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثمَّ ان أباها يزعم إنها له و أقام على ذلك البينة، قال عليه السّلام: يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» (2).

فلا ينافي سائر الأخبار لأنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة و عدم البيان لا يعارضها البيان.

الثالثة: الغرور، بمعنى: المكر و الخديعة و التدليس و الباطل، فهو يستعمل في مقابل الحق و ليس مختصا بخصوص النقص في المال أو في الطرف، بل يكون أعم منه و النسبة بينه و بين كل من الضرر و التسبيب عموم من وجه.

و التسبيب أقسام ثلاثة.

فتارة: يكون مجرد إحداث الداعي فقط و ليس فيه ضمان.

و أخرى: يكون بنحو لا يتخلل فعل الفاعل المختار بين السبب و حدوث الضرر، كما إذا فتح أحد طريق الماء مثلا فجرى و تضرر الغير.

و ثالثة: يكون مع حدوث فعل من فاعل مختار، كمن قدم إلى غيره طعاما فأكله بزعم انه لمن قدمه إليه و التغرير ينطبق على هذا القسم.

و الغرور من الموضوعات العرفية التشكيكية المختلفة باختلاف الموارد و الأشخاص، فمع صدقه يترتب عليه الحكم و مع عدمه فلا حكم من جهة الغرور.

ص: 349


1- الوسائل باب: 3 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 4.

.....

______________________________

نعم، إن كان ضرر أو تسبيب في البين يترتب عليه حكمهما.

و لا فرق في صدق الغرور بين كون الغار عالما أو جاهلا بعنوان التغرير للإطلاق الشامل لكل منهما.

نعم، في الحكم التكليفي و هو الحرمة لا بد من اعتبار العلم بالحكم و الموضوع و مع الجهل بهما أو بأحدهما مع العذر لا حرمة في البين و إن ترتب عليه الحكم الوضعي.

ثمَّ أن التغرير اما بإتلاف مال الغير أو بإتلاف مال نفس المغرور، و على كل منهما أما ان يصل من ذلكم نفع إلى المغرور أو لا و تشمل الأدلة للجميع، و أما المغرور فإن كان عالما بأن الغار في مقام تغريره فلا ريب في انه لا يرجع إلى الغار، لفرض انه بنفسه أقدم على ان يتغرر و ان كان جاهلا به و بالفضولية فلا ريب في انه يرجع إلى البائع الفضولي لصدق التغرير عرفا، و إن كان عالما بالفضولية و جاهلا بالتغرير فيمكن ان يصدق التغرير أيضا، لأن العلم بالفضولية أعم من التغرير، فإطلاق أن المشتري لا يرجع إلى الفضولي مع العلم بالفضولية كما عن سيد مشايخنا في الوسيلة لا وجه له.

الخامسة: يجوز للمالك الرجوع إلى كل من الغار و المغرور، لفرض جريان يد كل منهما على ماله.

نعم، قرار الضمان على الغار، و كذا الكلام في المكره (بالفتح) و المكره (بالكسر).

السادسة: عن جمع من الفقهاء- منهم المحقق الأردبيلي- ان التغرير و الخديعة من الكبائر، و الحق معهم لأنه خيانة و أي خيانة أعظم، و قد ورد النص في الخيانة بأنها من الكبائر (1)، بل التغرير مع المؤمنين الذين لا يتوجهون إلى المكر و الخديعة أعظم إثما من التغرير مع أهل المكر و الخديعة، و لا فرق في حرمة التغرير و الخديعة بين الأموال و النفوس و الاعراض بل المجاملات الأخلاقية، لأن أصل هذا العمل من فعل الشيطان يجب التجنب عنه على عبّاد

ص: 350


1- الوسائل باب: 137 من أبواب أحكام العشرة.

فضلا عن صورة العلم (129)، و كل ما اغترم المشتري للمالك بدل

______________________________

الرحمن، كما لا فرق في حرمة التغرير و الخديعة بين المسلم و الكافر فضلا عما بين فرق المسلمين لمبغوضية أصل الخديعة مطلقا بالأدلة الأربعة و لأنها نحو من الظلم القبيح عقلا و قد استثنى الخديعة في الحرب (1)، في الجملة.

و لو لم يمكن استيفاء الحق إلا بالتغرير يجوز مع الانحصار و إن كان الأحوط خلافه لأنه ليس من شأن المعتنى بدينه، و قد ورد عنهم عليهم السّلام: «إن خانك فلا تخنه» (2). و لكن يمكن حمله على غير المقام.

و أما لو غر زيد عمروا و بالعكس جهلا يتهاتر بينهما بالتساوي.

ثمَّ أن المعاملات التي يؤتى بها لأجل تغرير الناس و تخديعهم يمكن القول بفساد أصلها، لأن أصل هذه المعاملة من مظاهر المبغوضية لدى الشارع بل العقلاء، و لو دلّس شخص بإظهار خلاف الواقع في زيّه و عمله فزعمه الناس من أهل الورع و التقوى فباعوه بأقل من ثمن المثل يشكل صحة المعاملة بالنسبة إليه مع علمه بذلك.

(129) للأصل بعد عدم دليل عليه، كما إذا تصدق بصدقة- مثلا- لحفظ المتاع الذي اشتراه فضولة و لم يجز المالك، إذ العرف لا يساعد على كون الصدقة من تغرير البائع حتى يرجع إليه بعد رد المالك، إلى غير ذلك من موارد عدم الصدق أو الشك فيه.

فرع: لو قدم طعام الشخص إليه فأكله فلا غرور في صورة العلم بأنه طعامه، و كذا مع الجهل إن كان جائعا و بانيا على أكل طعام مثله، و إن لم يكن كذلك فالظاهر صدق الغرور و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع و تأمل.

ص: 351


1- راجع ج: 15 صفحة: 126.
2- الوسائل باب: 83 من أبواب ما يكتسب به حديث: 7.

النماءات التي استوفاها يرجع به إلى البائع فضلا عما اغترم له عما لم يستوفه و فات عنده مع الجهل (130)، فإذا اشترى دارا مع الجهل بأن البائع غير مالك و إنها مستحقة للغير و سكنها مدة ثمَّ جاء المالك و أخذ داره و أخذ منه أجرة مثل الدار في تلك المدة له أن يرجع بها إلى البائع، و كذا يرجع إليه بكل خسارة وردت عليه مثل نفقة الدابة و ما صرفه في العمارة، و ما تلف منه و ضاع من الغرس أو الزرع أو الحفر و غيرها فإن البائع الغير المالك ضامن لدرك جميع ذلك و للمشتري الجاهل أن يرجع بها إليه (131)، و لا فرق في ذلك كله بين تمام المبيع أو اجزائه أو أوصاف (132).

مسألة 34: كل ما يرجع المشتري به على البائع إن رجع المالك إليه لا يرجع البائع به على المشتري إن رجع المالك عليه

(مسألة 34): كل ما يرجع المشتري به على البائع إن رجع المالك إليه لا يرجع البائع به على المشتري إن رجع المالك عليه (133)، و ما لا يرجع المشتري به على البائع كمساوي الثمن من القيمة يرجع البائع به

______________________________

و لو وقعت معاملة غررية و لم يعلم المغرور و لو في المحصور يجري عليها حكم مجهول المالك، و في المحصور لا بد من التراضي، و هناك فروع تأتي في محالها إن شاء اللّه تعالى.

(130) لقاعدة الغرور، بل و مع العلم أيضا آن صدق التغرير.

(131) كل ذلك لأنه مغرور من قبله و المغرور يرجع إلى من غره، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.

(132) لأن الخسارة الواردة بإزاء جميع ذلك جائت من ناحية تغرير البائع فله ان يرجع إليه.

(133) لأن قرار الضمان على البائع من جهة التغرير فلا وجه حينئذ لرجوعه إلى غيره.

ص: 352

على المشترى إذا غرمه للمالك (134).

مسألة 35: لو كان فساد العقد مستندا إلى سببين تغرير البائع و جهة أخرى

(مسألة 35): لو كان فساد العقد مستندا إلى سببين تغرير البائع و جهة أخرى يؤثر كل سبب مقتضية (135).

مسألة 36: لو مات الغار يجوز للمغرور الرجوع إلى ورثته و يخرج المال من الأصل

(مسألة 36): لو مات الغار يجوز للمغرور الرجوع إلى ورثته و يخرج المال من الأصل (136)، كما انه لو مات المغرور يقوم ورثته مقامه في مطالبة حق مورثهم (137).

______________________________

(134) لفرض ان تلف العين وقع في يد المشتري فيكون قرار الضمان عليه من هذه الجهة.

(135) لعدم التضاد و التنافي و عدم موجب للتداخل. و ما عن جمع من إنه لا يرجع المغرور حينئذ إلى الغار، لأن المنساق من دليل الرجوع ما إذا كان الفساد منحصرا بخصوص جهة التغرير خلاف إطلاق الأدلة و السيرة في موارد اجتماع الأسباب.

(136) لأنه دين، و هو يخرج من الأصل نصا و إجماعا (1). و في موارد رجوع المغرور إلى من غره يجوز له ان يحتسب ما عليه من الزكاة إن كان فقير الفرض اشتغال ذمة الغار للمغرور.

(137) لانتقال الحق إليهم بالإرث.

فرع: لو نقل المغرور- أو المالك- حقه إلى غيره بأحد النواقل الاختيارية يقوم مقامه في المطالبة. و لو أسقط المالك في مورد الأيادي المتعاقبة حقه عن الجميع يسقط بلا إشكال و يبرئ جميع الذمم، و كذا لو أسقط واحدا غير معين على البدلية السارية في المجموع ليس له الرجوع إلى البقية.

ثمَّ انه لا فرق فيما مر من رجوع المغرور إلى من غره بين كون مورد

ص: 353


1- الوسائل باب: 52 من أبواب الوصايا.
مسألة 37: لو أحدث المشتري فيما اشتراه فضولة- بناء أو غرسا أو زرعا- فرد المالك يجوز له إلزام المشتري

(مسألة 37): لو أحدث المشتري فيما اشتراه فضولة- بناء أو غرسا أو زرعا- فرد المالك يجوز له إلزام المشتري بإزالة ما أحدثه و تسويته الأرض و مطالبته بأرش النقص لو كان (138) و لا يضمن المالك ما يرد عليه من الخسران (139)، كما أن للمشتري إزالة ذلك (140) مع ضمانه أرش النقص الوارد على الأرض (141) و ليس للمالك إلزام المشتري بالإبقاء و لو مجانا، كما إنه ليس للمشتري حق الإبقاء و لو

______________________________

التغرير من العبادة أو غيرها، فلو غرره على أن هذه الليلة ليلة النصف من شعبان- مثلا- و صرف المغرور مالا لزيارة الحسين عليه السّلام ثمَّ تبين كذب الغار يجوز له الرجوع إليه بما صرف.

(138) كل ذلك لقاعدة السلطنة، و ظهور الاتفاق، و حديث نفي الضرر و الضرار (1)، و وجوب رد إعادة العين على ما كانت.

(139) للإجماع، و لأنه الذي أدخل الضرر على نفسه، و عن عبد العزيز ابن محمد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عمن أخذ أرضا بغير حقها و بنى فيها قال عليه السّلام: يرفع بنائه و يسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حق، ثمَّ قال عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أخذ أرضا بغير حقها كلف ان يحمل ترابها إلى المحشر» (2).

(140) لأن ذلك كله ماله، و الناس مسلطون على أموالهم، و أما النبوي: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شي ء و ترد عليه نفقته» (3)، فقصور سنده و اعراض الأصحاب عنه يمنع عن الاعتماد عليه.

(141) للإجماع و قاعدة نفي الضرر.

ص: 354


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الغصب حديث: 1 و 2.
3- سنن ابن ماجه باب: 13 من أبواب الرهون حديث: 2466.

بالأجرة (142)، و لو حفر بئرا أو أجرى نهرا في أرض الغير وجب عليه طمها وردها إلى الحالة الأولى لو أراده المالك و أمكن (143)، و ضمن أرش النقص لو كان (144) و ليس له مطالبة المالك أجرة عمله أو ما صرفه فيه من ماله و ان أراد به القيمة (145)، كما انه ليس له رده إلى الحالة الأولى بالطعم و نحوه لو لم يرض به المالك (146).

نعم، يرجع بجميع ذلك من أجرة عمله و كل ما صرفه من ماله و كل خسارة وردت عليه إلى البائع مع الغرور (147)، و كذا الحال فيما إذا أحدث المشتري فيما اشتراه صفة محضا في العين المشتراة كطحن الحنطة، و غزل القطن أو نسجه، أو صياغة الفضة (148).

مسألة 38: لو جمع البائع بين ملكه و ملك غيره في بيع واحد

(مسألة 38): لو جمع البائع بين ملكه و ملك غيره في بيع واحد أو

______________________________

(142) للأصل و الإجماع في كل منهما.

(143) لوجوب رد إعادة العين على ما كانت مع الإمكان.

(144) للإجماع و لقاعدة نفي الضرر.

(145) لعدم تسبب من المالك في ذلك بشي ء، و لأنه ظالم بتصرفه في مال الغير بغير اذنه، «و ليس لعرق ظالم حق» كما تقدم.

(146) لأنه تصرف في مال الغير، و لا يجوز ذلك إلا برضاه نصا و إجماعا.

(147) لما تقدم من رجوع المغرور إلى غاره، و لا فرق فيه بين الجهل و العلم ان تحقق الغرور مع العلم أيضا. و أما مع عدم الغرور فلا وجه للرجوع عليه، لأنه هو الذي أدخل الضرر على نفسه.

(148) فليس له مطالبة المالك بأجرة عمله و ما صرفه فيه، لما تقدم من انه هو الذي أدخل الضرر على نفسه، و يأتي في كتاب الغصب جملة من الفروع المناسبة للمقام، و بعض ما ذكرناه مأخوذة مما ذكر هناك، و تعرضنا بالمناسبة لأن جملة من فروع المقامين متحدة.

ص: 355

باع ما كان مشتركا بينه و بين غيره نفذ البيع بالنسبة إلى ملكه بما قابله من الثمن (149) و يتوقف نفوذه في ملك الغير على إجازته فان أجازه صح (150) و إلا فللمشتري خيار الفسخ من أصله مع جهله (151).

مسألة 39: طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن أن يقوم كل منهما بقيمته الواقعية

(مسألة 39): طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن أن يقوم كل منهما بقيمته الواقعية، ثمَّ يلاحظ نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة الآخر فيجعل نصيب كل منهما من الثمن بتلك النسبة (152) فإذا باعهما معا بستة و كانت

______________________________

(149) للعمومات، و الإطلاقات الشاملة له فيكون المقتضى للنفوذ موجودا و المانع عنه مفقودا، مضافا إلى ظهور إجماعهم على الصحة، و ليس هذا من العقد الفضولي في شي ء. و قد استدل للبطلان.

تارة: بأن العقد ورد على المجموع، فلا وجه للصحة بالنسبة إلى البعض و التوقف على الإجازة بالنسبة إلى بعض آخر.

و أخرى: بأن اللفظ الواحد لا يؤثر اثرين.

و ثالثة: بجهالة الثمن بعد التقسيط.

و رابعة: بأن التراضي وقع بإزاء المجموع من حيث المجموع.

و الكل باطل .. أما الأول و الأخير: فبان العقد و الرضاء انحلالي واقعا و إن كان بسيطا اعتبارا.

و أما الثالث: فبأنه يكفي المعلومية في الجملة، و كون العقد في معرض المعلومية و المقام كذلك، إذ لا ريب في صيرورة الثمن معلوما بعد التقسيط مع كون المجموع معلوما و به يخرج عن الغرر قطعا.

و أما الثاني: فلا إشكال فيه إذا كان ذلك باعتبار تعدد المورد و المتعلق.

(150) لأنه من صغريات الفضولي، فيشمله جميع ما تقدم من الأدلة.

(151) لتبعض الصفقة عليه، و يأتي في محله انه قسم من أقسام الخيارات و يجري في جميع موارد التبعيض مطلقا.

(152) هذه المسألة جارية في جملة من الموارد.

ص: 356

.....

______________________________

منها: المقام.

و منها: ما إذا أجاز المالك و أريد تعيين حصة كل منهما من الثمن.

و منها: ما إذا تلف بعض المبيع قبل القبض.

و منها: ما إذا فسخ في البعض بخيار مختص به.

و منها: ما إذا تقايلا في البعض بناء على الجواز فيه.

و لا بد من بيان أمور.

الأول: لا ريب في تفرق الثمن على أجزاء المبيع بحسب قيمته الواقعية ما لم يعين في المعاملة حصة كل جزء فلا يحتاج إلى التقويم حينئذ، لفرض تعيين حصة كل جزء، و هذه قاعدة عرفية كلية جارية في جميع الموارد حتى في مثل بيع الآبق مع الضميمة، و ما في بعض الأخبار من أن الثمن بإزاء الضميمة(1)، فالمراد منه انه إذا لم يحصل العبد لا يصير البيع باطلا من جهة عدم العوض للثمن لا إنه ليس بإزاء الآبق شي ء حتى لو ظهر ان الآبق كان لمالك آخر أو تلف قبل القبض.

الثاني: لا ريب في ان المقابلة في المعاملة إنما تكون بين العينين و الأوصاف و الشروط لا تقابل العوض و إن كانت موجبة لزيادة القيمة أو نقصانها، و كذا الثمن فما يقع بإزائها انما هو من باب الوصف بحال المتعلق لا الذات و انما الذات هو العينان فقط، و الأوصاف و الشروط دواع لزيادة قيمة الذات أو نقصانها.

و يمكن أن يجعل النزاع لفظيا فمن يقول بتقسيط الثمن على الأوصاف و الشروط، أي: بحسب الوصف بحال المتعلق و من يقول بالعدم، أي: بحسب الوصف بحال الذات فلا نزاع في البين حينئذ.

الثالث: الهيئة الاجتماعية قد لا توجب زيادة القيمة و لا نقصانها، و قد توجب الزيادة في كل واحد بالسوية أو بالاختلاف، و قد توجب النقيصة كذلك، و قد توجب الزيادة أو النقيصة في أحدهما فقط، فاللازم في التقويم ملاحظة

ص: 357


1- الوسائل باب: 11 من أبواب عقد البيع.

قيمة أحدهما ستة و قيمة الآخر ثلاثة يكون حصة ما كان قيمته من ستة الثمن نصف حصة الآخر منها فلأحدهما اثنان و للآخر أربعة (153).

مسألة 40: لو كان مالكا لنصف الدار- مثلا- و قال بعت نصف الدار

(مسألة 40): لو كان مالكا لنصف الدار- مثلا- و قال بعت نصف الدار فإن كانت قرينة دالة على أنه أراد نصفه المختص به أو نصف الغير أو النصف المشاع بينه و بين غيره عمل به (154)، و إن لم تكن قرينة خارجية

______________________________

جميع هذه الجهات حتى لا يلزم ضرر في البين. و حيث ان الموضوع عرفي و موكول إلى أهل الخبرة من المقومين لكل شي ء و هم أعرف بذلك من الفقيه، فاللازم إيكال الأمر إليهم كما في سائر الموضوعات الخارجية التي لها خبراء.

نعم، يعتبر فيهم الوثوق و الاطمئنان كما في جميع أهل الخبرة ممن يرجع إليهم في تشخيص سائر الموضوعات.

(153) لأن نسبة الثلاثة إلى الستة النصف، فيؤخذ من ستة الثمن عددان تكون نسبة أحدهما إلى الآخر نسبة النصف و هو اثنان و أربعة. ثمَّ ان المتحصل من مجموع الكلمات في طرق التوزيع ثلاثة.

الأول: ما قلناه.

الثاني: أن يلاحظ قيمة المجموع ثمَّ يقوّم أحدهما ثمَّ تنسب قيمته إلى قيمة المجموع، و يظهر ذلك من الشرائع و اللمعة.

الثالث: ان يقوّم لكل منهما منفردا في حال الانضمام لا في حال الانفراد ثمَّ يؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين، و الظاهر ان الإيكال إلى الثقات من أهل الخبرة مع ملاحظتهم لجميع الخصوصيات و الجهات الخارجية ثمَّ إتباع قولهم أولى من تدخل الفقيه فيه و طريق الاحتياط التصالح و التراضي هذه في القيميات، و أما المثليات فإن حكم أهل الخبرة بالمثلية من كل حيثية و جهة فيقسم بحسب السهمين و إلا فلا بد من التراضي في البين.

(154) فينفذ في الأول في حصته المختصة به، و في الثاني يكون فضوليا إن

ص: 358

معينة في البين و أراد نفس مفهوم هذا اللفظ يحمل على نصفه المختص به (155)، و لا فرق فيه بين كون البائع أجنبيا أو مأذونا في بيع النصف الآخر وكالة أو ولاية (156).

______________________________

لم يكن وكيلا أو وليا، و في الأخير يكون من بيع المملوك و غير المملوك.

(155) لظهور إنشاء البيع لنفسه مع انصراف لفظ النصف في نظير المقام من موارد التصرف إلى نصفه المختص به، و إن لم يكن له هذه الانصراف في سائر الموارد، مضافا إلى ان قصد الغير أو ادعاء كونه مالكا لمال الغير خلاف المفروض، فلا وجه للتمسك بإطلاق ظهور لفظ النصف في الإشاعة لأنه فيما إذا لم تكن قرينة على الخلاف و المفروض وجود القرينة عليه.

(156) لوجود القرينة على تعيين خصوص حصة فلا تصل النوبة إلى التمسك بإطلاق لفظ النصف، لأن جملة «بعت نصف الدار» مع كونه مالكا لنصفها ظاهر عرفا في حصته المختصة به. هذا إذا لم تكن قرينة أخرى أقوى على تعلق البيع بما هو مأذون فيه وكالة أو ولاية و إلا فتتبع القرينة.

و بالجملة: الحكم يدور مدار الاستظهارات العرفية من الجهات الخارجية أو الداخلية و مع عدمهما مطلقا يؤخذ بظهور اللفظ في الإشاعة، و كذا في سائر المقامات لا بد من اتباع القرائن و الحالات و الحكم على طبقها و هي تختلف و يأتي في كتاب القضاء و الإقرار و الصلح و الإرث و الطلاق ما يرتبط بالمقام و لا وجه لتعرض الجميع هنا.

ثمَّ أن الكسر المشاع جزئي خارجي بجزئيته منشأ انتزاعه و خارجيته، و الكلي في المعين كلي و لكن أفراده منحصرة في المعين بخلاف الكلي المطلق و الفرد المردد من حيث هو لا تحقق له لا ذهنا و لا خارجا حتى يتعلق به الحكم، و لا يتعلق به الاعتبار العقلائي أيضا إلا ان يرجع إلى أحد الأولين.

ص: 359

مسألة 41: لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله في صفقة واحدة
اشارة

(مسألة 41): لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله في صفقة واحدة كبيع الخل و الخمر معا- يصح في المملوك و يبطل في غيره (157).

______________________________

(157) للإجماع و النص و قد تقدم خبر الصفار-: «لا يجوز بيع ما ليس يملك» (1)، المستفاد منه صحة البيع في المملوك.

و أشكل عليه في المقام بعين ما أشكل به فيما مر في (مسألة 39) و الجواب عين ما تقدم فلا وجه للإعادة و التكرار، كما أن طريق تقسيط الثمن عين ما تقدم فيها فراجع.

ص: 360


1- تقدم في صفحة: 307.

.....

فصل

فصل

______________________________

قد تعرض الفقهاء في المقام لمن له ولاية البيع، و المراد بها في المعاوضات من له السلطة على المعاوضة و المبادلة شرعا، سواء كان بنفسه لنفسه كولاية كل مالك على ما يتعلق بملكه، أو كان بنفسه على غيره كالأب و الجد و الحاكم الشرعي. أو من غيره على غيره كولاية الوكيل بالنسبة إلى مورد وكالته.

ثمَّ ان الولاية بجميع فروعها و مشتقاتها تتضمن معنى السلطة و الاستيلاء و الأولوية و نحو ذلك، و مقتضى الأصل عدم تعدد الوضع مع إمكان إرجاع جميع ما ذكره أهل اللغة في معاني هذه المادة إلى جامع قريب عرفي، و لو فرض اختلاف بعد ذلك في البين فيصح أن يكون ذلك من اختلاف دواعي الاستعمال في الجامع القريب العرفي، هذا في جملة كثيرة مما ذكر في معاني هذه المادة. و أما في جملة منها فلا بد من القول بالاشتراك اللفظي و لا مجال للبحث عن أكثر من هذا، و لا بد من بيان أمور.

الأول:، مقتضى الأصل العملي و الأدلة الاجتهادية، مثل قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (1)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2)، و أدلة سائر المسببات المتوقفة على أسباب خاصة عدم الولاية لأحد على أحد في نفسه أو ماله أو عرضه إلا بدليل قطعي صريح، و هذا الأصل نظير أصالة عدم الحجية و الاعتبار التي أثبتوها بالأدلة الأربعة، بل الشك في ثبوت الولاية يكفي في عدم ثبوتها.

ص: 361


1- تقدم في صفحة: 253.
2- سنن ابن ماجه باب: 31 من أبواب الطلاق حديث: 2081 و في كنز العمال ج: 9 حديث: 3134.

.....

______________________________

الثاني: الولاية إما ذاتية عامة تكوينية و تشريعية معا فوق ما نتعقله من معنى الولاية، و هي مختصة بالقيوم المطلق على كل شي ء و هو اللّه جل جلاله بإجماع جميع الأنبياء و المرسلين و الفقهاء و الحكماء المتألهين و العرفاء الشامخين، بل جميع المليين من الناس أجمعين، و قد اثبت ذلك جميع علماء الملل و أديان السماوية بأدلة عقلية و نقلية، و لا معنى للقيوم الذي هو أم الأسماء الإلهية إلا هذا و التفصيل يطلب من غير المقام.

و أما غيرية إفاضية، و هي مختصة بإفاضة اللّه تعالى على من يشاء من عباده بما يشاء كيفية و كمية، تكوينية كانت أو تشريعية و هي مختصة بالأنبياء و المرسلين و في رأسهم سيدنا خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه المعصومين عليهم السّلام، فقد أفاض لهم اللّه تعالى من الولايتين بما شاء و أراد عز و جل، و طريق إثبات ذلك ما تواتر عنهم من المعاجز في التكوينيات و بيان الأحكام في التشريعيات مع أن هذا البحث ساقط عن أصله، لأن وجوب إطاعتهم في التشريعيات من الضروريات، و كذا وجوب الاعتقاد بقدرتهم على الاعجاز في الجملة، و لا دليل من عقل أو نقل على وجوب الاعتقاد بأكثر من ذلك حتى تترتب على البحث ثمرة عملية و يصرف الوقت فيما ليست فيه ثمرة عملية بل و لا علمية.

الثالث: دلت الأدلة الأربعة على أن النبي صلّى اللّه عليه و آله أولى بأمته من أنفسهم.

فمن الكتاب: قوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (1).

و من السنة: ما استفاض عنه صلّى اللّه عليه و آله من طرق الفريقين «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه» (2)، و ما يقرب من هذا التعبير.

و من الإجماع: إجماع جميع المسلمين.

و من العقل: انه صلّى اللّه عليه و آله أعلمهم بمصالحهم و مفاسدهم شخصيا و نوعيا، و لا يرضى لهم إلا بما فيه صلاحهم و نجاحهم، بخلاف نفس الإنسان حيث إنه قد يرد نفسه في مهالك عظيمة في الدنيا و الآخرة، و لا اختصاص لهذه الأولوية

ص: 362


1- سورة الأحزاب: 6.
2- راجع سنن ابن ماجه باب: 93 من أبواب الصدقات حديث: 2415 و في الوسائل باب: 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة حديث: 14.

.....

______________________________

بنبينا الأعظم، بل كل نبي أولى بأمته من نفوسهم، بل يجري ذلك في العالم الرباني الداعي إلى اللّه و الحاكي قولا و عملا عنه تعالى فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم فضلا عن النبي المعصوم المؤيد بالتأييدات السماوية فما معنى هذه الأولوية التي تطابقت عليها الأدلة؟! فهل المراد بها التسلط المطلق على نفوس الناس و أعراضهم و أموالهم بكل ما شاء و أراد، فيجوز له أن يستخدم الناس جبرا عليهم بلا أجرة المثل، و ان ينكح المرأة المزوجة قهرا على زوجها، و إن ينكح الفتاة البكر بدون اذن منها و من وليها، و إن يأخذ أموال الناس بلا إذنهم و رضائهم؟!! حاشا أنبياء اللّه و سيدهم عن هذه الأولوية التي تستنكرها الطباع و تنفر عنها النفوس، بل لا يليق باللّه تعالى أن يرضى بهذه الأولوية لخاتم أنبيائه و لسفرائه، و قد روى عنه صلّى اللّه عليه و آله الفريقان: «من ترك مالا فلورثته، و من ترك دينا أو ضياعا فعلي و إليّ» (1)، و قال أبو الحسن عليه السّلام: «فصار صلّى اللّه عليه و آله بذلك أولى بالمؤمنين من أنفسهم» (2)، فالمراد بهذه الأولوية ولاية العناية و التدبير و الإصلاح مع حفظ جميع القوانين العقلية و الشرعية بواجباتها و محرماتها و مندوباتها و مكروهاتها و مباحاتها، فأصل جعل الأولوية انما يكون لحفظ القوانين و تنظيمها كما يقال الطبيب أولى بالمريض من نفسه، و المعلم أولى بالمتعلم من نفسه، و المعمار المهندس الخبير أولى بهندسة الدار من صاحبها، إلى غير ذلك مما هو شائع كثير و هذه الأولوية فطرية عقلية لا أن يكون من التعبديات الشرعية، فالحكم بها مطباق للعقول السليمة و الفطرة المستقيمة.

نعم، لو تصرف المعصوم عليه السّلام في مال أحد، أو في نفسه، أو في عرضه يكشف ذلك عن وجود مجوز شرعي في البين و ان كنا لا نعلمه.

انما الكلام انه مع إحراز عدم المجوز الشرعي في البين بوجه من الوجوه هل لهم الولاية على التصرف أيضا أولا؟ و حيث ان المسألة غير ابتلائية لا وجه للتفصيل بل لعل بعض التفصيلات من سوء الأدب. و تظهر الثمرة فيما إذا قلنا بثبوت هذه الولاية للفقيه أيضا و لكنه لا ثمرة له أيضا، لأنه على فرض ثبوت هذه

ص: 363


1- سنن ابن ماجه باب: 13 من أبواب الصدقات حديث: 2146، و في الوافي ج: 1 صفحة:
2- سنن ابن ماجه باب: 13 من أبواب الصدقات حديث: 2146، و في الوافي ج: 1 صفحة:

.....

______________________________

الولاية له ما لم يقطع بمجوز شرعي لا يتصرف، فلا ثمرة في البين أصلا.

ان قيل: فما معنى ما ورد من الأرض كلها لهم (1)، و الناس عبيد لهم و هذا ينافي ما قلت في معنى الأولوية.

يقال: معنى مملوكية الأرض، و كذا الناس لا بد اما ان يراد المملوكية من سنخ مملوكية الموجودات للّه تعالى و مالكيته لما سواه التي لا تنافي الملكية الإضافية للناس بالنسبة إلى ما يملكون، أو يراد بها الأنفال و المراد بمملوكية الناس ملك الطاعة لا ملك الذات كما فسرت به في بعض الروايات (2)، و قد أشرنا إلى بعض ذلك في كتاب الخمس فراجع.

فتلخص: أن الأولوية التدبيرية للناس ثابتة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه المعصومين بالأدلة الأربعة في جميع ما له دخل في الإسلام حدوثا و بقاء نوعيا، و شخصيا للمسلمين دعوة إلى الإسلام و بيانا للأحكام و إنفاذا لها، و عقوبة على تركها، و تنظيما للبلاد، و بث ما هو صلاح العباد في شؤونهم الاجتماعية و الشخصية، و لا معنى للحكومة الإلهية التي بعث بها النبي صلّى اللّه عليه و آله إلا ذلك و في كل ذلك يكون النبي صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه المعصومون أولى بالمؤمنين من أنفسهم لفرض انه يختار في جميع ذلك ما هو الأصلح لهم في دينهم و في دنياهم.

ثمَّ إنه لا ريب في وجوب إطاعة النبي صلّى اللّه عليه و آله و الإمام فيما يبلغ عن اللّه تعالى لاستقلال العقل بوجوب اطاعته تعالى من باب وجوب شكر المنعم.

و أما لو كان أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام شخصيا بحيث لا يرجع إلى اللّه تعالى فهل تجب الإطاعة أيضا؟ الظاهر ذلك لكونهم وسائط الفيوضات المعنوية و الظاهرية فتشملهم ما دل على وجوب شكر المنعم، و لكن يظهر من الآية الكريمة قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (3)، إنهم أسقطوا حقوقهم فلا تبقى ثمرة مهمة لهذا البحث أصلا.

الرابع: لا ريب في ان للفقيه الجامع للشرائط منصب الفتوى فيما يحتاج

ص: 364


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 20 و غيره.
2- الوافي ج: 2 صفحة: 23 باب- فرض طاعة الأئمة- 7.
3- سورة الشورى: 33.

.....

______________________________

إليه العامي، و منصب فصل الخصومة بما يراه حقا في المرافعات و الدليل عليه- مضافا إلى ما تعرضنا له من الأخبار في الاجتهاد و التقليد و القضاء- ما ارتكز في الأذهان من الرجوع إلى أهل الخبرة، و لا ريب في انه من أهل الخبرة و لذا لا اختصاص لثبوت المنصبين بعلماء دين الإسلام، بل هما ثابتتان لعلماء جميع الأديان عند المتدينين بها، لما مر من الارتكاز في نفوسهم و حكم فطرتهم بذلك.

و هل يثبت للفقيه الجامع للشرائط ما ثبت للمعصوم عليه السّلام من الولاية على المسلمين في جميع ما له دخل في شؤونهم الإسلامية مما تقدم التعرض لبعضه، أو ليس له إلا منصبي الإفتاء و القضاء؟ قولان و الظاهر ان هذه النزاع على طوله و تفصيله صغروي لا ان يكون كبرويا كما يظهر من أدلة الطرفين و النقض و الإبرام الوارد منهم في البين، لأن المراد بالفقيه الذي يكون مورد البحث في المقام من استجمع ما ذكرناه من الصفات في كتاب الجهاد (1)، و ما سنشير إلى بعضها في كتاب القضاء، فإذا وجد من اتصف بتلك الصفات تنطبق عليه الولاية المطلقة قهرا شاء أو لم يشاء.

و بعبارة أخرى لو تحقق ما تقدم من الصفات في شخص يصير كأنه الإمام عليه السّلام بعد استقرار إمامته الظاهرية، و لا يكفى تحقق بعض ما سبق من الصفات لثبوت مثل هذا الولاية فلمجموعها من حيث المجموع دخل في تحققها.

نعم، مع وجود بعضها و تيسر الأسباب يجوز له التصدي فيما تيسر، بل قد يجب ذلك و لكن لا ربط له بالولاية المطلقة التي هي مورد البحث، فجواز التصدي أو وجوبه أعم مما يبحث عنه في المقام، و مقتضى الأصل عدم هذه الولاية المبحوثة عنها إلا في المتيقن من مورد ثبوتها و هو الذي قلناه و يتم مقام الإثبات قهرا بعد ثبوت المقتضى و فقد المانع، و ليس لمثل صاحب الحدائق قصر ولاية مثل هذا الشخص على خصوص الإفتاء و القضاء فإنه خلاف ما

ص: 365


1- راجع المجلد الخامس عشر صفحة: 84.

.....

______________________________

يرتضيه الناس بالنسبة إليه.

ثمَّ إنه قد استدل على ثبوت الولاية له بوجوه.

الأول: أن تنظيم تلك الأمور التي تكون مورد الولاية العامة و الخلافة العظمى مطلوب للّه تعالى إلى يوم القيامة أو لا؟

و الثاني باطل: لما ورد الأمر بها و الترغيب و التحريض إليها، و على الأول أما أن يكون المنقمص لها كل من استولى عليها و لو من الظلمة و هو باطل بالضرورة، أو يكون هو شخص خاص ذات منصبي الإفتاء و القضاء و هذا هو المتعين و هو المطلوب.

الثاني: أن ما ثبت للنبي صلّى اللّه عليه و آله و الإمام عليه السّلام من حيث الزعامة الكبرى و الزعيم الديني من الأمور الفطرية التي يرجع فيها كل ذي ملة و نحلة إلى رئيسهم الدين فهذه سيرة عقلائية في جميع الأعصار و الدهور و هي متبعة في الشريعة الإسلامية إلا مع وجود دليل خاص على الردع و لا رادع عنها في البين، فتشملها إطلاقات الأدلة و عموماتها.

و أشكل عليه. تارة: بأصالة عدم الولاية و عدم ترتب الأثر.

و أخرى: بأن بعض تلك الأمور منوط بولاية غيره كمورد ولاية الأب و الجد. أو بنظر غيره لكونه أبصر بها منه كما هو معلوم في جملة كثيرة من العرفيات.

و الكل باطل. أما الأولى: فلأنه لا وجه للأصل مع السيرة القطعية و إن غصب جملة من مواردها الظلمة و الكل يعترفون بأنهم غصبوا المنصب.

و أما الثانية: فلأن تلك الموارد خرجت بالدليل و لا منافاة بينه و بين أصل السيرة العامة، لأنها كالعام يصلح للتخصيص.

و أما الأخير فلأن لهذا الزعيم الروحي بصراء و خبراء يصدرون عن رأيه و أمره و لا منافاة بين الزعامة الكبرى و مثل هذه الأمور كما هو واضح.

الثالث: ما ثبت للإمام عليه السّلام من الولاية إنما هو لأجل كونه ملجأ الخلق و ملاذهم و مرجع شؤونهم الدينية، و لا موضوعية للعصمة من حيث هي في ذلك كله و إنما هي بالنسبة إلى هذه الأمور طريقية للاستيمان و وضع الأشياء في

ص: 366

.....

______________________________

مواضعها و ان كانت معتبرة من حيث الموضوعية في الإمامة، فللعصمة حيثيتان حيثية كونها من أعلى كمالات النفس الإنسانية، و حيثية كونها موجبا لتنظيم الأمور على طبق الوظيفة الشرعية و موجبا سكون النفس إليها، و الجهة الأخيرة هي مناط الولاية و هذه الحيثية موجودة في الفقيه العدل الجامع للشرائط المخالف لهواه فيثبت له ما كان لهم عليهم السّلام من الولاية أيضا.

الرابع: بعد سد باب ولاية الجور و الظلم بالكلية، فإن انسد باب ولاية الفقيه الجامع للشرائط يكون تضييقا على الشيعة و أي تضييق أشد منه.

الخامس: ان أمير المؤمنين عليه السّلام أعطى مثل هذه الولاية لمحمد ابن أبي بكر و مالك الأشتر، و لا ريب في أن الفقيه الجامع للشرائط أرفع منهما قدرا و أجل شأنا فلا بد من ثبوتها له بالفحوى، قال صاحب الجواهر في كتاب الزكاة و نعم ما قال: «إطلاق أدلة حكومته خصوصا رواية النصب التي وردت عن صاحب الأمر روحي له الفداء يصيّره من أولى الأمر الذي أوجب اللّه علينا طاعتهم.

نعم، من المعلوم اختصاصه بكل ماله في الشرع مدخلية حكما أو موضوعا.

و دعوى: اختصاص ولاية بالأحكام الشرعية يدفعها معلومية كثير من الأمور التي لا ترجع إلى الأحكام، كحفظه لمال الأطفال و المجانين و الغائبين و غير ذلك مما هو محرر في محله، و يمكن تحصيل الإجماع عليه من الفقهاء فإنهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا دليل عليها سوى الإطلاق الذي ذكرناه المؤيد بمسيس الحاجة إلى ذلك أشد من مسيسها في الأحكام الشرعية»، و قال في كتاب الخمس أيضا ما يقرب منه.

السادس: ان عقيدة الإمامية ان الفقيه الجامع للشرائط يقوم مقام الإمام في كل ماله من المناصب و الجهات إلا مختصات الإمامة كالعصمة و نحوها.

السابع: إطلاقات الأدلة الواردة لتقرير مرتكزات الناس مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«اللهم ارحم خلفائي ثلاثا قيل و من خلفاؤك يا رسول اللّه؟ قال الذين يأتون

ص: 367

.....

______________________________

بعدي و يروون حديثي و سنتي» (1)، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان العلماء أمناء» (2)، و قوله عليه السّلام: «مجاري الأمور بيد العلماء الامناء باللّه على حلاله و حرامه» (3)، و قوله عليه السّلام: «فإني قد جعلته عليكم حاكما» (4)، و قوله عليه السّلام: «فإني قد جعلته عليكم قاضيا» (5)، و قول الحجة: «فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه» (6)، و قوله (عجّل اللّه فرجه الشريف): «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه أحاديثنا» (7) إلى غير ذلك مما ورد عنهم، فأن المنساق من إطلاق الخلفاء و الامناء و الحجة و الرجوع في الحوادث الواقعة إنما هو التنزيل منزلة النفس من كل جهة إلا ما خرج بالدليل.

و احتمال ان المراد خصوص بيان الأحكام و فصل الخصومة. مخالف لهذا الاهتمام البليغ الذي اهتم به الأئمة عليهم السّلام، و بالجملة الفطرة تحكم بأنه إذا انقطع يد الرئيس عن رعيته ظاهرا و جعل شخصا نائبا منابه تعم النيابة جميع ما للرئيس من الجهات و المناصب إلا ما دل الدليل على التخصيص و الخروج.

ان قيل: ان الدليل على التخصيص أصالة عدم الولاية و الحجية إلا في المتيقن و هو الإفتاء و الحكومة.

يقال: لا وجه للأخذ بالمتيقن مع ظهور الإطلاق و ما تقدم من الأدلة.

نعم، لو بني على التشكيك، لنا ان نشكك حتى في الضروريات، و لم أر تشكيك في الإطلاقات في كلمات القدماء فيما تفحصت عاجلا و إنما حدث ذلك عن بعض متأخر المتأخرين.

و لكن مع ذلك كله موارد تشخيص الولاية في غير المتقين منها في هذه الازمان مشكل جدا فلا بد من التأمل التام. و حيث لا ثمرة في البحث فلا وجه للتفصيل بأكثر من ذلك لأن هذه الولاية الكلية منوطة ببسط اليد من كل جهة و هو كان مفقودا في إمام الأصل عليه السّلام فضلا عن نائبه.

ص: 368


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 7.
2- الوافي ج: 1 باب: فضل العماء ص: 40.
3- راجع تحف العقول ص: 238 ط: طهران.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1 و 6 و 9.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.
6- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 6.
7- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.
مسألة 42: يجوز للأب و الجد للأب

(مسألة 42): يجوز للأب (158) و الجد للأب (159)،

______________________________

نعم، فيما يتمكن منه و تبسط يده فيه فله الولاية إن كان نظره ثبوتها له.

الخامس: التصرف في الأمور.

تارة: تكليف مباشري للرئيس.

و أخرى: منوط بإذنه من أي شخص صدر.

و ثالثة: تكليف شخصي بالنسبة إلى كل أحد.

و رابعة: يشك في انه من أي الأقسام و لا إشكال في حكم غير الأخير منها إما هو فإن كان من المصالح و لم تكن فيه مفسدة يجوز لكل أحد تصديه، لإطلاق قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (1)، و قوله عليه السّلام: «كل معروف صدقة» (2)، و قوله عليه السّلام: «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» (3)، إلى غير ذلك من الأدلة المرغبة إلى مثل هذه الأمور، و إن كانت فيه مفسدة فلا بد فيه من مراجعة الحاكم الشرعي.

السادس: ما كان منوطا بإذن الفقيه و نظره و لم يكن فقيه في البين يجوز للمؤمنين القيام به، لفرض أن أصله مطلوب و مرغوب إليه من الشارع و القطع ببقاء التكليف و عدم سقوطه، و الإذن فيه من الفقيه شرط اختياري و يسقط مع عدم التمكن منه و تفصيل المقام سيأتي في ضمن المسائل الآتية.

(158) للإجماع. و النص كما سيأتي بل الضرورة المذهبية إن لم تكن دينية.

(159) للإجماع و الظاهر ان هذه الولاية ليست تعبدية محضة، بل العقلاء يرون للأب و الجد للأب نحو ولاية على الصغير و يكفي عدم ثبوت الردع في هذا الأمر العام البلوى، مضافا إلى تقريره بنصوص مستفيضة وردت في أبواب

ص: 369


1- سورة البقرة: 148.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف حديث: 10.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.

و إن علا (160) أن يتصرفا في مال الصغير بالبيع و الشراء و الإجازة و غيرها، و كل منهما مستقل في الولاية وجد الأخر أو لا (161) و لا يعتبر العدالة فيهما (162)، و لا يعتبر في نفوذ تصرفهما المصلحة، بل يكفي عدم

______________________________

متفرقة يستفاد منها استفادة قطعية بثبوت هذه الولاية كقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أنت و مالك لأبيك» (1)، و ما ورد في النكاح و غيرها مما تأتي الإشارة إلى بعضها.

(160) للإجماع على التعميم و إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «أنت و مالك لأبيك» (2)، الشامل للجد العالي أيضا و أدنى مفاده ثبوت الولاية عرفا.

(161) للأصل و الإطلاق، و نسب إلى المشهور بين القدماء أن ولاية الجد مشروطة بحياة الأب لخبر فضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الجد إذا زوج ابنة ابنه و كان أبوها حيا و كان الجد مرضيا جاز» (3)، حيث علق عليه السّلام نفوذ التزويج على أمرين حيوة الأب، و كون الجد مرضيا فتنفي الولاية بانتفاء أحدهما.

و فيه: انه لا مفهوم للجملة شرطية كانت أو وصفية، أما على الأول فلأنها لتحقق الموضوع لا لتعليق الحكم على مدخول الأداة، و أما على الثاني فلأنه إنما يكون لها مفهوم إذا لم يكن لا يراد الوصف في الكلام فائدة إلا المفهوم و ليس في المقام كذلك، فإنها سيقت للرد على بعض العامة حيث يقول بأن ولاية الجد إنما هو بعد فقد الأب(4)، مضافا إلى استصحاب ولاية الجد الثابتة حال حيوة الأب إجماعا، و يأتي التفصيل في كتاب النكاح.

(162) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة بعد عدم دليل صحيح على اعتبارها، إذ لم يستدل لاعتبارها إلا بأنه ولاية، و يقبح على الحكيم تعالى أن يجعل الفاسق

ص: 370


1- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد حديث: 4.
4- راجع المغني لابن قدامة ج 7: صفحة: 383.

المفسدة (163)

______________________________

وليا و أمينا على الصغير، و انه نحو ركون إلى الظالم و هو لا يجوز كما في الآية (1).

و فيه. أولا، انه يمكن أن يكون شخص فاسقا في جملة من الأمور و كان أمينا في مال الناس خصوصا في المقام الذي الشفقة و الرحمة على الصغير تقتضي عدم التعدي في ماله. و كم من فاسق أشد احتياطا في مال الناس من العادل.

و ثانيا: إنه يصح تصرفاته التي تكون فيها المصلحة و تبطل ما لا مصلحة فيها و يغرمه الحاكم الشرعي أو يعزله.

و ثالثا: ان الظالم أخص من مطلق الفاسق و معنى الركون الرضا بفعله و مصاحبته و حب بقائه كما ترى في أعوان الظلمة، و عن الصادق عليه السّلام: «هو الرجل يأتي السلطان فيجب بقائه إلى ان يدخل يده في كيسه فيعطيه» (2)، فلا ربط لآية الركون بما نحن فيه.

(163) البحث في هذه المسألة من جهات.

الأولى: لم أجد لفظ المصلحة فيما تفحصت من النصوص عاجلا بل فيها تعبيرات أخرى كما يأتي التعرض لها.

نعم، في الآية الكريمة ورد لفظ الإصلاح و المصلح قال تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (3).

و على أي تقدير المصلح إما ان تكون بمعنى ما فيه الغرض العقلائي سواء كان فيه نفع أو لا فتكون المفسدة ما ليس فيه الغرض العقلائي سواء

ص: 371


1- سورة هود: 113.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33.
3- سورة البقرة: 220.

.....

______________________________

كان فيها ضرر أم لا و على هذا يكون حكم أموال اليتامى حكم أموال سائر العقلاء و ليس فيها حكم زائد عليها فلا وجه لتطويل البحث حينئذ.

و أما أن تكون بمعنى ما فيه النفع فتكون المفسدة ما ليس فيه نفع و تشمل مورد الضرر بالفحوى. و هذا الاحتمال حسن ثبوتا و لكن لا دليل عليه إثباتا.

أما أولا: فلأنه موجب لنفرة الناس عن مخالطة اليتامى خصوصا في صدر الإسلام الذي قل المال لديهم، و إن كان ترغيبا إلى الإحسان إليهم لكنه شي ء آخر لا ربط له بمخالطتهم و التصدي لحفظهم و حفظ أموالهم.

و أما ثانيا: فلمخالفته للأصل و الإطلاقات مثل إطلاق قوله تعالى وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.

و أما ثالثا: فلظهور بعض الاخبار في ان الإفساد حرام لا ان يكون النفع لازما كحسنة الكاهلي عن الصادق عليه السّلام: «إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس و ان كان ضرر فلا» (1)، و لا بد من الأخذ بذيل الحديث و حمل صدره على الغالب حيث ان الغالب ملاحظة حال اليتيم و أيضا النفع إليه، فلا يصح الأخذ بإطلاقه لوروده مورد الغالب، كما لا تعارض بين الصدر و الذيل لذلك أيضا، و يشمل الذيل صورة التساوي و عدم النفع بلا إشكال، و يدل على ما قلناه إطلاق الآية الكريمة إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً (2)، فيحرم الظلم و الفساد لا أصل الأكل مطلقا، و قوله تعالى وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (3)، إذ المستفاد من المجموع حرمة الفساد لا لزوم النفع، و كذا قوله تعالى وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ (4)، و في موثق سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فقال عليه السّلام:

ص: 372


1- الوسائل باب: 71 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- سورة النساء: 127.
3- سورة النساء: 6.
4- سورة النساء: 10.

.....

______________________________

يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله على قدر ما يحتاج إليه، على قدر ما يخرج لكل إنسان منهم فيخالطهم و يأكلون جميعا و لا يرزءان (1) من أموالهم شيئا إنما هي النار» (2)، فان ظهوره في حرمة الإفساد و عدم وجوب النفع مما لا ينكر.

و أما رابعا: فلأن مال الأيتام ليس إلا كمال غيرهم فكما لا يعتبر النفع في التصرف في مال الغير في صورة الإذن إلا مع دليل خاص يدل عليه فليكن مال اليتيم بالنسبة إلى المأذون هكذا أيضا، و ليس هذا قياسا، بل هو من الرجوع إلى الوجدان و حكم الفطرة.

الجهة الثانية: الأقوال في المسألة بين الإفراط و التفريط فمنهم من اكتفى فيه بعدم المفسدة، و قد مر وجهه و منهم من اعتبر فيه المصلحة و منهم من جوّز تصرفه و لو مع المفسدة و عمدة دليل القول الثاني قاعدة الاحتياط و الإجماع المستظهر في مفتاح الكرامة و الآية الشريفة وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3).

و الكل مخدوش: أما الاحتياط فلا وجه له مع ما تقدم من خبري الكاهلي و سماعة. و أما الإجماع فلا وجه له في هذه المسألة الخلافية قديما و حديثا، و الظاهر إنه أيضا مبنى على قاعدة الاحتياط، فراجع الكلمات و تأمل فيها.

و أما الآية الكريمة فأطال القول فيها شيخنا الأنصاري ببيان الاحتمالات التي لا تساعدها المحاورات العرفية و لا سائر الآيات الواردة في سياق هذا المعنى مع ان الآيات يبين بعضها بعضا، و تبعه بعض مشايخنا قدس سرّهم، و نحن نعرض الآية على الأذهان الساذجة العرفية و على أبناء المحاورة فكل ما فهموا فهو الحجة بعد فقد النص الخاص في تفسيرها.

ص: 373


1- الرز بمعنى النقص و منه الحديث: «لا ارزاء من فيكم شيئا»- مجمع البحرين.
2- الوسائل باب: 73 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
3- سورة الانعام: 152.

.....

______________________________

فنقول: قد استعمل لفظ: لا تقربوا في عدة آيات لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى (1)، و قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ (2)، و قوله تعالى لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً (3)، و قوله تعالى وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ (4)، و المنساق من مثل هذه التعبيرات في المحاورات إنما هو الكناية بذكر اللازم و إرادة الملزوم اهتماما بالمطلب كما في قوله عليه السّلام: «و المعاصي حمى اللّه فمن يرتع حولها يوشك ان يقع فيها» (5)، فالمراد النهي عن نفس العمل المنهي عنه ففي المقام أي: لا تأكلوا مال اليتيم ظلما كما ذكر ذلك في آية أخرى، و لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ أي لا تصلوا في حال السكر، و قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ أي: لا تزنوا مثلا، و قوله تعالى:

وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ أي لا تأكلا منها، فالمراد بالآية الشريفة التصرفات التي يفعلها الولي في الأموال فتسقط الاحتمالات الأربعة التي ذكرها شيخنا الأنصاري قدس سرّه.

ان قيل: إذا أضيف القرب إلى الفعل يتعين هذا المعنى و لا احتمال لغيره في البين. و أما إذا أضيف إلى غير الفعل فتحسن تلك الاحتمالات أيضا.

يقال: نعم لو لم يكن الفعل معهودا فإنه كالقرينة المحفوفة بالكلام و الآيات يبين بعضها بعضا، و عليه فتكون معنى الآية لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ما بينه اللّه تعالى في آية أخرى و هي قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً (6)، و معنى لا تأكلوا في المقام كما في قوله تعالى:

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ و حكم باقي الاحتمالات لا بد و ان يستفاد

ص: 374


1- سورة النساء: 43.
2- سورة الانعام: 151.
3- سورة الإسراء: 32.
4- سورة البقرة: 35.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب صفات القاضي حديث: 22.
6- سورة النساء: 10.

.....

______________________________

من جهات أخرى، مع ان مجرد الاحتمال لا يمكن ان يكون مدركا للحكم كما هو معلوم. هذا ما يتعلق بقوله تعالى لا تَقْرَبُوا.

و أما قوله تعالى إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي: بالطريقة و الكيفية التي هي أحسن، و لفظ أَحْسَنُ إما أن يراد به ما تضمن معنى التفضيل أو مجرد الحسن، و هو إما أن يراد منه المصلحة أو مجرد عدم المفسدة و لا رابع في البين، و استعمال صيغة التفضيل في غير التفضيل مما لا يحصى كما لا يخفى، فلو أريد بلفظ أَحْسَنُ مجرد الحسن ليس خلاف المحاورة العرفية خصوصا في المقام.

أما أولا: فلأنه ان أريد به الأحسن من جملة ما يمكن اختياره لزم عدم الاقدام عند تساوي جملة من الأمور مع كون جميعها متصفا بالاحسنية بالنسبة إلى غيرها، و ان أريد الأحسن في الجملة و بالإضافة فهو مساوق لمعنى الحسن لكون مرتبة من الحسن تتصف بالأحسنية بالنسبة إلى ما دونها و ان أريد ما لا أحسن منه بقول مطلق فهو خلاف الظاهر مع كونه مستلزما للتعطيل.

و ثانيا: انه مخالف لسائر الآيات التي جعل الحكم دائرا مدار صدق الظلم كقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً (1).

و ثالثا: انه مخالف لما تقدم من خبري الكاهلي و سماعة (2).

و رابعا: انه قد يوجب تنفر المتدينين عن التصدي لمال اليتيم لوقوعه في الابتلاء، فالمراد بالأحسن في الآية الكريمة بحسب القرائن مجرد ما ليس فيه مفسدة ترغيبا للناس إلى تحفظ الأيتام و أموالهم و هو الموافق لبناء العقلاء إذ ليس اليتيم و ماله مختصا بخصوص مذهب الإسلام بل هو عام في جميع الملل و الأديان.

ص: 375


1- سورة النساء: 10.
2- تقدما: 371- 372.

.....

______________________________

و خامسا: أن دأب القرآن الكريم ذكر شي ء مقدمة للاهتمام بشي ء آخر بلا موضوعية خاصة في ذلك الشي ء المذكور مثل قوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ (1)، فذكر ذلك مقدمة للتشديد في حرمة الإيذاء، و في المقام ذكر الأحسن اهتماما بدفع الظلم.

و بالجملة: بعد ضم الآيات بعضها إلى بعض و ملاحظتها مع الروايات لا يستفاد معنى التفضيل للأحسن أبدا و المسلم هو حرمة الظلم و الإفساد، و إثبات وجوب الحسن لا دليل عليه فضلا عن الأحسن، بل الأصل و إطلاق الأدلة الواردة في موارد شتى ينفي ذلك كله.

و استدل للقول الثالث و هو جواز تصرف الأب في مال ابنه حتى مع المفسدة بما رواه الفريقان عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله أنه قال لولد: «أنت و مالك لأبيك» (2)، و بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء» (3)، و بقول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في علة تحليل مال الولد للوالد: «ان الولد موهوب للوالد في قوله تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ» (4)، و ما ورد في تقويم الأب جارية الابن على نفسه (5)، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق و هي و ان وردت في الأب لكنها تجري في الجد أيضا، لصدق كونه أبا.

و لكن الكل مخدوش، لأنه ان كان المراد بمثل هذه الأخبار الترغيب إلى الاخلاقيات و تجليل الأب و عدم التعرض له فلا ريب في ذلك عقلا و شرعا، لأنه من علل التكوين للولد فلا بد و ان يجلل و يعظم، و ان كان المراد بها إثبات الحكم الشرعي فالكل قاصر عن ذلك، أما حديث: «أنت و مالك لأبيك» فإن كان المراد به الملكية الحقيقية الواقعية كملكية العبد لمولاه و ملكية الشخص لماله فهو خلاف الضرورة بين العقلاء من هبوط أبيهم آدم عليه السّلام إلى انقراض العالم

ص: 376


1- سورة الإسراء: 23.
2- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 1 و 9.
3- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 1 و 9.
4- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 1 و 9.
5- الوسائل باب: 79 من أبواب ما يكتسب به.

.....

______________________________

و حل مقام النبوة ان ينطق بما يستنكره العقلاء أجمعين، و إن كان المراد الاختصاص الحقي الشرعي بأن يتصرف في ولده و في مال ولده بما شاء و كيف ما أراد من دون رضاه أبدا بل و مع منعه فهو خلاف الإجماع و سيرة المتشرعة بل العقلاء، و لو فعل أب ذلك بالنسبة إلى ابنه يستنكرونه و يقولون ان للابن حق الاشتكاء إلى الحاكم الشرعي، و إن كان المراد العناية و الموهبة يعني ان الولد موهبة للوالد فلا بد للوالد ان لا يضيع هذه الموهبة و لا بد للولد ان يعظم الموهوب له فهذا حق و صدق تحكم به فطرة العقول و لا نحتاج إلى تعبد من الرسول فقد كشف صلّى اللّه عليه و آله حكم الفطرة لا ان يأتي بما يخالفها، و في صحيح الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنت و مالك لأبيك. ثمَّ قال:

لا يجوز ان يأخذ من مال ابنه إلا ما يحتاج إليه مما لا بد منه ان اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» (1)، و هو ظاهر في الحرمة كما لا يخفى، و عن حسين بن أبي العلاء:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال عليه السّلام قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال صلّى اللّه عليه و آله: له أنت و مالك لأبيك؟ فقال عليه السّلام: إنما جاء بأبيه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا أبي ظلمني ميراثه عن أمي فأخبره أبوه إنه قد أنفقه عليه و على نفسه فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا أبي ظلمني ميراثه عن أمي فأخبره أبوه إنه قد أنفقه عليه و على نفسه فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول الله صلّى اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن؟!» (2)، و منه يظهر الجواب عما تقدم في صحيح ابن مسلم، و قول الرضا عليه السّلام و غيره مما ورد في هذا السياق، فالقول بأن للأب ان يتصرف في مال الابن و ان استلزم الفاسد فاسد فيكفي عدم المفسدة في مورد تصرف الأب و الجد، للإطلاقات و العمومات من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص.

ثمَّ انه لو كان في البين موارد لا مفسدة فيها يتخير الولي في اختيار أيهما شاء، و لو كان أحدهما مما فيه المصلحة و الآخر ما لا مفسدة فيها فالأحوط

ص: 377


1- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 8.
2- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2 و 8.
مسألة 43: كما ان للأب و الجد الولاية في مال الصغير بأنواع التصرفات لهما الولاية في نفسه بالإجارة و التزويج و نحوهما

(مسألة 43): كما ان للأب و الجد الولاية في مال الصغير بأنواع التصرفات لهما الولاية في نفسه بالإجارة و التزويج و نحوهما (164)، الا الطلاق فلا يملكانه بل ينتظر بلوغه (165)، و لا يلحق به فسخ عقد النكاح عند موجبه و هبة المدة في المتعة (166).

مسألة 44: ليس بين الأقارب من له الولاية على الصغير غير الأب و الجد للأب

(مسألة 44): ليس بين الأقارب من له الولاية على الصغير غير الأب و الجد للأب، بل هم كالأجانب حتى الام و الأخ و الجد للأم (167)، و لو فقد الأب و كان الجد و أب الجد موجودا، و هكذا يشترك الجميع في الولاية (168)، و من سبق تصرفه من الأب أو الجد- في مال الصغير أو في

______________________________

اختيار الأول، لاحتمال انصرافه ما دل على كفاية عدم المفسدة عن هذه الصورة.

(164) للإطلاق و الاتفاق و السيرة، و يأتي في كتاب النكاح نصوص خاصة بالنسبة إلى التزويج.

(165) لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (1)، مضافا إلى الإجماع و استصحاب بقاء النكاح، و يأتي في كتاب الطلاق ما يتعلق بالمقام.

(166) لعدم دليل على الإلحاق فتشملها إطلاقات الولاية و عموماتها و لا وجه بعد ذلك لاستصحاب بقاء النكاح لعدم جريانه في مقابل الإطلاق و العموم.

(167) لأصالة عدم الولاية لغير المنصوص و هو الأب و الجد فقط، و يأتي التفصيل في كتاب الحجر و النكاح.

(168) لإطلاقات الأدلة المتقدمة الشاملة للجميع و لا مانع في البين إلا آية:

وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (2)، و هي مختصة بالإرث و لا تجري في سائر الجهات إلا مع الدليل من إجماع أو غيره.

ص: 378


1- تقدم في صفحة: 361.
2- سورة الأنفال: 75.

نفسه- ينفذ و لا يبقى موضوع لللاحق، و إن علم التقارن ينفذ تصرف الجد و لغي تصرف الأب (169).

مسألة 45: لا يجب على الأب أو الجد المباشرة فيما يتولاه

(مسألة 45): لا يجب على الأب أو الجد المباشرة فيما يتولاه، و يجوز الاستنابة أيضا (170) كما إنه لو كان التصرف في مال الصغير يتوقف على أجرة يجوز إخراجه من ماله و لا يجب على الولي بذل المال (171)، و لو تولى الولي العمل بنفسه يجوز له أخذ أجرة المثل من المال (172).

مسألة 46: كما ان للأب و الجد للأب الولاية على الصغير في زمان حياتهما كذلك لهما نصب القيم بعد وفاتهما

(مسألة 46): كما ان للأب و الجد للأب الولاية على الصغير في زمان حياتهما كذلك لهما نصب القيم بعد وفاتهما، فينفذ منه ما كان ينفذ منهما (173)،

______________________________

(169) لما ورد في النكاح فيجري في المقام أيضا، و يأتي التفصيل هناك إن شاء اللّه تعالى، و مع التقارن فالأحوط التراضي، و يأتي في كتاب الحجر ما يناسب المقام.

(170) لأن المناط تحقق العمل بأي وجه كان ذلك.

(171) لأصالة البراءة عن الوجوب عليه.

(172) لقاعدة الاحترام.

(173) للإجماع و لقاعدة ان كلما جاز فعله حال الحيوة جازت الوصية به، و كل ما لم يجز لا يجوز، خرج من ذلك الوصية بنكاح الصغير و جعل القيم في ذلك، إذ المشهور عدم العمل بالقاعدة فيه و بقي الباقي، و يدل على أصل صحة نصب القيم مضافا- إلى الإجماع و السيرة، و القاعدة- صحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «انه سأل عن رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم و أذن له عند الوصية ان يعمل بالمال و ان يكون الربح بينه و بينهم؟ فقال عليه السّلام: لا بأس به

ص: 379

و يعتبر فيه الوثاقة و الامانة (174) كما يعتبر في تصرفه المصلحة، و لا يكفي مجرد عدم المفسدة (175).

مسألة 47: لو فقد الأب و الجد و الوصي عنهما يتصرف المجتهد العادل في أموال الصغار

(مسألة 47): لو فقد الأب و الجد و الوصي عنهما يتصرف المجتهد العادل في أموال الصغار بما أدى إليه نظره من اعتبار المصلحة أو كفاية عدم المفسدة (176)، و مع فقده يرجع الأمر إلى عدول المؤمنين فيتصرفون في أموالهم بما فيه صلاحهم (177).

______________________________

فإن أباه قد اذن له في ذلك و هو حي» (1)، فإن قوله عليه السّلام: «أوصى إلى رجلي بولده» ظاهر في جعل القيومة و انه كان مسلما فقرره الإمام عليه السّلام، و يأتي في كتاب النكاح و الوصية تفصيل المقال.

(174) لما سيأتي في تصرف عدول المؤمنين.

(175) لأنه المتيقن من مورد ترخيص جعل القيمومة.

(176) و قد مر الدليل على ولاية الحاكم الشرعي.

(177) هذا الترتيب من ضروريات فقه الإمامية، و تقدم ما يتعلق بتصرف عدول المؤمنين (2)، و ليس المراد بعدم الفقيه عدم وجوه رأسا، بل المراد به عدم التمكن من الوصول إليه قبل فوت الموضوع، و لو أمكن التأخير إلى الوصول إليه و لو بعد مدة وجب التأخير و لا تصل النوبة إلى المؤمنين.

ثمَّ ان موضوع ما يتصديه المؤمنون إنما هو ما علم بتشريعه و ترغيب الشارع إليه مطلقا لكنه جعلها مربوطة بإذن الفقيه دفعا للهرج و المرج فإذا لم يتمكن منه يسقط الإذن و يبقى أصل المطلوبية المطلقة بحالها فلا بد من القيام بها و الإتيان بها.

فرع: هل يكون ما ثبت لعدول المؤمنين بعد فقد الفقيه هو الولاية من

ص: 380


1- الوسائل باب: 92 من أبواب من الوصايا حديث: 1.
2- راجع صفحة: 369.
مسألة 48: هل تعتبر العدالة في ولاية المؤمنين موضوعا أو ان اعتبارها طريقي

(مسألة 48): هل تعتبر العدالة في ولاية المؤمنين موضوعا أو ان اعتبارها طريقي للإتيان بالعمل و القيام به على الوجه الشرعي فيكفي مطلق الاطمئنان و الوثوق بالإتيان؟ المتيقن هو الأخير و الأول يحتاج إلى دليل و هو مفقود (178)، و هل يكون إذن الحاكم الشرعي- على فرض التمكن منه- شرط الوجوب أو شرط الواجب أو ليس منهما بل هو طريق للإتيان

______________________________

سنخ ولاية الفقيه.

و بعبارة أخرى: ما هو الثابت له هو الحكم الوضعي أو مجرد الحكم التكليفي من الوجوب و الندب؟ الحق هو الأخير، لأنه المتيقن من الأدلة و غيره يحتاج إلى عناية و هي مفقودة.

نعم، في مثل بيع أموال القصر و نحو ذلك يلزمها السلطة فعلا فيصح تعبير الولاية من هذه الجهة فهي تابعة للحكم التكليفي في جملة من الموارد و لعل تعبير الفقهاء بالولاية من هذه الجهة أيضا.

(178) لأن التعبيرات الواردة في النصوص أربعة.

الأول: ما في صحيح محمد بن إسماعيل عن الصادق عليه السّلام: «إذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس» (1)، و هو يحتمل المماثلة في المذهب (التشيع) أو العدالة أو الفقاهة أو مجرد الوثاقة و لا دليل على تعيين العدالة و المنساق العرفي منه الوثاقة و الأمانة و إتيان العمل على طبق الوظيفة الشرعية.

الثاني: ما مر في صحيح ابن رئاب: «الناظر فيما يصلحهم» (2)، و المستفاد منه هو النظر على طبق الوظيفة الشرعية و هو عبارة أخرى عن الوثاقة و الامانة.

الثالث: موثق زراعة: «إذا قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس»(3)،

ص: 381


1- الوسائل باب: 16 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 1.
3- الوسائل باب: 88 من أبواب أحكام الوصايا حديث: 2.

بالعمل مطابقا للوظيفة الشرعية (179).

مسألة 49: لو وقع العمل من الفاسق و شك في صحته و فساده يبني على الصحة

(مسألة 49): لو وقع العمل من الفاسق و شك في صحته و فساده يبني على الصحة (180)، و لو شك في أنه هل أتى بأصل العمل أو لا و أخبر

______________________________

و هو نص في كفاية الوثوق.

الرابع: صحيح إسماعيل بن سعد: «إذا رضى الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك» (1)، و الظاهر ان المراد بالعدل هنا الصلاح في مقابل الفساد و حيث تعدى بلفظ «في» كما يقال قام العدل في البلاد و لو كان المراد الشخص العادل لتعدي بلفظ «ب» كما يقال: قام العدل بالشهادة- مثلا- فلا يستفاد من مجموع الأدلة أزيد من اعتبار مجرد الامانة و الوثاقة.

و ما يقال: ان المسألة من باب التعيين و التخيير فيتعين الأول.

ففيه. أولا: ان تلك المسألة محل البحث و إن نسب إلى المشهور التعيين فيها.

و ثانيا: لا وجه لكون المقام من تلك المسألة لحصول الاطمئنان العادي بأنه لا موضوعية للعدالة في المقام كما في إمام الجماعة، و المفتي، و القاضي بل المناط كله إحراز الإتيان بنحو الوظيفة الشريعة كما في عدالة الراوي حيث إنها طريق محض لإحراز الصدق.

(179) الأخير معلوم بلا اشكال، و إثبات غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و على هذا لو تمكن من الإذن و لم يستأذن و أتى بالعمل صحيحا يجزي و إن تجرّى.

(180) لفرض انه مسلم فتشمله قاعدة الصحة بلا فرق بينهما إذا كان العمل مثل تجهيزات الميت أو بيع مال القصر، لشمول عموم القاعدة للجميع، و الفرق بالجريان في الأول دون الأخير بلا فارق إذ لا فرق في الشك في الشرائط و الاجزاء بين تغسيل الميت و صلاته مثلا و بين كون بيع مال اليتيم مع المصلحة

ص: 382


1- الوسائل باب: 16 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 1.

بالإتيان لا يسقط عن الغير (181) إلا إذا حصل من خبره الوثوق و الاطمئنان (182).

مسألة 50: لو شرع في الإتيان بالعمل يجوز لغيره مزاحمته

(مسألة 50): لو شرع في الإتيان بالعمل يجوز لغيره مزاحمته (183)، بل لو شرع الفقيه في عمل مما له الولاية عليه يجوز للفقيه الأخر مزاحمته (184).

______________________________

في ان كل منهما مجرى قاعدة الصحة إذا صدر من الغير و شك في الإتيان به صحيحا أو فاسدا فراجع المطولات و تأمل.

(181) لعدم صحة الاعتماد على خبره لفرض انه فاسق، و عدم جريان قاعدة الصحة لكونه من الشك في أصل الإتيان بالعمل.

(182) لأن الاطمئنان حجة عقلائية و قررها الشارع.

(183) للأصل بعد عدم دليل على الحرمة.

(184) للأصل إلا إذا عد ذلك مزاحمة الإمام عليه السّلام عرفا فلا يجوز قطعا، و مع الشك في شمول أدلة ولايته لذلك لا يجوز التمسك بها، لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

ثمَّ ان ما يصدر من الفقيه.

تارة: يكون من العرفيات المختصة بنفسه.

و أخرى: يكون هو الفتوى.

و ثالثة هو الحكم.

و رابعة: النظر في أمور القصر.

و الأولى: لا يجوز لغيره مزاحمته فقيها كان الغير أو لا، لفرض كونه من المختصات بنفسه.

و الثاني: يجوز و هو واقع كثيرا.

و الثالثة: لا يجوز لما تقدم مكررا.

ص: 383

مسألة 51: يجب أن يكون ما يؤتي به موافقا للموازين الشرعية

(مسألة 51): يجب أن يكون ما يؤتي به موافقا للموازين الشرعية (185)، و يجزي أن يكون بحسب تكليف نفسه (186).

مسألة 52: لو لم تمكن بنفسه من التصدي و توقف ذلك على معين و معاون وجب الإعلام

(مسألة 52): لو لم يتمكن بنفسه من التصدي و توقف ذلك على معين و معاون وجب الإعلام (187)، كما لو توقف التصدي على بذل مال فإن وجد باذل أو بيت مال معد لذلك يجب (188)، و كذا إن كان المورد تصرفا ماليا يجوز أخذ ما يحتاج إليه مع المصلحة و إن لم يكن كذلك يعطل و لا يجب عليه بذل المال لذلك (189).

مسألة 53: لو اتى بها الصبي جامعا للشرائط فالظاهر السقوط عن الغير

(مسألة 53): لو اتى بها الصبي جامعا للشرائط فالظاهر السقوط عن الغير (190) و إن كان خلاف الاحتياط في العباديات.

______________________________

و الرابعة: من صغريات المقام، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

و من فروع المقام ما إذا وعد شخص ان يعطي سهم الإمام المتعلق بماله إلى فقيه و قبله ذلك الفقيه و تباينا عليه، فهل يجوز لفقيه آخر أخذه أو لا؟

و المسألة محل الابتلاء.

(185) لأن أصل التشريع و الترغيب إنما يكون هكذا.

(186) لأنه المكلف بذلك، و لا يجب مراعاة تكليف الطرف، للأصل بعد عدم دليل عليه.

(187) لأن الظاهر ان الوجوب أعم من المباشرة و التسبيب.

(188) لوجود المقتضى للوجوب و فقد المانع عنه.

(189) للأصل.

(190) إذ المناط في الإتيان الصحة بحسب الموازين الشرعية و المفروض تحققها، و ليس تمام موارد التصدي عباديا حتى يتوقف الصحة على صحة عبادات الصبي، مع أنّا قد أثبتنا في موارد كثيرة من هذا الكتاب صحتها أيضا.

ص: 384

مسألة 54: يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا أن يكون مسلما

(مسألة 54): يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا أن يكون مسلما فلا يجوز نقله إلى الكافر (191)، و أما إجارته منه أو ارتهانه لديه أو إعارته فيجوز (192)،

______________________________

(191) للإجماع و هو عمدة الدليل على هذه المسألة. و أما الاستدلال بالآية الشريفة لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (1)، فإجمال دلالته منع عن الاستدلال به، إذ يحتمل ان يراد الجعل الإلهي تكوينا، أو جعل الحجة له، أو الاستيلاء التام من كل جهة، و كذا حديث: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» (2).

ثمَّ انه على فرض تمامية الدلالة فالمنساق منها و المتيقن من الإجماع هو نفي السبيل من حيث الكفر فلو لم تكن هذه الجهة في البين أصلا، أو شك فيه فمقتضى العمومات و الإطلاقات صحة النقل و الانتقال.

و بالجملة: السبيل المنفي ما إذا كان فيه نحو حزازة للمسلم عند متعارف المتشرعة و مع عدمها فلا وجه للبطلان و حينئذ فمع كون الكافر المالك للمسلم تحت استيلاء الحاكم الشرعي و ضغط في إجباره على البيع فأي استيلاء يتصور للكافر من حيث الكفر على المسلم بل الظاهر ان الأمر بالعكس.

و منه يعلم حكم الخيار للكافر إذا بيع العبد المسلم عليه فإنه إذا كان تحت ضغط الحاكم الشرعي أو وكيله فأي سبيل يتصور حينئذ. و منه يظهر ان هذا النزاع الطويل منهم صغروي مع انه قد انقرض أصل الموضوع منذ قرون فلا مورد البحث أصلا.

(192) للأصل، و العمومات، و الإطلاقات إلا إذا كان في البين استيلاء فعلى

ص: 385


1- سورة النساء: 141.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث حديث: 11.

و كذا الملك القهري كالإرث (193)، و لكنه لا يقر على ملكه بل يجبر على البيع (194)، و المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر (195).

______________________________

من الكافر على المسلم من حيث كفره فلا يجوز حينئذ.

(193) لعموم أدلة الإرث من غير مانع، كما لو ورثه الكافر من كافر أجبر على البيع فمات.

(194) للنص و الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «في عبد كافر أسلم اذهبوا فبيعوه من المسلمين و ادفعوا إليه ثمنه و لا تقروه عنده» (1)، و لو ارتد بعد الإرث أو بعد الاشتراء بلا فصل يجوز إقراره لديه، لأن المتيقن من الإجماع و المنصرف من الحديث غير هذه الصورة.

(195) لأن الاستيلاء الملكي منه عليه خلاف احترامه، هذا بالنسبة إلى نفس النقوش من حيث هو، و أما الكاغذ و الجلد فلا وجه للحرمة فيهما، كما انه بناء على عدم حرمة بيعه للمسلم و الا فلا فرق فيه بينه و بين الكافر من هذه الجهة.

و للّه الحمد و له الشكر على ما أنعم

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 386


1- الوسائل باب: 28 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.